يرى الشاعر والناشط السياسى عبد الرحمن يوسف، أن الخطاب الأخير لقائد الانقلاب العسكرى عبد الفتاح السيسي، يعكس مدى رعبه من نزول الجماهير إلى الميادين فى ذكرى الثورة، قائلًا: لو استشار أصغر أخصائى نفسى فى جهاز المخابرات الحربية لقال له إن حديثك عن ترك الرئاسة وعن نزول الجماهير للميادين يفضح رعبك من هذا السيناريو. إلى نص المقال: حكم الرئيس المخلوع مبارك مصر ثلاثين عاما ولا يكاد الشعب المصرى يذكر له جملة تحدث فيها عن ترك الحكم، لم يتحدث هذا المخلوع السارق عن ترك كرسى الرئاسة إلا بعد أن أطبقت أيادى الجماهير على رقبته، وإلا بعد أن علم أنه قد أحيط به، لم يتحدث هذا المخلوع القاتل عن ترك الحكم إلا بعد أن اجتمع ملايين المصريين فى ميادين التحرير فى طول مصر وعرضها، لا يتحدث الطغاة عن ترك الحكم علنا فى حديث موجه للجماهير إلا بعد أن تصلهم رسالة الرعب من الجماهير. الطاغية يخاف من انقلاب جيشه، فيتحدث إلى جيشه، يرفع الرواتب، يزيد فى معاشات المتقاعدين، يمنح من مال الشعب لهم كيفما رأى. الطاغية يخاف من الاغتيال، فيختفى اختفاء أسامة بن لادن فى تورا بورا، لا يكاد يعرف له مكان إقامة، يرفع الأسوار حتى تحجب عنه نور الشمس. السيد رئيس جمهورية الأمر الواقع عبدالفتاح "سيسي" يعلم جيدا أن استمراره فى موقعه أمر شديد الصعوبة، يحتاج إلى جهد مضن، وإلى معارك كبيرة، ولكنه شأن سائر الطغاة يحاول أن يبدو متماسكا، قويا ... ولكن هيهات. ترتيباته الداخلية تعانى بسبب فشله الذريع فى سائر الملفات، وترتيباته الإقليمية والدولية تكاد تنهار بسبب غبائه وقلة خبرته، وبسبب انتهازيته وحقارته فى التعامل مع حلفائه. يظن الطاغية أن من صفات الكمال أن لا يستشير أحدا، لذلك يستأثر بالرأى وحده، ويخاف من حوله أن ينصحوه، ولو استشار السيد "سيسي" أصغر أخصائى نفسى فى جهاز المخابرات الحربية لقال له إن حديثك عن ترك الرئاسة وعن نزول الجماهير للميادين يفضح رعبك من هذا السيناريو. مشكلة "سيسي" أنه ليس إنسانا سويا مثل بقية الناس، وهذا النوع من الناس حين يتعرض للضغوط ينهار، وحين ينهار يكون فى غاية العنف، وعنفه ليس بجديد، لقد تعودنا عنفه، وليس لدى الأمة شيء تخسره. يظن البعض "سيسي" شريرا، والحقيقة ليست كذلك، لو كان شريرا لكان الأمر هينا ! "سيسي" فى عالم السينما ليس "عادل أدهم"، ولا "محمود المليجي" ! شخصية "سيسي" تراها فى الفنان "محيى إسماعيل" ! "سيسي" ليس شريرا ... "سيسي" هو الشرير السيكوباتى ! لذلك لا لوم على من يشبهونه بالقذافي، فكلاهما من الفصيلة ذاتها. هذا النوع من الشخصيات تظل عقدُهُ كامنة لعشرات السنين، ثم تظهر حين تلامس نار الحياة بارود العقدة النفسية، وهى بالنسبة لهذا المخبول عقدة "السلطة"! إنه مستعد لإفناء العالم من أجل الحفاظ على سلطته، وقد تدرج الأمر به من الشعور بأنه منقذ مصر، ثم الشعور بأنه رئيس مصر الذى سيحكمها إلى الأبد، ثم شعوره بأنه لن ينال أكثر من فترتين رئاسيتين، ثم شعوره بأن أقصى انتصار قد يناله هو أن يكمل فترته الرئاسية الحالية. والحقيقة المرة التى لا يعلمها هذا السيكوباتى أن إكماله لفترته الرئاسية المزعومة أمر أقرب إلى المستحيل، فأحداث المنطقة تعصف به وبمصر كلها، وهو أغبى من أن يتمكن من البقاء على كرسيه وسط هذه الأعاصير والبراكين. كما أن أداءه على المستوى الداخلى قد أفقده سائر أحزمة القوة التى تمنطق بها منذ الثالث من يوليو، وهو الآن يقف عاريا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا. انقسامات أجهزة الدولة أصبحت علنية، ومحاولات اغتياله وعواقبها أصبحت حديث الصحف ووكالات الأنباء. استمرار هذا السيكوباتى فى موقعه لم يكن إنجازا يحسب له من الأساس، بل كان منحة من خصومه، هؤلاء الذين يقضون حياتهم فى مزايدات رخيصة، وفى مطالب لا معنى لها، وفى رغبات بإعادة عجلة التاريخ إلى لحظات غير فارقة أصلا، وإذا نادى فيهم مناد عاقل "يا قوم ... اتحدوا واتركوا خلافاتكم"، ترى نخبة من أحمق خلق الله يرجمون المنادى بالحجارة والبيض والطماطم قائلين له أقذع الكلام، والحقيقة أنهم خدم عند طاغية سيكوباتي، يخدمونه وهم يشعرون أو لا يشعرون. يظن البعض أن هذا السيكوباتى سيظل فى موقعه بسبب تفرق خصومه، وعجزهم عن خلق الحد الأدنى من الاتفاق الذى يؤدى إلى اصطفاف، يؤدى إلى شيء يسقط هذا الكائن الغريب من على كرسيه. والحقيقية أن عدم حدوث هذا الاصطفاف لن يوقف زحف الجماهير، ولن يمنع انفجار البسطاء، فالتغيير آت آت ... بنا أو بغيرنا. لقد تغيرت مصر، وكل من يعاند هذا التغيير يعاني، لذلك تجد الدولة المصرية فى كرب شديد، وتجد حركات المعارضة التى تقاوم التغيير أيضا فى الكرب ذاته، وهذا جوهر ما يحدث داخل جماعة الإخوان المسلمين. خلاف جماعة الإخوان المسلمين بدأ يوم معركة الجمل فى الأول من فبراير 2011، حين رفض شباب الإخوان الانسحاب من الميدان. واستمر الخلاف داخل الجماعة حتى وصل إلى الحالة التى هو عليها الآن، وأنا كمشاهد ومتابع من خارج الجماعة أقول بكل ثقة إن جماعة الإخوان المسلمين التى عرفها الناس خلال عشرات العقود الماضية قد انتهت، ونحن الآن أمام جماعة جديدة تتشكل وفق معطيات ما بعد ثورة يناير. كلامى ليس مديحا لأحد ... وليس هجاء لأحد، كلامى ليس أكثر من وصف لما يحدث، وشكل الجماعة الجديد من الممكن أن يكون إضافة حقيقية لوطن مكلوم، وشعب يعاني، ومن الممكن أن يكون مولودا مشوها يزيد آلام الأمة ألما فوق آلامها. ظنى ... وتوقعى ... أن المولود الذى سيخرج من هذه المحنة سيكون مولودا حرا، لا يحمل عقدا نفسية فى عقله، ولا يستهلك قلبه فى أحقاد لا طائل من ورائها، ولا يلزم نفسه بما لا يلزم من خزعبلات الماضي، منفتحا على الآخر، طموحه أكبر من طموح السابقين، ورؤيته تتسع للوطن كله. يظن بعض الثوريين اليائسين أن الثورة قد انتهت لأنهم يئسوا، ويتناسون أن هناك أجيالا من الشباب المراهق لم يعرفوا اليأس بعد ! نحن أمام جيل من شباب المصريين لا طريق أمامه سوى التغيير، وغالبية هذا الجيل لا ترى طريقا للتغيير سوى الوسائل السلمية. هذا الجيل لن يسمح لرئيس "سيكوباتي" بالتحكم فى مستقبله، سوف يزاح هذا السيكوباتى من مكانه فى لحظة قريبة، بأى شكل من الأشكال. إزاحة هذا السيكوباتى ستخلق وضعا جديدا، سيجبر فيه الجميع على خلق واقع جديد، ولا فرق بين إزاحته برصاصة، أو بدبابة، أو بمولوتوف، أو باعتصام ! أتمنى أن نكون جميعا على قدر المسؤولية، وأن نستعد لهذه اللحظة لأنها أقرب مما نتصور. عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ..