من الصباح الباكر كانت أول الحضور للجلسة التاريخية، فهي شاهدة الإثبات الوحيدة في القضية التاريخية ضد المتهم الرئيسي الموجود داخل القفص الزجاجي. نادى الحاجب: «محكمة». وبدأت الجلسة.. • القاضي: انتي مين ياست.. معلهش مش واخد بالي.. عرفّيني بنفسك.. أصل القضية دي تعبتني قوي جداً خالص خصوصا المتهم ده. - الشاهدة: معلهش ربنا يكون في عونك ياباشا.. اللي واقفة أمام جنابك «ماسر» بلحمها وشحمها ونيلها الملوث بالفوسفات وريفها الفقير وصحرائها الجرداء وعشوائيتها الكتيرة. دي أول مرة أدخل فيها قاعة محكمة. لكني اليوم في عيد. • القاضي: اسمك وسنك وحالتك الاجتماعية.. قولي كل بياناتك؟ - الشاهدة: اسمي الكامل مصر لكن الاسم اتغير من سنتين إلى «ماسر». اسم الشهرة: زمان كنت المحروسة، دلوقتي «المخروسة». السن: 7 آلاف سنة لكني رجعت 500 سنة للخلف السنتين اللي فاتوا. الحالة الاجتماعية: أرملة. (2) • القاضي: كّملي ياست.. عاوزين بيانات إضافية.. إوصفي نفسك؟ - الشاهدة: زمان كنت رشيقة وقوامي ممشوق ولا هند رستم، لكن أوعد جنابك إني أواظب على «الجيم» عشان أتخلص من وزني الزائد وحالة الترهل. يقطع الخلف وسنينه. دي اللي بتولد عيل ولا اتنين محتاسة بيهم فما بالك ياحضرة القاضي وأنا خلفت 90 مليون في عين العدو غير عشرين تلاتيتن مليون سواقط قيد. • القاضي: عاوز بيانات كاملة.. أغنيتك المفضلة إيه والمطربين اللي تحبيهم مين.. خايف يكون فيهم واحد إرهابي لا سمح الله زي المدعو حمزة نمرة؟ - الشاهدة: لا.. اطمن سعادتك. أغنيتي المفضلة «تسلم الأيادي». وبحب أسمع سما المصري اسم النبي صاينها وحارسها، وحكيم اللي رقصه مفيش زيه وإيهاب توفيق ومصطفى كامل وطبعاً حسين الجسمي الله يبشره بالخير. (3) • القاضي: انتي عارفة تفاصيل القضية اللي هتشهدي فيها؟ - الشاهدة: طبعا يا جناب البيه.. من صباحية ربنا وأنا مستنياك في القاعة. فاليوم يومي وكايدة العزال أنا من يومى. اليوم السبت 16 مايو 2015. يااااه موعد منتظراه على أحر من الجمر. سنتين أحلم باليوم ده.. ومين المخبولة اللي ما تحلمش بمحاكمة هذا المجرم الماثل أمامكم محمد مرسي! • القاضي: دخلتي في الموضوع على طول يا «ماسر».. لكن سؤال مبدئي هل تحلم أم بمحاكمة ابنها.. وإزاي تقولي على ابنك مجرم؟ - أنا هشرح لسيادتك.. لما يكون الابن خارج عن السرب وعكس اخواته، يبقى الصباع اللي يوجعك ما تعالجوش. اقطعه واتخلص منه وريح بالك. طبعا حضرتك هتستغرب كلامي، لكن صبرك بالله وهتعرف كل حاجة من طقطق لسلامو عليكو. • القاضي: طيب احكي ياست.. المحكمة صدرها رحب وواسع للحكايات والحواديت.. - الشاهدة: الحكاية من أولها سعادتك إني طول عمري بيحكمني فراعنة جبابرة يعلموا الناس الأدب بالسجن والطوارئ والاعتقالات والتعذيب وشغل العفاريت الزرق، لكن على آخر زمن ييجي رئيس يعامل الشعب باحترام وآدمية، فده أمر لا يحتمل، وأنا عارفة ولادي لو ما مسكت لهم الكرباج يحتقروك ويطلعوا -ولا مؤاخذة في الكلمة- عين اللي خلفوك. • القاضي: كلامك خطير.. كملي ياست. - الشاهدة: والشيء اللي يغيظ سيادة القاضي، إن كل اللي حكموني لم يتم انتخاب ولا واحد فيهم، وكلهم خرجوا من طينة الشعب، ومستواهم التعليمي على باب الله، وفيهم اللي كان بيفك الخط بالعافية واللي ساقط ثانوية عامة، لكن ييجي واحد زي مرسي مهندس وكمان واخد دكتوراه من أميركا، فده طبعا خروج صريح على ثقافة الشعب وتكبر عليه. (4) • القاضي: عاوزين نعرف منك حقيقة المتهم مرسي يا «ماسر» بس اوعي تكدبي لتروحي النار.. ههههه. - الشاهدة: مرسي سيادة القاضي تركيبة غريبة عني.. أحس أنه مش ابني. لو مش مصدقني خذ عندك المعلومات دي عنه، ولاحظ -ربنا يعليّ مراتبك- الحاجات الغريبة المريبة اللي عملها الابن الضال ده بعيدا عن أفعال أولادي اللي بحق وحقيق.. • القاضي: اتكلمي يا «ماسر».. افضحي المتهم الابن العاق وخليه عبرة؟ - الشاهدة: النقاط دي مهمة لكل الناس من المحيط للخليج.. أولا: لا يعرف الفهلوة!! فهو لم يبحث عن أقصر الطرق للترقي الاجتماعي، بل كدّ وسهر الليالي ليحول نفسه من ريفي بسيط إلى شخصية لها هدف وقيمة في الحياة حتى وصل ليحكمني أنا «ماسر» على سن ورمح أكبر دولة في الشرق الأوسط. ورفض حياة الرفاهية في الغرب والدخل المرتفع والشوارع النظيفة والدولة المتقدمة وعاد والحال عندي لا يسر عدوا ولا حبيب. ثانياً: عنده مبادئ للأسف! دفع ثمن مواقفه سجناً واعتقالا وتعذيباً وتشريداً، وخاض انتخابات الرئاسة قبل إغلاق باب الترشح بأسبوع ثم تقدم السباق في أول جولة، وحسمها في الثانية رغم الحملة الإعلامية التي دعمت ابني وحبيبي ونور عيني أحمد شفيق ربنا يرد غربته من «العُمرة» اللي بيعملها من 3 سنين. ثالثاً: قوة تحمل! عنده صبر وجلد وواجه مؤامرات خارجية نفذتها عناصر داخلية لعرقلة خطواته من أول يوم وطأت فيه قدماه قصر الرئاسة. يبدأ يومه من الفجر ويقضي وقته كله في محاولة تحسين وضعي وتحقيق العدالة الاجتماعية لأولادي الغلابة، واستعادة مكانتي الإقليمية والدولية. رابعاً: دور خارجي! هذا الدور مصيبة في حد ذاته، فقد أوقف بكل بجاحة القصف من جانب حبايبي الإسرائيليين على الأعداء الأشرار في غزة، وأعاد مكانتي كجهة مقبولة من كل الفلسطينيين وليس مجرد طرف منفذ لأوامر الأميركيين والإسرائيليين ومشارك في حصار القطاع المضطهد. فعل كل هذا رغم أني أكون سعيدة بحصار غزة وأنتشي بعذابات الفلسطينيين، كما فتح أبواب تعاون مع القوى الناهضة في الصين والبرازيل وتركيا والهند رغم أني أكره النهضة كره العمى. خامساً: حافظ للقرآن! هي بدعة جديدة على من يحكمني. فالواحد منهم يحفظ «الفاتحة» بالعافية حتى يقرأها يوم خطوبة ابنه، ولا يعرف شيئاً عن الدين وذمته أوسع من ذمة إبليس، بينما هو مثقف وطاهر اليد ويملك قوة مواجهة شهوات الحكم، ورفض الإقامة في القصر الرئاسي الفخم واتخذه فقط مقراً لعمله ويعود آخر اليوم إلى «شقة إيجار». والكارثة أنه لم يسرق مال الدولة، ولم يحصل على العمولات اللي كان بياخدها ابني البكري وحبيب روحي مبارك، بل حتى لم يتقاضَ راتبه. وطبعاً كل دي أمور مش معقولة وتثير البلبلة والشرف بين الناس. وأنا لم أتعود على الشرف من المسؤولين. (5) • القاضي ينظر إلى المتهم في القفص: يا ساتر يا رب.. مش مكسوف على دمك.. مش مكفيك إنك متخابر لكن تطلع بالأخلاق الوحشة دي؟! ثم يواصل الكلام مع الشاهدة: عاوزة تقولي حاجة تاني ياست؟ - الشاهدة: أيوة سعادتك.. بعد كل الحاجات دي عاوزة أقول إن محمد مرسي مش ابني. أولادي فلذات أكبادي هم الخونة والسفاحون والبلطجية في السياسة والإعلام والثقافة والفن. أولادي هم النخبة الفاسدة وكل اللي زيهم. • القاضي: وضّحي أكتر.. عاوزة تقولي إيه؟ - الشاهدة: أنا يا جناب البيه فاسدة ومنغمسة في القذارة من صدري وانت نازل وركبتي وانت طالع. ومرسي غريب عني ورفض يسايرني في فسادي. مرسي عالم ومثقف ومتدين وبقية أولادي عايشين ب «الفكاكة» و «الفلاتر» ربنا يزيدهم من نعيمه. عشان كده مرسي لا ابني ولا أعرفه.. وعاوزاكم تعدموه. • القاضي: بس كده.. غالي والطلب رخيص.. تحال أوراق المتهم الابن العاق إلى فضيلة المفتي وإعلان حكم الإعدام يوم 2 يونيو 2015. رفعت الجلسة.