لتقصيرها في حق أسرتها.. ليلى علوي تبكي أمام الجمهور في مهرجان الإسكندرية السينيمائي الدولي    من أصل 18 ألف شاحنة ..الاحتلال أدخل إلى غزة 10% فقط من الشاحنات خلال سبتمبر    حقيقة رحيل محمد عواد عن الزمالك في الانتقالات الشتوية    العريش بين الإدارة الدولية والسيادة الوطنية.. هل تُباع سيناء بالتقسيط في صفقة ترامب؟    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025    تعرف على موعد تطبيق التوقيت الشتوي في أسيوط    أسعار اللحوم في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    أسعار الفاكهة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    24 تريليون دولار قيمة اقتصاد المحيطات.. وارتفاع حموضة المحيط سابع اختراق في حدود الطبيعة وتهدد الأنواع البحرية    وزارة البيئة: عقوبات رادعة تصل إلى مليون جنيه لحرق المخلفات    بسبب وقائع شغب.. محافظ القليوبية يستبعد قيادات تعليمية بمدارس قليوب وميت حلفا    محمود كامل يعلن انضمامه لاعتصام صحفيي "الوفد" السبت المقبل: دعم الزملاء واجب نقابي وأخلاقي    بوتين: دول الناتو فى حالة حرب مع روسيا ولم تعد تخفى ذلك    شرطة مانشستر: المهاجم مواطن بريطاني من أصل سوري    رقم سلبي يلاحق مدرب نوتنجهام فورست بعد الخسارة الأوروبية    موهبة مانشستر يونايتد تثير اهتمام ريال مدريد    وزارة العدل السورية تنفي صدور أحكام إعدام بحق مفتي سابق ومسؤولين في عهد الأسد    تركيا.. احتجاجات واسعة تندد باقتحام الاحتلال الصهيوني سفن "أسطول الصمود"    الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    أستون فيلا يقهر فينورد على ملعبه في الدوري الأوروبي    شقيق عمرو زكي: اللاعب بخير وصحة جيدة.. ولا أعرف لماذا يرتبط اسمه بالمرض    رحلة تحولت إلى مأتم.. وفاة نجل طبيب وإصابة أسرته فى حادث بالطريق الإقليمى    جرعة مخدرات وراء مصرع سيدة داخل مسكنها فى العمرانية    منافسة ساخنة على لوحة سيارة مميزة "ص أ ص - 666" والسعر يصل 1.4 مليون جنيه    ضبط عاطل وشقيقه بتهمة حيازة مواد مخدرة للاتجار بالهرم    انفصال 4 عربات من قطار بضائع بسوهاج    تموين مطروح تضبط 6.5 طن سولار وسلع غذائية قبل بيعها في السوق السوداء    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الدولة تدعم المحروقات ب75 مليار جنيه رغم الزيادات المقررة    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    خسيت 60 كيلو.. أبرز تصريحات عبد الله نجل غادة عادل ومجدي الهوارى (إنفوجراف)    أسامة كمال: الإخوان "عايزينها تولع" ويرغبون فى رفض حماس لخطة ترامب لوقف حرب غزة    ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة..صور    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حققت أهم وأحلى حاجة مع محمد رمضان    الفنانة شيرين تكشف تفاصيل إصابة قدمها وتجربة الألم أثناء تكريمها في مهرجان الإسكندرية السينمائي    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد يفوز بلقب شخصية العالم القرآنية بجائزة ليبيا الدولية    عالم بالأوقاف: الوطنية الصادقة لا تنفصل عن الدين.. وعبارة الغزالي تصلح شعاراً لعصرنا    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    السوشيال ميديا بكفر الشيخ تتحول لساحة نزال شرسة قبيل انتخابات النواب    موقف زيزو من مباراة الأهلي وكهرباء الإسماعيلية في الدوري المصري    رئيس جامعة الإسكندرية يسلم 4 نواب وعمداء جدد القرارات الجمهورية بتعيينهم (صور)    تفاصيل مسلسل «درش» ل مصطفى شعبان.. رمضان 2026    قائد عسكري إيراني: نحن أقوى هجوميًا الآن 12 مرة مُقارنة بحرب ال 12 يوما مع إسرائيل    وضع حجر أساس مستشفى «الخليقة الجديدة» بأسيوط بيد البابا تواضروس    السفير التركي يفتتح الدورة 78 من "كايرو فاشون آند تكس" بمشاركة 650 شركة مصرية وأجنبية    تحقيق عاجل بعد اتهام مدير مدرسة بالاعتداء على طالب في شبين القناطر    استشاري مخ يكشف مدى خطورة إصابة الأطفال ب"متلازمة ريت"    هدف الشحات ينافس على الأفضل في الجولة التاسعة للدوري    تعرف على نتائج الجولة السابعة من دورى المحترفين    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    قائمة ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية.. تواجد فيرتز وجنابري    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    وكيل تعليم البحيرة يتابع انتظام الدراسة في دمنهور    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لن نرد ديون الاستبداد
نشر في الشعب يوم 04 - 11 - 2011

«عندما تأخذ ديمقراطية مكان حكم القلة أو الاستبداد، فإن بعض الأشخاص يرفضون الوفاء بالعقود الموجودة بين أيديهم على أساس أن الدولة لم تكن هى التى دخلتها بل المستبد». (أرسطو)
مصر مدينة للخارج بحوالى 35 مليار دولار أو 210 مليار جنيه تضع علينا عبئا سنويا يقدر بما يقرب من 18 مليار جنيه. هذه الديون تراكمت تحت حكم النظام السابق وطبقا لأولوياته السياسية والاقتصادية ونسددها من جيوبنا بدلا من أن ننفق على نهضة الصحة أو التعليم أو الخدمات العامة. لذلك حدد عدد من النشطاء ومنظمات المجتمع المدنى فى مصر وخارجها الحادى والثلاثين من أكتوبر يوما عالميا لاسقاط ديون مصر الخارجية كمقدمة لحملة شعبية تزيح هذا العبء من على كاهل الشعب، الذى لم يكن مسئولا بأى حال لا عن قرار الاستدانة، ولا طرفا فى تحديد أوجه إنفاقها.
اسقاط الديون الكريهة
الدين الكريه (Odious Debt) هو مفهوم قانونى صكه ألكسندر ساك، الفقيه القانونى ووزير المالية الروسى، عام 1927 أى فى أعقاب الثورة الروسية. ويسعى المفهوم لمد المبدأ القانونى الذى يحكم الاقتراض الخاص ويلزمه بضرورة أن يكون فى مجالات شرعية وإلا سقطت قانونيته ومن ثم الالتزام به من المعاملات الخاصة إلى العقود التى تبرمها الدولة. الديون الكريهة فى هذا الإطار هى التزامات قام بها الحاكم المستبد أو الحكومة غير الشرعية باسم الأمة، وكان من نتيجتها إثراء الديكتاتور (لتغذى حساباته وحسابات أبنائه الشخصية فى البنوك)، أو تمويل قمع مواطنيه (فى صورة غاز مسيل للدموع مثلا أو بنادق القناصة التى اغتالت الشهداء). ويرتبط الدين الكريه بسلب الأموال على مستويات عدة: مشاريع فاشلة استثماريا (توشكى، فوسفات أبوطرطور، حديد أسوان..الخ)، أو تمويل مشروعات تنموية لكنها مشبعة بالممارسات الفاسدة (فى تخصيص الأراضى والتعاقدات مع الشركات مثلا)، بالإضافة إلى تحكم الطاغية فى موارد خزانة الدولة وتوجيهها لخدمة محاسيبه من رجال الأعمال وشركاتهم على نفقتنا.
القرض الكريه هو قرض أعطى لنظام حكم لا يمثل شعبه لأغراض لا تنفع الأخير، بمعرفة كاملة من المقرض. ويذهب البعض إلى اعتبار الديون التى تتسبب فى افقار الشعب بسلبه قدرته على التنمية بسبب أن موارده تذهب لسداد التزامات الديون، ديونا كريهة.
من هذا المنطلق انطرحت فكرة اسقاط هذه الديون فى كل مرة سقطت فيها الديكاتورية أو حكم الاستبداد: فى الحالة العراقية بعد سقوط صدام، وفى أعقاب تفكيك نظام القمع العنصرى فى جنوب أفريقيا.
ومن الناحية القانونية، فإن هذا المفهوم يمثل تحديا ومعارضة لمبدأ مستقر فى القانون الدولى وهو ذلك الذى يقضى بوراثة الدولة لتعهدات الأنظمة المنقضية. لكنه استخدم فى حالات تاريخية عديدة يعود بعضها للقرن التاسع عشر وأشهرها حكم المحكمة العليا الأمريكية بشرعية عدم سداد كوستاريكا لديونها لبريطانيا وكندا لأن الاستدانة تمت تحت حكم ديكتاتورى. لكن النموذج الناجح الحديث فى هذا الإطار تقدمه لنا الإكوادور.
وقعت الإكوادور، ضمن دول أخرى عديدة فى العالم الثالث، ضحية لفخ الاقتراض الخارجى فى السبعينيات بفائدة قليلة سرعان ما تضاعفت مرات. وهكذا تضخم الدين الخارجى من 1.174 مليار دولار عام 1970 إلى 14.250 مليارا عام 2006، أى أكثر من اثنى عشر ضعفا بسبب الفائدة لدى البنوك الأمريكية، والتى ارتفعت من 6% عام 1979 إلى 21% سنة 1981. ومن بين كل الديون الخارجية الجديدة بين 1989 و2006، فإن 14% فقط استخدمت فى مشروعات جديدة وذهب كل الباقى فى سداد الديون القديمة.
وفى أعقاب الإضراب العام الذى أطاح بالرئيس لوسيو جوتيريز فى منتصف العقد الماضى، تشكلت لجنة لمراجعة الديون فى البلاد أعطت أساسا قانونيا وسياسيا لقيام الاكوادور فى نوفمبر 2008 بالامتناع عن سداد ديونها الكريهة قبل أن تتوصل لاحقا فى يونيو 2009 إلى اتفاق خفضت بمقتضاه أكثر من ثلثى ديونها الخارجية، بالاتفاق مع 90% من المقرضين الدوليين على سداد 35 سنتا فقط عن كل دولار من الديون مما رفع قدرة البلاد على التخلص من عبئها. بل إن قيمة أوراق الديون نفسها تراجعت بشدة بعد المشكلة مما جعل السداد أرخص.
أدارت الإكوادور معركتها بشكل حصيف ومدروس أعطى الأمل لكل دول العالم الثالث التى تمتلك الإرادة السياسية فى أن تتخلص من عبء الديون الكريهة. وحاليا يضغط المجتمع المدنى والحركة الشعبية فى كل من آيرلندا واليونان بتنظيم لجان مراجعة شعبية للديون تضغط لتشكيل لجان رسمية. وهاهى تونس تنشيء لجنة لمراجعة ديون نظام بن على الكريهة كمقدمة لاسقاطها فتعطينا مجالا أوسع للضغط وللتنسيق والتعبئة من أجل اسقاط ديون مبارك ونظامه.
ويلاحظ أدم هنية، المحاضر فى كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، أنه برغم قيام مصر بسداد 24.6 مليار دولار مابين عامى 2000 و2009 ارتفع مستوى الديون بحوالى 15% فى نفس الفترة. ويضيف هنية فى مقال له عن التحول المدار فى الاقتصاد المصرى بعد الثورة أن ذلك «يكشف الواقع الصادم بشأن علاقة مصر بالاقتصاد العالمي: القروض الغربية تعمل على استخلاص الثروة من فقراء مصر وإعادة توزيعها على البنوك الغنية فى أمريكا الشمالية وأوروبا».
الديون الكريهة لم تكن فقط خصما من الماضى فى رزقنا وفى عيشنا بل هى عبء على المستقبل هناك ضرورة اقتصادية وحق أخلاقى وقانونى فى التخلص منه. غير أن المعركة لن تتوقف عند حدود المنظمات والبنوك الدولية المقرضة، فقد تتطلب مواجهة أخرى داخلية.
عيوننا على الديون
«فتَّح عينك..الدين من جيبك». هذا هو شعار الحملة الشعبية لمراقبة واسقاط ديون مصر، التى تم تدشينها يوم 31 أكتوبر الماضي (بالتوزاى مع فعاليات فى لندن وبرلين يشارك فيها حركات ومنظمات مجتمع مدنى من البلدين) لمعركة تخليص ثورتنا من عبء راكمه نظام لم يكن يمثل المصريين. عبء مازال يجثم على أجورنا ومستويات معيشتنا وعلى فرصنا فى المستقبل. ومعنى الشعار هو أن إنشاء لجنة مستقلة لمراجعة الديون وحملة شعبية لاسقاطها ليس نهاية المطاف بل بداية لتغيير جذرى فى الطريقة التى تدار بها السياسة الاقتصادية.
فالقضية ليست فقط فى أننا نسدد فوائد ديون للمقرضين الدوليين تفوق بعض بنود الانفاق الاجتماعى على 85 مليون مصرى كالصحة. القضية فى توجه السياسة الاقتصادية كله وفى شفافيتها ودور المواطنين فى صياغتها لمصلحتهم.
لقد كان اسقاط ديون مصر لدى الاتحاد الأوروبى هو الخيار الأول الذى دفع به د.سمير رضوان، وزير مالية مصر فى أعقاب الثورة. لكن المطالبة انتهت بعد أسابيع قليلة وحل مكانها المعكوس تماما: المزيد من الاقتراض من المنظمات الدولية وذلك قبل أن تعود مصر لوقف الاقتراض الخارجى لكن بتكلفة باهظة على الفقراء والاقتصاد عبر موازنة تقشفية استمرت على خطوط الانحياز للأغنياء ضريبيا ومن حيث أولويات الدعم الحكومى. ويقول لنا ذلك شيئا أكيدا: إذا كنا نسدد القروض من جيوبنا فى كل الأحوال فإن قرار الاقتراض، سواء كان محليا أم خارجيا، يجب أن يخضع فى المستقبل لرقابة أوسع ودور أعرض للمجتمع المدنى من منظمات حقوقية وجمعيات أهلية وحركات للمستهلكين واتحادات نقابية، ومن عموم المواطنين. ويقول لنا أيضا إن اسقاط ديون الديكتاتور الكريهة لن يتم دون مواجهة مع النظام الاقتصادى الذى خلفه لنا، وهى مواجهة لن تنجح دون دخول الأغلبية من أصحاب المصلحة على الخط.
مراقبة الديون إذاً قد تكون مدخلا حقيقيا لاقتصاد أكثر ديمقراطية يعكس حاجات الناس قبل أولويات الربح للقِلَّة. بل إنها قد تلعب دورا فى محاربة سلطة نخب الثروة التى تقبع فى خنادق أن الاقتصاد حكر عليها وعلى المتخصصين الذين تضمن ولاءهم لمصالحها، وفى مواجهة السلطة السياسية التى تخفى انحيازاتها الصارخة عبر الطنطنة بديون الديكتاتور مبارك ونظامه لتقمع حقنا فى أجر عادل ووظيفة ملائمة وخدمات صحية وتعليمية لائقة، مستخدمة شعاره الساقط: «أجيبلكم منين؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.