تمخضت لجنة التعديلات الدستورية برئاسة المستشار/ طارق البشري عن تعديل بضع مواد في دستور 1971، وهي تلك المواد الخاصة بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وكان من الممكن أن يكون هذا التعديل مقبولا لو كنا بصدد إصلاح جزئي. ولكن الأحداث قد تجاوزت مثل هذا التعديل، إذ أن ما حدث بالفعل هو ثورة، والثورة مستمرة مما يعني أن الدستور قد سقط وحلت محله الشرعية الثورية. إن الثورة تعني بكل بساطة أن الدستور أصبح غير صالح للتطبيق، وإلا لما حدث الانفجار. الدستور عقد اجتماعي، هذا العقد فقد منذ زمن صلته بالواقع وأصبحنا في احتياج لعقد جديد. إن دستور 1971 كان قد أسس لسلطة الفرد؛ فجعل رئيس الجمهورية زعيما لحزب الأغلبية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ورئيس المجلس الأعلى للشرطة، وهو الذي يعين الوزراء، كما يعين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، وعن طريق حزبه يسيطر على كل التعيينات في الدولة من عمدة قرية إلى رؤساء تحرير الصحف. أكثر من ذلك كان بوسع رئيس الجمهورية إبطال العمل بالدستور، وإعلان الأحكام العرفية، أو طلب تعديل الدستور ذاته. اعتمد نظام مبارك على ثلاثة أعمدة للفساد والإفساد: أولها الحزب الوثني، وثاتنيها مباحث أمن الدولة، وثالثها حفنة ممن يسمون برجال الأعمال. أدار هذا الثالوث البلاد كأنها عزبة خاصة، وأهلها عبيد لهم، وحتى هذا الدستور الفرعوني لم يحترموه ولم يطبقوه إلا إذا كان في مصلحتهم، وحتى القضاء أفسدوه، والقاضي الذي يصدر حكما على غير هواهم يضربون بحكمه عرض الحائط فلا ينفذ. هنا نحن في حالة فساد غير عادي، والإبقاء على الدستور القائم مع تعديلات طفيفة لم يعد يجدي نفعا، والمتسلقون يدركون ذلك جيدا، ومن ثم طالب عمرو بموسى ومعه البرادعي بأن تكون الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، حتى يتمكن من السيطرة على الدولة في ظل هذه الأوضاع الدستورية المقلوبة، ويبدو أن المستشار البشري قد أدرك حقيقة الفخ الذي أوقعنا فيه فحذر من إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية. إن ضخامة الفساد وتغلغله في مرافق الدولة والمجتمع يحتم أن تكون الفترة الانتقالية طويلة نسبيا – لا تقل عن سنتين – حتى نتمكن من اجتثاث ذيول النظام في شتى مرافق المجتمع، وتفعيل دور النقابات والاتحادات والجمعيات والأحزاب تمهيدا لتفعيل دور الإرادة الشعبية وإقرار مبدأ الانتخاب الحر بدءا من عمدة القرية إلى عمدة المدينة إلى رؤساء الجامعات إلى عمداء الكليات إلى رؤساء الأقسام ويقتضي هذا حل الحزب الوثني ومنع أعضائه من الترشح لأي انتخابات مقبلة، وحل مباحث أمن الدولة، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، ومحاكمة كل من ارتكب جرائم قتل أو تعذيب من الآمر إلى المأمور. أما ما يزعمونه من فراغ دستوري في هذه المرحلة الانتقالية فهو مردود عليه بإمكانية إصدار إعلان للحقوق يتضمن حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها في جميع الأديان والمواثيق مثل حق التعبير وحق تكوين الاتحادات والنقابات والأحزاب والجمعيات، وتجريم الغش والتزوير والتعذيب والاختلاس. ويمكن الإبقاء على قانون الطواريء في هذه المرحاة الانتقالية لمواجهة عناصر الثورة المضادة من ثالوث الفساد السابق تعريفه. أما إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية فمعناه بالتأكيد نجاح الثورة المضادة، ففي ظل الدستور القائم صلاحيات رئيس الجمهورية مطلقة، والنتيجة هنا استبدال فرعون بآخر. وأما إجراء الانتخابات البرلمانية في ظل هذه الظروف وقبل حل الحزب الوطني ومنع أعضائه من المشاركة في الانتخابات، بالإضافة إلى عناصر الثورة المضادة في دوائر المال والأعمال، والمنظومة الإدارية يهدد بتسلل هؤلاء المفسدين إلى البرلمان الجديد وإجهاض الثورة. ثم هنا مسألة هامة أخرى وهي أنه لا وجود لحياة برلمانية سليمة بدون أحزاب سياسية، والأحزاب السياسية القائمة إما مصنعة أو مخترقة، وقيام الأحزاب وتشكلها وحضورها في الشارع يحتاج لبعض الوقت. وجود أحزاب قوية يجعلنا نرتقي خطوة أخرى فنجعل الانتخابات بالقائمة النسبية، وهذه الطريقة تسمح بتمثيل كافة الأطياف السياسية بحسب قواها النسبية، وفيها أيضا وضع حد للتزوير وشراء الأصوات حيث يمكن مراقبة سلوك الأحزاب بصورة أفضل من مراقبة آلاف الأفراد، كما أن في هذه الحالة سيختار الناخب بين برامج وإيديولوجيات لا بين أشخاص. ويمكن الإبقاء على الانتخابات الفردية في المحليات باعتبار أن المجالس المحلية مجالس خدماتية في الأساس وتقوم على خدمة المدينة أو الحي في حياتها اليومية كالصحة والتعليم والإسكان...ألخ. نعم قد يتعذر على الجيش البقاء في السلطة لفترة انتقالية طويلة قد تمتد إلى عامين لأسباب أهمها طبيعة تكوينه المهني، وفي هذه الحالة يمكن الاستعاضة عن المجلس العسكري بمجلس حكم انتقالي مدني من شخصيات ذات مصداقية ويكون أحدهم من المؤسسة العسكرية على أن يتعهد هؤلاء بتولي زمام السلطة لفترة انتقالية لا تتجاوز العامين من جهة، وبألا يترشحوا للانتخابات الرئاسية بعد ذلك من جهة أخرى.. عن نفسي سأشارك في الاستفتاء على هذه التعديلات – بحول الله – وسأعبر عن عدم موافقتي عليها وأدعو الناخبين إلى ذلك وبالله التوفيق. [email protected]