«متعاقدين على بضائع مستوردة بملايين الدولارات، بعضها تحت التصنيع، ويحين موعد توريدها خلال شهور.. لا نعلم مصير تلك الشحنات حتى الآن، وإذا حظر توريدها هيتخرب بيتنا».. بتلك الكلمات لخص المستوردون وضعهم الحالى بعد القرارات الأخيرة الصادرة من الحكومة والبنك المركزى والجمارك لتقييد عمليات الاستيراد. وشهدت منظومة الاستيراد، حزمة قرارات متعاقبة، بدأت بضوابط أصدرها طارق عامر، محافظ البنك المركزى، فى 16 ديسمبر الماضى، قضت بعدم تمويل واردات السلع غير الأساسية إلا بعد تلقى مستنداتها عبر بنوك خارجية، ورفعت الضوابط حد الغطاء النقدى للسلع الأساسية ل %100 من قيمة الصفقة بدلا من %50 وهو القرار الذى بدأ تطبيقه 20 يناير الجارى. وأعقب قرار محافظ "المركزى" قرارا لوزير التجارة والصناعة طارق قابيل، كان له الأثر الأكبر فى إثارة سخط الشريحة العظمى من التجار والمستوردين، بعد أن حظر استيراد 24 بندًا لسلع بغرض الاتجار إلا بعد تسجيل مصانعها المصدرة لمصر بسجل لدى الهيئة الرقابة على الواردات. كما تضمن القرار النص على ضرورة حصول المصنع المورد على شهادة جودة معتمدة من الجهات الحكومية المصرية. وتتضمنت قائمة السلع، الفواكه المحفوظة والمجففة، والزيوت والدهون والشيكولاتة، ومحضرات غذائية تحتوى على كاكو، والمصنوعات السكرية والعجائن الغذائية، والأغذية المحضرة من الحبوب، ومنتجات الخبز والمخابز، وعصائر الفاكهة والمياه الطبيعة والمعدنية والمياه الغازية، ومستحضرات التجميل والصابون، وأغطية الأرضيات، وأدوات المائدة، والمغاطس والأحواض والمغاسل ومراحيض ومقاعد وأغطيتها والورق الصحى، وورق التجميل، وحفاضات الأطفال والفوط، وكتل وترابيع وبلاطات للاستخدامات المنزلية، وأدوات من زجاج المائدة، وحديد التسليح، والأجهزة المنزلية، والأثاث المنزلى والمكتبى، والدراجات العادية والنارية، والساعات، وأجهزة الإنارة للاستخدام المنزلى، ولعب الأطفال، فضلا عن الملابس والمفروشات والبطاطين والأحذية. وتأتى تلك القرارات، بخلاف ما بدأت "الجمارك" تطبيقه، من فرض أسعار استرشادية جديدة على أغلب الواردات، بنسب تراوح بعضها بين 100 و %150 مثل السيارات، والأجهزة والأدوات المنزلية، وتستهدف تلك القرارات والضوابط المتتالية تقييد عمليات الاستيراد. الشركات الصغيرة أكبر المتضررين "أنا دافع عربون بضائع مستوردة بقيمة 120 ألف دولار بما يعادل مليون جنيه، والبضائع حاليًا تحت التصنيع بمصانع صينية، ومن المفترض أن تصل الشحنة لمصر بين شهر أبريل ومايو، ولو القرار طبق أول مارس هيتخرب بيتى" أحمد شمس رئيس مجلس إدارة شركة ستار باك ومحل شمس للاستيراد وتجارة الأدوات المنزلية، واصفًا التداعيات السلبية المتوقعة على شركته وعلى وضع الاستيراد، وبخاصة الشركات الصغيرة، جراء قرارات تحجيم الاستيراد. وقال شمس ل"المال" فيما يتعلق بضوابط تدبير البنوك للدولار اللازم لعمليات الاستيراد "نتغلب عليه ونشترى الدولار من السوق الموازية بسعر 8.60 جنيه بفارق يقترب من جنيه مقارنة بالسعر الرسمى للدولار والبالغ 7.83 جنيه"، موضحا أن الحكومة والجهات الرقابية على علم بتوافره بالسوق السوداء واعتماد التجار عليه. وأضاف أن فروق سعر الصرف تحسب فى النهاية ضمن سعر المنتج ويتحمله المستهلك، فى حين أن قرارات "قابيل" بحظر استيراد حزمة كبيرة من السلع يحمل الضرر الأكبر. وأوضح شمس أن الموردين الصينيين رفضوا تطبيق قرارات التجارة والصناعة. وتابع" القرار يفتح باب للفساد فى استخراج الشهادات المطلوبة، وإنهاء الإجراءات، فضلا عن فتح منافذ لتهريب السلع". وتأتى القرارات التى صدرت فى ديسمبر الماضى، استكمالا لإجراءات الدولة للحد من الاستيراد، والتى بدأت فى فبراير من العام الماضى، بإعلان هشام رامز المحافظ السابق للبنك المركزى بوضع سقف لإيداع الدولار عند 10 آلاف دولار شهريا، و50 ألف دولار شهريا". اختفاء سلع «البسطاء» وقال شمس إن القرار يعدم فرصة صغار التجار والمستوردين فى المنافسة قائلا: "الشيكولاتة على سبيل المثال، جاءت ضمن السلع التى سيحظر استيرادها مطلع مارس إذا لم تسجل مصانعها المصدرة لمصر بسجلات الهيئة، مضيفا أن القرار سيسهل على الشركات الكبرى ذات العلامات التجارية العالمية تسجيل مصانعها، وبالتالى ستختفى أنواع الشيكولاتة التى تباع بالكيلو فى الأسواق، وهو ما سيتضرر منه المستهلك البسيط". وتوقع شمس أن يتسبب القرار فى موجة تضخمية فى أسعار السلع التى سيجرى حظرها بنسب تتراوح بين 20 و %40. وتابع قائلا: "أول ما صدر قرار "الصناعة" فى 31 ديسمبر الماضى، حدثت ربكة فى سوق الاستيراد ولجأ أغلب التجار لزيادة معدلات استيراد البضائع الورادة بالقائمة تخوفا من حظر استيرادها، مما ترتب عليه ارتفاع نولون شحن الحاوية الواحدة من دولة كالصين خلال 17 يوما فقط من القرار لتسجل 3000 دولار، وذلك بنسب زيادة تقترب من 500% مقابل سعر الشحن البالغ 450 دولارًا للحاوية الواحدة قبل صدور القرار. وأوضح أن سعر الشحن سجل أرقام قياسيا مقارنة بأعلى سعر سجله الشحن خلال فترات الذروة والمواسم والتى كانت تصل ل900 دولار أقصى سعر شحن وصل له الكونيير". وذكر شمس أن المستوردين يتعرضون أيضًا لقرارات أخرى تطبقها مصلحة الجمارك على الواردات، تتمثل فى رفع الأسعار الاسترشادية على الواردات، بنسب وصلت إلى %150، وقال إنه قام بتسديد ما قيمته 160 ألف جنيه على حاوية لأطقم أوانى الطهى المنزلية، بعد أن كانت قيمة تلك الحاوية لا تتجاوز 60 ألف جنيه فقط. وأشار إلى أن تلك الرسوم بدأ تطبيقها منذ قرابة 4 أشهر، وتابع قائلا: "لو كنت أعرف زيادة الأسعار الاسترشادية مكنتش جبتها". ولفت شمس إلى أنه متضرر من القرار كمستورد للأدوات المنزلية، وكتاجر أيضا يقوم بالتجارة فى مئات من السلع المستوردة التى وردت ضمن تصنيفات السلع التى سيحظر الاتجار بها فى حال لم تسجل مصانعها المصدرة بسجلات هيئة الرقابة على الواردات". الوفر لا يتناسب مع الخسائر قال سامح زكى، عضو الشعبة العامة للمستوردين، وأحد مستوردى الألبان والمعلبات، إن الوفورات التى ستحققها وزارة التجارة من حظر استيراد عدد من السلع الغير معمرة الواردة بقرارها الأخير فى حال لم تسجل مصانعها المصدرة بسجل تابع لهيئة الرقابة على الواردات، لن تتجاوز قيمتها 2 مليار دولار، وهو ما لا يقارن مع حجم الخسائر التى ستلحق بالشركات المستوردة جراء تقليصها لحجم تجارتهم بالأسواق. ويتوقع أن يؤثر القرار الأخير ل"التجارة" على قرابة 4 ملايين تاجر بينهم 850 ألف شركة مستوردة، وفقًا لإحصائيات عن الغرف التجارية عن عدد العاملين فى قطاع التجارة والاستيراد. وأوضح زكى، أن فاتورة السلع الاستهلاكية غير المعمرة تمثل نسبتها قرابة %16.4 "بما يوازى 10 مليارات دولار" من فاتورة الاستيرادية لمصر والتى قدرت ب60 مليار دولار خلال 2013/2014، وتمثل السلع التى سيطبق عليها القرار فيما يخص السلع تامة الصنع والمهيأة للبيع بالتجزئة ما نسبته %20 من ال10 مليارات دولار أى ما قيمته 2 مليار دولار فقط. ووفقًا للإحصائية الصادرة عن الأكاديمية العربية للنقل البحرى، بلغ قيمة ما سددته الشركات خلال فترة تقارب العام، كغرامات تأخير حصلتها شركات الشحن الأجنبية ما قيمته 6.4 مليار دولار، على مدار العام ونصف الماضيين بسبب أزمة نقص الدولار، ويقارن التجار بين قيم تلك الغرامات وبين الوفورات القليلة التى لا تتجاوز 2 مليار دولار من قرارات "التجارة الأخيرة"، مؤكدين أن تلك القيم كان من الممكن تسديدها للحكومة لولا السياسات التى تسببت فى قلة الدولار بالأسواق واستفادة الشركات الأجنبية منها، ثم صدور قرارات حكومية لا تقدم جديدًا للحكومة مقابل تداعيات سلبية تضيفها على الشركات التجارية والمستوردة. ارتفاع مرتقب فى الأسعار وأوضح سامح زكى أن القرار الأخير للتجارة، سيعزز من الاحتكارات بالأسواق، موضحا: "على سبيل المثال كشركة مستوردة لمستلزمات إنتاج لمصانع حلويات ومخابز ومعامل جبنة، استورد عبوات مهيأة للبيع للتجزئة للمستهلك النهائى باعتبار التوريد لمصانع وورش صغيرة، فاستورد مثلا شكائر وزن 25 كجم، وعبوات زبدة 200 جرام تصلح للبيع للمستهلك النهائى، وأيضا تحتاج إليها المصانع والورش الصغيرة، وبالتالى فإن إدراجها ضمن السلع التى يجب تسجيل مصانعها المصدرة سيقتصر على عدد محدود من الشركات الكبرى الموردة لها لمصر أو يجبر صغار الصناع على استخدامها من قبل عدد محدد من المنتجين لها فى مصر، وفى كلتا الحالتين ستشهد أسعار تلك السلع ارتفاعًا لاقتصار بيعها على عدد محدد من الشركات". يشار إلى أن قائمة وزارة التجارة والصناعة والتى ضمت 24 سلعة والتى سيطبق عليها قرار"قابيل" تضم الألبان ومنتجاتها المعدة للبيع بغرض التجزئة، والعجائن الغذائية والأغذية المحضرة من الحبوب ومنتجات الخبز والمخابز". تأخر تحديد ضوابط وآليات التنفيذ ووصف عضو الشعبة العامة للمستورين قرارات الحكومة بأنها قرارات عشوائية، خاصة أن الضوابط الخاصة بتسجيل المصانع الخارجية وفقا لها بسجل لدى الهيئة العامة للرقابة على الواردات لم تصدر حتى الآن، رغم قرب موعد التطبيق الرسمى للقرار، ورغم علم وزير التجارة والصناعة بذلك، وعدم تشكيل لجان لتنفيذ قراره إلا بعد صدور القرار بأسبوعين، فلقد منح الشركات المستوردة مهلة شهرين فقط لتنفيذ قرار أصدره بدون ضوابط توضيحية للشركات عن آليات التسجيل والعمولات والرسوم التى ستتحملها الشركات للتسجيل. وأوضح أن الشركات الصغيرة المستوردة المتضرر الأكبر من تطبيق قرار قابيل، تابع قائلا: "لازم أحمى المستورد الصغير الذى يشكل جزءًا من الاقتصاد، مشيرا إلى أن الشريحة الصغيرة من المستوردين، تستورد كونتينر مجمع من صغار الموردين بالسوق الخارجية، وأحيانًا من توكيلات تجارية يقوم بإرسال فاتورة بشحنها وقيمتها البيعية للمستورد المصرى مباشرة، مضيفا أن تلك الفئة من الصعب أن تخاطب قرابة 7 مصانع خارجية لتسجيلها بمصر". وفيما يتعلق بتداعيات الضوابط الأخيرة للمركزى والتى رفعت سقف التأمين النقدى بواقع %100 للسلع غير الأساسية بدلا من %50، قال سامح زكى إن المركزى حرم الاقتصاد والشركات المصرية العاملة فى التجارة من تسهيلات كانت تمنح لهم من قبل الموردين المتعاملين معهم بالخارج، بعد أن أجبرهم على تغطية قيمة الشحنة المستوردة من الغطاء النقدى بنسبة %100 بعد أن كان المستورد يقوم بتسديد ثمن الصفقة خلال فترات تصل لشهرين وثلاثة. وقال زكى تأثيرات القرارات الأخيرة للبنك المركزى والحكومة ممثلة فى وزارات التجارة والصناعة تسببت فى "خنق السوق التجارى"، ولم تنجح أيضًا فى الحد من الطلب على الدولار، وسط فشل السياسات الحكومية فى زيادة الاحتياطى النقد الأجنبى بعد فشلها فى جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وتسبب شائعات لم تنفها الحكومة على فرضها ضرائب على تحويلات المصريين فى الخارج، مما أدى إلى تراجعها، ولجوء المصريين العاملين فى الخارج إلى سماسرة بالخارج لتحويلها الأموال لذويهم فى مصر، فضلا عن تراجع معدلات السياحة، وهى المصادر الثلاث التى تستند عليها الحكومة لتغطى العجز فى الميزان التجارى المتفاقم بسبب ما تمثله الواردات من ضعف حجم الصادرات المصرية. وبلغ حجم فاتورة الواردات المصرية 60 مليار دولار ضعف حجم الصادرت السلعية التى اقتربت من 26 مليار دولار فى 2013/2014. أعباء مالية وتحايل مستمر من جانبه، قال محمد رستم، أحد كبار المستوردين، إن الضوابط الأخيرة التى أصدرها البنك المركزى المتعلقة بعدم تمويل واردات السلع غير الأساسية إلا بعد تلقى مستنداتها عبر بنوك خارجية يضيف أعباء مالية على المستوردين. وأضاف أن الضوابط الجديدة، تطيل فترة إنهاء الإجراءات وتعطل صدور المستندات اللازمة للإفراج عن الشحنات لتطول الفترة الزمنية لإنهاء المستندات للشحنة المستوردة لقرابة أسبوعين مقابل 3 أيام فقط، مدة إصدار مستندات الشحنة قبل صدور الضوابط، وينعكس طول فترة إصدار المستندات البنكية اللازمة للشحنة برسوم مالية يسددها الشركات المصرية كغرامات انتظار وأرضيات لشركات الشحن على البضائع لحين الإفراج عنها بالموانئ". وأوضح قائلا: "النظام الجديد بعد ضوابط المركزى يلزمنى كمستورد بتقديم البنك الخارجى الذى يتعامل معه المورد الأجنبى لمستند الشحنة المستوردة للبنك المصرى مباشرة، مقارنة بتقديمى كمستورد لتلك المستندات للبنك بمصر مباشرة قبل صدور الضوابط". تابع: "لتنفيذ هذا الإجراء سيقوم المورد الأجنبى بأخذ المستندات من المستخلص الجمركى الذى يقوم بدوره بإرسالها للمورد الأجنبى ليرسلها بدوره للبنك الذى يتعامل معه بالخارج ويقوم بمراجعتها وختمها وإرسالها مرة أخرى للبنك المصرى لمراجعتها وكل تلك الإجراءات تستغرق قرابة أسبوعين، مقابل 3 أيام فقط مدة إنهاء الإجراءات المستندية فى السابق". طرق غير شرعية وتوقع رستم أن لا يسهم القرار فى تقليص معدلات الاستيراد قائلا: "طول ما السوق بحاجة إلى بضائع سيتم استيراداها، وإذا لم تجد سبلا شرعية لدخولها سيفتح القرار بابًا جديدًا لتهريبها من منافذ عدة كبورسعيد، أو عبر الحدود الليبية". ولفت رستم إلى أن القرارات ستؤثر على صغار المستوردين، بشكل أكبر لتحكم كبار الشركات الأجنبية الموردة للسوق المصرية خاصة الشركات العالمية التى تمتلك بعضها فروعا فى السوق المصرية، والتى لن تجد صعوبة فى تسجيل مصانعها بسجلات لدى الهيئة العامة للرقابة على الواردات، متوقعا أن يتسبب قرار وزارة التجارة فى ارتفاع الأسعار لاحتكارها من قبل بعض الموزعين والمصنعين فقط". وأشار إلى أن الشعبة العامة للمستوردين طالبت الوزارة بإلغاء العمل بالقرار، خاصة أن الوزارة لديها من الهيئات والأجهزة ما يمكنها من مراقبة للبضائع الواردة بالموانئ أو الرقابة اللاحقة على الأسواق الداخلية، لتقنين السلع الرديئة الواردة للسوق المصرية. ومن جانبه، كشف أحد كبار المستوردين أن الشركات لديها أساليبها للتغلب على القرارات التى تصدر لتقييد الاستيراد، موضحا: "قرار سقف إيداع الدولار عند 50 ألف دولار شهريا، تتغلب عليه بعض شركات الاستيراد الكبرى من خلال إنشاء شراكات مع مستثمرين بالخارج، واتخاذ مبدأ مقايضة سلعة مصرية بأخرى مستوردة، كثغرات، للتغلب على قرارات البنك المركزى والمتعلقة بوضع سقف إيداع الدولار". وأضافت المصادر أن من يستورد شحنة ب60 ألف دولار شهريا على سبيل المثال، سيسدد 50 ألف دولار من قيمتها، ثم ينتظر شهرا كاملا لسداد مبلغ 10 آلاف دولار أخرى تمثل باقى قيمة الشحنة، وخلال تلك الفترة سيسدد غرامات انتظار بالموانئ لشركات الشحن تصل ل3 أو 4 آلاف دولار، لذا ستلجأ الشركات إلى التحايل على قرارات المركزى.