في مساء الرابع عشر من ديسمبر ، عام 2008 ، انشرح صدر الكثير من العرب ، اثر قيام الصحفي العراقي "منتظر الزيدي" ، مراسل قناة الغدادية العراقية، باإقاء فردتي حذاءه ، تجاه الرئيس الأمريكي "جورج بوش" والذي قام بزيارة خاطفة إلى بغداد ستكون الأخيرة قبل تسليمه السلطة إلى باراك أوباما. وبعد أن صافح "بوش" طفله المدلل "نوري المالكي" رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق ، تفاجأ بالحذاء يتجه نحوه مما أجبره على خفض رأسه، وما أن رفع رأسه حتى بادره "الزيدي" بالحذاء الثاني ليصيب العلم الأمريكي من خلفه. "الزيدي" الصحفي الهادئ "منتظر الزيدي" من مواليد محافظة بغداد في 15 يناير عام 1979 ، يتميز بهدوء طبعه مع زملائه، معروف برفضة الاحتلال الأميركي للعراق ، ويعرف بمهاجمته للسياسة الأمريكية في العراق من خلال التقارير التي كان يبثها من على شاشة قناة البغدادية. وتعرض الزيدي للاختطاف أثناء توجهه لمقر عمله في 16 نوفمبر عام 2007 ، وقال مصدر من جماعة مرصد الحرية الصحفية أن عائلة الزيدي اتصلت به مساء الجمعة، إلا أن شخصًا أخر رد على هاتفه المحمول وقال أن جماعته اختطفت الزيدي. وأوضح مرصد الحرية الصحفية أن الخاطفين لم يطالبوا بأي مطالب أو شروط نظير الإفراج عن الزيدي ، وخلال عملية اختطافه خصصت قناة البغدادية التي يعمل بها برنامجًا من ساعتين له في 18 نوفمبر من نفس العام ، غير أن الخاطفين أفرجوا عن الزيدي بعد ثلاثة أيام من اختطافه دون مقابل مادي أو فدية.
"بوش" يتفادى الحذاء.. هذه قبلة الوداع
في يوم الأحد الرابع عشر من ديسمبر عام 2008، زار الرئيس الأمريكي جورج بوش ، العراق ، للمرة الأخيرة قبل انتهاء ولايته بغرض الاحتفال بإقرار الاتفاقية الأمنية. وخلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مساء الأحد مع نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، فوجئ الحضور بالصحفي منتظر الزيدي يقذف زوجي حذاءه على بوش، وبالتزامن مع إلقاء فردة حذاءه الأولى قال الزيدي لبوش: "هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب" وقال وهو يرمي الفردة الأخرى: "وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق" ، بعدها اعتقله رجال الأمن العراقيين والأمريكيين وطرحوه أرضًا ثم أخرجوه من القاعة.
وفيما كان يُسمع صوت صراخ الزيدي من غرفة مجاورة، علق "بوش" الذي تفادى الحذائين وأصاب أحدهما العلم الأمريكي خلفه ، على الحادثة قائلا: "كل ما أستطيع قوله إنهما الحذاءان كانا مقاس عشرة" ، كما أضاف: "هذا يشبه الذهاب إلى تجمع سياسي فتجد الناس يصرخون فيك، إنها وسيلة يقوم بها الناس للفت الانتباه.. لا أعرف مشكلة الرجل، لكني لم أشعر ولو قليلًا بتهديد".
حذاء "الزيدي" يهز العالم أفاد مصدر حكومي عراقي أن الزيدي قيد التحقيق معه ويتولى استجوابه حرس رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وأضاف المسؤول في تصريح لوكالة أسوشيتد برس أنه يتم إجراء اختبارات لمعرفة ما إذا كان الزيدي يتعاطي الكحول أو المخدرات، وقال إن التحقيقات تركز على ما إذا كان الزيدي قد تلقى أموالًا ليقوم بإلقاء حذائه على بوش خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المالكي.
وكان "المالكي" قد حاول التصدي لحذاء "منتظر" لكي لا يصيب "بوش" ، وقد أشاد الأخير بعد الحادثة وبمواقفه التي اعتبرها داعمة للشعب العراقي ، وقد أكد أحد العاملين في قناة "البغدادية" الفضائية أن زميله الصحفي منتظر الزيدي "وطني متشدد".
وقد أعلن معظم الصحفيين العرب تأييدهم للزيدي بما فعله، مطالبين بسرعة الإفراج عنه بعد الاعتداء عليه بشكل وحشي أثناء اعتقاله.
وكانت نقابة الصحفيين المصرية قد أكدت تضامنها الكامل مع الزيدي المحتجز لدى السلطات العراقية مطالبة بالحفاظ على سلامته وإطلاق سراحه وتأمين محاكمة عادلة له. وقالت النقابة فى بيان لها إن الإحتلال الأمريكى للعراق وممارسته البشعة ضد المواطنين العراقيين كانت وراء الحالة النفسية التى دفعت الصحفى الزيدى للقيام بهذا الفعل. وقد استفاضت وسائل الإعلام الغربية في تفسير معاني رمي الحذاء على شخص في الثقافة العربية وكذلك الجلوس متقاطع الأقدام أمام شخص آخر، مشيرة إلى أن هذا الأمر يعد إهانة عند العرب، رغم أن ألقاء الحذاء في وجه آخر تعد إهانة عند جميع الشعوب. وقد حمل اتحاد المحامين العرب الحكومة العراقية والولايات المتحدة مسؤولية الحفاظ على حياة منتظر الزيدي، وأعلن نقيب المحامين المصريين ورئيس اتحاد المحامين العرب سامح عاشور تشكيل لجنة من نقابات المحامين العربية ومحامين أجانب للدفاع عن الصحفي الزيدي, مطالبا بتدخل الجامعة العربية لضمان سلامته. كما قال إن "العالم بأكمله شهد اعتقال الرجل وسمع صراخه عندما كان حراس الرئيس الأميركي يضربونه، وعلى بغداد أن تضمن حياة مواطنها وأن تضمن له محاكمة شفافة وعلنية إذا ما تقررت محاكمته.
وقد نال حذاء الزيدي القدر الأكبر من الاهتمام وأصبح مادة للتعليق والسخرية من الرئيس الأمريكي، حيث اقترح البعض عرضه في مزاد علني على شبكة الإنترنت تقديرا للزيدي. المحاكمة.. الحذاء خروج عن القانون ! أدانت الحكومة العراقية بشدة ما فعله الزيدي واعتبرته خروجًا عن القانون ووصفته بالعمل الهمجي والمشين ، حيث قال "ياسين مجيد" المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية أن الحكومة قررت إحالة الزيدي إلى القضاء العراقي وسيحاسب وفق القوانين العراقية. وصرح مؤيد اللامي ، نقيب الصحفيين العراقيين ، أنه علم من مصادر رسمية رفيعة بإحالة الصحفي منتظر الزيدي للقضاء العراقي دون التمكن من معرفة طبيعة التهم الموجهة ضده ، وأضاف متحدثًا عن موقف النقابة مما جرى "نسعى للحفاظ على حياته وكرامته، ونحن نعمل لحريته وفق قانون العفو العام، ومنتظر لم يسجل في ماضيه أنه أساء لأحد"، وتابع "ما حصل يعبر عن احتقان شخصي رغم أنه ليس من أدوات العمل الصحفي، وطلبت زيارته وأنتظر الجواب". ومثل الزيدي أمام محكمة عراقية في 19 فبراير 2009، حيث صرح متحدث قضائي عراقي أنه ستوجه للصحفي تهمة "الاعتداء على رئيس دولة أجنبية أثناء قيامه بزيارة رسمية إلى الجمهورية العراقية"، وهي تهمة قد تصل فترة عقوبتها إلى السجن لمدة 15 عاماً. وفي 11 مارس 2009 حكمت محكمة عراقية على الصحفي العراقي منتظر الزيدي، بالسجن ثلاث سنوات قابلة للتمييز، فيما أعلن رئيس فريق الدفاع عن الصحفي والذي يضم 25 محاميا جميعهم متطوعون، أن الحكم "يخالف القوانين العراقية" وانه سيطعن فيه امام محكمة التمييز ، وفي يوم 7 أبريل 2009 تم تخفيف الحكم على الصحفي العراقي منتظر الزيدي من ثلاث أعوام إلى عام واحد. وردت أخبار حول الإفراج عن منتظر الزيدي في شهر سبتمبر 2009 قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدة عقوبته نقلتها وكالة أسوشيتدبرس عن كريم الشجيري محامي الزيدي وقال أنه أُبلغ القرار رسميا من المحكمة.