مما لا شك فيه.. أن ثورة شعب مصر فى الخامس والعشرين من يناير تمثل زلزالاً بالمنطقة العربية.. قد تعيد مصر والعرب إلى صفحات التاريخ فى حال إكتمالها.. أو تطيح بالأمة والمنطقة فى غياهب التشتت والضياع إلى مدى بعيد لا يعلمه إلا الله. نعم.. لا تتعجب فالثورة لم تؤتى أكلها بعد.. ولم ترسخ أقدامها فى مؤسسات الدولة الناهضة حتى الأن وقد مضى قرابة الشهرين وذلك فى عمر الثورات زمن طويل.. ففى العادة تكون قد حققت كثير من الإنجازات بفعل قوة الثورة وعنفوانها. بل المؤشرات تنبئ بتبلور معالم وكيانات للثورة المضادة.. تطل برأسها فى كافة أرجاء الوطن رويداً رويداً وهذا لن يكون عنه الحديث ( فلهذا الأمر مقال أخر مستفيض لاحقاً ) . ولكن اليوم.. أتكلم عن أمر غاية فى الأهمية ويمثل أحد أولويات العمل الثورى الأن.. بل الغفلة عنه يمثل نقطة خلل وخطورة على هذا العمل الثورى الرائع فى تاريخ مصر ألا وهو: ماهى الواجهات الإعلامية التى يطل منها الثوار ويخاطبوا شعب مصر؟ ومدى خدمتها لأولويات الثورة ؟ إن نظرة.. متأنية لوسائل الإعلام المؤثرة فى مصر.. لتجد أن أهم وسائل مخاطبة الجماهير فى مصر هى التليفزيون.. ثم الصحف والتى لا يقرأها الكثير من الشعب لعدم ملائمة أسعارها مع ميزانية المواطن المحدودة والتى قد لا يطالعها إلا رواد الأنترنت خاصة من شريحة الشباب.. وعلى ذلك تبقى الوسيلة الأهم هى التليفزيون وقنواته الفضائية.. والمدقق يجد أن هذه الوسيلة قد أنقسمت ملكيتها بين ثلاث جهات: الأولى.. التليفزيون المصرى الرسمى والذى أقسم أنه قد تاب وأناب.. وصحح من مساره ولكن المدقق فى البرامج والوجوه الإعلامية يجد أن ما يطرح من قضايا لا يرقى مع أولويات المرحلة إن لم يكن بعيد عن أولويات العمل الثورى.. بل وينظر لموضوع المماطلة فى أمر إبعاد رئيس قطاع الأخبار والمذيعين المعروف دورهم فى التطبيل والتضليل والمعروفين أسماً وشكلاً بعين الريبة. الثانية.. قنوات رجال الأعمال الفضائية وما سيطرت به من خلال البرامج الحوارية اليومية ( التوك شو ) على ساعات كبيرة من مساحة وقت المشاهدة تقوم من خلالها بوضع أجندة للمشاهد.. توضع بشكل لا يخلوا من نوايا متهمة.. أخفها خدمة مصالح ورؤية مالكيها. ( أرجو ملاحظة أنهم أعترفوا فى الأيام الأولى للثورة بمدى تأثر ما كانوا يقدموا من حوارات ولقاءات فى السابق بالتوجيهات التى قد تأتى لهم أو لمالك القناة من هنا أو هناك.. فالمسألة قابلة للتكرار فى أى زمان لا يعصم من الوقوع فيها إلا المبدأ ).. وقد تساهم هذه القنوات فى صرف أنظار الرأى العام عن القضايا ذات الأولوية وما هو الداعى لفتح قضية مرشحى الرئاسة وأستضافتهم فى لقاءات مطولة.. وما يحمله ذلك من مجال لتفريق كلمة أنصار الثورة بين هذا أو ذاك من المرشحين بالرغم من أن هذا الأستحقاق موعده بعد 6 أشهر على الأقل وهناك ما هو أهم وأولى ويسبقه مثل أستكمال محاكمات رؤوس الفساد السياسى الكبار وحل المجالس المحلية والنقابات العمالية المنتخبة بالتزوير وتطهير الجامعات وأنتخاب البرلمان الجديد.. ولكن طرح رئيس مصر القادم هو محاولة لتشتيت كلمة تحاول أن تتوحد من بعد التفرق بين ( نعم ) و (لا) الأستفتاء. الثالثة.. قنوات فضائية إخبارية تتدعى الحيادية وترتبط ببعض الدول الراعية والمدقق فى برامجها يجد أنها تضع أولوياتها بما تراه يحقق أجندة رعاتها.. مثل أثر ما يحدث على السلام مع أسرائيل.. وموقف التيارات السياسية من المادة الثانية من الدستور بالرغم من أنها ليست محل طرح أو نقاش فى أجندة العمل الوطنى أو الثورى ( تغيير.. حرية.. عدالة إجتماعية ). وللأسف فإن ممثلى أهل الثورة والميدان من كافة الأطياف.. لا يحضرون إلى هذه الشاشات إلا على ما تفرضه إدارة هذه القنوات من أجندات للحوار وما تضعه من أولويات تهدف إلى صياغة وتوجيه المشاهدين ووضع أولوياتهم كما ترى هى... وهنا تتجلى قدرة كل مذيع أو مذيعة فى إدارة الحوار وتوظيفه فى بث ما يريد أو نريد من أفكار أو يشوش به على المشاركين الجادين.. ( فكم من عرض جاد تم قطعه بدعوى سأعطيك المجال.. أو نلتقى بعض الفاصل.. ونتلقى مكالمة تليفونيه). وبالنسبة للصحف فلم تخرج عن هذا التقسيم بين صحف قومية (يدعى أنها ملك للشعب) قام النظام البائد بتعين رؤساء مجالس إدارتها وتحريرها لم يزالوا فى مواقعهم من أمثال أسامة سرايا فى الأهرام كنموذج لهؤلاء بالرغم من دوره المعروف فى بلاط النظام السابق وعلى ضعف بضاعته المهنية.. أو صحف مستقلة.. يمتلك أسهمها رجال الأعمال المعروف عنهم أرتباطهم بالنظام السابق والتى كما قلت تتأثر ولو بشكل غير مباشر بمصالح مالكيها. وعليه.. وفى ظل التحرك الثورى.. لابد أن تكون هناك قناة فضائية وصحيفة بشكل عاجل وسريع.. تمولان بإكتتاب واسع من الشعب المصرى العظيم.. تهتمان بقيادة العمل الإعلامى المشترك - لجميع مكونات الثورة وتياراتها - فى هذه المرحلة الحساسة على أن يشكل لها مجلس أمناء من الشخصيات أصحاب الحكمة والنزاهة والقبول.. لأن الجميع فى خطر.. والنظام البائد يلملم أشلاؤه للمواجهة.. فهل نعى خطورة الإستحقاق الإعلامى للثورة.. أم تستشرى حالة التشتت والأنقسام. E-mail : [email protected]