كشفت صحيفة "اندبندنت" في تحقيق خاص عن ادلة تظهر تورط بريطانيا بشكل مباشر في برنامج ترحيل المعتقلين بذريعة علاقتهم بالارهاب. وتشير الادلة التي تتحدث عن عملية ترحيل مغربي قسرا الى ان بريطانيا لم تلعب فقط دور المساعد كما في الماضي لعمليات ترحيل قسرية قامت بها الاستخبارات الامريكية من خلال فتح مطاراتها للطائرات الخاصة التي كانت تقل على متنها المعتقلين وتزويدها بالوقود، بل ان التورط المباشر من قبل عملاء الاستخبارات الداخلية (ام اي فايف) في ترحيل رجل مغربي عمره 29 عاما وتحويله الى عميل، جاسوس، يقترح حسب الصحيفة "ممارسة" كانت مركزية في مشاركة بريطانيا فيما عرف بالحرب على "الارهاب".
وبحسب التحقيق فالرجل المغربي، لم تذكر اسمه حفاظا على سلامته، تم ترحيله قسرا من سجن في بروكسل- بلجيكا في ابريل 2004، ونقل الى مكان سري قرب لندن للتحقيق معه من قبل عملاء ام اي فايف. وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة وتظهر قرار محكمة بلجيكية عام 2003، يأمر بسجن المغربي مدة اربعة اعوام لحيازته وثائق مزورة ولعلاقته مع اشخاص يشتبه بعلاقتهم بجماعات ارهابية.
ولكن الوثائق تظهر ان الشاب المولود في المغرب نقل بعد عام من سجنه في بروكسل الى بريطانيا واستخرجت له وثيقة سفر مؤقته تسمح بخروجه ودخوله لبريطانيا بدون مشاكل.
ويعود تاريخ وثائق وزارة الداخلية الى 4 نوفمبر 2004، وتقول انه "تقرر يجب تنفيذ امر وزير الخارجية لصالحك وتم منحك اقامة مؤقتة في بريطانيا لسبب خارج شروط وزارة الهجرة" حول الاقامة في البلاد.
وتأخذ الصحيفة قصة المغربي على انها اول عملية ترحيل قسري لتجنيد عملاء لها وضمن برنامج يخضع لعمل الوكالات الامنية في مرحلة ما بعد الهجمات على امريكا عام 2001. مما يناقض المعروف عن الدور البريطاني السابق والذي قام على دعم ومساعدة مشروع الوكالات الامريكية الامنية للترحيل.
وبحسب تصريحات للمحامي البلجيكي الذي تولى ملف الرجل المغربي، فعملية الترحيل قد تمت في الوقت الذي كان فيه من المقرر ظهور الرجل امام محكمة الجرائم المركزية في بروكسل وذلك للاستماع لنتيجة استئناف تقدم به المحامي نيابة عن الرجل المغربي.
وقال كريستوف مارتشاند، وهو محامي دفاع معروف ومؤلف كتاب "الاتجاهات الاوروبية في الحرب على حقوق الانسان"، ان موكله الذي كان في فترة العملية يبلغ من العمر 23 عاما تم استجوابه من عملاء ام اي فايف في سجن "فوريست" ببروكسل حيث تم احتجازه لمدة عامين بدون محاكمة وفي زنزانة انفرادية.
واضاف المحامي انه خلال احتجازه من قبل عملاء (ام اي 5) في مكان سري لا يبعد سوى 40 دقيقة عن لندن لم يكن للرجل اي ممثل قانوني.
واعتبرت منظمات حقوق الانسان في بريطانيا ومدافعون عن ان قصة الرجل المغربي تلخص الدور غير القانوني الذي لعبته بريطانيا في برامج الترحيل القسري والمدى الذي ذهبت اليه.
واعتبر رئيس اللجنة البرلمانية الممثلة لكل الاحزاب في مجلس العموم البريطاني حول الترحيل القسري ان قصة المغربي وقصصا اخرى تستدعي اجراء تحقيق عاجل وقال ان "قصصا كهذه تشير للحاجة الماسة لاجراء تحقيق من اجل معرفة ما حدث حقيقة في مرحلة ما بعد 9/11".
واعتبر مدير منظمة "ربريف"، كلايف ستافورد سميث، المتخصصة في الدفاع عن المعتقلين في الخارج ان بريطانيا لا يمكنها ان تكون ضالعة في عمل نشل اشخاص من الخارج بدون اجراءت قانونية.
ويشك محامي المغربي ان اي صفقة مع البريطانيين لترحيله لم تتم بدون موافقة المخابرات البلجيكية والمدعي. فبعد عام من اختفائه الغامض اتصل الرجل مع مارتشاند حيث تم لقاء بينهما في وسط لندن، واثناء اللقاء اخبر الرجل محاميه كيف تم ترحيله ونقله لبريطانيا عبر طائرة خاصة تعود الى الخطوط الجوية البريطانية وكيف رتبت المخابرات البريطانية عملية اطلاق سراحه.
كما عبر الرجل للمحامي عن مخاوفه اثناء فترة سجنه من امكانية ترحيله للمغرب ولأنه خاف من تعرضه للتعذيب لو رحل الى هناك. وبحسب المحامي فقد اخبر رجال الاستخبارات البريطانية الرجل انه لو وافق على العمل معهم فسيوفرون له حياة جديدة.
ويضيف المحامي ان شابا مثله كان معتقلا في زنزانة انفرادية ومعرض للابتزاز ويشعر بالضعف لم يكن امامه من خيار سوى الموافقة. وتم تحذيره عندما جاء الى لندن انه لو فكر مرة بالتراجع عن عمله مع الاستخبارات فحياته ستكون في خطر من قبل القاعدة، حيث فهم ان هذا تحذير مبطن من قبل المخابرات بأنها ستكشف هويته للقاعدة. واعتبر مارتشاند قصة موكله انها مثال على ترحيل قسري واتهم بريطانيا بها وقال انها 'ترحيل قسري، ومن المحرم قانونيا نقل شخص من بلد الى آخر، وتم ترحيله من بلجيكا بدون ضمانات قانونية'. واضاف ان الضغوط التي مورست عليه كانت كبيرة وكان يعرف انه سيبقى في السجن مدة طويلة.
وفي افتتاحيتها قالت 'اندبندنت' ان قصة المغربي تبدو عادية لانها تحكي عن رجل تم اخراجه من سجن بلجيكي كي يتعاون مع الاستخبارات البريطانية، لم يكن هناك اختطاف ولا تعذيب، والرجل كان يعرف انه سيرحل للمغرب حيث كان يخشى معاملة سيئة في السجن هناك، ومع ذلك فعملية نقله من السجن في بروكسل حسب الوصف ان ثبت تعتبر بحسب الصحيفة خرقا للقانون الدولي. وسواء كان ترحيلا تم بموافقة ام لا فانه يظل ترحيلا قسريا.
وذكرت الصحيفة ان الحكومة السابقة ظلت تنكر انها متورطة في عمليات ترحيل لكن الصدع بدأ يظهر منذ عام 2008 عندما كشف عن ترحيل الاستخبارات الامريكية لافراد للقاعدة البريطانية في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي.
واشارت الى قصة الاثيوبي بنيام محمد الذي اعتقل عام 2002، ورحل من الباكستان الى المغرب وعذب فيهما فيما حقق معه عملاء ام اي فايف وهم يعرفون انه تعرض للتعذيب. ومع انها اثنت على قرار حكومة الائتلاف تشكيل لجنة تحقيق في قضايا التعذيب والترحيل ودور بريطانيا فيهما، الا انها قالت ان رئيسها هو بيتر غيبسون وهو رجل امن سابق مما يعني تضارباً في المصالح.
وفي النهاية تدعو الصحيفة الى نقاش حول الاساليب التي استخدمت لمواجهة الارهاب الدولي. وحالة المغربي هي حالة جيدة للدراسة فهي تشبه اساليب الحرب الباردة لتحويل رجال الاستخبارات في دول المحور الاخر لعملاء.
وقالت ان ما نحتاجه هو معرفة ما جرى اولا، لان الحقيقة المحزنة اننا لا نستطيع الاعتماد على الساسة المنتخبون من اجل قول الحقيقة لنا ومن اجل الوصول للحقيقة لا بد من لجنة تحقيق مستقلة.