على مدى عقود من حكم العسكر وتستمر حرية التعبير والرأي نقطة هامة وبارزة في أي نظام يأتي على مصر ففي عهد المخلوع مبارك كانت الصحافة مقيدة ومكبلة من قبل جهاز أمن الدولة وكان السعيد هو من يرضى عنه النظام في ظل قمع دولة بوليسية متوحشة، واصبح الصحفي الذي يتعدى الخط الأحمر تجهز له زنزانة انفرادية، حتى قيام ثورة يناير وما تبعها من أحداث وتقليد الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية بعد انتخابات حرة ونزيهة لأول مرة في تاريخ مصر؛ لترى الصحافة شعاع من الحرية والتعبير عن طريق القلم؛ وما لبث مرسي عام حتى انقلب عليه وزير الدفاع "عبد الفتاح السيسي" لتتراجع بذلك حرية التعبير إلى نقطة البداية بل أشد فأصبح السعيد هو من يرضى عنه السيسي فقط وبات اعتقال الصحفيين من داخل نقابتهم أمرًا عاديًا في عهد الانقلاب. وحول ذلك قال محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" العبرية تسفي برئيل، إن سجن الصحفيين في مصر ليس جديدا، ومخطئ من يظن أن الصحافة المصرية تحررت بعد ثورة 25 من يناير 2011، إذ أصبح جليا بعد 5 سنوات أن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي أسوأ من نظامي حسني مبارك ومحمد مرسي فيما يتعلق بحرية التعبير. وأضاف برئيل، أنه وفقا لبعض التقديرات، هناك أكثر من 30 صحفيا خلف القضبان حاليا، لكن ليس جميعهم مسجلين بنقابة الصحفيين، ومعظمهم يعمل بالمواقع التي لا تعترف بها النقابة، لذلك الأرقام الفعلية في السجن ربما تكون أكبر بمرتين أو 3 مرات. وتابع: تلك الحالات الشخصية للصحفيين ليست وحدها التي تسلط الضوء على غياب حرية الصحافية في مصر، ففي نهاية الأسبوع قامت قوة مؤلفة من 40 ضابطا باقتحام نقابة الصحفيين في القاهرة، في غياب نقيب الصحافيين يحيى قلاش الذي لم يستطع بذلك مباشرة الأمور. وأشار برئيل؛ إلى أن تلك المداهمة أثارت استياء شعبيا كبيرا، ودفعت الصحف للتهديد بتسويد صفحاتها الأولى يوم الأحد، وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ نقابة الصحفيين التي يتعرض مقرها للاقتحام من قبل قوات الأمن، حسب ما صرح به قلاش الذي انتخب في مارس 2015، ويناضل منذ ذلك الوقت لضمان حقوق الصحفيين. يقول برئيل إن قلاش، الذي يكتب أيضا في صحيفة "الجمهورية" الحكومية، لم يكن الوحيد الذي احتج ضد اقتحام النقابة؛ ففي افتتاحية استثنائية، وجهت صحيفة "الأهرام" هجومها ضد وزير الداخلية ورجاله بسبب أفعالهم ضد الصحافيين، التي تمثل انتهاكا للدستور المصري وحرية الصحافة، كما طالبت الشبكات الاجتماعية بإقالة فورية للوزير. وأصدر قلاش إعلانا يدعو الصحفيين لوقف نشر صورة الوزير، أو نشرها "نيجاتيف"، ومنع نشر بيانات من وزارة الداخلية، وإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين، وسن قانون يمنع اعتقال الصحفيين بسبب ما ينشرونه. وذهب الكاتب للقول: لقد بدا فجأة أن روح الثورة قد عادت، لكن هيكل وسائل الإعلام في مصر واعتماد الصحف على الحكومة مما يجعل من إحراز الصحفيين أي تقدم حقيقي أمرا مشكوكا فيه، فرواتبهم ومعاشاتهم تعتمد على الموازنة العامة للدولة، كما يتم تعيين رؤساء التحرير والمجالس الصحافية بمباركة المجلس الأعلى للصحافة، المرتبط بشدة بالحكومة، وعلى الأخص بوزير الداخلية. وأضاف الكاتب أن الكثير من الصحفيين الذين يعملون في مصر لا يمكنهم العيش بالرواتب التي يتلقونها، التي تقل من 10 إلى 20 مرة عن متوسط الأجور في بلدان عربية أخرى. وأشار الكاتب إلى أن القانون المصري يسمح بالقبض على الصحفيين بتهمة نشر تقارير غامضة، لذلك يمكن أن يقدَّم صحفي للمحاكمة لارتكابه جريمة ضد الأمن القومي حتى لو كان تقريره عن حالة الاقتصاد في الدولة. أيضا استهداف الجيش أو الدين أو الرئيس أو عائلته مما يكون مخالفا للقانون أيضا. وأشار الكاتب إلى أنه بعد ثورة يناير 2011 أراد الصحفيون المصريون الاستقلال عن الحكومة، وطالبوا بإنشاء هيئة عامة مستقلة للاتصالات، ولم يحدث ذلك، وسقط الموضوع من الأجندة العامة. كما واجه سن قانون جديد لتنظيم الصحافة عراقيل في برلمان العسكر الذي يحظى فيه السيسي بأغلبية. وأردف الكاتب: هناك مواقع إخبارية قليلة تنتقد الحكومة وسياسات قائد الانقلاب ومهددة بالإغلاق واعتقال محرريها. وختم برئيل تقريره بالقول: سيكون من المثير للاهتمام رؤية ما إذا كان السيسي سيقيل وزير الداخلية استجابة لموجة الاحتجاجات الحالية، أم أنه سيخوض حربا مع الصحافة، لكي يعرف الصحفيون والشعب المصري ما حدودهم؟!.