أثار قرار الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف، بزرع كاميرات للمراقبة بالمساجد عاصفة من الجدل بقراره وضع كاميرات مراقبة داخل المساجد في ربوع مصر، إذ أبدى علماء دين شكوكهم في الأهداف المعلنة بدعوى حماية صناديق النذور، مشيرين إلى الأغراض الأمنية من وراء تلك الخطة "الشيطانية" عبر التجسس على المصلين والمعتكفين، محذرين من أن الأمر يهدد الاستقرار النفسي للمصلين، ومن شأنه أن يؤدي إلى هجرة بيوت الله. ووصف الدكتور محمد عبد المنعم البري المراقب العام ل "جبهة علماء الأزهر" القرار بأنه "تقليعة جديدة من تقاليع زقزوق"، بعد مشروعه الخاص بتعميم الآذان الالكتروني الموحد الذي كلف الوزارة ملايين الجنيهات وفشل حتى الآن في تطبيقه، وحذر من أن تركيب تلك الكاميرات من شأنه أن يهدد الاستقرار النفسي ويخرج المصلين عن الخشوع المطلوب في الصلاة حيث سينشغل وقتها بكاميرات المسجد من حوله.
وقال البري إن تذرع زقزوق في قراره تركيب كاميرات بالمساجد التابعة للأوقاف بدعوى حماية صناديق النذور أمر غير مقبول، لأن سرقة صناديق النذور ليست ظاهرة حتى يتم تركيب كاميرات مراقبة تثير الريبة والشك في قلوب المصلين والمعتكفين، كما أنه يمكن حماية تلك الصناديق بالعديد من وسائل الحماية، مثل وضع أجهزة الإنذار المبكر، أو من خلال تشديد الحراسة عليها.
وشاطره الرأي الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ الأخلاق والفلسفة الإسلامية واصفا القرار بأنه "خطوة تجسسية" تقف وراءها الجهات الأمنية لمراقبة ما يقوله خطباء المساجد، في إطار ما وصفها بمساعي الأمن لإحكام قبضته على المساجد ووزارة الأوقاف عموما والتي تزايدت بشكل ملحوظ في عهد الوزير الحالي.
ووصف التحجج بحماية صناديق النذور ونقل خطب الجمعة على الإنترنت من المساجد الكبيرة ب "الواهية"، لأن حماية أموال النذور يمكن بوسائل أخرى، كما أن الذين يتورطون في سرقاتها غالبا ما يكونون من عمال وموظفي الوزارة، ولا يمكن القول إن هناك داعية أو خطيب مسجد الآن "تتهلف" الناس الآن على سماع خطبته عبر شبكة الإنترنت، وذلك في ظل تأميم المساجد وانحصار الخطب في الجانب العقائدي والشعائري فقط دون التطرق إلى القضايا الحياتية، فضلا عن أنها خطب معادة ومكررة سلفا.
أما الشيخ يوسف البدري الداعية الإسلامي وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فوصف القرار بأنه "خطوة شيطانية" حذر من تداعياتها، حيث ستؤدي إلى زرع الخوف والرعب في قلوب ونفوس المصلين الذين سينصرفون عن المساجد لأن تحركاتهم ستكون مراقبة، متسائلا عما إذا كانت الأجهزة الأمنية عثرت مثلا على متفجرات داخل مسجد أو أسلحة أو تنظيم سياسي أو ديني يهدد أمن واستقرار الدولة.
واعتبر البدري ذلك من قبيل التجسس الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ"، كما أنه سيترتب عليه إفشاء لعورات وأسرار الناس، إذ أنه من الوارد أن يتحدث شخص مع آخر داخل المسجد عن مشكلة زوجية في إطار البحث عن حل.
ورأى أن في التجسس على المصلين يعد إهانة لضيوف الله في بيته، ويتنافى مع ما ورد بالقرآن الكريم بوصفها بالمكان الآمن، كما أن ذلك يضع المواطنين تحت سوء ظن الدولة وأجهزتها وهذا أمر غير مقبول، رافضا التحجج بحماية صناديق النذور عبر هذه الكاميرات، لأن "تلك الصناديق بدعة فكيف نحمي البدعة بمعصية كبيرة"؟. حيث انتقد الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوي الأسبق، هذا القرار، وقال إنه لا يليق بوزارة الأوقاف أن تقدم علي هذا التصرف، واعتبره كبيرة من الكبائر لأن وضع كاميرات المراقبة داخل المساجد التي جعلها الله أمنا للناس وتصوير حركاتهم رجالا ونساء أمر غير جائز شرعا.
فيما قال الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر، الشيخ جمال قطب، إن تصوير أجساد الناس وتصوير حركاتهم لا يليق بأماكن العبادة وهذا إجراء في حد ذاته تحقيق لغايتين لا ثالث لهما إما التربح من الشراء والتركيب والصيانة أو رغبة من الوزير في زيادة قلق الناس من المساجد وإبعادهم عنها حتي لا يكشفوا عورات الوزارة ونقص الأئمة والعمال، كما ناشد قطب النائب العام صاحب الولاية في قضايا الحسبة ليمنع هذه الإجراءات أو يقيم دعوي حسبة علي مبتكر هذه البدعة.
وأكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن وضع الكاميرات داخل المساجد أمر غير معتاد وغير مقبول لأن هذا التصرف بعيد عن ثقافة المسجد منذ بناء مسجد المدينة وهو أمر ظاهره تحضر وحماية وباطنه يعلمه الله، وطالبت بأن يطبق القرار علي كل دور العبادة من مساجد وكنائس.
في المقابل أيد الداعية الإسلامي فرحات المنجي هذا القرار وقال إن المساجد المصرية مليئة باللصوص والمجرمين الذين يدخلون المساجد بأي حجة ويقومون باستغلالها بشكل سيء، وتساءل "وما الضرر للرجل العادي من الكاميرات لو كان سيدخل ليؤدي الفريضة وينطلق في سلام؟!"، ونفي أن يكون هذا القرار بدعوي أمنية أو سياسية لأن المساجد تتخذ أوكارا للصوص، وهو موجود في كل دول العالم.
هذا وقد تم رصد رفض للقرار داخل أروقة الوزارة، وأن القرار لم يعرضه زقزوق علي المجلس الأعلي للأوقاف بعد الضغوط الشديدة عليه من جانب وزارة الداخلية حتي يصدر القرار بالرغم من معارضة قيادات الوزارة له.