واشنطن بوست أثناء حراسته لبيت في جنوب لبنان، كانت القوات الإسرائيلية تستعمله كموقع قيادي، تسلم الرقيب ماتان تايلر أمرا غريبا من آمره: انتبه لأشخاص يرتدون بدلات عسكرية صهيونية. فقبل يوم واحد اقترب عدد من المقاتلين المرتدين قمصانا وسترات زيتونية مكتوب عليها بالعبرية، من فوج صهيوني، ثم فتح هؤلاء المقاتلون النار على بيت مليء بالجنود الصهاينة، حسبما قال تايلر. وأضاف تايلر، 20 سنة، الجندي في لواء ناهال «أنت لا تستطيع أن تقلل من شأن «حزب الله». فهم خبراء في هذا الحقل. إذ أنهم يعرفون الأرض أفضل منا. وهم يعرفون أين يختبئون ومتى يظهرون. وهم يعرفون أين نحن». وهذه الحادثة هي واحدة من عشرات تثبت أن مقاتلي «حزب الله» أكثر صلابة وأفضل تسليحا، مما توقعته القوات الصهيونية وبعد مرور أربعة أسابيع على الهجمات الجوية والقتال البري، يقول المسؤولون العسكريون الصهاينة، إنهم لم يتمكنوا من أن يقتلوا سوى جزء صغير من مقاتلي «حزب الله» وان المنظمة ما زال لديها المئات من قاذفي الصواريخ، وآلاف من الصواريخ تحت تصرفهم. وقال الجنرال يوسي كوبرواسر، الذي كان حتى الشهر الماضي مديرا لقسم التحليل في دائرة الاستخبارات العسكرية الصهيونية «ما نواجهه هو فرقة مشاة مع عدة قتالية كاملة، من نظارات للرؤية الليلية، وبنادق متقدمة وتجهيزات جيدة نشرت على امتداد حدودنا. وهم يملكون أكثر الصواريخ المضادة للدروع تقدما في العالم». وفي أكثر من عشرين مقابلة وفي مواقع مختلفة مثل القواعد العسكرية ونقاط التجميع لدخولهم إلى لبنان، عبر جنود صهاينة عن ثقتهم بتفوقهم على «حزب الله»، لكنهم يشعرون بالضيق، لأنهم يحاربون عدوا مخادعا ومن الصعب العثور عليه وهزمه. وقال تايلر، الذي يرتاح مع كتيبته في فندق قريب من بحيرة طبرية، بعد قضائه أسبوعا في لبنان، «في أغلب الأوقات نحن نراهم حينما يريدون جذب انتباهنا إليهم، ثم يضربوننا من الخلف. إنه أمر مريع، نعم، أنا أشعر لا بالضعف بل بالتهديد؟ إنه هناك، هناك دائما غياب اليقين». وعبّر عدد من الجنود عن دهشتهم من استمرار العملية كل هذا الوقت. فحينما غزا الصهاينة لبنان عام 1982 وصلوا مسافة تبعد عن بيروت عشرة أميال خلال يومين. أما اليوم فقد مضى عليهم أكثر من ثلاثة أسابيع وهم يقاتلون أكثر المعارك البرية صعوبة، وما زالوا لم يبتعدوا عن البلدات الممتدة على الحدود. وقال الرقيب ديفيد غروس، 22 سنة، من ولاية نيوجرسي الأميركية، والذي انتقل إلى دولة الاحتلال قبل عامين لينضم إلى الجيش «إنه (التقدم) بطيء وأنت تفقد أعصابك. أنت لم تتقدم حقا كثيرا والطقس حار جدا، وكل ما عليك هو أن تجلس في هذه البيوت». وأضاف «انظر، نحن جميعنا أذكياء بما فيه الكفاية لمعرفة أنه ربما أفضل طريقة أن يعملوا بهذه الطريقة. إذ سيقتل عدد قليل. لكن الأمر صعب أيضا لأنني لا أعرف إذا كان بإمكاننا أن نوقف هجمات الصواريخ. أنت تشعر بأننا سنبقى ندفعهم إلى الخلف وهم يبقون فقط يطلقون صواريخهم أبعد. أليس هذا يجعلك تشعر بالخيبة؟ نعم». ووصف الجنود ساحة قتال مغطاة بمتفجرات مع مقاتلين ظلوا يتهيؤون لصد أي هجوم بري منذ انسحاب دولة الاحتلال من جنوب لبنان قبل ستة أعوام، بعد ثمانية عشر عاما على احتلاله. وقال العريف يوساف من لواء بارام، والذي قضى 16 عاما يحارب في جنوب لبنان خلال الثمانينات والتسعينات، والذي تكلم شرط عدم الكشف عن اسمه الأول، إن المقارنة بين القدرة القتالية ل«حزب الله» آنذاك وما هي عليه الآن أشبه «بالتحدث عن الفرق ما بين رجال يمتلكون أسلحة وبين جيش حقيقي». بالسير أمام فصيلة متقدمة يظل يوساف يبحث عن كمائن وأماكن للاختباء، وقال في مقابلة معه أثناء تواجده في قاعدة بشوميرا بالقرب من الحدود اللبنانية بعد ساعات عن مغادرته لقرية في جنوب لبنان. ووصف مخبأ قريبا من البلدة اللبنانية مارون الراس، يبلغ عمقه أكثر من 25 قدما ويحتوي على شبكة من الأنفاق ترتبط بالكثير من غرف التموين والمداخل والمخارج المزدوجة. وقال إنه مزود بكاميرات في المدخل مربوطة بجهاز رقابة لمساعدة مقاتلي «حزب الله» في ايقاع الجنود الصهاينة في كمائن. ويسارع القادة والجنود الصهاينة في القول، إن إسرائيل تحقق النصر في اطار الاجراءات الأكثر تقليدية، مثل تدمير المعدات، والاستيلاء على الأرض، حيث قتل 61 جنديا صهيونياً في القتال، وما يقرب من 450 من مقاتلي «حزب الله» وفقا لحسابات دولة الاحتلال. ولكن في تعليقات تردد أصداء نزاعات حرب عصابات سابقة، يعترفون أيضا بأن الطرفين لديهما معايير مختلفة للنجاح. وقال جندي في مقابلة أجريت معه مؤخرا قرب مدينة أفيفيم الواقعة على الحدود الصهيوني، إن «كل ما يتعين القيام به البقاء، وسيقول بعض الأشخاص إنهم حققوا النصر». وقال الرقيب الأول ديكيل بيليد، الذي عانى من جروح في رأسه ويديه في قرية لبنانية قبل 10 أيام، عندما ضربت قذيفة مورتر بيتا كان ينتظر فيه، انه يقاتل في «حرب لا يمكن لأحد أن يكون مستعدا لها ذهنيا». وقد اجريت المقابلة معه في فندق يديره الجيش في كريات شمونة الأسبوع الحالي، بينما عاد الى وحدته، على الرغم من انه ما زال غير قادر على القتال بسبب فقدانه الإحساس في أصبعه الذي يستخدمه في الإطلاق. وقال انه «في بعض الأيام يبدو الأمر كما لو أن الحرب ستنتهي غدا، وفي أيام أخرى يتكون لدي انطباع انها يمكن ان تستمر شهرا آخر». وقال عدد قليل من الجنود الصهاينة، إنهم جربوا القتال المستمر. وأشاروا الى أنه كانت هناك ساعات طويلة من التوقعات وانفجارات قصيرة من قتال شديد. وذكروا ان الأسلحة الأكثر ترويعا في ترسانة «حزب الله» هي الصواريخ المضادة للدروع المسؤولة عن العشرات من المصابين الصهاينة، وهي تنفجر عبر دروع دبابات ميركافا المتطورة أو على الجنود المشاة وهم يناورون في حركتهم على الأقدام. ووصف العريف افياتار شالي، 19 عاما، تحديد موقع مقاتل من «حزب الله» كان يقف على بعد 200 ياردة موجها صاروخ «آر.بي.جي» الى البيت الذي كان فيه. وقال شاليف كان في موقع اطلاق النار، ولذلك اتصلنا بطائرة هليكوبتر. ودخلنا الى الجزء الداخلي من البيت. وارتدينا كل معداتنا الدفاعية وصلينا. فعندما تكون هناك لا يمكنك التوقف عن تخيل نقطة حمراء على نافذتك». وقتل المقاتل بضربة جوية صهيونية قبل ان يتمكن من اطلاق الصاروخ، وفقا لما قاله شاليف في المقابلة التي اجريت معه في كريات شمونة. ويقول قادة عسكريون صهاينة، ان «حزب الله» حصل على أسلحته المتطورة من داعميه الرئيسيين سورية وايران. وقال الجنرال عودي آدم قائد ما يسمي بالمنطقة الشمالية في جيش الاحتلال في ايجاز للصحافيين أخيرا، ان «بعضها عليه كتابات عربية والآخر ايرانية والثالث روسية. والأسلحة التي عليها كلمات روسية تأتي من سورية». ويقولون إن من بين التحديات الرئيسية التي تواجه الجنود الصهاينة ان «حزب الله» يختار القتال بين المراكز المدنية، مما يجعل من الصعب استهداف مقاتليه بدون قتل أشخاص آخرين.