على غير المُعتاد، استطاعت مجموعة من النساء الفلسطينيات العاملات بجمعية المزارعين الفلسطينيين إعداد خبز من البطاطس البيضاء المالحة، عوضًا عن الدقيق. وبالرغم من أن الطريقة غير متبعة بشكل واسع لدى الأسر والمخابز في قطاع غزة إلا أن هذه التجربة لم تّكن حديثة عهد، بل استخدمت في الثمانينات عندما كان الاحتلال يضيق على الفلسطينيين، وتسبب بأزمات أجبرتهم على التفكير بطريقةٍ جديدة لمواجهةِ الأزمةِ الكبيرة في الدقيق. ويقول رئيس الجمعية عاشور اللحام ل"صفا" "في ظل فرض إسرائيل حصار مُشدد على غزة، فقد تسبب بحدوثِ أزمات عدة بالدقيق وانقطاعه أحيانًا، وكذا وجود فائض كبير من محصول البطاطس في القطاع، لعدم سماح إسرائيل بتصديرها". ويتحدث اللحام عن طريقة تحضير عجينة خبز البطاطس، قائلًا إنها تتم من خلال تحضير3 كجم بطاطس مسلوقة على النار أو الغاز، ومن ثم إزالة القشرة الخارجية للبطاطس وهرسها حتى تُصبح كالعجين، ومزج الكمية المذكورة ب 1كجم من الدقيق الأبيض أو الأحمر بالتدريج. ويشير إلى أنه يتم تقليب البطاطس المهروسة بالدقيق والماء والملح جيدًا، حتى تُصبح مُتماسكة كعجين الدقيق المعروف، ومن ثم يتم تقليب العجينة حتى تُصبح مُتجانسة تمامًا على شكل كرة. ويضيف "توضع فيما بعد الخميرة ويتم تغطيتها وتركها تخمر حتى يتضاعف حجمها في مكان دافئ، وإخراجها بعد ذلك وتقطيعها على شكل كور صغيرة، ورقها بشكلٍ دائري، ومن ثم تجهيز الفرن حتى يُصبح ساخنًا تمامًا، وتوضع بداخله العجينة الجاهزة ويتم تقليبها داخل الفرن، لتصبح خبزًا". تفادي خسائر ويبين اللحام أن الهدف من التجربة هو "إدخال فكرة جديدة على مُجتمعنا الذي يتعرض لأزمات بين الفترة والأخرى بالدقيق ولّفت انتباههم لاستخدامها، لأنها غير مُكلفة من جانب، وطعم الخبز لا يختلف عن خبز الدقيق بل أفضل منه من حيث الجودة والنكهة". ويتابع أن "الهدف منها أيضًا محاولة التخفيف من استهلاك الدقيق، والتوجه لاستخدام المُنتج الفائض والمُتكدس من محصول البطاطس، والذي لا تسمح إسرائيل بتصديره، مما يتسبب بتلف كميات كبيرة من هذا المحصول، ووضع كميات كبيرة داخل الثلاجات". ويلفت إلى أنه في حال لجأ المواطن لاستخدام البطاطس في تحضير الخبز فإنه سيخفف بالتأكيد من خسارة المزارع ويشجعه على زراعة المُنتج من جديد، عبر تصريف كميات كبيرة لصالح المواطن، "وبذلك نستطيع كسر سياسة الاحتلال الذي لا يسمح بتصديرها". ويُطالب كافة المسئولين سيما وزارتي الزراعة والاقتصاد بالعمل على وضع برنامج غذائي وإنشاء مخابز تستوعب أعداد كبيرة من العاملين، وكذلك تشجيع المخابز الحالية على استخدام البطاطس في تحضير الخبز، حتى يتم التخلص من فائض الكميات الكبيرة من المحصول، الذي أصبح يُباع بأسعارٍ مُتدنية. ويدعو اللحام المواطن إلى التوجه لاستخدام البطاطس، لقلة تكلفته مقارنةً بالدقيق من جانب، والمحافظة على اقتصاد البلد من جانب أخر. دعم الاقتصاد التاجر ماهر حدايد يشيد بفكرة استخدام البطاطس إلى جانب الدقيق في تحضير الخبز سواء بالمنازل أو المخابز، سيما في ظل الفائض الكبير من المنتج المحلي للمحصول في الأسواق الفلسطينية، خصوصًا في قطاع غزة المُحاصر. ويؤكد حدايد ل"صفا" أن التوجه نحو استخدام البطاطس بالخبز يخفف من الكميات الهائلة المتواجدة بالأسواق، ويحول أيضًا دون تعرض المزارع للخسارة الكبيرة كما يحدث حاليًا، ويشجع على استخدام المُنتج المحلي ودعم الاقتصاد الوطني المتردي. ويشدد على ضرورة إنشاء مخابز أوتوماتيكية جديدة من قبل وزارة الاقتصاد لتحضير الخبز عبر خلطه بنصف من الدقيق والنصف الأخر بطاطس، وكذلك تشجيع المخابز الحالية على استخدام البطاطس من خلال دعم مُقدم من قبل أي مؤسسة مانحة أو معنية بمجال الزراعة بشكل مبدئي حتى يتم تعميم الفكرة. ويشير إلى أن غالبية المزارعين زرعوا أراضيهم بكمياتٍ كبيرة من البطاطس، مما خفض من أسعارها في ظل إغلاق المعابر، وبلغ ثمن كجم بطاطس طازجة 80 أغوره، وكجم مثلجة 30أغوره أو أقل، بينما يُنتج الدونم الواحد 3 أطنان، ويُكلف المزارع1800 شيقل. تكلفة وجهد ويرى رئيس جمعية أصحاب المخابز عبد الناصر العجرمي أن فكرة استخدام البطاطس في تحضير الخبز جيدة وناجحة، لكن ليس من السهل أن تُستخدم في المخابز، لحاجتها لعدد كبير من العمال والعمال، في الوقت الذي تعمل فيه غالبية المخابز أوتوماتكيًا، بينما من السهل تطبيقها على أيدي النساء في بيوتهن. ويقول "لم نحاول من قبل تجربة هذه الطريقة، ولكن في حال وصلتنا البطاطس جاهزة ومُعلبة للمخابز من قبل جمعية المزارعين وخاضعة لشروط الرقابة والصحة بالإمكان استخدامها"، مشيرًا في ذات الوقت إلى أنهم لم يتمكنوا من تحضيرها يدويًا بالمخابز، كونها تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين. بدوره، يلفت مدير التسويق والمعابر بوزارة الزراعة في غزة تحسين السقا ل "صفا" إلى أن تنفيذ فكرة دمج البطاطس مع الدقيق في تحضير الخبز تحتاج لكميات هائلة من البطاطس. ويبين السقا أن إنتاج البطاطس في غزة سنويًا يتراوح ما بين 35_40 ألف طن، بينما يستهلك المواطن منها حوالي 25_30 ألف طن. ويوضح أن كميات البطاطس بالأسواق هذا العام كبيرة جدًا لكثرة العرض وقلة الطلب، حيث تعدى إنتاج الدونم الواحد 4 أطنان، والبطاطس المتواجدة حالية بالأسواق لا تصلح للتخزين، لكن الفوج الثاني الذي يتم حصاده بعد شهرين أو أقل من الآن يصلح للتخزين.