أود أن أؤكد هنا بداية على العديد من النقاط التي أراها هامه وقد أخذتها بعين الاعتبار في سياق كتابتي لهذه المقالة المحوريه وهي كالتالي : أولا : أن ما أقدمه هنا هو وجهة نظر شخصية بحته ، ولا يمثل بالضروره وجهة نظر قيادة المقاومه الفلسطينيه أو فصيل محدد فيها..، وبالتالي فهي ليست سوى اقتراحات أو نصائح ارتجاليه يمكن لأهل السياسة والحكم من الطرفين الاستفاده منها والأخذ بها أو بجزء منها أو رفضها كليا ,, ثانيا : إن ما أقترحه هنا من رؤية لاعادة صياغة العلاقة بين مصر وفلسطين بعيد اندلاع ثورتها المباركه في 25 يناير لن يصطدم أو يمس بالمطلق بمبادىء القانون الدولي ولا بسيادة مصر ولا بحق شعب فلسطين في اختيار نمط حياته ..بل بالعكس فهي تتفق مع مبادىء القانون الدولى الانساني واتفاقات جنيف وحقوق الجيره عند الدول والشعوب الشقيقة المتجاوره . ثالثا : سيكتشف القارىء أني لا أقحم نفسي في تشجيع او عدم تشجيع الحكم المصري الجديد على اتخاذ قرارات مصيريه مثل رسم السياسات الخارجيه لمصر مع الدول الأخرى أو الغاء اتفاق كامب ديفيد ..أو شن الحرب لتحرير فلسطين .. فكل هذه الأمور وما شابهها منوط قرارها بالشعب المصري نفسه وهياكله السياسيه والتشريعيه والاداريه التي لا نتدخل فيها إلا بالشكل المؤدب والرصين الذي لا يجرح كرامة أهلنا في مصر ولا يطعن في حقهم وقدرتهم وأهليتهم على اتخاذ قرارهم الذي يتفق مع مصالحهم أولا كشعب بأنفسهم . رابعا : من الواضح أنني أرغب في التركيز أكثر هنا على العلاقات بين مصر وبين الفلسطينيين وبالذات أهل قطاع غزه لما لهم من وشائج وروابط تؤكد على خصوصية العلاقه التاريخيه بينهم وبين أهلهم في مصر دون اغفال الاشاره الى باقي المناطق الفلسطينيه وخاصة المناطق الواقعة تحت الاحتلال الصهيوني المباشر كالضفة الغربية وأراضي ال 48 . مقدمه : على مدى مئات الأعوام ارتبطت فلسطين بمصر ارتباطا عضويا لا فكاك منه ليس فقط بفعل الاسلام الذي أعاد تشكيل ثقافة ونمط حياة المنطقة برمتها , بل بفعل خصوصية العلاقه السياسية والاقتصادية والثقافية التي ربطت بين مصر وجارتها القريبه الشام والتي تعد فلسطين بوابتها الجغرافية الأولى ..، وسواء شئنا أم ابينا فإن فلسطينوغزة وما حولها من المدن بالذات شكلت على مدار السنين والأزمان رأس حربه للأمن القومي المصري ..وفي نفس الوقت شكلت مصر ظهيرا وجدارا استناديا حقيقيا لفلسطين ..، ويبدو أن ضعف أو قوة طرفي المعادله هنا أي مصر وفلسطين انعكس بشكل تبادلي على الطرفين وإن كانت درجة التأثير عند أحد الطرفين أكبر أحيانا منها من الطرف الآخر ..، وحتى لا يطول بنا المقام هنا .. فقد اختلت معادلة الأمن القومي المصري والفلسطيني بفعل احتلال فلسطين وسيطرة "اسرائيل" على مجمل أراضي فلسطين ومنها قطاع غزه وتكرس ذلك أكثر بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد المشئوم وبقاء سيناء في جزء كبير منها خاليه من أية قوه عسكريه حقيقيه مصريه ترمز الى سياده واضحه لمصر علىها ..الأمر الذي أخلّ وبشكل فادح في قدرة مصر على ممارسة دورها الجيوسياسي الطبيعي في المنطقه .. واسهم وبشكل دراماتيكي في تعميق الجرح والألم الفلسطيني خاصة بعد أن حوّل النظام الحاكم مصر وجيشها وشرطتها الى أداة ضغط وحصار وابتزاز لقطاع غزة وأهله توطئة لتحقيق مئارب اقليميه غربيه صهيونيه ليس لمصر وأهلها أية مصلحه حقيقية ولا أي ناقة أو جمل ..! وعلى سبيل المثال لا الحصر ..، ينبغي علينا أن نلحظ هنا فداحة غياب الدور المصري المؤازر لفلسطين عندما سيطرت حركات المقاومه الفلسطينية على قطاع غزه انتخابيا في العام 2006م وأمنيا في منتصف العام 2007م وبدأ جزء من فلسطين يغرد خارج السرب الأمريكي والصهيوني ..وخارج التزامات اتفاق اوسلو الذي أسهمت مصر كنظام في انجاحه ..وكيف ساهم النظام الديكتاتوري الفاسد في مصر في انهاك جبهة المقاومة الفلسطينية وتشديد الحصار عليها ونسف أنفاق تهريب السلاح اليها بل والتحقيق مع المجاهدين الفلسطينيين وتعذيبهم من الذين كانت تشتبه المخابرات المصريه في أنهم سافروا عبر مصر الي ايران أو سوريا أو لبنان للتدريب على تقنيات تصنيع الصواريخ أوكيفية استخدام تقنيات جديده لمواجهة آلة الحرب الصهيونية الأمريكية التي لا تزال تفتك بشعب فلسطين دون حسيب أو رقيب .! ، بل وتعدى ذلك .. الى أن وصل الأمر ببعضهم أن حقق مع بعض المجاهدين المعروفين لدينا حول أماكن وجود الأسير الصهيوني " شاليط " في القطاع .. !! كان يمكن لصمود المقاومة في قطاع غزه أثناء تصديها للعدوان العسكري الهمجي الصهيوني نهاية عام 2008م أن يشكل درسا بليغا لحكام مصر وعلى رأسهم الرئيس المخلوع مبارك ..، بل والتفكير جديا في المكتسبات المذهله التي شكلها صمود المقاومة الفلسطينية في وجه الصهاينه لصالح المشروع العروبي في المنطقة ولصالح تعزيز دور مصر في مواجهة اسرائيل التوسعيه ..وذلك لأن غزه وبعد هذه المعركه أثبتت أنها بالفعل رأس حربة مصر في خاصرة الكيان الصهيوني ..لأن أية محاوله مستقبليه قد تُقدم عليها اسرائل لاعادة احتلال سيناء من جديد لأي سبب كان ستصطدم حتما بجدار فولاذي عالي اسمه "قطاع غزه" على جيوش اسرائيل أن تجتازه لتأمين جبهتها الخلفيه في أية حرب مستقبليه مع مصر ..وبالتالي فإن نتائج الحرب الأخيرة على قطاع غزه أفرزت حقيقه اساسيه جديده في المنطقه أشار اليها الكثير من المراقبين العسكريين وهي : أن اسرائل لن تستطيع احتلال أي شبر من سيناء مستقبلا والبقاء فيه بشكل مستقر دون السيطرة على قطاع غزه واحتلاله بالكامل ..وذلك أصبح اليوم على قدر كبير من الاستحاله ..! لكن هذا التحول الاستراتيجي الكبير لم تلحظه آلة التفكير الخربه عند نظام مبارك المتصهين ..بل كان كل همها يدور حول كيفية البقاء أطول وقت في السلطه ونهب أكبر كمية من ثروات البلد وايداعها في الخارج وتأمين سيطره النظام على كل قوى المعارضه ..وحشد الجهود الشرطيه والماليه والاعلاميه من أجل منع المعارضة الاسلامية والليبراليه الصادقة في مصر من الحركة والتنفس و الوقوف على قدميها . كنا في فلسطين ننظر بحسرة وألم عميقين عندما نرى أن جزء كبير من صمود مقاتلي حزب الله أمام جيش الاحتلال الصهيوني المجرم أثناء محاولته غزو الجنوب اللبناني في صيف العام 2006 مردُّه الى كثافة تسليح حزب الله وسهولة نقل امدادات السلاح اليه من ايران عبر سوريا ..واستمرار الدعم السوري الشعبي والرسمي..له ..الأمر الذي مكن الحزب من الصمود في وجة أجرم آله عسكريه غربية حديثة ولمدة 23 يوما من القتال ..! نعم لقد اسندت المقاومه اللبنانيه آنذاك ظهرها بشكل كامل وواضح ومطمئن ومريح لسوريا ..اما المقاومة الفلسطينية في قطاع غزه فكانت تسند ظهرها لخنجر مبارك وأجهزة أمن مبارك وجلاوزة مبارك ..رغم محاولات مبارك الديكوريه للتنصل من مسألة حصار غزه والقاء عبئها على أمور أخرى كموقف سلطة رام الله من مسألة فك الحصار على غزه ، أو حجة ضرورة انهاء الانقسام الفلسطيني ..أو ..أو ..الخ ..! كانت المفارقة بين الصورتين أكثر ألما من أن توصف بكلمات ..لكن ثورة أجمل شباب مصر وفرسانها في 25 يناير 2001م ..خففت كثيرا من لوعة الوحده وحزن القلب وحسرة النفوس ..