لم تقتصر تداعيات الإنقلاب العسكري في مصر فقط على تشويه صورة الجيش المصري وإسقاط هيبته، بعد إلتحام بالمدنيين على مدار اكثر من عام ونصف في شوارع وميادين بمدن وقرى مصر،وتلطخ الشرف العسكري بدماء آلاف من المصريين الأبرياء في ستة مذابح كبرى، ●وعلى الرغم من سعي السيسي الدؤوب لكسب جانب كبار الضباط في الجيش المصري من خلال رفع الرواتب اكثر من مرة، وإنفاق الملايين من ميزانية الدولة المنهكة أساسا، إلا ان ذلك لم يتعدى كونه رشوة مقننة للتغاضي عما لحق بالجيش من عوار وآثام خلال الفترة المنصرمة من عمر الإنقلاب، •وللأسف لم نسمع عن أي خطط أعدتها الدولة لتسليح الجيش المصري أو تطوير معداته أو السعي لتصنيعها محليا كما سعى لذلك الرئيس الشرعي "محمد مرسي"، فقط صفقة مبهمة لا نعرف دواعيها، وبمبالغ طائلة (5.2مليار دولار) لإستيراد طائرات الرافال الفرنسية ،فكانت أول صفقة لشراء الطائرات في تاريخ الشركة منذ بدء إنتاجها قبل نحو عقدين من الزمان. ●وها هي اليوم حكومة الإنقلاب ، وتحت مزاعم عجيبة لخدمة مصر ومحاربة الإرهاب، تدعم حركة لقيطة تدعى "مجندة مصرية"، وهي الحركة التي أعلنت منذ أيام عن جمع 19 ألف توقيع لتجنيد الفتيات والسيدات بالقوات المسلحة، وبدء تحقيق حلم الحركة، ودخوله حيز التنفيذ؛ مع وعد من اللواء محيى الدين عبدالعليم، مدير إدارة التجنيد والتعبئة بالقوات المسلحة،بتعديل قانون التجنيد، بشأن إلحاق الإناث بالجيش، بالخطوط الخلفية وقد كشفت "جهاد الكومى"، المتحدثة باسم الحركة، أنها التقت المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، بناء على توجيهات من قائد الإنقلاب العسكري" عبدالفتاح السيسى، والذي رحب بالفكرة. ●فهل تجنيد النساء بالجيش المصري فكرة مقبولة مجتمعيا؟! في تصريحات صحفية للدكتورة "هدى بدران" رئيس الاتحاد العام لنساء مصر لصحيفة اليوم السابع، قالت : أن تجنيد الفتيات مجرد عبارات رنانة وغير مدروسة نتائجها ،كما أن هناك العديد من الإشكاليات التى تواجه تجنيد الفتيات فى الجيش، ومنها التحرش والإغتصاب والذي ترتفع نسبه مثلا بين صفوف المجندات فى الجيش الأمريكى نتيجة وضعهن تحت ظروف صعبة. وكشفت عن أن ارتداء نسبة عالية من الفتيات الحجاب قد يشكل عائقًا فى تطبيق هذا القرار فما الزى الذى يتناسب مع الحجاب وتتمكن الفتاة من خلاله أن تشارك فى معركة عسكرية، لافتة إلى أن هناك أدوارًا للمرأة متعددة لمواجهة موجة الإرهاب التى تمر بها مصر فى الفترة الراهنة ولكن ليس بتطبيق مبادرات قد تفشل على أرض الواقع مثلما فشل قرار الخدمة العامة لتجنيد الفتيات لخدمة المجتمع والعمل على عودته مرة أخرى. ●تجنيد النساء تجربة فاشلة بشهادة عسكريين مصريين: في تحقيق صحفي لجريدة الأهرام بتاريخ 28 مارس 2014 أجاب اللواء "محمد على بلال" على سؤال عن عقيدة القوات المسلحة المصرية فيما يخص تجنيد الفتيات فى الجيش المصرى فقال : خلال السبعينيات افتتحت مدرسة عسكرية للفتيات الحاصلات على الشهادة الإعدادية لإعدادهن للعمل كسكرتيرات ومساعدات للقادة العسكريين فى المكاتب الخلفية " وتعنى المكاتب الإدارية بالمناطق المركزية بعيدا عن وحدات التدريب النائية، " وبالفعل تم تخريج عدة دفعات وإلحاقهن بالعمل فى مكاتب القادة، ولكن التجربة أثبتت فشلها بعد أن حدثت الكثير من المشكلات بسبب بعض الشائعات التى أطلقت على الفتيات، ولحرص القوات المسلحة على سمعة الفتيات وحرصاً على تقاليد المجتمع تم إلغاء التجربة، وهذا يعنى أن التجربة فشلت فى المكاتب القريبة، فكيف ينجح فى الوحدات العسكرية النائية؟ يضيف اللواء بلال: "من الممكن بدلاً من ذلك أن يتم عمل تدريبات عسكرية للفتيات فى أثناء دراستهن الجامعية، بحيث يتلقين تدريبات تضيف لهن خلفية عسكرية تفيدهم وتساعدهن فى حالة وقوع أى أمور طارئة سواء شخصية لهن أو للبلاد، كما أن لدى القوات المسلحة معاهد عليا للتمريض وهناك طبيبات مكلفات بمستشفيات القوات المسلحة، وربما مع الوقت يتم فتح أقسام خاصة للبنات فى الكليات العلمية العسكرية التى افتتحت مؤخراً، وهذا خاضع لرؤية القادة فى هذا الصدد. ويستطرد فيقول : نحن شعب لديه تقاليد وعادات اجتماعية ولا نستطيع التخلص منها، فقد كنت مسئولا عن القوات المصرية خلال حرب الخليج، وكنت مع جنودى فى السعودية، وكانت بالقرب منت وحدات من الفيلقين السادس والسابع الأمريكى وتضم نساء يعشن فى نفس المخيم مع الجنود ويبتن فى نفس العنابر، وقد كان المشهد غريباً على الجميع وخاصة أننا بمجتمع شرقى لا يستوعب هذه الأمور ، فهي ضد تعاليمنا الدينية والثقافية. ●هناك نساء بالفعل داخل القوات المسلحة، ولكن مهماتهن ليست القتال : يؤكد اللواء "طلعت مسلم" الخبير الاستيراتيجى والأمنى في نفس التحقيق أن القوات المسلحة المصرية تضم بين صفوفها بالفعل كوادر نسائية تعمل فى مجالات الطب وطب الأسنان والتمريض والسكرتارية والصيدلة، مما يعنى أن مبدأ تجنيد الفتيات متاح وغير مرفوض فى القوات المسلحة المصرية، ولكنه يستدرك قائلا: "لكن عقيدة القوات المسلحة المصرية والضوابط العسكرية والدينية لا تقبل ابدا بوجود الفتيات ضمن صوف الوحدات المقاتلة والصفوف الأمامية فى مواجهة العدو فى المعارك، ولذلك يكون عملهن دائما فى المواقع المركزية والقاعدة الخلفية فى المدينة بعيدا عن وحدات التدريب" ●فهل هناك حاجة مصرية لتجنيد النساء؟! يشير اللواء "مسلم" إلى أنه خلال السنوات الأخيرة لم يضم الجيش بعض دفعات الذكور الذين" لم يصبهم الدور" وهذا يعنى أن هناك ذكورا لم يتم تجنيدهم مما يدل على عدم استيعاب القوات المسلحة لكافة الدفعات، فكيف يمكن إلحاق الفتيات بالقوات المسلحة فى وقت لا يمكن فيه استيعاب كل دفعات الذكور. ●وماذا عن الدول التي تسمح بتجنيد النساء في المهام القتالية؟ يقول اللواء مسلم : أما عما يحدث فى بعض الدول الأوروبية فالأمر مختلف لدينا تماماً، ومع ذلك أؤكد أن مشاركة النساء فى الجيوش العالمية كانت محدودة المهام طوال الوقت، إلا فى حالات ناردة فمثلا خلال الحرب العالمية الأولى كان فى الاتحاد السوفيتى سيدات يقدن الطائرات المقاتلة أو الدبابات، ولكن الأمر لم يتكرر كثيرا بعد ذلك، والآن تنحسر مهام السيدات فى الجيوش الخارجية فى مهام خدمية، فمن الممكن أن تقود طائرات نقل ركاب جوية، ولكن من الصعب أن تقود مقاتلات جوية كما أنه من الصعب أن تلتحق بالبحرية نظرا لطول فترات البقاء على السفن فى عرض البحر وهو ما يخالف عاداتنا وتقاليدنا. ●رأي القضاء المصري في التجنيد الإجباري للمرأة: أقام مواطن مصرى يدعى "محمد صلاح محمد عبد الله" دعوي رقم 30863 لسنة 64 قضائية لإلزام الدولة بتجنيد النساء إلزاميا بالجيش عملاً بمبدأ المساواة، ولكن الدعوة رُفضت من هيئة مفوضى الدولة، فى تقرير ذكر ضمن حيثيات الرفض : أن مصلحة الأسرة المصرية وتوفيق المرأة فى واجباتها بين أسرتها وعملها العام يقتضى أن يكون التجنيد إجباريا بين الذكور فقط صونا للمرأة وحماية لها باختيار مجالات العمل المناسب لطبيعتها" ●رأي الشرع الإسلامي في تجنيد النساء : بما أن مصر دولة دينها الرسمي هو الإسلام ،وهو الدين الذي يعتنقه اكثر من 94% من الشعب، فلا يمكن بأي حال من الاحوال تخطي الشرع الحنيف او تجاهل أحكامه!! و في باب "قتال النساء مع الرجال وشهودهن الحرب" ، يقول الإمام الفقيه "شمس الدين السرخسي" : لا يعجبنا أن يقاتل النساء مع الرجال في الحرب ، لأنه ليس للمرأة بنية صالحة للقتال ، كما أشار إليه رسول الله صلى وسلم في قوله :" هاه ، ما كانت هذه تقاتل". وربما يكون في قتالها كشف عورة المسلمين ، فيفرح به المشركون وربما يكون ذلك سببا لجرأة المشركين على المسلمين ، ويستدلون به على ضعف المسلمين فيقولون : احتاجوا إلى الاستعانة بالنساء على قتالنا ، فليتحرز عن هذا ، ولهذا المعنى لا يستحب لهم مباشرة القتال ، إلا أن يضطر المسلمون إلى ذلك ، فإنّ دفع فتنة المشركين عند تحقق الضرورة بما يقدر عليه المسلمون جائز بل واجب واستدل على ذلك بقصة حنين. وأضاف لا بأس بأن يحضر منهن الحرب العجوز الكبيرة فتداوي الجرحى ، وتسقي الماء ، وتطبخ للغزاة إذا احتاجوا إلى ذلك ، لحديث عبد الله بن قرط الأزدي قال : كانت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات ، يحملن الماء للمجاهدين، والمراد العجائز ، فالفتيات يمنعن عن الخروج لخوف الفتنة ، والحاجة ترتفع بخروج العجائز. ●تجارب دول العالم المختلفة مع تجنيد النساء : إنه بقدر تنوع الثقافات والعادات بين الدول والشعوب، كان تنوع الحدود المسموح للمرأة من خلالها المشاركة فى الجيوش النظامية لهذه الدول. فكانت الدولة الوحيدة التي جعلت تجنيد المرأة إجباريا لظروفها الامنية الخاصة هي إسرائيل والتى تفرض التجنيد على كافة المواطنين البالغين سن 18 عاما، وبعض الدول سمحت بتطوع المرأة ضمن صفوف الجيش، والبعض الآخر سمح لها بالمشاركة فى كافة أسلحة القوات العسكرية وسمح لهن بالمشاركة فى الصفوف الأمامية لخطوط القتال مع العدو، بينما اكتفت دول عديدة بتجنيد المرأة فى أسلحة بعينها بشرط ألا تقوم بمهام قتالية صعبة أو تكتفى بمشاركتها فى المكاتب الخلفية والمناصب الإدارية. ●المساوئ الكارثية لتجنيد المرأة وإلتحامها بالرجال في صفوف القتال ومعسكرات التدريب: في 24 مايو 2013 أصدرت وزارة الدفاع في الولاياتالمتحدة تقريرها السنوي لعام 2012 عن الاعتداء الجنسي في أوساط العسكريين ، وأظهر التقرير بجلاء أن الجهود المبذولة لمكافحة الاعتداء الجنسي في الأوساط العسكرية لا تحقق الأثر المرغوب، بل الواقع أن العنف الجنسي وثقافة الإفلات من العقاب يزدادان سوء، ومن المفزع أن عدد حالات الاعتداء الجنسي المبلغ عنها قد ارتفع في كل فرع من فروع القوات المسلحة بزيادة تبلغ 35 في المائة بوجه عام منذ عام 2010، من 19 ألف عسكريا في عام 2010 إلى 26 ألف شخص في عام 2012. وفي أعقاب القبض على العقيد جيفري كروسينسكي، الضابط المسؤول عن مكتب منع الاعتداء الجنسي والتعامل معه في القوات الجوية الأمريكية، بتهمة الاعتداء الجنسي، وعقب ما تم اكتشافه من أن ضابطين آخرين من مسؤولي منع الاعتداء الجنسي بالجيش الأمريكي قد وجه إليهما أيضا الاتهام بجرائم جنسية، من بينها ادعاء وجود صلة بين أحدهما وبين حلقة من حلقات الدعارة، أصبح من الواضح بجلاء أن الجهود الحالية للتصدي للاعتداء الجنسي في صفوف العسكرية الأمريكية لا تؤتي ثمارها المرجوة" ●ويبقى لنا أن نطرح عدد من الاسئلة الهامة والتي تحتاج لإجابات من حكومة الإنقلاب وقيادتها : ففي ظل تلك الأحوال العصيبة التي تمر بها البلاد، وبعد غوص أقدام الجيش المصري في وحل السياسة ،ودنس الإنقلاب الدموي ، يجب أن نعرف : لمصلحة من تأتي تلك الدعوة المشبوهة لتجنيد النساء بالجيش المصري؟!! -وما المغزى منها وما الطائل من ورائها؟!! -ولماذا يدعمها إعلاميا ويدفع باتجاهها قائد الإنقلاب العسكري "عبد الفتاح السيسي" عقب كل تلك الإخفاقات السياسية والإقتصادية، والفشل المتلاحق في كافة الملفات؟!! اسئلة تنتظر من السيسي وحكومته وأذرعته الإعلامية إجابات شافية!!