"لا في إيدي سيف ولا تحت مني فرس"، ولكن هذا لم يمنع من استيقاظ الخدم والحرس، أو ما يعرفوا بزائري المطابع، الذين يزورون مطابع الجرائد فجر كل ليلة حاملين آلاتهم لقصف سن القلم، قبل أن يصيبهم بمدافع الكلمات التي لا تؤذي سوى من يحاول إخفاء حقيقتها. "لدواعٍ أمنية" احتجبت عدد من الصحف عن الصدور وغابت عن أكشاك الصحف، بسبب لذوعة ما تطويه من كلمات أول الصحف المصادرة كانت الشعب بعد هجومها على مبارك والمطالبهة بإسقاطه حتى انتهى الأمر بإغلاقها عام 2000 وتشريد صحفييها دون عمل حتى الآن وآخر حوادث مصادرة هذه "الجرائد" كانت في 11 مايو، عندما تم مصادرة عدد جريدة "الوطن" بسبب مانشيت الصفحة الرئيسية والذي حمل عنوان "7 أقوى من السيسي" ويتناول شخصيات ومؤسسات تحدث الجريدة أنها أقوى من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك في العدد السنوي الخاص الذي أصدرته الوطن، مما أدى لمصادرة النسخ المطبوعة، مع طلب تغيير العناوين الخاصة بالملف، وكذلك العنوان الرئيسي ليكون " 7 أقوى من الإصلاح". "التحرير" رصدت أبرز زيارات أمنية للمطابع من خلال قراءة لمعطيات العديد من الصحف المصادرة : 1- ضربة البداية كانت من أرض "الوطن"، حيث تناولت وسائل الإعلام الحادث، وأكدت مصادر أن جهات سيادية طلبت حذف مقال في الصفحة الأخيرة للصحيفة يحمل اسم "الضابط ابن القصر يكتب"، كتبه مدير تحرير الصحيفة الكاتب الصحفي علاء الغطريفي، وهو ما جعل العدد يتوقف في المطبعة بينما غادر قطار الصحافة القاهرة في طريقه للصعيد لتوزيع الطبعات الأولى من الصحف على المحافظات المختلفة من دون عدد "الوطن"، وقد انتهى الخلاف بحذف مقال "الغطريفي"، وتعديل عنوان الملف محل الخلاف إلى " أقوى من الإصلاح"، بعد "فرم" ما يقرب من 48 ألف نسخة من الأعداد. 2- تعرضت جريدة "الوطن" لموقف مشابه في 11 مارس في نفس العام الجاري، حيث أكدت وسائل الإعلام قيام جهات أمنية بوقف طبع صحيفة "الوطن" بمطابع الأهرام لحين حذف أحد التقارير التي تحدثت عن تهرب جهات سيادية من دفع الضرائب وعلى رأسها الرئاسة . وكان التقرير يتمحور حول إمتناع 13 جهة وخاصة الجهة السيادية"، من دفع الضرائب المقررة عليها حيث كشفت الجريدة أن الضرائب المستحقة للدولة لدى تلك الجهات وصلت إلى نحو 7.9 مليار جنيه خلال سنة واحدة . ولفتت الصحيفة إلى أنها حاولت الاستفسار عن حقيقة الأمر من وزارة المالية فردت الأخيرة قائلة : "ابتعدوا عن عش الدبابير"، وقد انتهى الخلاف بحذف التقرير وتم طباعتها بدونه. 3- الموقف الثالث الذي تعرضت له جريدة "الوطن" كان "فرم" 40 ألف نسخة من الأعداد في 6 فبراير العام الماضي، وذلك بعد نشر الصحيفة تقريرًا عن الذمة المالية لوزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسي، حيث قال التقرير إنها تقدر ب 30 مليون جنيه، فيما قالت الجهات الأمنية إن هذا التقرير تضمن معلومات مغلوطة، وتم السماح بنشر الصحيفة بعد حذف التقرير نهائيًا. 4- العام الماضي لم يشهد فقط واقعة "مصادرة" صحيفة الوطن فقط، بل شهد أيضا إيقاف جريدة الشعب تحديدا في 26 يناير، وذلك تنفيذًا لقرار الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت؛ لأنه ارتأى أن ما تنشره الجريدة يهدد الأمن العام والوطنى، كما تحرض على العنف والإرهاب، في إشارة إلى أن الجريدة داعمة لجماعة الإخوان المسلمين. -5وقد تعرضت جريدة "الشعب" للإيقاف أيضا في عهد النظام السابق تحديدا في عام 2000، وقد تم إيقافها لمدة تزيد عن عقد كامل نظرا لمعارضتها الدائمة لحكومة نظام "مبارك" بعد أن كشفت منظومة التوريث وأعلنت حملاتها على الفساد واتهمت يوسف والي من خلال مايقرب من 100 تحقيق وكتابين بالتطبيع مع الصهاينة وتدمير الزراعة المصرية لتكون المحصلة المصادرة والمطاردة وتلفيق للاتهامات نالعها مجدي حسين في محاكما هزلية ليقبع سنوات طوال خلف القضبان ولكن الغريب أنه بعد الثورة حوكم يوسف والي على اتهامات الشعب له وسجن وواصلت الشعب دورها في الدعوة للثورة ورفض نظام مبارك والدعوة العلنية لإسقاط حكمه الغير شرعي حتى انتهى الأمر بإغلاقها بفضل جهود الفاسد صفوت الشريف وعز ورجال المخلوع فإغلقت وشرد صحفييها وأصبحوا في الشارع منذ عام 2000 حتى الآن .- 6- "الشعب الجديد... أسسها حزب العمل الجديد بقيادة الثائر مجدي حسين عصفور الحرية الذي يتحدى السلطة وهو خلف القضبان بمقالاته وقلمه الثوري الذي يتطلع الى اتحقيق منظومة العيش والحرية والكرامة الاجتماعية , وكانت للشعب الجديد صولات وجولات مع منظومة الفساد في عهد المجلس العسكري كشفتهم وعرتهم أمام الشعب وفي عهد عبد الفتاح السيسي واصلت أنتقادها الشديد له وتدهور البلاد في عهده نتيحجة سوء حكمه وتفشي الفساد في الوزارات, وقد كان لمجدي حسين صولات وجولات من خلال مقالات المجاهد مجدي حسين الذي دخل عش الدباتبير وواجه الكبار بفسادهم وكشف المسكوت عنه ليدفع الثمن بمصادرة الجريدة وتجميدها وانتهاءا بالقبض عليه وتلفيق القضايا والاتهامات له 5- ومن مصادرة جريدة "الشعب" إلى مصادرة جريدة "المصري اليوم" في 1 أكتوبر من العام الماضي، حيث لم يصدر العدد إلا بعد حذف الحلقة 6 من سلسلة حلقات مذكرات رجل المخابرات الفريق، رفعت جبريل، التي تتناول سلسلة عمليات مخابراتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وذلك لاعتراض أجهزة أمنية مصرية على نشر بعض ما تضمّنته الحلقات". وقد نشر في الجرائد وقتها "إن إعادة طبع العدد جاء بناء على ضغوطات تعرضت لها الصحيفة من قبل المخابرات المصرية عندما أمرت بوقف طبع العدد إذا لم تحذف الصفحة ". وهذه الصفحة كانت تضمن حوارًا مع رجل المخابرات الراحل، رفعت جبريل، الملقب ب"الثعلب" نشرت منه 5 حلقات في الصحيفة في أعداد سابقة، كشف فيها عن حقيقة تجنيد الفنان المصري، سمير الإسكندراني، واكتشاف تجسس الصحفي الكبير مصطفى أمين، لمصلحة المخابرات الأمريكية، والقصة الحقيقية للجاسوسة المصرية، هبة سليم، وحقائق وحكايات أخرى تم سردها في الحوار. وتُرجّح المعلومات أنّ ما رواه رجل المخابرات المصرية "الثعلب" في الحلقة الأخيرة، عن عدم إعدام مصر أي جاسوس إسرائيلي في تاريخ العمليات بين البلدين، وقصة تهريبه ضابط الموساد، باروخ مزراحي، وأيضاً علاقته بوزير الإعلام ورجل المخابرات الأسبق، صفوت الشريف، وهذا الأمر كان السبب في استياء جهاز المخابرات المصرية، مما جعلهم يصرّون على إيقاف طبع العدد ومصادرته إن لم يُحذف الحوار. 6- في الثاني من سبتمبر من العام الماضي، نشرت بعض الجرائد نقلا عن مصادر مسئولة بجريدة "صوت الأمة" الأسبوعية عن أن - هناك أزمة في طباعة العدد الأسبوعي لجريدة "صوت الأمة" –وقتها- ، وهذه الأزمة تتعلق بتحقيق صحفي "موثق" عن فساد أحد رجال الأعمال المرتبطين بجهة سيادية. وقد أعلنت إدارة التحرير بالجريدة عن إجراء مفاوضات مع إحدى الجهات الأمنية السيادية استمرت لمدة 48ساعة قبل طبع العدد بمطابع "الأهرام" حول الموضوع مصدر الأزمة، حيث كانت صفحة كاملة عن رجل أعمال يعمل في مجال الإعلام، وبعد مفاوضات ماراثونية استبدل الدكتور عبدالحليم قنديل، رئيس التحرير الموضوع بصفحة أخرى فتم طباعة العدد. 7- تتغير الأنظمة وال"فرم" واحد، ففي عهد الرئيس السابق محمد مرسي تم مصادرة جريدة "الدستور" في 11 أغسطس عام 2012، حيث توجهت الأجهزة الرقابية بوزارة الداخلية إلى مطابع جريدة الجمهورية، وطلبت أصل صفحات جريدة الدستور بعد طباعتها بساعات قليلة، بعدما ورد إليها معلومات عن نشر الجريدة مواد صحفية تمس شخص رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، وتتناوله بقدر من الإساءة والإهانة، في حين رفض خالد بكير، رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير، إعطاء رجال الداخلية تلك الأصول، لعدم حصولهم على إذن من النيابة العامة بذلك، الأمر الذي أجبرهم على الانصراف من المطبعة وصدور عدد الجريدة دون مصادرته أو اتخاذ أي إجراء بشأنه. وقد أيد رئيس محكمة الجيزة الابتدائية، أمرا صادرا بضبط مجموعة من أعداد جريدة الدستور الصادرة، وذلك على خلفية التحقيقات التي باشرتها النيابة العامة في إطار البلاغات التي قدمت إليها وتتهم جريدة "الدستور" ب«الحض على الفتنة الطائفية وإهانة رئيس الجمهورية والتحريض على الفوضى في المجتمع». 8- ولم تسلم الصحافة من المصادرة في أزهى أيام الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير، فقد كانت جريدة "صوت الأمة" أول جريدة يتم مصادرتها بعد الثورة، حيث صادرت "جهة سيادية" في 23 سبتمبر عام 2011، الجريدة وتردد وقتها أن ذلك بسبب خرقها لقرار حظر النشر في قضية الرئيس السابق محمد حسني مبارك. وقد أعلن رئيس تحرير الجريدة عبد الحليم قنديل في وسائل الإعلام وقتها، إن إدارة الأهرام خاطبت ادارة الجريدة وأبلغتها بقرارها وقف استكمال طباعة العدد المقرر طرحه يوم السبت في الاسواق، وكذلك وقف توزيعه دون أن تذكر الأهرام اسم الجهة التي اتخذت هذا القرار، وذلك بعد طبع حوالي 100 الف نسخة، وتوزيع بعضها على الأسواق بالفعل. وأشار قنديل أنه سرعان ما انتشر في كافة الاوساط أن هذا القرار جاء لعدم احترام الجريدة لقرار حظر النشر فيما يخص شهادة الخمسة الكبار في قضية مبارك المتهم فيها بقتل المتظاهرين، موضحا أن هذا الكلام عار تماما عن الصحة، وأن السبب الرئيس هو أن العدد تضمن تحقيقا صحفيا في الصفحة التاسعة من الجريدة، جاء بعنوانين؛ أولهما "فضيحة مخابرات عمر سليمان" والثاني "لماذا لا يبدأ اللواء مراد موافي "رئيس جهاز المخابرات الحالي" بحركة تطهير لرجال مبارك وسليمان، وقد اشتمل الموضوع على ثلاث صور لمبارك وعمر سليمان ومراد موافي".