ترامب: بايدن جعل أمريكا أضحوكة العالم    انفجار مستودع ذخيرة يثير الرعب في تشاد.. قتيل ومصابين بكارثة نجاميا (فيديو)    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلي يواصل الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين    تشاؤم وانتقاد ل كولر، آخر ما كتبته نورهان ناصر مشجعة الأهلي بعد مباراة الاتحاد قبل مصرعها    انطلاق احتفالات دير المحرق.. بحضور 10 آلاف زائر يوميا    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025    كريمة الحفناوي: الإخوان يستخدمون أسلوب الشائعات لمحاربة معارضيهم    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    أجزاء في الخروف تسبب أضرارا صحية خطيرة للإنسان.. احذر الإفراط في تناولها    عشرات الشهداء والجرحى في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي    «المركزى» يعلن ارتفاع الودائع ل10.6 تريليون جنيه    بعد 17 عامًا من طرحه.. عمرو عبدالعزيز يكشف عن مفاجأت من كواليس «مرجان أحمد مرجان»    ريال مدريد ينهي الجدل بشأن انتقال مدافعه لميلان    موعد مبارة ألمانيا والمجر ضمن يورو 2024.. التشكيل المتوقع    انفجارات ضخمة تهز العاصمة التشادية بسبب نشوب حريق كبير في مستودع ذخيرة (فيديو)    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن الأربعاء 19 يونيو 2024    نشاط للرياح.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير مسيرات للحوثيين في اليمن    محافظ الإسكندرية: رفع 20 ألف طن مخلفات خلال أيام عيد الأضحى المبارك    مؤسسة علمية!    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    مستشار الشيبي القانوني: قرار كاس هو إيقاف لتنفيذ العقوبة الصادرة بحقه    ملف يلا كورة.. انتصار الأهلي.. جدول مباريات الليجا وبريميرليج.. وفوز تركيا والبرتغال في يورو 2024    إجراء عاجل من السفارة المصرية بالسعودية للبحث عن الحجاج «المفقودين» وتأمين رحلات العودة (فيديو)    في ثالث ايام عيد الاضحى.. مصرع أب غرقًا في نهر النيل لينقذ ابنته    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    ارتفاع أسعار النفط مع تزايد المخاطر الجيوسياسية في أوروبا والشرق الأوسط    عودة محمد الشيبي.. بيراميدز يحشد القوة الضاربة لمواجهة بلدية المحلة    مبادرة «العيد أحلى بمراكز الشباب» تواصل فعالياتها ثالث أيام عيد الأضحى في بئر العبد    مصر للطيران تبدأ اليوم جسرها الجوي لعودة الحجاج إلى أرض الوطن    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    مصرع مسن واصابة اثنين في انقلاب سيارتين بالغربية    الحاجّ ال12من الفيوم.. وفاة شعبان سيف النصر خلال أداء المناسك الحج    مكتب الصحة بسويسرا: نهاية إتاحة لقاح كورونا مجانا بدءا من يوليو    المحافظ والقيادات التنفيذية يؤدون العزاء فى سكرتير عام كفر الشيخ    ب10 جنيه بس.. الملاهى الشعبية بالزقازيق أجمل فسحة والسعر على قد الإيد    بعد آخر ارتفاع.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024    أشرف غريب: عادل إمام طول الوقت وسط الناس    محمود مهدى ل صاحبة السعادة: أعمال عادل إمام متفردة فى تاريخ السينما    ماذا حققت محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بعد عام من افتتاحها؟    بعد نجاح تجارب زراعته.. تعرف على موطن زراعة "الكاسافا" بديل القمح وأبرز مميزاته    غزارة تهديفية بالجولة الأولى تنذر ببطولة قياسية في يورو 2024    المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي.. نحو pdf    ليلى علوي تهنىء أبطال فيلم "ولاد رزق "    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    النائب العام يلتقي نظيره الإماراتي على هامش زيارته للعاصمة الروسية موسكو    أسقف نجع حمادي يقدم التهنئة للقيادات التنفيذية بمناسبة عيد الأضحى    بطريرك السريان الكاثوليك يزور بازيليك Notre-Dame de la Garde بمرسيليا    تركوه ينزف.. استشهاد شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال جنوب بيت لحم    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    بدائل الثانوية الأزهرية| معهد تمريض مستشفى باب الشعرية - الشروط وتفاصيل التقديم    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة ل"كارنيجي": تعاظم نفوذ الجيش وصراعاته الداخلية تعرقلان سيطرته على مصر
نشر في الشعب يوم 17 - 04 - 2015

قالت دراسة لمعهد "كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط" إن الجيش المصرى اكتسب نفوذًا غير مسبوق منذ أن أشرف على إطاحة رئيسَين مصريَّين، هما حسنى مبارك فى العام 2011 ومحمد مرسى فى العام 2013، لكن التمدّد الزائد للنفوذ السياسى والخصومات الداخلية، قد يشكلان عقبة فى وجه سيطرة القوات المسلحة المصرية على المدى الطويل.
وأشارت "شانا مارشال" المديرة المساعدة للمعهد، معدة الدراسة التى جاءت بعنوان: "القوات المسلحة المصرية وتجديد الامبراطورية الاقتصادية"، الخميس 16 إبريل الجاري، إلى أنه "مع تهميش أبرز المنافسين السياسيين، والحصول على ما يزيد عن 20 مليار دولار من المساعدات الخليجية ودعم محلى واسع النطاق للمشير عبد الفتاح السيسى الذى أصبح رئيسًا، استأنفت القوات المسلحة المصرية عملياتها الصناعية المتهالكة، وضمنت السيطرة على مشاريع البنى التحتية الضخمة، وأدخلت جنرالات إلى مناصب الحكم كافة تقريبًا، لكن التمدّد الزائد للنفوذ السياسى والخصومات الداخلية، قد يشكلان عقبة فى وجه سيطرة القوات المسلحة المصرية على المدى الطويل".
السيناريوهات المستقبلية
وحول السيناريوهات المستقبلية، شدد الدراسة على أن "الانقسامات فى الجيش يمكن أن تطفو إلى السطح قد يتسبّب تصاعد نفوذ حلفاء الجيش الجدد بانشقاقات كانت مغمورة، فى سياق صراع الأجنحة للحصول على حصة فى الحقل الاقتصادى والسياسى الجديد".13
وأن "الأدلة التى تشير إلى أن الجيش عمل فى الكواليس لإثارة الاحتجاجات وإضعاف خصومه قد تُضعِف نفوذه، فالمعلومات التى بدأت تظهر فى أواخر العام 2014 حول دور الجيش المباشر فى تمويل الاحتجاجات المناهضة لمرسي، وتلاعب القيادة الواضح بالنظام القضائى والإعلام، قد تدقّ فى ناهية المطاف إسفينًا بين النظام وداعميه الليبراليين".
وقالت إن: "الديمومة المؤسّسية للجيش قد تضاهى تطلّعاته الاقتصادية والسياسية"، وأن "قلق الجيش الأكبر ليس التهديد الذى يمكن أن تتعرّض إليه امبراطوريته الاقتصادية، بل عودة الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة، وإذا اضطرت حكومة يقودها الجيش إلى الطلب من القوات المسلحة قمع الاحتجاجات عن طريق العنف، فقد يواجه هو خطر حصول انشقاق داخلى وأزمة شرعية".
وأن من المرجح أن تستمر الحكومة الأميركية فى مساعدتها الجيش، على الرغم من فشل برنامج حثّ القوات المسلحة المصرية على الإصلاح أو تحسين إجراءات مساءلتها بدليل رفع الحظر الأميركى المؤقّت على الأسلحة المقدّمة إلى مصر فى مارس 2015، وهو ما سيضع مسؤوليةً سياسيةً أكبر على كاهل واشنطن، فى ظل تواصل العنف ضد المدنيين المصريين.
الصندوق الأسود للجيش
وتصف الدراسة القوات المسلحة المصرية ب"الصندوق الأسود"، خاصة حين يتعلَّق الأمر بدور هذه المؤسسة فى الاقتصاد المحلي، لأن "معظم قطاعات الاقتصاد التى يديرها الجيش تبدو خفية، كما أن مصادر نفوذ القوات المسلحة غير واضحة المعالم، مثل المقاعد البرلمانية المنوطة اسميا بالعمّال والفلاحين".
وأنه منذ الإطاحة بمرسي، أثبتت القوات المسلحة المصرية أنها "الحَكَم الأخير فى النظام الاقتصادى والسياسى فى مصر"، وأصبحت المُشرِف والمُراقِب الأول على الاقتصاد المصري، من خلال حماية الأصول الاستراتيجية لشركائها الاستثماريين الأساسيين فى حقبات الاضطراب، والسيطرة على عملية مناقصات المشتريات الحكومية الأساسية.
وأنه عندما أذعنت حكومة مرسى إلى العديد من المطالب الأساسية للقوات المسلحة المصرية لم تكن هناك مشكلة، لكن هذا "الاتفاق المؤقّت" سقط عندما حاول مرسى تهميش الجيش فى المشاريع الكبرى مثل تطوير قناة السويس ومشروع "توشكا"، وهو مشروع لاستصلاح الأراضي.
وأن السلطة العسكرية "الغامضة" تولت أدوارًا سياسية قوية وأكثر علانية بشكل متزايد منذ ثورة 2011 التى أطاحت حسنى مبارك؛ حيث أمسك المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بزمام الأمور وحكم البلاد إلى أن جرى انتخاب محمد مرسي، رئيسًا فى يونيو 2012، وحين أُطيح مرسى بعدها بسنة واحدة، سيطرت مجددًا حكومة مؤقّتة يدعمها الجيش على أمور السلطة، وتولى وزير الدفاع السابق الفريق أول عبد الفتاح السيسى رئيسًا فى مايو 2014.
وقد أجبر تسلّم القوات المسلحة المصرية السلطة السياسية الرسمية، قيادة المؤسسة على اتخاذ جملة من الخطوات الاستثنائية، ليس أقلّها إصدار بيانات رسمية دفاعًا عن الأنشطة الاقتصادية للجيش، وهى الأنشطة التى كانت تُعتبَر فى السابق من أسرار الدولة.
ففى مؤتمر صحافى عقده المجلس الأعلى فى ربيع العام 2012، كشف نائب وزير الدفاع للشؤون المالية آنذاك، اللواء أركان حرب محمد نصر، النقاب عن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش (198 مليون دولار)، وعن نسبتها فى ميزانية الدولة (4.2 فى المئة)، بيد أن نصر امتنع عن تقديم أى أدلة تدعم مثل هذه الأرقام، ولكن مجرد رد الجيش رسميًا على الانتقادات العلنية القوية عن مدى انخراطه فى الشأن الاقتصادي، كان بمثابة علامة تحوّل فارقة عما كان يجرى فى الماضي.
وسلَّطت الصراعات اللاحقة التى خاضها الجيش لاستعادة السيطرة على مؤسسات مهمة، الضوء على كيفية استخدام القوات المسلحة نفوذها المؤسسى لتمويل عملياتها، ولتوفير علاوات على الرواتب لسلك الضباط، وإدارة الاقتصاد السياسى المحلي.
والآن، تتنافس قوى دولية عدة – من دول الخليج إلى اليابان وروسيا – للتأثير على القيادة السياسية الجديدة فى البلاد، وهذا ما يفرض تحديًا أساسيًا للتفوّق الدبلوماسى الذى حظى به لعقود صنّاع القرار فى واشنطن.
وتمثّل ردّ فعل هؤلاء الأخيرين على هذا التنافس فى الدعوة إلى زيادة المساعدات العسكرية لمصر وتقليص الانتقادات للحكومة الجديدة.
ولكن، حتى ولو ضاعفت واشنطن مبلغ ال1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية لمصر، فمثل هذا الرقم يتقزّم أمام نحو 20 مليار دولار ضخّتها دول الخليج كمساعدات مالية إلى خزينة النظام منذ العام 2013. وبالتالي، "لا مال واشنطن ولا خطبها البلاغية المنمّقة يمكن أن ينتزعا تغييرات رئيسية من الحكومة المصرية، والرهان الأكثر حكمة هو أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على حلفائها الخليجيين كى يضبطوا سلوكيات النظام الأكثر إيغالًا فى التجاوزات، بما فى ذلك مواصلة القمع العنيف لنشطاء المعارضة".
تطوُّر الاقتصاد العسكرى
وترصد الدراسة تطوُّر الاقتصاد العسكرى فى عهود الرؤساء السابقين، مشيره إلى أنه فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1954 إلى العام 1970) وُجِّهَت موارد الدولة نحو الجيش الذى لعب مهندسوه ومقاولوه الدور الرئيس فى مشاريع استصلاح الأراضي، وإقامة البنى التحتية العامة، وتوفير السلع الأساسية، والصناعة المحلية للأجهزة الاستهلاكية والإلكترونات، وكذلك إنتاج السلع الصناعية والزراعية كالفولاذ والسماد، وتم تعيين ضباط من رتب عالية مكان مدراء المصانع المدنيين، وأدّى وجود هؤلاء الإداريين العسكريين فى مختلف المؤسسات التى تملكها الدولة والمؤسسات شبه العامة، إلى خلق قاعدة نافذة تستهدف دعم الوجود المتواصل للقوات المسلحة فى الاقتصاد".
وفى عهد خليفة عبد الناصر، أنور السادات، حدث تحوُّل محدود فى الأنشطة الإنتاجية للجيش،؛ حيث جرى التركيز على الصناعات الأكثر ارتباطًا بالدفاع، وتأسست الهيئة العربية للتصنيع لهدفٍ رئيسٍ هو صناعة الطائرات العسكرية، وتحوّل تركيز مصر من الاتحاد السوفييتى إلى الولايات المتحدة.
وهذا يعود جزئيًا إلى أن الأميركيين كانوا مصدرًا يُعتَدّ به أكثر للعتاد العسكرى والتكنولوجيا والتدريب، بينما كان السوفييت يركزون على نقل المعدات الجاهزة.
أما فى عهد مبارك، الذى أصبح رئيسًا بعد اغتيال السادات فى العام 1981، فبدأ موقع القوات المسلحة التاريخي، بالتآكل بشكل كبير، بيد أن الجيش تمكّن من الحفاظ على لائحة طويلة من الامتيازات المالية والصناعية، بما فى ذلك الوقود المدعوم، والسيطرة على قطاع العقارات المُربِح، وعمل المجندين، واستخدام الأذونات الخاصة، وممارسة إشراف خارج عن القانون فى قطاعات تتراوح من البتروكيماويات إلى السياحة.
لكن العائدات الاقتصادية لهذه الامتيازات تراجعت بعد أن خسرت الدولة المصرية قوة السوق أمام المستثمرين الخاصين والدائنين الدوليين، وفى الوقت نفسه، أسفر الانحدار السريع للاستثمارات العامة إلى تقليص عائدات الجيش الراسخة سابقًا، والتى استخدمها لدعم قاعدته الصناعية وتوفير الوظائف لعناصره.
وقد عمد قادة الجيش، فى سبيل تحصين أنفسهم ضد حملة حكومات مبارك للتحرير الاقتصادى والخصخصة، إلى تنويع محفظة القوات المسلحة الاقتصادية عبر الحصول على تمويلٍ وتكنولوجيا من مصادر القطاع الخاص الأجنبى والمحلي، وأيضًا عبر شراكات مشتركة مع رجال الأعمال غير العسكريين والمصالح الأجنبية.
وقد منحت هذه العمليات من التمويل والمصادر التكنولوجية الجديدة القوات المسلحة مداخل إلى حلقات الإمدادات العالمية فى صناعات تتراوح من صناعة السيارات وإنتاج أجهزة الكومبيوتر، إلى إعادة تدوير مياه الصرف الصحى وصنع الألواح الشمسية، كما نشطت القوات المسلحة للحفاظ على دورها كمزوِّد محلى ومتعاقد من الباطن فى مشاريع البنى التحتية – على غرار مزارع الريح - التى يموّلها مانحون أجانب.
حماية استثمارات الجيش
وخلال قلاقل 2011- 2012 التى شملت القمع العنيف لتظاهرات عمالية هدّدت الإنتاج فى مواقع أساسية، تحرك الجيش لحماية أرصدته الاستراتيجية المتعلقة بشركاء الاستثمار فى القطاع الخاص الجاذب للاهتمام العام، ما جعل الجيش الطرف الأقوى فى المعادلة السياسية.
وأن التهميش والاضطهاد المُحتمَلان لرجال الأعمال المرتبطين بعهد مبارك، والذين تعرّضوا إلى الخزى والعار، جعل العديد من الشركات والمستثمرين الدوليين متشوقّين لاسترضاء الجنرالات بأمل ممارسة نفوذ على الاقتصاد فى حقبة ما بعد الثورة.
وقد أظهر تقرير من السفارة الأميركية فى القاهرة، فى العام 2010، أن طلبات نقل التكنولوجيا من سلطة التسلّح المصرية ازدادت بشكل ملموس خلال السنة الماضية، وهذا عكس رغبة الجنرالات فى توسيع صادرات الأسلحة التى تحتوى تكنولوجيا أميركية، بما فى ذلك احتمال بيع دبابات M1A1 للعراق، وذخائر للسعودية، ودعم تقنى لترسانة تركيا من صواريخ "هوك"، وأنه خلال الفترة نفسها، طلب مسؤولون فى القوات المسلحة أيضًا الإذن الأميركى للسماح لمسؤولين من تونس والعراق بالقيام بجولات فى منشآت الإنتاج العسكري.
ومع تداعى سلطة مبارك، ضاعف الجيش جهوده لإبرام اتفاقات إنتاج مشترك مع شركات دفاع أجنبية، الأمر الذى لم يعنِ فقط توفير فرص أفضل لصادرات مستقبلية، بل أيضًا الحصول على مداخل إلى تكنولوجيات جديدة ومواقع محتملة للضباط فى مشاريع مرموقة، وعلى سبيل المثال، فى 11 فبراير – تمامًا حين كان مبارك يتأرجح على شفير الاستقالة القصرية – أعادت البحرية المصرية التفاوض حول عقد بقيمة 13 مليون دولار مع شركة "سويفتشيب" Swiftship بعقد زادت كلفته بنحو 20 مليون دولار لبناء 4 سفن دورية على أن يشارك حوض مصرى لبناء السفن فى تجميع هذه السفن وإنتاجها ونقل التكنولوجيا، وبناء منشآت جديدة، واستيراد معدات رأسمالية جديدة، وعقودًا طويلة الأمد لقطع الغيار والتصليحات، وتدريبًا جديدًا للعنصر البشري.
وبسبب تضافر كلٍّ من نفوذ القوات المسلحة المتنامى والمتضخّم والحصانة المنيعة المفترضة لبرنامج المساعدة العسكرية الأميركية (التى توفِّر جلّ مشتريات ميزانية الدفاع المصرية)، فقد تزايدت جاذبية القوات المسلحة كشريك لشركات الدفاع الأجنبية.
وفى سبيل تعزيز ثقة شركاء الاستثمار، أصدرت القوات المسلحة مروحة من الإشارات أبدت خلالها استعدادها للعمل للحفاظ على الأمن والنظام مهما كلّف الأمر، بما فى ذلك تشويه سمعة المحتجّين على أنهم سفّاكون، كما عمدت إلى فضّ الإضرابات بعنف، وأطلقت تهديدات غريبة – مثل الإعراب عن نيّتها إنهاء إضراب خطوط السكك الحديدية من خلال تجنيد منتهكى القانون مباشرة فى الجيش- وحين احتلّت عمليات التوقّف عن العمل صدر الأخبار، سارع المسؤولون العسكريون إلى تطمين المراقبين بأن العمل سيُستأَنف كالعادة من دون عرقلة.
كما نشرت القوات المسلحة جنودًا لحماية أصول شركائها من الشركات، وخلال انتفاضة العام 2011، زُوِّد الفرع المصرى لمجموعة الخرافى الكويتية، التى لها عدد من المشاريع المشتركة مع القوات المسلحة المصرية، بحرسٍ مسلّح لضمان التسليم الآمن للمعدات إلى مصنعه للطاقة (مصنع الشباب).
كما قدّم الجيش المصرى القوات، معززةً بالدبابات، لحماية مواقع الطاقة الرئيسة فى الشباب ودمياط. كما استخدم الجيش المصرى العناصر العسكرية المسلحة لمرافقة نقل قطع كبيرة من المعدات لطوربينات الغاز من مرفأ الإسماعيلية إلى موقع الشباب.
أيضا قمعت القوات المسلحة التظاهرات العمّالية التى اندلعت على مقربة من العمليات الاقتصادية الكبرى التى للجيش مصالح مالية مباشرة فيها – بما فى ذلك مصانع معالجة البتروكيماويات، ومناطق التصدير، والمرافئ البحرية، ومشاريع التصنيع متعدّدة الجنسيات، خاصة فى السويس، حين اشتبك عناصر الشرطة العسكرية (وأفراد الشرطة السرّية من وزارة الداخلية) مع المحتجّين والعمّال المضربين، كما قامت الشرطة العسكرية بفضّ إضرابات فى مطار القاهرة.
وفى ظل حكومة السيسى الجديدة، تم إرسال قوات الشرطة والجنود من الجيش الثالث لتفريق المضربين فى بورسعيد وفى العين السخنة، وعمد أفراد الشرطة العسكرية إلى تفريغ السفن المُنتظرة وخدمتها بأنفسهم، بعكس تراخيهم خلال حكم مبارك، ما يشير أيضا لوجود "استراتيجية هادفة مُصمَّمة لمفاقمة التعثّرات الاقتصادية لحكومة حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين".
الإعلام العسكرى
وتنوه الدراسة إلى أنه "طيلة فترة ما بعد الثورة، استخدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة استثماراته الاستراتيجية للتأثير على أسلوب تغطية الأخبار، وفى البيانات العامة التى تُبرِز ما وصفه اللواء الركن نصر بالمساهمات الخيرية للقوات المسلحة المصرية فى الاقتصاد المصري، تحدّث نصر عن منح 58 مليون دولار إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري.
لكن ما لَم يفصح عنه هو أن الهيئة العربية للتصنيع التابعة للجيش مُستثمِرة إلى جانب الاتحاد فى شركة الفضائية المصرية، وهذه الشركة، المعرفة ب"نايلسات"، أثبتت أنها شريك يُعتَدّ به للجيش فى الثورة المضادة فى خريف العام 2013، حين منعت فضائية الجزيرة من استخدام قمرها الاصطناعى لبثّ صور عن الأزمة المتواصلة فى مصر.
تحالف ثم مناورات مع حكومة الإخوان
وهذه الخطوات لحماية استثمارات الجيش، ساعدت أيضًا ضمن الخطوات التى اتّخذتها قيادة القوات المسلحة لتشكيل النظام السياسي، فى فترة ما بعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فى الحفاظ على سيطرة الجيش المؤسّسية على موارد اقتصادية رئيسة، بل وتوسيعها كذلك.
ونجح الجيش فى الحصول على ضمانات دعم (أو على الأقل عدم التدخّل) فى قضايا أساسية من جانب القيادة المُنتخَبة لحزب "الحرية والعدالة"، كما حاول القادة العسكريون توجيه السياسة الاقتصادية العليا فى اتجاه يُفيد على نحو انتقائى عملياتهم، وانخرطوا فى حمأة مناورات سياسية حذقة وبارعة، هدفت إلى تهميش أو ملاحقة العديد من مراكز القوى التابعة للنظام السابق.
والواقع أن العديد من السياسات التى مورِسَت فى حقبة ما بعد الثورة من جانب كلٍّ من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومرسى (على غرار وقف دعم الوقود لمؤسسات الصناعية)، لم تشكِّل تهديدًا يُذكَر للأنشطة الاقتصادية للجيش؛ لأن بنود الدعم للجيش غير منصوص عليها فى التنظيمات، وبالتالى لا تتأثر بقطع الدعم، ولأن الميزانية العمومية للجيش (وبالتالى أيضًا مصادر الطاقة) أُبقيَت سرّية، فقد بدا المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه صانع قرار مسؤول ماليًا، لكن فى الحقيقة وقع العبء على منافسى الجيش.
ولم يستطِع جهاز الكسب غير المشروع بعد ثورة 25 يناير تطبيق التفتيش القضائى على الضباط العسكريين، وهذا يعود جزئيًا إلى أن العديد من الخبراء القضائيين وضعوا الأولوية لملاحقة عصبة رجال الأعمال وثيقة الصلة بمبارك، بدلًا من وضع الجيش تحت السلطة القضائية المدنية.
بيد أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن المبادئ الدستورية نفسها التى تضمّنت الحصانة القانونية للجيش، والتى أثارت سابقًا إدانة عنيفة وقاسية من قِبَل حزب "الحرية والعدالة"، أُدخِلَت فى خاتمة المطاف إلى الدستور الذى عُرِضَ على مرسى فى ديسمبر 2012.
كما تم فى الدساتير اللاحقة ضمان إعفاء الجيش من الحظر على العمل الإجبارى (ما سمح باستمرار نظام أعمال الخدمة فى الجيش)، وأيضًا ضمان سريّة المؤسسات المالية الخاصة بالقوات المسلحة، وقبل ذلك، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد ضبطت بحزم أنصارها الشباب وحفّزتهم على عدم المشاركة فى الاحتجاجات المناوئة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فى الأشهر التى سبقت الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى العام 2012، كما أفرغت المطالب الخاصة بمحاسبة الجيش من معظم زخمها.
لكن هذه التسوية المؤقّتة بين حزب الحرية والعدالة والجيش أثبتت أنها من عمر الورود، وأورد الإعلام المصرى بنود الصفقات المزعومة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين حزب الحرية والعدالة، والتى شملت "خروجًا آمنًا" يوفّر حصانة لأعضاء المجلس الأعلى؛ واتفاقًا بألا يطرح حزب "الحرية والعدالة" مرشحًا للرئاسة لا يعتبره الجيش مقبولًا؛ وترتيبًا يمنح الجيش السيطرة على السياسة الاقتصادية العليا، فيما هو ترك السلطة على وزارات الخدمات (وزارات التعليم والشباب والثقافة، إلخ) فى يد جماعة الإخوان.
والأمر نفسه انسحب على خطوات مرسى الحاذقة فى تنفيذ التنقّلات فى بعض مواقع السلطة العسكرية (بما فى ذلك أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، وفى إبعاد ضباط رفيعى الرتب عبر تعيينهم فى مواقع مُربِحة ونافذة فى هيئة قناة السويس، والهيئة العربية للتصنيع، ومناصب فى وزارة الدفاع، وأيضًا فى اختيار بدائلهم من بين صفوف كبار القادة، إضافة إلى ذلك، وعد مرسى بمعالجة بعض تظلّمات الجيش، متعهّدًا بإعادة نشر القوات المسلحة فى سيناء وتنويع مصادر مصر الأجنبية من الأسلحة والتدريب.
وهناك مثل واضح بجلاء لكيفية نجاح الجيش فى تحسين موقعه الاقتصادى عبر التحالف مع حزب الحرية والعدالة، تجسّد فى المشاريع التى حظيت باهتمام عام، والتى أعلنتها القوات المسلحة إبان ولاية مرسي، مثل استحوذا وزارة الإنتاج الحربى على شركة نصر لصناعة السيارات "ناسكو"لأن التكنولوجيات والتسهيلات والمعدات المتوافرة من خلال التصنيع التعاونى للعربات العسكرية، يمكن أيضًا استخدامها فى إنتاج السيارات المدنية التى يبيعها الجيش فى السوق المحلية.
ثم برزت علامة حسن نية أخرى بين القوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة خلال زيارة مرسى لروسيا فى أبريل 2013، حين حصل على وعد من موسكو باستثمار أموال الدولة الروسية فى شركة السيارات المصرية، والتى حصلت القوات المسلحة على أصولها مجانًا.
ومن الشراكة الاقتصادية قصيرة العمر التى أبرمها حزب الحرية والعدالة مع الجيش أيضا "الآى باد المصري" الذى حظى بدعاية مبالغ فيها، وهو جهاز كمبيوتر لوحى يُدعى "إينار" Inar. فمع أن هذا المشروع كان قيد العمل منذ سنوات، إلا أن التقدّم لم يُحرَز فيه إلا فى صيف العام 2013، حين أعلنت الحكومة التى يقودها حزب الحرية والعدالة عن مناقصة عامة كبيرة.
ووفقًا لصحيفة "دايلى نيوز مصر" Daily News Egypt، تقدّمت ثلاثة تكتّل شركات بعروض المناقصة ، بينها اثنتان تتكوّنان من شركات أجنبية متعدّدة الجنسيات، لكن ما لَم يوضحه تقرير الصحيفة هو أن التكتلات الثلاث كلها تضمنّت شركات يملكها الجيش، منها الهيئة العربية للتصنيع، شركة "بنها" للالكترونيات (وهى جزء من وزارة الإنتاج الحربي) والشركة العربية لتصنيع أجهزة الكومبيوتر التى تشمل لائحة مالكى الأسهم فيها الهيئة العربية للتصنيع، وشركة "بنها"، ووزارة الإنتاج الحربي.
قناة السويس بداية التوتر
مع أن المشاريع الصناعية الصغيرة، على غرار صناعة السيارات وتجميع الألواح الإلكترونية، كانت أرضًا خصبة للاتفاق بين الجيش المصرى وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن مشروع توسيع وتنمية قناة السويس الضخم أثبت أنه يفوق قدرة هذا التحالف المتقلقل على استيعابه.
ومع أن تحويل قناة السويس إلى مركز لوجيستى ضخم ومركز للتصنيع الثقيل، كان هدفًا يرنو إليه بصر المخطّطين الاقتصاديين فى الجيش، الذين تقدّموا بمختلف الاقتراحات لإقامة محطات طاقة شمسية ورياحية (من ريح)، وطاقة باطن الأرض فى منطقة السويس وحولها، للإفادة من قدرات المنطقة الصناعية، وبالطبع، ستلعب الشركات التى يملكها الجيش أدوارًا رئيسة فى عمليات البناء وتوفير المعدات لمثل هذه المشاريع‘ إلا أنه حين أعلن مسؤلو حزب "الحرية والعدالة" فى أواخر العام 2012 عن خطط تحويل القناة إلى مركز لوجيستى عالمي، أثار الخلافات بين الطرفين، برغم أنه بدا أن الإرادة السياسية ودعم الدولة لمثل هذا المشروع سيتوافران أخيرًا.
فقد كشف مستشار حكومى مصرى النقاب عن أن الإشراف على توسيع القناة سيوضع بين يدى رئيس واحد سيكون فى رتبة نائب رئيس الوزراء ويكون تابعًا مباشرة لمرسي، الأمر الذى جعل القوات المسلحة مجرد واحدة من مجموعة هيئات حكومية منخرطة فى هذا الجهد، ما يعنى تهميش دور الجيش فى أكبر مشروع للبنى التحتية منذ عقود، ما جعل حزب العدالة والعدالة يخسر دعم القوات المسلحة.
فهناك أهمية كبيرة يوليها الجيش للقناة، ليس فقط فى مجال العائدات بل أيضًا فى تزويد القوات المسلحة المصرية بالتبرير لإقحام نفسها فى النقاشات حول التخطيط الاقتصادى طويل الأمد، فالعديد من الخدمات المرتبطة بالقناة كانت تقدّمها أساسًا شركات مرتبطة بالجيش، وكانت هذه ستتضرر إذا ما استُبعِدَت القوات المسلحة عن عمليات اتخاذ القرار المتعلّقة بخطط تنمية القناة.
من هناك بدأت مزاعم نظريات المؤامرة والحديث عن البيع الوشيك للقناة إلى مصالح أجنبية، الذى كان دومًا الوسيلة الكلاسيكية لتعبئة المعارضة الوطنية للحكومات القائمة، ولتذكير المواطنين بمسؤولية الجيش فى تأمين الموارد الاستراتيجية لمصر.
ولذلك جعلت الأهمية الاقتصادية للقناة وأبعادها الرمزية، خطة توسيع هذا الممر المائى "نقطة الارتكاز للصراع المتفاقم بين القوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة".
فظهر عنوان لصحيفة يقول: (وزير الدفاع) السيسى يحذِّر مرسى (ورئيس الوزراء) قنديل، ومقال لمسؤول عسكرى يقول فيه "أن خطط الحكومة لتوسيع القناة، لن تخطو خطوة إلى الأمام إلى أن تُقرّ القوات المسلحة التفاصيل" وحذَّر من أى انخراط أجنبى فى المشروع، ما قد يتسبّب بنزاعات مستقبلية (فى إشارة إلى مفاوضات مرسى مع الهند).
وقد كرّر ناطق عسكرى لاحقًا هذه المطالب، وأصرّ على أن الشركات والمشرفين المنخرطين فى المشروع يجب أن يحظوا باحترام واسع النطاق ويكونوا غير خاضعين إلى نزوات أو هوى أى حزب سياسى بعينه، وردّ بيان صدر فى 23 مارس عن الناطق الرسمى باسم هيئة الاستعلامات فى الدولة، على بيانات الجيش، بأن "الهيئة التى شُكِّلَت للإشراف على توسيع القناة ستكون تحت سلطة الرئاسة"، وبالتالى ليس تحت السلطان القضائى للقوات المسلحة.
ومع أن مسؤولى حزب الحرية والعدالة أتبعوا هذا البيان شديد الصراحة والوضوح بسلسلة من البيانات التوافقية التى هدفت إلى تهدئة مخاوف الجيش، إلا أن العديد منها قصُر عن الرضوخ إلى فيتو القوات المسلحة، وأصرّ وزير الإسكان التابع لحزب الحرية والعدالة، طارق وفيق، على أن الحكومة ستُطلِع قادة الجيش على مسودة القانون الخاص بالمشروع وتستمع إلى وجهة نظرهم ورؤيتهم، لكنها لن توافق على أى اعتراضات، ولن تعدِّل الخطط الراهنة للقناة.
لكن، بعد ثلاثة أشهر، أُجبِرَ وفيق على التراجع، وأعلن أن الجيش – الذى قال إنه الآن وراء المشروع "مئة فى المئة" – سيكون الكيان الوحيد الذى له سلطة منح رخص للشركات العاملة فى الخطة، لكن، بدا واضحًا فى هذه المرحلة أنه من المستحيل ترميم التحالف بين الطرفين.
وقد أُميط اللثام لاحقًا عن أنه خلال هذه المرحلة، كان مرسى يحاول استبدال السيسي، الذى كان وزيرًا للدفاع آنذاك، بشخص مطواع أكثر، وأن هذه الخطة تخلّى عنها فى نهاية المطاف بسبب معارضة المؤسسة العسكرية لها.
وزاد النزاع بين الطرفين المتناقضة مسألة التدخّل فى سورية، كما ظهر فى ردّ الحكومة على التظاهرات المرتبة للمُطالِبة باستقالة الرئيس، وهنا، أصدر القادة العسكريون بيانات علنية تحذّر من أنها لن تتسامح مع العنف الذى يرعاه حزب الحرية والعدالة ضد المحتجّين، وأبدوا نفورًا متزايدًا من طلبات للرئيس وحزب الحرية.
وحين تحوّلت التظاهرات إلى العنف، سحبت القوات المسلحة شرطتها العسكرية من مؤسسات رئيسة مثل المستشفيات العامة، التى شهدت عمليات سلب ونهب وتسبّبت بإضرابات من قِبَل موظفى العناية الصحية، ما فاقم الفشل الأمنى المزعوم لمرسي. كما ذهبت القوات المسلحة إلى مدى أبعد كى تُبرِز التعثّرات الاقتصادية للنظام عشية بدء العدّ العكسى لانقلاب يوليو 2013، وعمدت إلى إطلاق المخزون الاستراتيجى لتخفيف وطأة النقص الحاد فى الوقود والصفوف التى لا نهاية لها أمام محطات الوقود، مباشرةً فور وضع الجيش الرئيس قيد الاعتقال.
تعزيز المكاسب بعد مرسي
فى عهد السيسى والحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش التى سبقته، تركَّزَ خطاب الحكومة الاقتصادى على تحسين الخدمات العامة وتوسيعها؛ وتأمين السلع الأساسية ب"الأسعار المناسبة"، واستئناف مشاريع البنية التحتية الأساسية، بما فى ذلك استصلاح الأراضى وتوسيع النقل العام؛ وإحياء العمليات الصناعية الكبرى.
وسهّلت إطاحة مرسى وتعزيز النظام العسكرى الجديد قدرةَ القوات المسلحة المصرية على تحويل أموال الدولة إلى المشاريع التى لها مصالح فيها، وأحد الأمثلة على ذلك هو القرض الذى قدّمه البنك الأهلى المصرى بقيمة 20 مليون دولار، فى يناير 2014، لفرع من شركة ثروة للبترول Tharwa Petroleum التى يمتلك الجيش حصة مباشرة فيها.
أيضا الحصص المملوكة من الدولة فى شركة "فودافون مصر" ذات الأرباح المرتفعة، تُحوَّلت إلى ملكية عسكرية، ما أتاح فرص للضباط المتقاعدين لعقد شراكات مع الشركة فى مشاريع جديدة، وزاد دعم الشركات العسكرية من خلال المصارف المملوكة من الدولة، وتوزيع العقود المرغوب فيها على شركات الضباط المتقاعدين بعد إحكام الجيش قبضته على السلطة مجددًا.
ثم أضحى مشروع توسيع وتنمية قناة السويس – الذى تتولّاه اليوم بإحكام هيئة قناة السويس التى يهيمن عليها الجيش - مشروعًا طموحًا أكثر فى عهد السيسي،؛ حيث يشمل المشروع توسيع ستة موانئ مصرية، وبناء عدد من الأنفاق والمناطق الصناعية، وحفر قناة موازية للسماح بمرور السفن فى الاتجاهين.
وبحسب دراسة كارنيجي: "لا شك فى أن جوانب المشروع تبدو أنها أضغاث أحلام دكتاتورية، مثل مطلب السيسى العام بأن يحفر الجيش القناة فى عام واحد، فى مقابل الأعوام الثلاثة التى قدّرها المهندسون لإنهاء العمل، وهو نفس ما قيل فى إعلان الحكومة، فى مارس 2015، أنها تخطّط لنقل العاصمة بأكملها إلى رقعة فى الصحراء القاحلة شرق القاهرة مساحتها 700 كلم مربع".
ويُرجَّح أن تُركِّز جهود السيسى على الأفراد الأثرياء الذين لهم مصالح واستثمارات فى تلك القطاعات الأهم بالنسبة إلى الجيش، أمثال الوليد بن طلال، وهو أمير سعودى تُعَدّ شركته، المعروفة بشركة المملكة للتنمية الزراعية (كادكو مصر)، المستثمر الأساسى فى مشروع "توشكا" لاستصلاح الأراضي، الذى يمتدّ إلى عقود ويهدف إلى إعادة تشكيل وادى النيل فى الروافد الجنوبية فى مصر.
وقد استُخدِمَت حزمة حوافز بقيمة 4.9 مليارات دولار – مموَّلة إلى حدّ كبير من الإمارات العربية المتحدة – لتمويل عقود البنى التحتية الأساسية التى مُنِحَت لشركات تابعة للجيش، وفى العام 2014، صدر مرسوم عن الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش، يقضى بتوسيع قدرة الوزراء على توقيع العقود أحادية المصدر، الأمر الذى أدّى إلى انتقال أجزاء ضخمة من الاستثمار العام إلى الشركات العسكرية وشركائها، الذين مُنِحوا أيضًا عقود خدمات مهمة، بما فى ذلك امتيازات طويلة الأمد لتشغيل بعض أكثر الطرق السريعة ازدحامًا فى مصر (وتحصيل رسوم استخدامها).
وفى غضون الأشهر العشرة الأولى فقط فى ظل الحكومة المؤقّتة، فاز الجيش بحوالى 770 مليون دولار من العقود، وأكثر من مليار دولار من العقود الحكومية أحادية المصدر على مدى ثلاثة أشهر فى خريف العام 2014.
دعم عربى وأجنبى للسيسى
وقد استفاد شركاء الجيش المفضَّلين أيضًا من سيطرته على الاقتصاد مثل الشركة العقارية "أرابتك للإنشاءات" ومقرّها دبي، ويبرّر المدافعون عن الجيش عملية منح العقود غير التنافسية بالحاجة إلى الحافز السريع، لكن هذه العملية تتناقض بشكل صارخ مع العرقلة المتعمّدة (من جانب الجيش وفلول الحزب الحاكم السابق الذين لا يزالون ينشطون ضمن البيروقراطية المصرية) التى أعاقت عددًا من الاتفاقات الاستثمارية التركية والقطرية التى وقّعها الرئيس مرسى آنذاك.
إضافة إلى الدعم السخى من دول الخليج، يصطفّ حلفاء محتملون آخرون للعمل مع مصر، فروسيا، فضلًا عن دعمها شركة "ناسكو" للسيارات، التزمت بتطوير مصنع الحديد والصلب المصرى فى حلوان وشركة مصر للألمنيوم الضخمة التابعة للدولة، وتوفير المساعدة التطويرية لمحطات سد أسوان لتوليد الكهرباء، أما الصين فشريكًا فى مشاريع البنية التحتية الكبيرة، بما فيها محطات طاقة جديدة، ومشروع سكك حديدية عالية السرعة، ومشروع قناة السويس.
كما استمر تدفّق المساعدات المالية العسكرية الأميركية إلى مصر فى ظل الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش وأيضًا فى ظل حكومة السيسي، على الرغم من الاحتجاجات الضعيفة لوزارة الخارجية الأميركية على عنف النظام، فخلال الشهرين اللذين أعقبا الانقلاب مباشرةً، وقّعت وزارة الدفاع الأميركية عقودًا جديدة بقيمة 300 مليون دولار لإنتاج المعدات العسكرية بشكل مشترك مع مصر أو توريدها إليها.
كما تسعى دول الاتحاد الأوروبى إلى نيل رضى السيسى ففرنسا علّقت بيع الأسلحة إلى مصر فى العام 2011، إلا أن الحكومة وقّعت اتفاقات مع السيسى قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار منذ بداية العام 2015، من ضمنها صفقات لشراء مقاتلات نفاثة وبوارج حربية.
ومن المرجّح أن تعزّز إجراءات السيسى الجديدة، بما فى ذلك قانون نصّ على دور الجيش فى حماية البنى التحتية الأساسية (كان ذلك سابقًا ضمن صلاحيات الشرطة)، دورَ الرقابة هذا من خلال بناء العلاقات والاتصالات بين الجنرالات وبين رجال الأعمال الذين يموّلون هذه البنى التحتية، تشى هذه الظروف بأن الاستثمارات الأجنبية المقبلة ستكون على الأرجح متركزة أكثر، لا أقل، فى المشاريع التى يمتلك فيها الجيش حصصًا.
التسريبات تشير لانشقاقات
وهنا تأتى الدراسة للنتيجة الأهم التى تسعى للوصول لها وهى أنه: "على الرغم من سيل المساعدات المالية والحلفاء الجدد، إلا أن هذا التدفّق المفاجئ للموارد وتركُّز السلطة والثروة (فى يد الجيش) يمكن أن يُحدِثا نزاعًا داخل المؤسسة العسكرية".
وتقول إنه "ينبغى على الجيش المصري، شأنه شأن أى مؤسسة كبيرة، أن يقرّر كيفية اقتسام الغنائم، والواقع أن سيطرة الجيش المتزايدة على الدولة قد تُبرِز الانقسامات والانشقاقات التى لم تكن ظاهرة فى السابق، وقد تطفو على السطح تصدّعات فى صفوف القوات المسلحة المصرية فيما تسعى الأجنحة إلى الحصول على حصص اقتصادية وسياسية جديدة".
وتقول إن التسريبات المتكرّرة لمحادثات ضبّاط الجيش المصرى المسجّلة، التى بدأت فى أواخر العام 2014، تشى بانشقاق أكثر خطورة فى صفوف القيادة، ويبدو أن التسجيلات، التى تُورِّط بشكلٍ مباشر السيسى وأقرب مقرّبيه ومستشاريه، تم تسريبها من قبل أشخاص آخرين فى قيادة الجيش غير راضين عن الوضع القائم.
وكانت السرعة والوتيرة التى تمكَّنت بهما القوات المسلحة المصرية من إعادة بناء إمبراطوريتها الاقتصادية والسياسية فى مرحلة ما بعد مبارك مدهشتَين، فإلى جانب النهوض بالأنشطة الصناعية التى كانت متوقّفة، وفرض السيطرة على مشاريع بنى تحتية هائلة، أصبح انتشار القادة العسكريين كبيرًا جدًّا فى أروقة الحكم.
فسبعة عشر محافظًا من أصل سبعة وعشرين هم جنرالات عسكريون (تسعة عشر محافظًا عسكريًّا إذا شملنا ضابطَى شرطة من الرتبة نفسها) وسائر الحكّام المدنيين يتشاركون الحكم مع 24 لواءً فى مناصب نائب المحافظ، والأمين العام، ومساعد الأمين العام.
ولكن هذا الأمر يُظهِر حتمًا توطيد سلطة الجيش، إلا أنه قد يشى أيضًا بوجود شكوك ضمن قيادة القوات المسلحة المصرية حول قدرة حكومة يقودها الجيش على الاستمرار لمدة طويلة، وفى بيئة تسودها الشكوك، تكمن الاستجابة المنطقية فى فرض أكبر قدر ممكن من السيطرة الاقتصادية والسياسية للتخفيف من الخسائر فى التنازع المقبل على السلطة، لكن هذه الاستراتيجية قد تنقلب عليها (وأغلب الظن أن هذا سيحدث)، فيما تتضاءل المساعدات الخليجية ويواصل النظام بذخه.
التحديات المقبلة
بحسب مركز "كارنيجي": يتبع العديد من الانقلابات العسكرية مسارًا مشابهًا: الدعم الشعبى الأولى لإطاحة حكومة مدنية لا تحظى بالشعبية، تليها فترة يوطّد خلالها الجيش سلطته ويصبح أشدّ قمعًا وفسادًا، ويبدو المسار فى مصر شبيهًا بذلك إلى حدّ بعيد.
ومن المستبعد ألا ينتبه أحد إلى المعلومات التى ظهرت منذ وصول السيسى إلى سُدّة الحكم حول الجهود التى بذلها الجيش لإضعاف حكومة حزب الحرية والعدالة، ودور القوات المسلحة المصرية المباشر فى إثارة الاحتجاجات المناهضة لمرسى وتمويلها، وازدراء القيادة للنظام القانونى ووسائل الإعلام الموالية لها (والتلاعب السافر بهما).
من الممكن أيضًا أن تقرّر القوات المسلحة المصرية أن "تكاليف الفشل المؤسسى تتجاوز فوائد وجودها رسميًّا فى سدّة الحكم"، إذ لا يتمثّل القلق الأكبر للقيادة العسكرية المصرية فى وجود خطر على الامبراطورية الاقتصادية، بل فى عودة الاضطرابات الداخلية على نطاق واسع، لأن الجيش هو النظام والنظام هو الجيش حاليا.
وتخلص الدراسة الأمريكية بتوجيه نصيحة لإدارة أوباما: "إذا كان العنف الذى تشهده سيناء تمارسه مجموعات لديها تظلمات مشروعة ومحدّدة تجاه الحكومة العسكرية فى مصر، ويبدو أن هذه هى الحال فعلًا، فالحلّ يقتضى مفاوضات سياسية وتنازلات من جانب حكومة السيسي، وليس مزيدًا من الأسلحة".
وتشدد على أن: "المطلوب إجراء مفاوضات سياسية وقيام عدالة تصالحية لضحايا النظامَين الحالى والسابق من علمانيين ومتدينين، وأن المزيد من المال الأميركى لن يحقّق أيًّا من ذلك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.