تأتى الأيام والحقائق دائمًا بما لا يشتهى العسكر، فكل ما فعلوه مع ثوار الخامس والعشرين من يناير من اعتقال وحملات تشوية، دائمًا ما تثبته الوثائق، من فساد المخلوع ونجلية والمحجموعة المحيطة بهم والتى تتصدر المشهد حاليًا، ولعل آخر تلك الوثائق، هى الملفات المعروفة مؤخرًا، بتسريبات بنما. فتلك الوثائق التي سربتها شركة "موساك فونسيكا" للخدمات القانونية ببنما، وتُعتبر إحدى أكثر الشركات التي تحيط أعمالها بالسرية لتؤكد تورط الرئيس المخلوع حسني مبارك وعائلته وأعوان نظامه في قضايا فساد كبرى. حيث كشفت التسريبات أن بنك "إتش إس بي سي" متورط بشكل مباشر في عمليات نقل أموال وتهرب ضريبي لعائلة مبارك، بالإضافة إلى امتلاك علاء مبارك لشركة في جزر العذراء البريطانية بمنطقة بحر الكاريبي، والتي تعرضت لسلسلة من الغرامات بسبب خرق القوانين الخاصة بمكافحة غسيل الأموال، حسب موقع "كفاية". وكشفت أيضًا وثيقة أصدرتها لجنة الخدمات المالية لشركة "بريتيش فيرجين أيلاند" عام 2011 عن تجميد أصول وأموال عدد من شخصيات نظام مبارك وبعض أفراد أسرته، نظرًا لاتهامهم فى قضايا فساد واختلاس من الميزانية العامة للدولة المصرية. وقال أحمد خزيم خبير الاقتصاد السياسي، إن البيانات التي ذكرتها وثائق بنما بالأمس تؤكد ما تم كشفه خلال ثورة يناير عن تجاوز ثروات مبارك وعائلته ل70 مليار دولار، متوقعاً أن الأحداث والوثائق القادمة ستفك طلاسم علاقات بعض شركات "أوف شور" الدولية برموز الصهيونية العالمية ورجل الأعمال الهارب حسين سالم. وتنبأ أن تشكف أيضاً الوثائق عن وضع الفساد المخزي بمصر شاملاً عمليات غسيل الأموال والأموال المهربة، لافتاً إلى أن الاستنتاجات الأولية تشير إلى تجاوز هذه الحالات ل 3 أضعاف ما أعلن عنه هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق والذي قدر حجم الفساد ب600 مليار جنيه خلال فترة زمنية محددة. وحول اتجاه مبارك وحاشيته إلى مكتب المحاماة البنمي، أرجع خزيم ذلك إلى اشتهارها -بنما- بالمناخ الملائم لغسيل الأموال بجانب ملائمتها لعمليات التجارة المختلفة، حيث أن بنما باتت تعرف بأنها مركز عالمي لغسيل الأموال بمعرفة الحكومة ذاتها. وأشار إلى أن احتواء الوثائق على أسماء عديدة من قيادات وزعماء دول العالم الثالث يعود إلى غياب وضعف الرقابة المحلية بهذه الدول، واضفًا ما تم الإعلان عنه بجبل الجليد الذي سيذوب خلال الأيام القادمة. وأضاف أن هذه الوثائق يجب أن تعكس رسالة للرأي العام المصري ومجلس النواب وكذا اللجنة التي فحصت بيان المستشار هشام جنينة حول أوضاع الفساد في مصر؛ مفادها أن المفاجأت حول الفساد في مصر ستفوق ما أعلن عنه جنينة لتفند كافة التشكيكات فيه. وحول تورط بنك "إتش إس بي سي" في عمليات تهريب الأموال المتعلقة بأسرة مبارك، أوضح هشام إبراهيم الخبير المصرفي وأستاذ التمويل، أن البنك المعني في القضية هو "إتش إس بي سي" سويسرا وليس مصر، مضيفاً أنه لا يمكن القول بأن البنك له سمة واحدة في تعاملاته لكن سويسرا هي دولة مجهزة ومؤهلة لحدوث هذه الأمور. وأسقط إبراهيم عن البنك شبهة التورط المباشر في عمليات غسيل أموال أو تهريبها، مضيفاً أن حركة الأموال لم تتم في مصر وإنما بالخارج، لافتاً إلى أن الأمر تم اكتشافه منذ نحو 3 سنوات من قبل العاملين بالبنك نفسه. وتابع أن غسيل الأموال إجراء مجرم بشتى بقاع الأرض لكن طبيعة العمل والقوانين في سويسرا تمنح درجة عالية من السرية بشكل لا يحدث في أي مكان بالعالم ودون قيود خلال عمليات تحويل الأموال سواء فيما يتعلق بالمكان المحول منه أو بالقدر المحول به، وتضمن حسابات مطلقة لا يتم الكشف عنها إلا بإجراءات معقدة ومشدّدة لم ننجح حتى الآن في خوضها لاسترداد الأموال الموجودة هناك. وقال إن سويسرا لا تعاني من خلل تشريعي وإنما قوانينها تميل للسرية، مضيفاً أن جريمة غسيل الأموال لا تتم دخل البنك وإنما تتحرك الأموال من وإلى داخله بعد ارتكابها. ولفت إلى أن نظام مبارك كان يجري عمليات غسيل الأموال على مدار وجوده في السلطة، مضيفاً أن البنوك المصرية لم تلعب هذا الدور إضافة إلى أن مبارك لم يدخل أمواله إلى مصر كي يهربها إلى الخارج وإنما كانت أغلبها عمولات تدفع وتحول بالخارج مباشرة. فيما عزا محمد سعيد المحلل المالي، اتجاه عائلة مبارك لمنطقة الكاريبي وجزر العذراء إلى سهولة إنشاء صناديق الاستثمار إضافة إلى درجة كبيرة من حماية المستثمر تكفلها السلطات هناك ما يسمح التداول فيها دون انكشاف عمليات التلاعب أو غسيل الأموال ما جعلها بيئة جذابة لإخفاء الثروات. وأضاف أن صناديق هذه المناطق متعارف عليها وتتداول في البورصة المصرية وعدد كبير من أسواق المال، مشيراً إلى أن التيسرات التي تمنحها سلطات هذه المناطق تمكن البعض من التلاعب أو إخفاء الأموال وغسيلها.