كانت حصيلة الحرب خلال الأسبوع الماضي ثمانية قتلى أميركان وثلاثة من قوات التحالف وبالطبع أولئك الأبرياء والمدنيون من المواطنين الأفغان الذين لا يتحدث عنهم الغرب ولا يبحث حتى فيما كانوا من المقاتلين أو من المدنيين العزل! والذي لا يقال أيضا هو أن الحرب تخطت حدود أفغانستان إلى باكستان! أما حصيلة السلام فكانت جائزة نوبل المفاجأة للرئيس الأميركي لعلها تحث سيره نحو السلام في أفغانستان! إنها معضلة وليست مشكلة! تلك التي تواجه دول الغرب المنضوية في حلف شمال الأطلسي وفي معجم لسان العرب فإن المشكلة هي التي تستدعي الحل وتجده بينما المعضلة هي التي تتحول إلى عقبة كأداء يستحيل تجاوزها ولا يمكنك سوى التعايش معها شأن المرض المزمن سلاحك الصبر في صمت. هذه هي حال الغرب اليوم وبعد ثماني سنوات عجاف من الحرب التي شنها بوش الابن على تلك البلاد وجر إليها حلفاء طيعين ضمن حلف الناتو بهدف أعلنه بوش ذاته يوم 19 يناير 2002 حين قال "إنها مهمة سهلة لأن الشعب الأفغاني يعاني من حكم طالبان ونحن سنساعده فقط على التخلص من الإرهاب والأمر لا يتعدى بضعة أسابيع أو بضعة شهور في أقصى تقدير ونحن يباركنا الرب لأننا نصفي في الواقع آخر جيوب محور الشر !". واليوم في أواخر عام 2009 يبدو لنا بالطبع كلام الرئيس بوش كأنه قادم من كوكب آخر! فطالبان استعادت قوتها وتسيطر على ثلاثة أرباع افغانستان، والرئيس قرضاي مشكوك من قبل الغرب نفسه ومنظمة الأممالمتحدة في نزاهة انتخابه بتقرير أممي نشرته الواشنطن بوست هذا الأسبوع، وقرضاي هو ذاته أدلى بحديث لصحيفة (لوفيجارو) الباريسية منذ أيام يقول حرفيا: "أنا لست دمية الولاياتالمتحدة ومستعد للتفاوض مع عناصر طالبان المعتدلين !". أما على ضفة الحلفاء المورطين في الحرب، فإن تشتت شملهم وتناقض مواقفهم وتباين مصالحهم لم يعد يحتاج إلى برهان. فهذا تقرير الجنرال الأميركي ماك كريستال قائد القوات الغربية هناك يقر بما يشبه الهزيمة وفي الحقيقة لا يقترح شيئا سوى أنه يدعو لما سماه تغيير الاستراتيجية الغربية في أفغانستان، أي أن الجنرال يلتحق بموقف الرئيس الأميركي البركة بن الحسين أوباما، دون توضيح لا من قبل الرئيس ولا من قبل الجنرال لما يسميانه استراتيجية جديدة للحرب! فكلما قيل للرأي العام الغربي والدولي هو أن قوات الحلف لن تطارد مقاتلي طالبان بل ستقوم بمهمات إنشاء البنية التحتية و.... مقاومة الفساد وسوء التصرف لدى النخبة الحاكمة! وفي حين يعلن رئيس الحكومة الإيطالية برلسكوني أنه سيسحب جنوده قريبا بعد عودة بعض النعوش لمطار روما، يتبنى رئيس الحكومة البريطانية سياسة مختلفة وخطيرة من خلال مبعوث المملكة المتحدة إلى أفغانستان السير كوبر كولس السفير ورجل الاستخبارات السابق والذي قال في محاضرة ألقاها بمعهد الدراسات الاستراتيجية بلندن يوم 12 سبتمبر بأن "مهمتنا هنا هي حماية أمن بريطانيا وحلفائها من خطر الإرهاب الذي يترعرع في الجبال ما بين القبائل المقيمة في الحدود الأفغانية الباكستانية على جانبي خط (دوران) ولذلك سيكون عملنا طويل النفس حيث سنقوم بتأهيل القوات الأفغانية لتحل محلنا" ويزيد المبعوث البريطاني توضيحا فيعلن أن النية تتجه لتعزيز مواقع ومقدرات حكام الأقاليم لا تقوية الحكومة المركزية لأن هؤلاء الحكام المحليين هم القائمون الحقيقيون على أمور الشعب الأفغاني". وهنا ترد عليه أسبوعية أميركية هي (ستراتيجيك ألرت) في عدد 8 أكتوبر 2009 قائلة: "إن برنامج السير كوبر كولس هو بكل صراحة إعادة سيناريو (راج) الاستعماري الامبريالي البريطاني الذي طبقته المملكة في الهند منذ القرن الثامن عشر ليطبق هذه المرة في أفغانستان. وتذكر الأسبوعبة بأن برنامج (راج) الذي نفذته الامبراطورية البريطانية في الهند اقتضى تقسيم القارة الهندية إلى دويلات قبلية يحكم كل منها (مهراجا) إقطاعي، واستمر برنامج (راج) إلى القرن العشرين، حين استقلت الهند. وهو مخطط تصفه الأسبوعية الأميركية بالدهاء لأنه سيجعل بريطانيا هي المهيمنة الكبرى على أفغانستان والمنطقة ولكن من خلال التضحية الوقتية بالجنود الأميركان! يمكن القول لتلخيص الموقف بأن المتحالفين الغربيين في أفغانستان أصبحوا المتخالفين حول كل شيء من أهداف الحرب إلى وسائل شنها مرورا بنصيب كل منهم في مدها بالرجال والعتاد!