ميلشيات تظهر من العدم، يبدأون في جر الشخص إلى سيارة، لتنطلق بسرعة خاطفة إلى مكان مجهول، يضعون قماشة فوق عيني الضحية، ويوثقون يديه، ثم بحث يخوضه أهالي المختفين، ربما ينتهي بعد أيام، وربما يمتد لسنوات، يتوارى فيها المفقودون، ولا يعثر لهم على أثر، ويظل مكانهم مجهولا، وغرفهم فارغة، يتردد فيها صدى أصواتهم. ذلك مشهد من حياة مختفٍ قسريا، الذي تعرفه المواثيق الدولية بأنه كل محتجز أو معتقل أو مختطف بأيدي موظفي الدولة، أو بموافقتها ودعمها، وإخفاء مصيره ومكان وجوده. 163 حالة اختفاء قسري في مصر منذ بداية إبريل 2015، وثقتها حملة الحرية للجدعان، لتبدأ الأعداد تتزايد في الفترة الأخيرة، بعد ظهوره بمصر أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان آلاف الأشخاص ضحية له. الاختفاء القسري ظاهرة تنتشر في أماكن القمع والاضطرابات، بعد موجات ثورية كما في الأرجنتين، أو أثناء حروب أهلية كما في لبنان، وغالبا ما ينتج تغييرا في الدول التي تعتمده أسلوبا للتعامل مع المعارضين. مصر.. إسراء فجرت القضية في مساء 1يونيو خرج 3 من الأصدقاء للعشاء، لم يعد أي منهم حتى الآن، كان ذلك ما فجر قضية الاختفاء القسري، فإسراء الطويل، إحدى الثلاثة المختفين، ذهبت والدتها مساء يوم اختفائها لقسم المعادي، وهناك أكد أمناء الشرطة أنها دخلت القسم ضمن حملة الاعتقالات، لكن لا أثر لها حتى اليوم. وأولى حالات الاختفاء القسري التي رُصدت هي للصحفي بجريدة الأهرام رضا هلال، منذ 2003، ولم يظهر حتى الآن، وبانتهاء ال18 يوما الأولى من عمر الثورة، فقد عدد من الأهالي ذويهم، وحتى سبتمبر 2014 أعلنت مؤسسة الدفاع عن المظلومين أن عدد المختفين وصل إلى 1200 شخص. في 9 يونيو بدأ المجلس القومي لحقوق الإنسان تلقى شكاوى الأهالي، لكن المتقدمين لمكتب المجلس لم يكونوا أهالي من انتشرت قصصهم في ذلك الوقت، بل أهالي المختفين من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وأحداث رمسيس، ومازالوا يبحثون عن أبنائهم. ووفقا لحملة أطلقها مركز هشام مبارك في أكتوبر الماضي لمناهضة الاختفاء القسري فإن القائمة كبيرة، من بينهم عمرو حماد، الطالب بكلية الهندسة جامعة الأزهر، الذي توجه لاستلام نتيجته يوم فض رابعة واختفى حتى الآن، وعلا عبدالكريم، الطالبة بجامعة الأزهر، التي ألقي القبض عليها من الجامعة ومازالت مختفية حتى الآن، وأسماء خلف، التي قبض عليها منذ إبريل 2014، وغيرهم العشرات. الأرجنتين.. أمهات لم يستسلمن من أمريكا اللاتينية بدأت تلك الاختفاءات، وفي معظم الأحيان لم يخرج الشخص المختفى، وبقي مصيره مجهولا، لم تتمكن عائلته من معرفة حقيقة ما حدث. القصة الأكثر وضوحا في الأرجنتين وتشيلي، باستخدام الاختفاء القسري كأداة لتكميم أفواه المعارضة السياسية والسيطرة عليها، فكان الأفراد يختطفون من الشوارع، أو يجرون من بيوتهم بعد منتصف الليل، أو يسحبون من وسط جموع المتظاهرين، وعلى الرغم من سقوط تلك الأنظمة ظل مصير أكثر من 30 ألف مفقود، لا يعرف ذووهم مصائرهم. وعلى الرغم من أن المناخ لم يكن يسمح بإنشاء أي حركة احتجاجية، لكن أمهات ميدان مايو بدأن ب 14 أما احتججن في ساحة ميدان مايو بالعاصمة أمام قصر الرئاسة للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهم، أُهمل تظاهرهن في البداية، لكن الحركة اتسعت واكتسبت شعبية كبيرة، وأصبحت حركة المعارضة الوحيدة، على مدى 30 عاما، لم تنقطع آلاف الأمهات عن التجمهر كل خميس للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهن المختفين، ومحاكمة المتورطين، وعدم تكرار ذلك في كل دول العالم. لبنان.. أسر وضعت قانونا بالرغم من إنهاء الحروب في لبنان رسميا في 1990، فإن البلاد لازالت تعاني من فقدان آلاف المختفين قسريا، ولا يزال مصيرهم طي المجهول، لا يعرف أهاليهم مكانهم حتى الآن، ووفقا للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، لا يزال 17 ألف شخص في عداد المفقودين. كان الأهالي في فبراير 2012 هم من اقترح مشروع قانون بشأن المفقودين والمختفين قسريا، تماشيا مع الحق في معرفة الحقيقة، وإنشاء معهد وطني للتحقيق في مصير المفقودين والمختفين، ووضعوا الصيغة النهائية للقانون، واستطاعوا الحصول على قرار من أحد القضاة يقضي بالسماح للعائلات بالاطلاع على تقرير غير منشور حول المفقودين أعد في عام 2000. لم يصدر القانون لكن الأهالي لم يستسلموا، ففي خيمة بحديقة جبران خليل جبران عادوا مرة أخرى للاعتصام، كي تتحرك الدولة، بعضهم لا يفارق الخيمة، وتوفي بعض الأهالي خلال سنوات انتظار عودة أبنائهم، كان آخرهم أوديت سالم التي رحلت دون معرفة مصير ولديها.