يشير ميزان المدفوعات إلى مدى التوازن ما بين الموارد الخارجية من العملات الأجنبية، وبين المدفوعات للدول الأخرى من تلك العملات الأجنبية، ومنذ يومين أعلن البنك المركزي تحقيق فائض بهذا الميزان - الذي يسجل تعاملاتنا مع الدول الأخرى - بنحو 7 مليار دولار خلال النصف الثانى من العام الماضى. وهو أمر يتناقض مع ما يعرفه الجميع من ضمور غالب الموارد الدولارية، خاصة السياحة والمعونات الأجنبية والصادرات، الأمر الذي انعكس في عودة الدولار بالبنوك للارتفاع، وعودة السوق السوداء للدولار، رغم ما تم بيعه من سندات بالأسواق الدولية وأذون خزانة للأجانب بالأسواق المحلية. وسبب هذا الفائض واضح للجميع، وهو التوسع في الاقتراض خلال العام الماضى من هيئات دولية وبنوك إقليمية ودول، حتى بلغت تلك القروض والودائع الأجنبية وتسهيلات الموردين أكثر من 30 مليار دولار، مما ساهم في تحقيق فائض بالميزان الكلى للمدفوعات بنحو 7.6 مليار دولار، أى أنه دون إقتراض كان العجز بميزان المدفوعات سيصل إلى 22.6 مليار دولار، تلك هي الحقيقة التي يتجاهلها المسؤلين. وشهد العام الماضى تراجعا لموارد دولارية رئيسية هي: السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والصادرات البترولية، وقناة السويس رغم التفريعة السابعة لها، وخدمات النقل التي يتم تقديمها للطائرات والسفن الأجنبية، والمتحصلات الحكومية التي تحصلها القنصليات المصرية بالخارج مقابل الخدمات التي تقدمها للمصريين هناك. وهكذا حققت السياحة أدنى رقم لها خلال سنوات طويلة بلغ 2.6 مليار دولار مقابل أكثر من 8 مليار عام 2007، وحققت تحويلات المصريين بالخارج أدنى معدل لها خلال خمس سنوات، كما حققت خدمات النقل أدنى معدل لها في أربع سنوات، وحقت قناة السويس أدنى إيرادات خلال خمس سنوات، وبلغت قيمة المعونات الأجنبية 142 مليون دولار بعد أن كانت أكثر من 6 مليار دولار عام 2013 وأكثر من 8 مليار دولار عام 2014.33% من الموارد قروض.
وبلغت الصادرات السلعية والبترولية معا 20 مليار دولار رغم خفض الجنيه في مارس وفي نوفمبر من العام الماضى، بعد أن كانت تزيد عن 24 مليار دولار قبل عشر سنوات، وها هى الصادرات البترولية وحدها تصل إلى 5. % مليار دولار وهو أدنى معدل لها خلال أكثر من عشر سنوات. وتتضح الحقيقة المرة من خلال استعراض التوزيع النسبى لموارد ميزان المدفوعات البالغة 90 مليار دولار بالعام الماضى، حيث كان النصيب الأكبر للقروض والودائع الأجنبية وتسهيلات الموردين بنسبة 33% من الإجمالى، تليها الصادرات السلعية بنسبة 22% وتحويلات المصريين بالخارج 18%، والاستثمار الأجنبى المباشر 9% وقناة السويس 5.5% وبالمركز السابع السياحة 3%. ومع تدنى إيرادات السياحة الواصلة، أصيب الميزان السياحى بالعجز، نظرا لكون مدفوعات سياحة المصريين خارج مصر أعلى في مدفوعاتها بنحو 1.5 مليار دولار، رغم تعطيل رحلات العمرة منذ شهور، ورغم التشديد على استخدام المصريين لكروت الائتمان بالخارج. ويشير المسؤلين إلى زيادة صافى الاستثمار الأجنبى المباشر إلى 8 مليار دولار، وهو رقم لم يحدث منذ 7 سنوات، لكنهم لا يذكرون لنا مكونات الرقم وكم منه يخص شراء شركات المحمول لرخص الجيل الرابع للمحمول، وكم منه يخص شراء المصريين بالخارج لأراضى وعقارات بمصر، وكم منه يخص مشتريات الأجانب بالبورصة بنسبة تزيد عن العشرة بالمائة من أسهم الشركات، وكم منه يخص استحواز أجانب على شركات مصرية. فالأهم هو مجالات الاستثمار التي دخلتها تلك الأموال، وكم منها اتجه لمشروعات تأسيسية أو لتوسعات في شركات قائمة، والأفضل أن تتجه إلى شركات صناعية أو زراعية للمساهمة في سد الفجوة الاستهلاكية، فهذا أفضل من بناء مولات تجارية وشراء أراضى وعقارات لتسقيعها والمساهمة في رفع أسعار الأراضى والعقار. وهكذا نهلل لفائض بميزان المدفوعات جاء نتيجة التوسع في الإقتراض والودائع الأجنبية وتسهيلات الموردين، فبعد أن كان رقم الاقتراض خلال النصف الثانى من عام 2013 نحو 4.6 مليار دولار، تخطى العشر مليارات دولار عام 2014، ثم بلغ حوالى 24 مليار بالعام الأسبق، ثم ارتفع إلى أكثر من 30 مليار دولار بالعام الماضى. ويكفى أن نعلم أن إجمالى المسدد من تلك القروض والتسهيلات الأجنبية بلغ خلال العام الماضى حوالى 7 مليار دولار، وهو رقم سيتزايد بالأعوام المقبلة، والإضطرار للمزيد من الإقتراض مما يعنى السقوط في فخ الديون.