نشر، الدكتور حازم حسني "الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية"، تدوينة عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "مجرد فقاعات يطلقها نظام يتلظى على صفيح ساخن". قال "حسني"،: "لا تعنينى فى كثير ولا فى قليل هذه الفقاعات الإعلامية والسياسية والأكاديمية التى يطلقها علينا نظام صار يتلظى على صفيح ساخن، بل وتزداد سخونته كلما تلظى رأس النظام من فشله فى إدارة شؤون الدولة التى يوهمنا بأنه لا يسعى إلا للحفاظ عليها !. لكن يعنينى من هذه الفقاقيع الرسائل التى تحملها للشعب المصرى بتوجيهات واضحة من أجهزة التوجيه المعنوى، فلا يمكن أن تنطلق كل هذه الفقاعات، وفى نفس الوقت، لتزرع نفس الأفكار المسمومة فى أدمغة المصريين، دون قيادة مركزية للأوركسترا تحدد لها مضمون الرسالة، بل وحتى المصطلحات والأمثلة التى توظفها فى إرهاق عقول ونفوس وضمائر المصريين" !. وأضاف: "فجأة خرجت علينا الفقاعات على كل المستويات، من دوائر الحكم وحتى أحقر "مواطن شريف"، لإقناع المصريين بأنهم شعب لا يستحق هدية السماء التى بعثت إليه بها فى شخص السيسى، صاحب العبقرية النادرة التى لم يسبقه إليها أحد فى العالمين، بل وإقناع الشعب المغلوب على أمره بأنه سبب كل هذا الفشل الذى ننتقل بين محطاته بسرعة الصوت أو ما يفوقها، وبأنه لا ذنب للقيادة فى هذا البؤس المقيم، فما هو ذنب قيادة لا يرقى هذا الشعب الغارق فى مشاكل البحث عن الأرز والسكر والزيت لمستوى طموحاتها" ! . وأشار بقوله: "ها هى الفقاعات تخرج علينا بين الحين والحين بأحاديث تطابق فيها بين شخصية السيسى وسياساته وبين شخصيات الزعماء الذين سبقوه وسياساتهم، فهو تارة النسخة الحديثة من جمال عبد الناصر لكن دون أخطائه، وهو تارة أخرى النسخة المحسنة من أنور السادات بدهائه دون إخفاقاته، وها نحن الآن أمام رسالة جديدة ترددها فقاعات الإعلام، كما ترددها بعض الفقاعات التى تشكل الحكومة كما تلك التى تسيطر على مجلس النواب، وأعنى بها مقارنة نموذج السيسى فى التنمية بالنموذج الذى قدمه مهاتير محمد للنهوض بماليزيا" !!. وأردف "حسني": "أهملت هذه الفقاقيع عدة حقائق تعلم يقيناً أنه يسهل التدليس على شعب مرهق بتجاهلها، أو باستدعائها دون شروطها التى حققها مهاتير محمد كى يتمكن من دفع نموذجه للتنمية نحو ما وصل إليه ... تناست هذه الفقاعات - مثلاً - أن مهاتير محمد كان رجلاً نابهاً، تخرج من كلية الطب، ولم يدع يوماً بكل نرجسية أنه طبيب يشخص الحالة، كما ادعى السيسى فى حديثه الهزلى المشهور؛ ثم تابع الرجل بعد دراسة الطب دراساته الأكاديمية المعمقة فى العلاقات الدولية، والأهم من كل ذلك أنه كان منخرطاً فى الحركة السياسية والوطنية فى بلاده منذ صغره، مهموماً بمشاكل التنمية فى بلاده . .. هى مجرد حقائق تتعلق بشخصية الرجل، وبتكوينه الفكرى والسياسى، مما لا ينطبق لا من قريب ولا حتى من بعيد على السيسى" ! . وتابع: "شئ آخر أغفلته أو تجاهلته الفقاعات الإعلامية والسياسية، التى تهيم عشقاً بالسيسى، وهو أن مهاتير محمد كان مفكراً سياسياً مرموقاً، وله مجموعة مؤلفات باسمه تعكس أسلوبه فى التفكير، وتكشف ملامح نموذجه التنموى ... واحد من هذه المؤلفات كتاب صغير - فى حوالى سبعين صفحة - موضوعه "العلم والتكنولوجيا والإبداع" ضمَّنه مجموعة من خطبه وأحاديثه التى لا يمكن مقارنتها بأى حال من الأحوال بأحاديث السيسى عن أحلامه، وعن عبقريته التى يتحدث عنها فلاسفة العالم، وعن العفاريت التى ستتعجب من إنجازاته !. للرجل مؤلفات أخرى كثيرة عن المعضلة الماليزية والشخصية الماليزية، وعن العولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعن الفضاء الآسيوى الذى تنتمى إليه وتعمل من داخله ماليزيا، وغير ذلك كثير"!. وتابع بقوله: "دعونا من الفروق الشخصية بين الرجلين، كما بين تكوينيهما الفكرى والسياسى، ولننتقل إلى مشاريع مهاتير محمد الكبرى التى تدلس فقاقيع النظام على العقل المصرى بمضاهاتها بمشاريع السيسى التى دمرت الاقتصاد المصرى، وتدهورت بسببها قيمة الجنيه، واستنزفت موارد الدولة من النقد المحلى والأجنبى، وتضخم من أجل إنجازها فى أزمنة قياسية حجم الدين الداخلى والخارجى" !. وأوضح: "واحد من مشاريع مهاتير محمد الكبرى هو العاصمة الإدارية "بوترا جايا" التى تجتهد الفقاقيع لمقارنتها بعاصمة السيسى الإدارية ! ... مدينة "بوترا جايا" - وقد حظيت بفرصة زيارتها منذ سنوات - خضعت قبل البدء فى تنفيذها لدراسات اقتصادية معمقة، وسبق التنفيذ تخطيط عمرانى تسير عليه المدينة فى توسعها ونمائها، فضلاً عن موقعها الذى كان ممهداً منذ بدايات القرن العشرين؛ ولم يبدأ مهاتير محمد فى تشييد "بوترا جايا" إلا بعد نحو عشر سنوات من حكمه، وبعد أن كان قد حقق لبلاده استقرارها الاقتصادى والمالى والسياسى، فلم يرهق خزانة الدولة بما يفوق طاقتها، ولا هو زاد من ديون ماليزيا، ولا هو تسبب فى أزمة تموينية لمواطنيه بحجة بناء المستقبل، بل إن العمل فى "بوترا جايا" تباطأ بشكل ملحوظ وقت الأزمة الاقتصادية التى اجتاحت الدول الآسيوية فى نهاية تسعينات القرن العشرين، والأهم من ذلك أن بناءها قد استمر لسنوات طويلة وفق حسابات اقتصادية رشيدة لا وفق حسابات مزاجية لا علاقة لها بالاقتصاد ولا بالإدارة الرشيدة للمشروعات" !. وبيّن "حسني" ان "كل المشاريع الكبرى التى أقامها مهاتير محمد كانت - على غرار "بوترا جايا" - جزءاً من نسيج التنمية الماليزية، لا خارج السياق التنموى كما هى حال مشاريع السيسى الكبرى ... فقد كانت تسير جنباً إلى جنب مع تحسن مستويات المعيشة للشعب الماليزى، ولم يحدث أن طالب الرجل شعبه يوماً بالكف عن استهلاك السكر - أو أية مواد غذائية أخرى - بحجة تحقيق استقلال القرار الماليزى، ولا هو أرهق مواطنيه بتحمل تكلفة البناء المزاجى للمستقبل، والأهم من ذلك كله كان اهتمام الرجل بالمنهج العلمى فى تخطيط المشروعات وبناء الدولة على أسس يقبلها العصر ولا تتناقض مع القيم الآسيوية" !! . وأضاف:"ملاحظة مهمة قد تكشف الفارق الهائل بين أسلوبين فى الحكم وتوجيه الموارد ... أعنى البرجين التوأم اللذين تشتهر بهما كوالالمبور، فهما من المشاريع الكبرى التى أقامها مهاتير محمد، وهما فى الحقيقة من إنشاء شركة "بتروناس"، وهى شركة البترول الوطنية التى صارت تنافس كبريات شركات النفط فى العالم، إذ يكفى أن نقارن إنفاق شركة "بتروناس" على بناء هذين البرجين - اللذين يحملان الملامح الحضارية والمعمارية الماليزية - وبين إنفاق شركات البترول عندنا على فرق كرة القدم وعلى المكافآت التى يحصل عليها ذوو الحظوة عند تعيينهم فى هذه الشركات" !!. واختتم تدوينته بقوله: "عفواً، فلا صلة أراها تربط بين نموذج مهاتير محمد التنموى وبين نموذج السيسى، فالأخير أوصل مصر بعد عامين إلى شفا الانهيار الاقتصادى، أما الأول فقد جعل من بلاده نمراً آسيوياً يحقق أهله ذواتهم، وتكفى دخولهم لتوفير متطلبات الحياة الأساسية، بل وتحقيق الرفاهية لهم ... إنه فارق كبير بين نموذج يفهم العالم، كما يحترم شعبه، ويعتمد على العلم والتكنولوجيا والإبداع، وبين نموذج آخر لا يعرف من العالم إلا معسكرات الجيش وإلا لغة الأمر والطاعة لقائد المعسكر ! ... هى فروق لا تدركها الفقاقيع، ولا يدركها النظام الذى يحركها وهو يتلظى فوق صفيحه الساخن" !!.