«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرق بين الصبر والرضا
نشر في الشعب يوم 21 - 04 - 2015

الصبر والرضا شعبتان مهمتان من شعب الإيمان، ودليلان أكيدان على حسن إيمان العبد وعلى إقراره بحسن العبودية والتسليم لله وحده.
ولكن هناك ثمة فرق بين الصبر والرضا، فالصبر لغةً: المنع والحبس، وشرعاً: حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود، وشق الجيوب، ونحو ذلك، وقيل: الصبر شجاعة النفس، ومن هنا أخذ القائل قوله: "الشجاعة صبر ساعة".والصبر والجزع ضدان كما أخبر الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}..[إبراهيم:21].
وأما الرضا: فهو انشراح الصدر وسعته بالقضاء وترك تمني زوال الألم وإن وجد الإحساس بالألم لكن الرضا يخففه بما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة وإذا قوي الرضا فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية، فللعبد فيما يكره درجتان: درجة الرضا ودرجة الصبر، فالرضا فضل مندوب إليه، والصبر واجب على المؤمن حتم.
والفرق بين الرضا والصبر: أن الصبر حبس النفس و كفّها عن السخط مع وجود الألم وتمني زواله، وكف الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا يوافق الصبر في حبس النفس وكف الجوارح، ويزيد عليه عدم تمني زوال الألم، ففرح العبد بالثواب وحبه لله عز وجل وانشراح صدره بقضائه يجعله لا يتمنى زوال الألم.
قالت طائفة من السلف: "إن الراضي لا يتمنى غير حاله التي هو عليها، بخلاف الصابر".
وقيل: الرضا أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضٍ بأي ذلك كان والصبر، وأن يكون بعد نزول المصيبة يصبر، وأجيب عن هذا الأخير بأن هذا عزم على الرضا، وليس هو الرضا، فإن الرضا يكون بعد القضاء لا قبله، كما في الحديث:«وأسألك الرضا بعد القضاء»، ولأن العبد قد يعزم على الرضا بالقضاء قبل وقوعه، فهو الراضي حقيقة.
ومما سبق يتبين أن الصبر: هو أن يحبس نفسه، ويمنعها من التسخط، ويحبس لسانه، ويمنعه من التشكي، ويحبس جوارحه، ويمنعها من المحرمات، كاللطم للخدّ، والشق للثوب، وغير ذلك، وأن الصبر واجب لا بد منه للمؤمن، وهو من الإيمان.
وأما الرضا بالقضاء: فهو فوق حالة الصبر، يكون بعد القضاء لا قبله، مطمئنًا منشرح الصدر لما نزل به، غير متمنٍ حالة أخرى غير حاله التي عليها، والرضا مستحب عند العلماء، والوجوب فيه خلاف بينهم، واختار شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله، "عدم الوجوب"، وأعلى من الرضا بالقضاء، الشكر لله على المصيبة؛ لكونه يراها نعمة أنعم الله بها عليه، وحال الشاكر أعلى الحالات وأكملها في الفضل.
عن عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري: عن أبيه قال: "أوحى الله عز وجل إلى بعض أنبيائه: إذا أوتيت رزقا مني فلا تنظر إلى قلته، ولكن انظر إلى من أهداه إليك، وإذا نزلت بك بلية، فلا تشكُني إلى خلقي، كما لا أشكوك إلى ملائكتي حين صعود مساوئك وفضائحك إلي" (المنتخب من كتاب الزهد والرقائق، للخطيب البغدادي: 1/108).
ولما نزل بحذيفة بن اليمان الموت جزع جزعا شديدا فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "ما أبكي أسفا على الدنيا بل الموت أحب إلي ولكني لا أدري على ما أقدم على الرضا أم على سخط؟" (ابن أبي الدنيا: المحتضرين: 1/122).
عن عبد الواحد بن زيد قال: "قلت للحسن: يا أبا سعيد من أين أتى هذا الخلق؟ قال: من قلة الرضا عن الله، قلت: ومن أين أوتى قلة الرضا عن الله؟ قال: من قلة المعرفة بالله" (أبو حاتم البستي: روضة العقلاء: 160).
قال ابن سعدان:
تقنَّع بما يكفيك والتمس الرِّضا *** فإنَّك لا تدري أتصبح أم تمسي
فليس الغنى عن كثرة المال إنَّما *** يكون الغنى والفقر من قبل الَّنفس
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
قال سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19-24].
وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30].
ولقد كتب الفاروق إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول له: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضى، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ..» (أخرجه أحمد 1/208: 1778، ومسلم 1/46: 60، والتِّرْمِذِيّ: 2623).
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (البُخَارِي، في (الأدب المفرد): 300، وابن ماجة: 4141، والتِّرمِذي: 2346).
قال أحدهم:
إذا اشتدت البلوى تخفّفْ بالرضا *** عن الله قد فاز الرضيُّ المراقب
وكم نعمة مقرونة ببليّة *** على الناس تخفى والبلايا مواهب
قيل ليحيى بن مُعاذ رحمه الله: "متى يبلغ العبد مقام الرضا؟ قال: إِذا أَقام نفسه على أَربعة أُصول فيما يعامل به ربِّه، فيقول: إن أعطيتني قَبِلْت، وإِن منعتني رضيت، وإِن تركتني عبدت، وإِن دعوتني أَجبت".
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا» (أخرجه أحمد 3/103: 12025، والبُخَارِي 1/10: 16، ومسلم 1/48: 74).
يقول الشاعر:
الرِّضا يخفِّف أثقا لي *** ويُلقي على المآسي سُدولا
والذي أُلهم الرِّضا لا تراهُ *** أبدَ الدهر حاسداً أو عَذولا
أنا راضٍ بكل ما كتب الله *** ومُزْجٍ إليه حَمْداً جَزيلا
فالرضا نعمةٌ من الله لم يسعد *** بها في العباد إلا القليلا
والرضا آيةُ البراءة والإي *** مان بالله ناصراً ووكيلا
قال الحسن: " من رضي بما قسم الله له، وسعه وبارك الله له فيه، ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له فيه ".
وقال الشافعي:
أنا إن عشت لست أُعدم قوتا *** وإذا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي*** نفس حر ترى المذلة كفرا
وإذا ما قنعت بالقوت عمري*** فلماذا أخاف زيدا وعمروا
هذا هو نبي الله أيوب عليه السلام قالت له امرأته: "لو دعوت الله أن يشفيك، قال: ويحك! كنا في النعماء سبعين عاماً فهلمي نصبر على الضراء مثلها، فلم ينشب إلا يسيراً أن عوفي" (الزمخشري: ربيع الأبرار 1/412).
قال مُطرِّف بن عبدالله الشخير: "أتيت عمران بن حصين يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى". قال:" فلا تفعل، فو الله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله".
وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته. فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال: "لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة. قال: لا تبك فإن أحبه إلى الله تعالى، أحبه إلي". ثم قال: "أحدثك حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة، إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة، فمن يشاهد هذا في بلائه، كيف لا يكون راضياً به؟" (إحياء علوم الدين :4/349).
لما عمي ابن عباس رضي الله عنه أنشد راضيا:
إِنْ يَأْخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُمَا *** فَفِي لِسَانِي وَقَلْبِي مِنْهُمَا نُورُ
قَلْبِي ذَكِيٌّ، وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ *** وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ
قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة. قال عبد الله بن السائب: "فأتيته وأنا غلام، فتعرفت عليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم. فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك. فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري" (مدارج السالكين: 2 / 227).
قال الحسين بن أحمد الرازي يقول سمعت أبا علي الروذباري يقول: "كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر أن يلقى بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها" واحتال عليه أبو عبيدالله القاضي حتى ضرب سبع درر فقال: "حبسك الله بكل درة سنة" فحبسه ابن طولون سبع سنين (حلية الأولياء: 10/234).
كان علي بن سعيد العطار يقول: "مررت بعبادان بمكفوفٍ مجذومٍ، وإذا الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه، فقلت: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به وفتح من عيني ما أغلق من عينيه، قال: فبينما أنا أردد الحمد إذ صرع، فبينما هو يتخبط فنظرت إليه فإذا هو مقعد، فقلت: مكفوف يصرع مقعد مجذوم!" فما استتممت حتى صاح: "يا متكلف، ما دخولك فيما بيني وبين ربي؟ دعه يعمل بي ما يشاء". ثم قال: "وعزتك وجلالك لو قطعتني إربا إربا، أو صببت العذاب علي صبا ما ازددت لك إلا حبا". (المنتخب من كتاب الزهد والرقائق، للخطيب البغدادي: 1/108).
لما أغارت الروم على أربعمائة جاموس لبشير الطبري، فلقيه عبيده الذين كانوا يرعونها معهم، فقالوا: يا مولانا ذهبت الجواميس، قال: "فاذهبوا أنتم معها، أنتم أحرار لوجه الله"، وكانت قيمتهم ألف دينار، فقال له ابنه: "قد أفقرنا!" فقال: "اسكت يا بني، إن الله اختبرني أن أزيده" (الزمخشري: ربيع الأبرار 1/ 416، وابن العلاف: الرضا عن الله بقضائه 56).
عن أبى عل الرازي قال: "صحبت فضيل بن عياض ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكا ولا متبسما إلا يوم مات علي ابنه فقلت له في ذلك" فقال: إن الله عز وجل أحب أمرا فأحببت ما أحب الله" (ابن العلاف: الرضا عن الله بقضائه: 108).
وعن محمد خلف وكيع قال: "كان لإبراهيم الحربي ابن، وكان له إحدى عشرة سنة، قد حفظ القرآن، ولقّنه من الفقه شيئاً كثيراً فمات، قال: فجئت أعزِّيه"، فقال لي: "كنت أشتهي موت ابني هذا"، قلت: "يا أبا إسحاق، أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا في صبي، قد أنجب، وحفظ القرآن، ولقّنته الحديث والفقه؟" قال: ن"عم. رأيت في النوم، كأنَّ القيامة قد قامت، وكأنَّ صبياناً بأيديهم قلال ماء، يستقبلون الناس يسقونهم، وكان اليوم يوماً حاراً شديداً حرّه. قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، قال: فنظر إليّ، وقال لي: ليس أنت أبي؟ فقلت: فأيش أنتم؟ قالوا: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، وخلفنا آباءنا، نستقبلهم، فنسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت موته" (ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/410).
واجتمع ذات يوم وهيب بن الورد وسفيان الثورى ويوسف بن أسباط فقال الثورى: "كنت أكره موت الفجأة قبل اليوم، واليوم وددت أنى مت"، فقال له يوسف: لم، قال: "لما أتخوف من الفتن"، فقال يوسف: "لكني لا أكره طول البقاء"، فقال سفيان: لم، قال: "لعلي أصادف يوما أتوب فيه وأعمل صالحا"، فقيل لوهيب: إيش تقول أنت، فقال: "أنا لا أختار شيئا أحب ذلك إلي أحبه إلى الله سبحانه وتعالى"، فقبَّله الثورى بين عينيه وقال: "روحانية ورب الكعبة". (إحياء علوم الدين: 4/355).
عن محمد بن كعب قال: "قال موسى النبي صلى الله عليه وسلم: آي رب أي خلقك أعظم ذنبا، قال: الذي يتهمني، قال: آي رب وهل يتهمك أحد، قال: نعم الذي يستخيرني ولا يرضى بقضائي" (ابن العلاف: الرضا عن الله بقضائه 73).
كان أبو ذر جالساً بين الصحابة، ويسألون بعضهم: ماذا تحب؟ فقال: "أحب الجوع والمرض والموت". قيل: هذه أشياء لا يحبها أحد. قال: "أنا إن جعت: رق قلبي. وإن مرضت: خف ذنبي. وإن مت: لقيت ربي".
ويحكى أن رجلا ابتلاه الله بالعمى وقطع اليدين والرجلين، فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر الله على نعمه، ويقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، فتعجب الرجل من قول هذا الأعمى مقطوع اليدين والرجلين، وسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا.
يقول الدكتور مصطفى السباعي: "زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق، وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض، وزر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة، وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل. وزر ربك كل آن لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.