بقلم: ناصر السهلي- مدير مكتب "كُتاب بلا حدود" في الدانمارك ربما لم يسمع النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني(وهذه هي صفته الرسمية) السيد محمد دحلان بما يدور من فتنة غير تلك التي تتهم الجزيرة باثارتها ! والوقائع الفلسطينية أدل على فتنة تثيرها سياسة إدارة الظهر لارادة الشعب والتمني بأن يستيقظ السيد دحلان من كابوس الوعي الفلسطيني الذي لا يحتاج الى الكثير لاكتشاف ما يريده الدحلان والمجموعة المتنفذة من كيل الاتهامات للقوى الفلسطينية وردها في حقيقة الامر إلى محطة تلفزيونية ما تركت يوما الخبرالفلسطيني في مؤخرة الاخبار كما يفعل الاعلام الرسمي العربي الذي يصمت عنه بل وصياغته بما يتماشى مع ما يُطلق عليه"العملية السياسية" وكل هؤلاء الذين يريدون للواقع الفلسطيني أن يبدو "مثاليا" في تلك العملية، وهو ليس كذلك! ففي فترة حصار الرئيس عرفات الذي تم تسميمه وقتله وازاحته عن الواقع لمصلحة واقع آخر تخيلته زمرة من الساسة الفلسطينيين والصهاينة والامريكيين، متوهمين بأنه "العقبة" التي تبين لهم بأنهم أصغر شأنا من أن يسدوا فراغا سببه غياب الرئيس الراحل عرفات... فالجزيرة، وهي لا تحتاج منا لشهادة او دفاع عن مهنيتها ، واكبت الواقع الفلسطيني بكل تفاصيله حتى في اللحظة التي تخلى فيه الاعلام الرسمي عن قضية الشعب الفلسطيني وحصرها في إستخدامات "الاعتدال" و"قتيل" و"تطرف" وقلب الحقائق وهي ذات المؤسسات الاعلامية التي كانت تقدم الخبر بميوعة وإنحلال كامل بتحميل الضحية مسؤولية ما يقوم به الجلاد الصهيوني.. للسيد دحلان أن يقول ما يقوله، وهو حق ديمقراطي كفلته له الديمقراطية الفلسطينية وزاد عليه ربما موقعه الرسمي والنفوذ الذي أسسه تحت سمع ومرأى الشعب الفلسطيني... ربما في الجانب الاخر إنزعج دحلان، وهو يعبر في ذلك عن سياسية متنفذة تحاول أن تخفي القذارات تحت السجاد ليظهر الامر وكأن القضية بألف خير...حين قامت الجزيرة باستقبال شخصيات سياسية من التي أراد الدحلان ورجالاته أن "يلاعبوها" مناكفة طيلة سنوات حكمها ، وهنا نقصد حركة حماس... التي لا يحتاج المتنفذون للاتفاق مع سياساتها بقدر إحترامهم للناخب الفلسطيني الذي أوصلها الى المجلس التشريعي... ولا غلى الدخول في ما يطلقون عليه لعبة الالتزامات التي جربها الشعب الفلسطيني مع الحكومات الصهيونية المتعاقبة... التي كانت كل منها تنقض ما على سابقاتها... هل يريد الدحلان الفلسطيني أن يُقنعنا بأنه حريص جدا على شفافية الاعلام؟ إذا كان كذلك فنحن نستطيع أن نفتح له ملفات "الزعرنة" التي تعرض فيها الصحفي والاعلامي الفلسطيني لعمليات كسر عظم ليراسلوا بالطريقة "الديمقراطية" التي يراها هو والاخرين.... لكننا ندرك بأن إنشغال السيد دحلان بشركاته وشركائه وعلاقاته المتشعبة قد لا تكون مفيدة الان... هذا عداك عن السؤال المنطقي "من أين لك هذا" ونحن نعرف الراتب الذي كان يتقاضاه في تونس !؟ أما إن كان لدحلان يريد أن يغمز من قناة أن وليد العمري وجيفارا البديري وشيرين ابو عاقلة والياس كرام وكل طاقم المراسلين من مكتب الجزيرة في فلسطين ليسوا مهنيين ولا يستحقون أن يكونوا في المواقع التي أثبتوا جدارتهم في نقل الواقع الفلسطيني، فليسمح لنا السيد دحلان أن نذكره بالمعاناة التي يعانيها هؤلاء مع كل الزملاء من الصحفيين والاعلاميين الفلسطينيين بين سندان سلطة سياسية تتعاطى مع قشور الديمقراطية بتهديدات مبطنة(وصلت حد الاعتداءات الجسدية والقتل) وبين مطرقة الاحتلال الذي لم يوفر سبيلا لمضايقة وإطلاق النار وقتل بعضهم من بلعين حتى مشارف غزة! أعترف بأنني لم أتابع التغطية الانكليزية للجزيرة، لكن لا يمكن للسيد دحلان أن يُقنعنا بهجوم على أجندتها "اليهودية" وهو الذي لم يقم بدوره لحماية الصحفي الفلسطيني من التنكيل الذي تعرضت له وسائل الاعلام الفلسطينية ضربا وتحطيما لمؤسساتهم وإذاعاتهم وتلفزتهم المحلية من بيرزيت حتى نابلس... بينما يجري الاحتفاء بمراسلي الصحف العبرية وتقديم كل أوجه الحماية المعروفة للقاصي والداني في المجتمع الفلسطيني... ألم يكن حريا بالسيد دحلان أن يتقدم إلى المجلس التشريعي الفلسطيني ، بل واستخدام نفوذه، لمناقشة الحالة المأساوية التي يعيشها الصحفي والمبدع الفلسطيني في ظل الاحتلال؟ ومصارحة الشعب الفلسطيني عن استشراء حالة الفساد والافساد التي باتت تدمر الحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية بما فيها هذا الانفلات الامني ... بدلا عن حالة العصبية والاستهزاء التي يستخف من خلالها بهؤلاء الذين يقدمون أرواحهم لايصال الحقيقة... أليس حريا بالساسة الفلسطينيين أن يركزوا قليلا على وجود هذا العنصري المتطرف أفيغدور ليبرلمان ومشروعه المعلن.... ومجاراة ما تقوم به ألة الدعاية الصهيونية في تعاملها مع كل قضية فلسطينية حتى لو كانت تصريحا ليقدم للعالم على أنه "تطرفا"... أليس من المفترض رفع السقف قليلا بدل الاكتفاء بما يريده الاخر للقضية الفلسطينية... ولنا في التجربة الفلسطينية الكثير من الامثلة التي إنخفض فيها السقف الاعلامي والديبلوماسي التفاوضي كاشتراطات معينة منها" بيت الشرق" الذي تم لعق شرط العودة الى التفاوض ما لم يعاد للشعب الفلسطيني وإطلاق سراح المعتقلين ووقف بناء المستعمرات والجدار العنصري قبل الحديث عن تفاوض مع الحكومات الصهيونية التي لا تأبه إلا بفرض القوة والاذلال لجر الفلسطينيين الى المزيد من التنازل، لا يتم هذا لأن البعض لا يريد الاعتماد على قوة شعبه وعدالة مطالبه التي يستغرب حتى الصديق الغربي حالة الانحدار في المطالب ... عداك عن م.ت.ف التي بقيت على حالها دون خطوة حقيقية لاصلاح ما اعتراها من فساد وترهل و التي لم يجري إتخاذ خطوة واحدة لأصلاح مؤسساتها... بل الدخول في مناكفة سحب الصلاحيات من السيد فاروق قدومي وتهميش الدائرة السياسية كمبتغى لاصحاب مراكز القوى المتنفذة في السلطة الفلسطينية...من خلال تعيينات مخزية هنا وهناك والاكتفاء بتوسيع الشرخ بين الجاليات وسفارات ومكاتب المنظمة بناءا على محسوبيات معروفة لكل فلسطيني في الغرب وفي الدول العربية... حيث تدار عمليات إستبعاد الكفاءات والاستهزاء بها لمصلحة فئة تقدم الولاء والطاعة لرب العمل الذي يجري تعيينه من رام الله عوضا عن ان تكون من الدائرة السياسية لتمثل كل الشعب الفلسطيني.. لا نقول أن محمد دحلان مسؤول عن كل ما تقدم ، لكنه التعبير الصارخ على ما آلت إليه حروب مراكز القوى المخزية بحق التضحيات والنضالات والمعاناة التي خاضها الشعب الفلسطيني على مدى العقود الماضية... ويعلم هو وغيره بأن شعبا قويا مثل الشعب الفلسطيني يحتاج لقيادة قوية لا قيادة ضعيفة مفككة لا تستفيد من طاقاته الكامنة التي يمكن الاعتماد عليها في وجه الصلف والتكتيكات الصهيونية بدل المراهنة على وعود واشنطن وغيرها من دول الغرب والاقليم... قد يكون تشخيصنا خاطئا... لكنه حق لنا أن ندلي برؤيتنا كما البقية الباقية ممن يرون هذا التراشق وإهدار الجهود الوطنية في الجهة الخاطئة... أية فتنة تلك التي يتهم دحلان قناة الجزيرة بافتعالها وهي قائمة تحت رماد التعمية السياسية الممارسة في غزةورام الله ؟ هل يكفي أن يكرر ما يقوله وما قاله ساسة الولاياتالمتحدة وبعض الانظمة العربية ليقنعنا بأن الفتنة والتحريض والالتزام باجندة سياسية اسلامية بل ذهابه إلى حد إتهام الجزيرة بأنها تحابي حزبا سياسيا معينا... والمقصود هنا لا يحتاج لذكاء ليكتشف أن المقصود هو حركة حماس! ألم تستقبل الجزيرة السيد دحلان في أكثر من مناسبة وتحديدا في برنامج " بلاحدود"، فهل كانت تحابيه؟ مشكلة المتنفذين على الساحة الفلسطينية ، وهي ساحة تفتخر بديمقراطية قل نظيرها في المحيط العربي والاقليمي، أنهم يريدون لنا أن نغمض عيوننا على عيوب وممارسات مشينة يمارسها ساسة أصابهم الترهل والجمود فلم يجدوا غير الاستقواء بلغة الردح والاتهام الجاهز للدفاع عن الرمق الاخير لانفضاح الجهة التي يريد هؤلاء أن يجروا الساحة الفلسطينية إليها... أليس من المفيد لو أن السيد دحلان ، بوصفه ممثلا لشريحة من الشعب في المجلس التشريعي، أن يستغل قدراته الخطابية ليشرح الحالة التي يعيشها فلسطينيو العراق من قتل وتدمير ومجازر لتهجيرهم نحو المجهول والكف عن المناكفة التي لم تعد الساحة الفلسطينية تحتملها نتيجة الاختلاف السياسي الذي يطوره البعض نحو مشروع اقتتال وتناحر داخلي قائم على القوة والنفوذ... كم أتمنى على السيد دحلان أن يكف عن التلاعب بمشاعر البسطاء وأن يوفر طباعة الملصقات التي تمجده، وهي لعبة مارسها حتى مع الراحل عرفات الذي جعله يصل إلى ما وصل إليه... وأن يكف عن التحريض الذي يمارسه يوميا بحق كل من يختلف معه... أم أن السيد دحلان يريد للمجتمع الفلسطيني أن يكون إعلامه تحت قبضته داخلا، وبالتالي مُدخلا المجتمع الفلسطيني، في خلافات رسمية عربية عربية ... إذا كان هذا وغيره من الاهداف التي يعمل عليها السيد محمد دحلان فإننا وبكل تواضع ومن منطلق المصلحة الوطنية الفلسطينية نطلب وبكل محبة من السيد دحلان أن يكف عن الدخول في اللعبة الاقليمية لكي لا نخسر المزيد من المتنفسات الاعلامية التي تواكب الحالة الفلسطينية... بالرغم من كل الملاحظات... وإلا فليخترع لنا قناة فضائية تجاري الخبر وتواكب الحالة الفلسطينية وتترك الصحفيين الفلسطينيين بعيدا عن مقصلة الاتهامات الجاهزة التي تقتل الابداع... ولحديثنا بقية عن هؤلاء الذين اوصلوا القضية الفلسطينية الى ما وصلت اليه...