رفعت فياض يكشف المستور: «الجامعات الأهلية» تنصف طلاب بنى سويف الأهلية وتقر بسلامة موقفهم.. تحقيق صحفي يكشف الحقيقة وراء أزمة الطلاب الأربعة.. والمجلس الأعلى ينهى عامين من الجدل الإداري    القومي للبحوث يناقش دور الصناعات الغذائية في تحقيق الأمن الغذائي    برؤية النشار.. مطار الغردقة الدولي يواصل التحليق في الصدارة ويقدم تجربة سفر عالمية للمصريين والسائحين    محافظ كفر الشيخ يناقش عددا من الشكاوى في لقاء المواطنين    تركيا توقع صفقة بقيمة 8 مليارات جنيه إسترليني لشراء طائرات تايفون البريطانية    عبد المنعم سعيد: حماس دمّرت اتفاق أوسلو ومصر تبذل جهودًا كبرى لتوحيد الصف الفلسطيني    إصابة جديدة في صفوف برشلونة قبل مواجهة إلتشي بالدوري الإسباني    رويترز: النتائج الأولية تُظهر فوز رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا بولاية رابعة    معلق مباراة الاتحاد والنصر في كأس الملك السعودي    قرار جديد بشأن المتهم بقتل أطفال اللبيني ووالدتهم    خروج جثمان طفل شبرا الخيمة من مستشفى ناصر التخصصى بعد تصريح النيابة بالدفن    طرح إعلان تشويقي لمسلسل سنجل ماذر فاذر (فيديو)    سماء إبراهيم تنضم لأبطال «فخر الدلتا» في رمضان 2026    ابن فريدة سيف النصر يكشف ل اليوم السابع سبب غياب والدته عن جنازة وعزاء شقيقها    لدغتها تصيب بالحمى والقرحة.. مخاطر «ذبابة الرمل السوداء» بعد وفاة طفل في الأردن    استمرار محادثات السلام بين باكستان وأفغانستان لليوم الثالث في ظل توترات حدودية    ضبط 2800 لتر من زيوت السيارات مجهولة المصدر بالخانكة    فيديو متداول ل«افتتاح ملعب بالعراق من إهداء الملك سلمان».. ما حقيقته؟    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. أوقاف الشرقية تنظّم قافلة توعوية للطلاب    نواب الأمة    بعد إعلان عرضه.. تفاصيل مشاركة مهرة مدحت بمسلسل كارثة طبيعة بطولة محمد سلام    المخرج سعد هنداوى يطالب بتكريم عادل إمام ببناء دار عرض تحمل اسمه    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    تعرف على تفاصيل صرف الزيت التمويني بعد إضافة عبوة جديدة    في ملتقى عالمي بالرياض د.خالد عبد الغفار: العائد الاستثماري في الصحة يحقق أربعة أضعاف    الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة بتروجيت وسط تركيز عالٍ وتظلم رسمي ضد الكاف    مكتبة مصر العامة تحتفي بالتراث الفلبيني في احتفالية ومعرض فني بعنوان باجكيلالا – الاعتراف    مفتي الجمهورية يناقش ملامح انطلاق العمل بمركز الإمام الليث بن سعد وخطته العلمية    ملك الأردن: لن نرسل قوات إلى غزة ومستعدون لدعم الشرطة الفلسطينية    هل على العقارات المؤجَّرة زكاة؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح    رئيس المركزي للمحاسبات يفتتح أعمال المجلس التنفيذي ال79 للإنتوساي بشرم الشيخ    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان روما الاعتراف بدولة فلسطين (صور)    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    تأجيل محاكمة 89 متهما بقضية "خلية داعش مدينة نصر" لجلسة 11 يناير المقبل    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لأفضل 11 لاعباً فى العالم من فيفبرو    مدير تعليم سوهاج يشارك في الاجتماع التنسيقي لتنفيذ مبادرة الأنيميا والتقزم    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    بث مباشر.. الفتح في ضيافة الرياض الليلة الساعة 5.35 في دوري روشن السعودي 2025    جدول مواقيت الصلاة غدًا الثلاثاء 28 أكتوبر بمحافظات الصعيد    متي يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025؟    لجنة فلسطين بالبرلمان العربي تعتمد مجموعة من التوصيات لدعم القضية    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    «تعليم أسيوط» يعلن تلقى طلبات الراغبين في العمل بالحصة لمدة عشرة أيام    المشاط: الإحصاءات تُمثل ركيزة أساسية في صنع القرار ودعم مسيرة التنمية    4 أساسيات للانش بوكس المثالي للمدرسة.. لفطار رايق وصحي    شيخ الأزهر في القمة العالمية للسلام بروما: لا سلام بالشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    أسعار اللحوم اليوم الاثنين في شمال سيناء    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو الاعتداء على كلب في الدقهلية    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجذور التاريخية لثلاجة "السيسى"
بقلم: سليم عزوز
نشر في الشعب يوم 28 - 10 - 2016

في فقه المحن، يوجد باب اسمه "عموم البلوى"، وتفسيره فيما تعيشه مصر الآن، فقد سخر المصريون من الأخ العقيد القذافي، وامتدت سخريتهم للشعب الليبي الشقيق نفسه، إذ كان بعض المصريين يعمم في أحكامه، ويعتقد أن كل ليبي هو في الأصل يحمل قذافي صغير بداخله، غير مبالين بالتحذير المعروف، لا تسخر من أخيك، فيعافيه الله ويبتليك، حتى صار عندنا في مصر قذافي في مرحلته الأخيرة، يوشك أن يهتف: دار دار، زنقة زنقة، وإن كان القذافي المصري هتف بتحذيرات أشبه إلى ذلك، وصرنا معه في المرحلة التي استقل فيها الزعيم الليبي "التوك توك" وغادر، وقد يختلف عنه السيسي لأنه سيستقل دراجة لا "توك توك"!.
كلما تكلم السيسي ذكرنا بالفقيد، ودفع مواقع التواصل الاجتماعي للانفجار من السخرية، فعلى المسرح الفكاهي من شرم الشيخ، أعلن أن ثلاجته ظلت عشر سنوات لا يوجد فيها سوى الماء، دون أن يسمع له أحد صوت بالشكوى، رغم أنه من الأثرياء، دون أن يخبرنا عن التطور الجديد في حياته، الذي كان سبباً في أن ثلاجته لم تعد قاصرة على تخزين المياه، فهل تغير نشاطها مع أول زيادة في راتبه، أم مع أول علاوة، والعلاوات تقر سنويا، وليس كل عشر سنوات؟!.
عن نفسي فقد عاصرت الثلاجة التي تستخدم في تبريد المياه فقط؛ إذ كنت طفلاً، عندما شاهدت أول ثلاجة، في منزل عمنا الشيخ "عبد الرحيم عزوز"، وبدا رحمة الله عليه اشتراها من باب الوجاهة الاجتماعية، فلم تكن له حاجة بها، فثقافة الحياة لم تكن قد توصلت في مجتمعي البسيط، للتخزين، فاللحوم تأتي من الجزار للطهي، وإذا كان الشراء أكثر من الحاجة في عيد الأضحى، فقد عرفت المرأة في الريف "التقديد"، يقال أنه طريقة فرعونية، والذي يحافظ على اللحوم طازجة لعدة أيام، والطيور في المنزل، فلا حاجة للذبح والتخزين في الثلاجة، و"الطبيخ البايت"، هو طعام درجة ثانية، لا يقدم لضيف، ولا يأكله أهل المنزل إلا من باب الضرورة ولضيق ذات اليد، ويستخدم وصفاً في التقليل من الشأن والحط من القدر، كأن تقول أن كلام الذين تحدثوا في مؤتمر السيسي للشباب هو ك "الطبيخ البايت". والثلاجة لم تكن المصدر الوحيد للماء البارد، فهناك "القلل القناوي"، وهناك "الزير"، وكلاهما مصنوع من الفخار!.
في شهر رمضان، الذي كان يأتي في عز الصيف، ولأن الناس كانت تقدم على شراء الثلج، فإن ثلاجة الشيخ "عبد الرحيم عزوز"، كانت تتحول إلى سبيل، ومخزن لزجاجات الجيران وأوانيهم، وليستفيد منها السائل والمحروم!.
بيد أن السيسي لم يكن يعيش في الريف المصري، حيث لا يجوز أكل "الطبيخ البايت"، كما أنه لم يكن يربي "فوق سطوح" منزله، دجاجاً وبطاً، وفي الدور الأرضي أرانب وديوك رومي، وعندما يقول إن ثلاجته ظلت عشر سنوات لا يوجد فيها إلا الماء، فإننا نكون أمام خيارين: الأول، أنه رجل بر مائي يعيش على الماء ويتغذى على الضوء، أو أنه يكذب!.
الخيار الثاني هو الأقرب للصدق، فما الذي يجعله يكذب ويتحري الكذب، ويقسم بالله العظيم جهد أيمانه، لتمرير هذه الأكذوبة، التي لم تنطل على الجنين في بطن أمه وانتقلت به إلى العالمية، لدرجة أن هشتاج ثلاجة السيسي حصل على المرتب الثالثة عالمياً، وأصبح مثاراً للسخرية والتندر، من شخص وصل به الحال إلى اعتقاده أنه يخاطب مجموعة من المغفلين، وكأنه لم يعد على ظهر البسيطة إلا السذج، الذين يصدقونه؟!.
مأساة السيسي أنه مقلد تقليد أعمى، فقد صدق أنه يمكن بالأسلوب البسيط أن يكون قريباً من وجدان الناس، فقرر "التبسط"، لكن تكمن مشكلته في أنه يفتقد للمهارات التي تجعله يقول كلاماً مقبولاً، في بلد لم يجد شعبه شيئاً قدر إجادته لفنون الكلام، وهو الذي أنتج نصائح ذهبية مثل "اقعد معوج وتكلم عدل"، و"كذب مساوي أفضل من صدق منعكش"، و"إذا كان المتحدث مجنونا فليكن المستمع عاقلاً"، إن شئت فقل إنه جاء يبيع الماء في حارة السقايين!.
فكرة التبسيط هذه مستوحاة من زمن عبد الناصر، واختلاف قيم المرحلتين يجعل من التقليد، شبيهاً بالمقولة الصعيدية: "جاء يتمدن – من المدنية – فجاب لأهله مصيبة"، فعبد الناصر عندما قدم نفسه للناس على أنه الرئيس البسيط، فلأنه جاء بعد المرحلة الملكية حيث الحديث عن الأوضاع الأسطورية التي كان يعيش فيها الملك وحاشيته، أما بساطة السيسي الآن فليست ميزة، فليس هو ابن حيدر باشا، كما أنه ليس من سلالة عبود باشا، وكل الرؤساء الذين حكموا مصر بعد حركة ضباط الجيش في 1952، هم أبناء أسر بسيطة بما في ذلك الرئيس محمد مرسي، كما أننا لا نعلم أنه لورداً في مجلس الأعيان البريطاني، فتكون بساطته تنازلاً، ويعدوا تواضعه ميزة، فهو معروف عنه أنه "تمسكن" للإخوان حتى تمكن، وبالغ في التزلف للرئيس محمد مرسي حتى أدخل عليه الغش والتدليس، والصورة المرسومة له في أذهان الناس هى صورة الرجل الضعيف، وما يبددها أن يظهر بخلافها، دعك من القتل والاعتقال والتنكيل بالخصوم السياسيين فليس هذا دليل قوة أبدا!.
عبد الناصر، لم يكن فقط واحداً من أبناء الطبقة الفقيرة فعرف كيف يخاطب عموم الشعب، لكنه يمتلك قدرات خاصة، جعلته قادراً على التعبير، وعلى الوصول إلى عقول الناس وتحريك عواطفهم، إنما نحن أمام عبد الحليم حافظ في طبعته الأولى، وقد كان عبد الناصر يخاطب البسطاء فيلهب حماسهم، في حين أن السيسي يفجر براكين السخرية والضحك، لافتقداه للقدرة على التعبير وللوصول للناس!.
إذا تعاملنا بجدية مع حديث الثلاجة، فنجد أننا أمام حالة من غياب النظرة الموسوعية، تماماً مثل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي عندما أنتج القصيدة التي غناها عبد الحليم حافظ في مدح مصر: "وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها..."، فاته أن الترعة مصدر من مصادر الإصابة بالبلهارسيا، وكذلك الأمر بالنسبة للسيسي الذي قال إن ثلاجته ظلت عشر سنوات لا يوجد بها إلا الماء، لنكون أمام حالة من إهدار الطاقة الكهربائية، و"القلة القناوي" يمكن أن تؤدي الغرض في التبريد دون الحاجة إلى استهلاك الكهرباء، كما أنه لم يذكر أنه كان يُخرج الثلاجة من الخدمة في فصل الشتاء مثلاً، فما كل هذا الإسراف؟!.
التعامل بجدية مع كلام السيسي، يجعلنا نقف أمام شخص مقطوع من شجرة، فلم يحدث مثلاً أن زاره قريب من "البلد"، حاملاً المحمر والمشمر، فيحتاج الأمر إلى وضعه في الثلاجة حتى لا يفسد؟.. وإذا كانت العلاقة مع أبناء العمومة ليست على ما يرام، فأين الأصهار وأخوال الأولاد، ألم يفكر أحدهم في زيارتهم ولو ببطة بلدي لا مكان لها في الشقة، فذبحت ووضعت في الثلاجة!.
أعلم أنه من العبث أن نتعامل مع التهريج بجدية، لكن معذرة فالقافية حكمت!.
ما علينا، فبعيدا عن الضحالة في التعبير، فإن حديث الثلاجة هو رسالة من السيسي للشعب بأن يتحمل سياسات التجويع، وأن يتقبل القادم الأسود، بقبول حسن، وإن اضطر أن يعيش على الماء لعشر سنوات قادمة، وقد يكون مطلوباً منه بعد ذلك أن يتبرع بالثلاجات من أجل مصر، فليس معقولاً أن يستهلك الطاقة الكهربائية من أجل شربة ماء مثلجة!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.