ألف باء القضية الفلسطينية أنها قضية شعب عربي احتُلّت أرضه وشرد الآلاف منه، واغتصبت حقوقه على مدار أكثر من سبعين عاماً من القرن الماضي والحالي، تحت سمع العالم الحرّ (وغير الحرّ) وبصره، دون أن يحرك أحد ساكنا، وجرى ذلك كلّه على مدى حربين كبيرتين مُنَي العرب فيهما بهزيمتين ساحقتين، وكان المجتمع الدولي يتفرّج على نتائجهما، إما منحازا للمعتدين، او شامتاً بالخاسرين، او مشفقاً على بعض المهزومين. لم يكن هناك تصوّر غير هذا، وهو ما تضمنته القرارات الدولية العديدة التي طالبت بالانسحاب الاسرائيلي من الارض التي احتلت بالقوة!! غير أن تحركات هذا المجتمع (السلمية) حوّلت القضية المركزية من (قضية صراع وجود الى مسألة نزاع حدود) ، ونحن لا نملّ من تكرار هذا الوصف، لعل هناك من يريد ان يستيقظ على الفاجعة التي حلّت بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني جرّاء هذا التفاوض غير المتوازن، ووفقا لوعود بحلول لم يستطع أن ينفذها أحد، حتى الآن. في الماضي، كنا نضع آمالنا او نعلّقها على جهود الاتحاد السوفييتى (طيب الله ثراه!) ومن بعد استأثرت الولاياتالمتحدة بنصيب الأسد ثم أعطيناها تفاؤلنا بأنها تملك (90%) (من أوراق الحل) في كلام منقول عن الراحل الرئيس السادات، ولم نلبث ان وضعنا (البيض كله) في سلة واحدة هي سلة واشنطن وحدها، وهاهي تتولى العملية السلمية برمتها منذ سنوات طويلة وان كانت هناك (لجنة رباعية دولية) لذرّ الرماد في بعض العيون، كما كانت هناك مبادرات سلام ومشروعات سلام عربية توالدت عبر الزمن، غير أن الجهة الوحيدة المخولة بالحديث باسم (عملية السلام) لا تزال هي الولاياتالمتحدة، ولا يعرف أحد على مستوى اليقين مصير هذه العملية. خلال عقود عديدة نجحت اسرائيل بدعم أميركي متصل، ورعاية اوروبية عالية، وصمت دولي مقصود وعدم ممانعة عربية واسلامية، في تحويل القضية من قضية اغتصاب الاراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948، الى مسألة (محو آثار العدوان) الذي وقع عام 1967، بما يعني (اراض) عربية محتلة يمكن بموجب قرار (242) التفاوض على الانسحاب منها، وإلى مسائل فرعية أمنية واقتصادية، من جهة وإلى قضية مستوطنات نثرتها الحركة الصهيونية في معظم المواقع الاستراتيجية في الارض الفلسطينية (الضفة الغربية وغزة) وإلى قضية لاجئين يمكن استيعابهم في البلدان التي استضافتهم هذه الفترة الطويلة التي تزيد على الستين عاما، او نازحين يمكن التفاوض على عودتهم لكن الى الضفة وغزة وليس الى فلسطين 1948. ثم تضاءل حجم القضية الى ان اصبحت التفاوض المضني على التوافق لوقف الاستيطان الاسرائيلي مؤقتا، في مقابل (تطبيع عربي) واسع مع الكيان الاسرائيلي، أساسه الاعتراف باسرائيل بوصفها (دولة يهودية نقية من كل شائبة) وهو ما يطرح مرة أخرى مسألة الفلسطينيين الذين صمدوا في ارضهم ولم يغادروها عام 1948 ليكونوا أمام تحدي إخراجهم من وطنهم. تحركات المجتمع الدولي وقراراته متواصلة، والولاياتالمتحدة تعود للتنازل عن أي موقف لا ترتضيه اسرائيل وحكوماتها المتتابعة (من أقصى اليسار الى الوسط الى اقصى اليمين) وهذا ما حصل قبل أيام بخصوص موقف ادارة الرئيس أوباما من مسألة الاستيطان، فبعد أن جعلتها اساسا للتفاوض المطلوب ان يستأنف عاجلا، وجدناها تتراجع لتطالب بوقف الاستيطان مؤقتا (لسنة او تسعة اشهر) واخيرا ها هي الاخبار تتوالى عن عدم ممانعة واشنطن في استئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية دون شروط، والتخلي عن مسألة وقف الاستيطان، مقابل التطبيع المسبق، وترك الامور لتحل بين المتفاوضين (متى اتفقوا على التفاوض). ثمة سؤال يطرح على الفور: هل هناك حاجة الى مفاوضات من اجل المفاوضات؟ أي دون جدوى او نتائج محددة! ومن الذي يعمل على تسويق هذه المقولة ؟! ولماذا ؟! منذ ولدت القضية الفلسطينية وهناك اتهامات بوجود مخططات خبيثة صهيونية بريطانية اميركية لتصفيتها! فهل بقي الآن من القضية ما يستوجب التصفية، يا ترى؟! أليس وجود الاحتلال هو القضية الأولى والأخيرة؟! فمتى يتحرك المجتمع الدولي لإجبار الاحتلال على الرحيل؟!