شير عدة عوامل محلية ودولية إلى توقع موجة ارتفاعات سعرية جديدة بالأسواق المصرية خلال الأسابيع القليلة القادمة، رغم وجود حالة من الغضب الشعبي حالية بسبب استمرار ارتفاع الأسعار خلال العام الماضي والحالي، إلى مستويات قياسية بلغت 15% لأسعار الغذاء في شهر مايو الماضي، بحسب المؤشر الحكومي للأسعار، والذي لا يثق كثير من الجمهور في بياناته لتضمنها كثيرا من الأسعار الإدارية الثابتة للعديد من السلع والخدمات، ما لا يجعله معبرا بشكل حقيقي عن واقع السوق. وإذا كان تغير سعر صرف الدولار من الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار لكثير من السلع، في ضوء استيراد نحو 60% من الاحتياجات الغذائية، فقد توقع السوق حاليا ارتفاعا جديدا لسعر صرف الدولار، على حساب خفض قيمة الجنيه المصري في ضوء تصريحات لمحافظ البنك المركزي المصري عن تخليه عن استهداف سعر الصرف كهدف للسياسة النقدية. ولقد جرت العادة على أن تظل الفجوة، بين السعر بالسوق الموازية والسعر الرسمي لصرف للدولار موجودة، في ضوء التخفيضات المتتالية للجنيه أمام الدولار خلال العامين السابق والحالي، بسبب عدم تلبية الجهاز المصرفي لاحتياجات المستوردين الدولارية، ما يدفعهم للاعتماد على السوق الموازية وإلى تجدد طلب كبير في ظل ندرة للمعروض الدولاري، نتيجة نقص العديد من الموارد الدولارية، وأبرزها الصادرات السلعية والبترولية والسياحة شبه المتوقفة، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج التي تبعد عن الجهاز المصرفي بسبب الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي والسعر بالسوق الموازية، والتي تتخطى الجنيهين بالدولار الواحد. يضاف إلى ذلك، نقص إيرادات قناة السويس رغم التفريعة الجديدة التي تم افتتاحها في آب/ أغسطس الماضي، مع تراجع حركة التجارة الدولية وكذلك جفاف المعونات الخليجية للنظام المصري وندرتها من الدول الغربية. العامل الثاني المحلي الرئيس الذي سيؤدى لارتفاع الأسعار هو حاجة النظام المصري للاقتراض، وهناك اتفاق على قرض من البنك الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ومع بنك التنمية الأفريقي بنحو 5ر1 مليار دولار، وقد اشترط البنك الدولي تحقيق عدد من المطالب قبل الإفراج عن الدفعة الأولى من القرض، والبالغة مليار دولار، وهي نفس الشروط لسماح البنك الأفريقي بالإفراج عن الدفعة الثانية من قرضه والبالغة نصف مليار دولار. وتتضمن تلك الشروط ترشيد دعم الطاقة، وزيادة معدلات تحصيل الإيرادات بالموازنة العامة والحد من تضخم فاتورة الأجور، وهو ما يعني على المستوى العملي إصدار قانون لضريبة القيمة المضافة، لتحل محل ضريبة المبيعات، والتي من شأنها رفع تكلفة غالبية السلع والخدمات باعتراف مسؤولي وزارة المالية المصرية.. ويعني ترشيد دعم الطاقة كذلك، الاستمرار في تعديل أسعار المشتقات البترولية، والتي تم البدء برفعها في يوليو 2014 ثم تأجيل رفعها في يوليو 2015، وكذلك رفع أسعار الكهرباء والتي تم رفع أسعارها خلال العامين الماضيين.
ويجد النظام المصري نفسه محصورا بين فكي كماشة، ما بين الغضب الشعبي من زيادات الأسعار، وما بين حاجته الماسة للاقتراض لسد الفجوة الدولارية التي تتجاوز الثلاثين مليارا من الدولارات، ولهذا فإنه لن يكتفي بقرضي البنك الدولي والبنك الأفريقي، بل إنه سيتجه للاقتراض من صندوق النقد الدولي بحسب مسؤول وزاري. وبالطبع فإنه لا بد من أن يلتزم بشروط الصندوق التي تتضمن مطالب البنك الدولي نفسه، ويضيف عليها السير في عملية الخصخصة للشركات الحكومية وغيرها. والعامل الخارجي الذي سيدفع لزيادة الأسعار بالأسواق المصرية، خلال الأسابيع المقبلة هو الزيادات السعرية لأسعار الغذاء دوليا خلال الشهور الخمسة الأخيرة، والتي بلغت أوجها بالشهر الماضي، حيث بلغت نسبة ارتفاع مؤشر الغذاء التابع لمنظمة الأغذية والزراعة 2ر4%، وهو ما يعد أكبر ارتفاع شهري للمؤشر خلال السنوات الأربعة الأخيرة. وشهدت أسعار اللحوم ارتفاعا للشهر الخامس على التوالي، كما شهدت أسعار الحبوب ارتفاعا للشهر الثالث على التوالي، وشهدت أسعار منتجات الألبان ارتفاعا للشهر الثاني، والأمر نفسه لأسعار السكر التي زادت بشكل كبير. وكل تلك السلع تستورد مصر منها كميات كبيرة، ما يعنى انتقال أثر ارتفاعاتها للسوق المصرية، وإذا كان مؤشر الحبوب العالمي قد زاد بسبب نقص كميات التصدير البرازيلية من الذرة، فإن مصر تعتمد على الذرة في مجال الأعلاف، ما سيؤثر على أسعار اللحوم والدواجن والأسماك التي يتم إنتاجها من المزارع السمكية بها. وعلى المستوى العالمي، أشارت بيانات البنك الدولي إلى أن زيادة الأسعار خلال النصف الأول من العام الحالي، بالمقارنة مع مستوياتها خلال العام الماضي، لم تقتصر على الغذاء، لكنها امتدت إلى الطاقة والمعادن والمنتجات الزراعية، وكلها سلع تستورد مصر منها كميات كبيرة.