كتب د. صالح النعامي يقول: رغم إحجام إسرائيل عن التعليق على قرارات الإعدام التي صدرت بحق الرئيس «محمد مرسي» وقيادات في جماعة الإخوان المسملين وقيادات بارزة في «كتائب عز الدين القسام»، هناك حالة من الرضا والارتياح تسود دوائر صنع القرار في تل أبيب لهذه القرارات. ففي إسرائيل يرون بشكل خاص في قرارات الإعدام الهزلية التي صدرت على قادة «كتائب القسام» من الأسرى في سجون الاحتلال ومن الشهداء، رسالة واضحة المعالم لتل أبيب بأن نظام «السيسي» مصمم على مواصلة حربه على المقاومة الفلسطينية، باعتبار هذه الحرب أهم مصدر من مصادر الشرعية لهذا النظام لدى الكيان الصهيوني ومن خلفه الغرب. اللافت أن النخب الصهيونية تدرك تماما مرامي «السيسي» هذه وتعي أن هذا ما يقصده. فبحسب المستشرق الصهيوني «رؤفين بيركو» يرى أن «السيسي» من خلال إبرازه مظاهر العداء تجاه حماس يريد أن يطمئن إسرائيل والغرب أنه بالإمكان الاعتماد عليه في مواجهة «الإرهاب الإسلامي»، على حد تعبيره. لكن المفارقة تكمن في حقيقة أنه حتى أكثر المعلقين الصهاينة حماسا لنظام السيسي يجاهر بأن اتهاماته لحركة حماس بالتدخل في الشأن المصري لا تمت للواقع بصلة. فالواضح أن «السيسي» يحاول تقديم المزيد من الأدلة والبراهين للأكثرية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب في الكونجرس والمنظمات اليهودية الأمريكية على أن الجهود التي تبذلها في الضغط على إدارة «أوباما» من أجل مواصلة دعم النظام،على الرغم من خرقه سجل حقوق الإنسان بشكل هائل، في مكانها، وأن ما يقوم به يأتي في إطار مراعاته المصالح الإسرائيلية والدفاع عنها. ولا يمكن النظر لأحكام الإعدام التي صدرت بحق قادة المقاومة الفلسطينية، الذين مضى على بعضهم 19 عاما في سجون الاحتلال، بمعزل عما حرص عليه «السيسي» خلال مقابلاته مع وسائل الإعلام الأمريكية؛ حيث أخذ يؤكد بشكل رتيب على أن إعادة نشر القوات المصرية في سيناء يخدم بشكل أساسي المصالح الأمنية لإسرائيل. يريد السيسي من خلال مثل هذا السلوك أن يقول إنه ليس فقط امتداد لنظام مبارك، بل أنه أكثر التزاما منه بالدفاع عن المصالح الإسرائيلية. من هنا، لم يكن من سبيل المفاجأة أن يصف المعلق الصهيوني أمير تيفون عهد السيسي بأنه العصر الذهبي للعلاقات المصرية الصهيونية. وعبر المستشرق إيلي ريخس عن تجذر الإحساس الصهيوني بأن السيسي هو امتداد أكثر تطرفا لمبارك؛ حيث قال: «عندما يكون هناك السيسي فلا حاجة لمبارك». ولا حاجة للتذكير مجددا بالرسالة العلنية التي بعثت بها الدبلوماسية الصهيونية روت لانداو للسيسي ونشرتها صحيفة «يديعوت أحرنوت» بتاريخ 13 أكتوبر الماضي، التي جاءت بعنوان «سر يا سيسي وشعب إسرائيل خلفك»، وعبرت فيها عن انبهارها من «الشوط الذي قطعه السيسي من أجل خدمة شعب إسرائيل»، ولم يفتها التأكيد على أن أهم إسهامات «السيسي» في دعم «الأمن القومي» الإسرائيلي هو دوره في محاصرة المقاومة الفلسطينية. ومن الواضح أن حرص إسرائيل على عدم التعليق على ما يجري في مصر ينبع فقط من حرصها على مصلحة نظام السسي واستقراره وعدم إحراجه، فعندما سارع السيسي لإبلاغ صحيفة «واشنطن بوست» بأنه يجري اتصالات كثيرة مع نتنياهو وإن نشر القوات المصرية في سيناء يخدم المصالح الإسرائيلية، رفض ديوان نتنياهو التعليق على ما نقلته الصحيفة للحفاظ على سمعة النظام، على الرغم من أن السيسي هو الذي بادر بالكشف عن عمق علاقاته السرية. وعندما استندت إيليت شاحر، المراسلة السياسية لإذاعة الجيش الإسرائيلي إلى مصادر في ديوان نتنياهو في تأكيدها على أن السيسي عرض على نتنياهو إقامة الدولة الفلسطينية شمال سيناء وأنه لا حاجة لإخلاء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، سارع الديوان لنفي الرواية، التي أكدها الوزير نفتالي بينيت، عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن. إن أحد أهم القضايا التي تثير حماس نتنياهو بشكل خاص هو الحرص على توفير شرعية دولية لنظام السيسي، فمن خلال التسريبات التي زخرت بها وسائل الإعلام الصهيونية منذ الانقلاب يتبين أن نتنياهو قد حول ديوانه بالفعل إلى مكتب علاقات عامة لتأمين الشرعية الدولية لهذا الانقلاب، وقد وصل الأمر إلى حد أن صحيفة «المصري اليوم» المؤيدة لنظام «السيسي» قد أقرت بدور السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمير في إقناع الكونجرس بتأييد رفع العقوبات على النظام. ورغم أنه لا توجد معلومات مؤكدة بهذا الشأن، فأنه يمكن القول واستنادا لتجربة الماضي، أن نتنياهو استغل علاقات إسرائيل الخاصة مع ألمانيا في حين أصرت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركيل على عدم الإنصات للدعوات التي صدرت عن عدد من الأحزاب الألمانية لعدم استقبال السيسي خلال زيارته لألمانيا. قصارى القول، السيسي من خلال إصدار أحكام الإعدام على قادة عسكريين لحركة حماس في سجون الاحتلال أو سقطوا شهداء في عمليات اغتيال يريد إيصال رسالة لإسرائيل مفادها أن صلاحية الكنز الاستراتيجي مازالت سارية.