بمناسبة عيد تحرير سيناء.. الرئيس السيسي يلقي كلمة هامة للمصريين    احتجاجات طلابية في مدارس وجامعات أمريكا تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم 25 أبريل 2024    طريقة تغيير الساعة بنظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي خلال ساعات)    أسعار السمك تتراجع 50% .. بورسعيد تواجه جشع التجار بالمقاطعة    وزير النقل يشهد توقيع عقد تنفيذ البنية الفوقية لمحطة الحاويات «تحيا مصر 1» بميناء دمياط    قطع المياه عن سكان هذه المناطق بالقاهرة لمدة 6 ساعات.. اعرف المواعيد    عيد تحرير سيناء.. جهود إقامة التنمية العمرانية لأهالي أرض الفيروز ومدن القناة    قيادي في حماس: إذا قامت دولة فلسطين مستقلة سيتم حل كتائب القسام    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    لأول مرة .. أمريكا تعلن عن إرسالها صواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا    في حماية الاحتلال.. مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى    تفاصيل اجتماع أمين صندوق الزمالك مع جوميز قبل السفر إلى غانا    متى تنتهي الموجة الحارة؟.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجة الحرارة اليوم وغدًا (الأمطار ستعود)    بسبب ماس كهربائي.. نشوب حريق بحوش في سوهاج    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مصنع بالوراق    شاب يُنهي حياته شنقًا على جذع نخلة بسوهاج    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    كيفية الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الافتاء توضحها    6 كلمات توقفك عن المعصية فورا .. علي جمعة يوضحها    حكم الحج بدون تصريح بعد أن تخلف من العمرة.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    «الاتحاد الدولي للمستشفيات» يستقبل رئيس هيئة الرعاية الصحية في زيارة لأكبر مستشفيات سويسرا.. صور    علماء بريطانيون: أكثر من نصف سكان العالم قد يكونون عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي ينقلها البعوض    اليوم، الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة مازيمبي    إزالة 7 حالات بناء مخالف على أرض زراعية بمدينة أرمنت في الأقصر    «الأهرام»: سيناء تستعد لتصبح واحدة من أكبر قلاع التنمية في مصر    «الجمهورية»: الرئيس السيسي عبر بسيناء عبورا جديدا    إعلام فلسطيني: شهيد في غارة لجيش الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    عائشة بن أحمد تتالق في أحدث ظهور عبر إنستجرام    مستشار سابق بالخارجية الأمريكية: هناك موافقة أمريكية على دخول القوات الإسرائيلية لرفح    أحمد جمال سعيد حديث السوشيال ميديا بعد انفصاله عن سارة قمر    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    الشرطة الأمريكية تعتقل عددًا من الطلاب المؤيدين لفلسطين بجامعة كاليفورنيا.. فيديو    هل ترك جنش مودرن فيوتشر غضبًا من قرار استبعاده؟.. هيثم عرابي يوضح    بسبب روسيا والصين.. الأمم المتحدة تفشل في منع سباق التسلح النووي    بالصور.. نجوم الفن يشاركون في تكريم «القومي للمسرح» للراحل أشرف عبد الغفور    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    تطور مثير في جريمة الطفلة جانيت بمدينة نصر والطب الشرعي كلمة السر    ميدو يطالب بالتصدي لتزوير أعمار لاعبي قطاع الناشئين    أبو رجيلة: فوجئت بتكريم الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    لتفانيه في العمل.. تكريم مأمور مركز سمالوط بالمنيا    أول تعليق من رئيس نادي المنصورة بعد الصعود لدوري المحترفين    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    تجربة بكين .. تعبئة السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة وإنهاء الاستيراد    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمسيس الثاني.. هل هو الفرعون الطاغية المذكور في القرآن الكريم؟
نشر في الشعب يوم 07 - 03 - 2015

تُكتَب هذه السطور في لحظات يعرفها كل المصريين ، وكل المهتمين بالحضارة المصرية عموماً ، وهو حدث تعامد الشمس على وجه ( رعمسيس الثاني ) ، أعظم ملوك مصر وأكثرهم شهرة وتأثيراً على الإطلاق في تاريخها القديم ..
تتعامد الشمس على وجه رعمسيس بالمعبد الكبير قدس الأقداس ( أبو سمبل ) مرّتين في العام ، يومي 22 فبراير ، ويوم 22 أكتوبر من كل عام ، وهما تاريخَيْ تتويج الملك على عرش مصر ، ويوم ميلاده .. أو – كما تقول بعض النظريات الأخرى – إشارة لبدء موسمي الزراعة والحصاد في مصر..
ظاهرة مُذهلة تدل على علوم وتقنيات فريدة ربما من الصعب تصوّرها فى هذه العصور الغابرة ، وبهذه الدقة المُدهشة في التصميم والهندسة والحسابات الفلكية..
ملحوظة جانبية : المفترض أن يكون توقيت هذه الظاهرة هو 21 من فبراير ، وأكتوبر في كل عام ، إلا ان نقل معبد أبو سمبل في العام 1964 بواسطة اليونسكو لحماية آثار النوبة من الغرق ، وفق إحصائيات هندسية دقيقة تضمن حدوث الظاهرة بنفس الكيفية ، جعل موعد التعامد يتقدم يوماً ليصبح 22 من شهري فبراير واكتوبر من كل عام..
وتدل أيضاً على فرعون مُظفّر ، صاحب كبرياء غير عادي ، وتاريخ مُذهل من الإنجازات غير المسبوقة أو الملحوقة فى تاريخ مصر كلها ، للدرجة التى تجعله يضع نفسه كتفاً بكتف مع تماثيل الآلهة ، ويحظى بأكبر قدر من اإضاءة الشمس كتكريم له هو بالذات !
تتفق معي أن هذا الكبرياء المُبالغ فيه ، ربما يثير تساؤلات مشروعة حول شخصيته ، في ظل وجود حقائق دينية إسلامية / مسيحية / يهودية نعرفها جميعاً ، أنه ثمة فرعون ما حكَم هذه البلاد ، لم يكن يتميّز بالتواضع أبدا !
الشمس تضيئ كل من ( حوراختي ، رعمسيس ، آمون رع ) من اليمين لليسار .. بينما يظل التمثال الأخير على اليسار ( بتاح ) غير مُضيئ لأنه يمثل رحلة الظلام عند المصريين القدماء .. إبداع فلكي !
الشمس تضيئ كل من ( حوراختي ، رعمسيس ، آمون رع ) من اليمين لليسار .. بينما يظل التمثال الأخير على اليسار ( بتاح ) غير مُضيئ لأنه يمثل رحلة العالم السفلي في الظلام عند المصريين القدماء .. دقة مُذهلة !
الكتب السماوية الثلاثة ( التوراة والإنجيل والقرآن ) ، ورد فيها جميعاً قصة حاكم طاغية في مصر ، استعبد بنى إسرائيل ، وربّى موسى ، وحارب اليهود ونكّل بهم ، ورفض الإيمان بالله عز وجل ، وادّعى أنه هو الإله المُطلق ، وتحدى ( موسى عليه السلام ) ، واستعان بالسحرة ، وكان متخصصاً في بناء صروح ضخمة عملاقة ، وأوتاد هائلة يتحدّى بها الجميع ..
الأزمة هنا أن الأديان الثلاثة تقرر هذه الحقائق ( بتفاصيل مُختلفة ) ، في الوقت الذي يقف علم المصريات – حتى الآن – عاجزاً عن تحديد هويّة هذا الفرعون بدقة كاملة ، بإعتبار أن كافة هذه التفاصيل لم يتم ذكرها بشكل مُباشر وواضح فى جدارية أو أثر مصري واحد ، على غير عادة المصريين القدماء فى تدوين كافة تفاصيل حياتهم ، وحروبهم ، وانتصاراتهم ، وحتى هزائمهم ..
إلا أنه ثمة إقرار شبه كامل بين العلماء الدينيين في الأديان الثلاثة ( اليهودية تحديداً ) أن الفرعون المذكور هو حتماً ( رعمسيس الثاني ) .. بينما يصمم الكثير من علماء المصريات والآثار أن هذا الزعم عار تماماً من الصحة ..
دوري هنا أن أقدّم لك حقائق سريعة – مؤكدة – حول هذا الفرعون ، وأترك لك حرية الإختيار والتقرير !
من هو رعمسيس الثاني ؟
# كما لاحظت ، إسمه ( رعمسيس ) وليس رمسيس .. (Ra-messes II ) هي النطق الأجنبي له ، لصعوبة نُطق حرف ( العين ) ..
# ولد قبل ميلاد المسيح ب 1303 سنة .. وتولى حُكم مصر عام 1279 قبل الميلاد ، وهو في الخامسة والعشرين من عُمره تقريباً ..
# عندما تولى رعمسيس الحُكم ، كان مرّ على تأسيس الدولة المصرية 2000 عام تقريباً ، والأهرامات الثلاثة كانت تعتبر أثراً قديماً جداً مرّ على بناءه أكثر من 1000 عام !
# دام حُكمه 67 سنة ! .. ثاني أطول حاكم في التاريخ كله تقريباً ، بعد الفرعون بيبي الثاني الذي حكم مصر 95 سنة تقريباً .. يبدو أن الفرعون الذي كان يحكم مصر لمدة 30 سنة فقط يُعتبر فرعوناً هاوياً !
يُمكن القول أن التاريخ المصري المكتوب والمسجّل في الآثار والجداريات والمعابد ، يصف رعمسيس بأنه :
عسكري مُخضرم..
# كان عسكرياً مُخضرماً بشكل لا يُصدّق ، إمتدت حدود مصر في عهده بشكل مُذهل في الشمال والجنوب ، وخاض بنفسه حروباً عديدة على مقدمة الجيوش المحاربة في الشام ( بلاد كنعان كما يحلو للمؤرخين تسميتها وقتئذ ) ، والنوبة وبلاد بونت ( الحبشة ) ، وتصدى لهجمات الشّردان ( القراصنة ) من البحر المتوسط ، والليبيين من الغرب ..
# وفي العام 21 من حُكمه ، تم توقيع أول معاهدة سلام فى التاريخ بين مصر وسوريا ، بعد سلسلة حروب ومعارك استمرت 15 عاماً بين الفراعنة في مصر والحيثيين في سوريا ، لم ينتصر فيها أيّ من الطرفين ..
# كان رعمسيس يفخر بشدّة بخلفيته العسكرية ، وتقريباً كل الجداريات الضخمة التى أنشئت له ، تركز على إنتصاراته العسكرية ، وتوسعاته السياسية ، وضرب المُعتدين ، والإيقاع بالأسرى وحمايته لمصر ..
.. مهندس مُبدِع !
تقريباً لا يخلو شبر من أرض مصر إلا وبه أثر لرعمسيس الثاني تحديداً ، أكثر من بقيّة الفراعنة مُجتمعين..
كان رعمسيس مهووساً بالبناء الضخم بشكل لا يُصدّق ، وأنجز في عصره عشرات المشروعات المُدهشة غير المسبوقة لإنشاءات ضخمة لم تعرف العصور القديمة مثلها ، مما جعل أغلب المؤرخين يعتبرونه ( سيد البروباغاندا ) بالمفهوم العصري ، ونال لقب ( رعمسيس العظيم Ra-messes the great )..
الكرنك .. الرامسيوم .. مسلات ، وأعمدة عملاقة .. تماثيل صغيرة ومتوسطة وهائلة الحجم .. حصون متعددة على حدود مصر ، خصوصاً الحدود الشرقية .. تأسيس مُدن جديدة في الدلتا إلى جانب العاصمة المصرية الخالدة ( طيبة = الأقصر حالياً ) ، أهمها مدينة بررعمسيو في الدلتا المصرية ..
ولكن ، بلا شك يظل معبد أبو سمبل التى تزين التماثيل الأربعة الضخمة لرعمسيس الثاني مدخلها ، من أهم الآثار وأكثرها روعة ، التى توحي بكبرياء ضخم لهذا الفرعون الخارق !
وأيضاً ، أكثر ماتميّز به رعمسيس الثاني هو حبه الشديد لبناء ( مسلات ) شاهقة ، ومعابد مليئة بالأعمدة .. وهذا الأمر تحديداً من أهم الدلائل التى تجعل العلماء الدينيين ودارسي التراث يعتقدون بأنه الفرعون الطاغية المقصود ، أخذاً في الإعتبار الآية القرآنية : وفِرعون ذو الأوتاد
.. عاشق شديد الخصوبة !
إذا جاءت سيرة رعمسيس الثاني ، فلابد أن تأتي سيرة زوجته الأولى والمحظيّة ( نفرتاري ) على الفور..
تزوجها وهو في سن الرابعة عشر من عمره كما تقول أغلب الآثار ، بأمر من أبيه .. وأحبّها جداً ، وبنى لها معابداً وتماثيلاً ضخمة ، وتقريباً يجب أن تراها فى كل جدارية يزهو فيها بإنتصاراته وإنجازاته ..
نفرتاري هي الزوجة الوحيدة من زوجات رعمسيس التى بنى لها معبداً خاصاً بها إلى جوار معبده الضخم ( أبو سمبل ) ، وشيّد فيه 6 تماثيل كبيرة ، 4 منهم لنفسه .. وتمثالان لها بنفس طول تماثيله التى كان يهوى أن تكون ضخمة عادة ..
كما صمم لها مقبرة كُبرى في وادي الملوك تليق بمكانتها كمحبوبة الفرعون الأولى ، وسيدة مصر الرئيسية ..
إلا أن نفرتاري لم تمنع رعمسيس الثاني من أن يتزوّج 11 زوجة على الأقل – رسمياً – الى جانب عشرات الجواري .. وكان لديه ( حسب أقل التقديرات وأكثرها تواضعاً ) حوالي 90 إبناً وإبنة !
كما أنه تزوّج ثلاثة من بناته ! .. لم يكن هذا التصرّف شائناً فى مصر القديمة عندما يتزوج الفرعون إبنته ، كنوع من حماية سلالة الفرعون ودماؤه !
الرجل له عدة جداريات يتعبّد فيها لإله الخصوبة عند المصريين القدماء ( مين ) ، والذي – تتفق معي – يبدو أنها جاءت بنتائج مُبهرة فعلاً ، دون الحاجة إلى حبوب زرقاء أو مقوّيات من أي نوع ..
90 إبناً وإبنة ، أو ربما 108 ابناً وإبنة بحسب تقديرات أخرى ؟! .. من الجميل أن يكوّن المرء قبيلة كاملة تحمل صفاته الوراثية بهذه البساطة ، ودون أن يهتم بمعرفتهم او بأسماءهم أو بظروف معيشتهم ، لأنهم ولدوا وعاشوا وماتوا أمراءاً !
والأجمل أن يمتلك المرء صحة كافية لإنجاب هذا العدد من الأبناء ! :)
.. وإله !
نعم ، بلا أدنى شك كان رعمسيس الثاني يُعامَل في حياته مُعاملة الإله ، ربما بشكل اكبر من سبقه من الفراعنة على مدار تاريخ مصر كلها ..
عموما ، الفرعون في مصر القديمة له صبغة دينية قوية بإعتباره إبن الإله ، أو ظل الإله على الأرض ، او المنفذ لسياسة الآلهة .. إلا أن رعمسيس الثاني تحديداً كان له مكانة دينية قوية جداً لدى المصريين ، وتم تأليهه في حياته ، بشكل بدا واضحاً فى المعابد التى شيّدها ، خاصة معبد أبو سمبل ومعابد بلاد النوبة..
إلا أنه ، وفي نفس الوقت لم ينفِ عبادة الآلهة المصرية التقليدية ، ولم يدّعي انه الإله المُطلق .. بل وله العديد من الجداريّات يتعبّد للآلهة المصرية المُعتادة ( آمون – رع ، بتاح ، مين ، وغيرهم )..
رعمسيس كان يُعامل بإعتباره قوة خارقة غير طبيعية .. فمع إنتصاراته العسكرية المُدهشة ، وقوته في حماية مصر ، فضلاً عن المعابد الضخمة والجداريات الهائلة والتماثيل والآثار في كل شبر في أرض مصر ، التى جعلت المصريين يتعاملون معه بإعتباره الحاضر الغائب على الدوام .. فضلاً عن قوته الجسدية وخصوبته الهائلة ..
إلى جانب نقطة أخرى شديدة الأهمية ..
توفي رعمسيس الثاني وهو في التسعينات من العُمر .. ربما طول عمره هذا كان واحداً من اهم الاسباب التى جعلت المصريين يعتبرونه إلهاً حقيقياً ، في وقت لم يكن متوسط العُمر فيه يبلغ نصف هذا السن !
تخيّل وصول رجل إلى التسعينات ، في عصر سحيق لا يُعرَف فيه المُضادات الحيوية ، أو البنسلين ، أو مصل للإنفلوانزا ، أو حتى أقراص لعلاج الصداع أو التقلبات المعدية ! .. حتماً سيكون هذا الرجل خارق القوى بمعايير هذا الزمان..
الرجل تطاول به العُمر لدرجة أنه شهد بعينيه وفاة 12 إبن من أبناءه الكبار ، وزوجته المفضلة نفرتاري ، والعديد من الأحداث الصعبة المؤلمة .. وحينما جاءت لحظة وفاته كان إبنه الثالث عشر ( مرنبتاح ) هو من تولى الحُكم ، بعد وفاة كل إخوته الكبار في حياة أبيهم الطويلة..
إذن ، هل هو الفرعون المذكور في الأديان السماوية ؟
تقرر الأديان الثلاثة بشكل قاطع أن الفرعون هلك غرقاً هو وجُنده وجيشه ، أثناء مُطاردته للإسرائيليين ..
الحقيقة أن هذه النقطة تحديداً هي التى تُبرّئ هذا الرجل تماماً ، لأن دراسة مومياؤه كشفت عن وجه مُنهَك لرجل عجوز بلغ من العُمر أرذله ، وإن كانت ملامحه الصلبة القاسية العسكرية واضحة تماماً لا تخطئها العين .. وتم التأكد من إصابته بروماتيزم حاد ، ومشاكل مزمنة في اللثة والأسنان ..
مومياء رعمسيس الثاني .. الشعر الأصفر نتيجة الحنّاء المُستخدم فى التشريح .. شعره كان ناعماً أبيض اللون وقت تحنيطه
مومياء رعمسيس الثاني .. الشعر الأصفر نتيجة الحنّاء المُستخدم فى أدوات التحنيط .. شعره كان ناعماً أشيباً وقت تحنيطه ..
ولكنها كانت خالية تماماً من أي إشارة لكونه مات غرقاً .. هذا الرجل مات موتة طبيعية بسبب أمراض الشيخوخة لا أكثر ..
ناهيك أنه من الصعب جداً – عقلياً – ان يمتطى عجوز فى التسعين عجلة حربية ، ويترأس جيشه في مطاردة بنى إسرائيل ، حتى لو كان مُحارباً سابقا !
محبوب آمون بن الشمس مرنبتاح !
بعض النظريات الدينية والتاريخية تقول أنه من الممكن أن يكون رعمسيس الثاني هو الفرعون الذي تكفّل برعاية موسى عليه السلام .. وأن إبنه ( مرنبتاح ) هو الذي خرج لمُطاردته وهلك غرقاً ..
وعلى الرغم من ان الكثير جداً من النظريات الحديثة تدحض هذه النظرية ، إلا أن ( مرنبتاح ) هو الفرعون المصري الوحيد الذي ذكر اسم إسرائيل في إحدى جدارياته المُسماة ( أنشودة النصر ) أو ( لوح مرنبتاح ) ، ذكر فيها :
أنشودة النصر ، أو لوح مرنبتاح .. الجدارية الوحيدة التى ذكرت فيها كلمة ( إسرائيل ) بشكل صريح في آثار مصر
إسرائيل ضائعة خربة ولم يعد لها بذر ..
وخارو ( بلاد كنعان ) أصبحت أرملة لمصر ..
وكل الاراضي قد وجدت السلم ..
وكل من ذهب جائلاً أخضعه ملك مصر إبن رع
محبوب آمون ابن الشمس مرنبتاح منشرح بالصدق !
وهو نصّ صياغته جميلة حماسية رغم كل شيء !
هذه النظرية حالياً هي الأكثر تداولاً ، خصوصاً أن البعض يرى أن مومياء مرنبتاح تميل إلى اللون الأبيض قليلاً – بخلاف بقية مومياوات الفراعنة – ، مما يشير إلى إحتمالية الغرق وتشبع المومياء بالماء المالح ..
هذه النظرية تحديداً أطلقها الفرنسي ( موريس بوكاي ) الذي كتب كتاباً أسماه ( القرآن والتوراة والإنجيل والعلم ) ، وتحوّل الى الإسلام لاحقاً .. والذي يُعتبر أساس انتشار فكرة أن الفرعون المذكور في الكتب السماوية هما فرعونان : رعمسيس الثاني ( المُربّي لموسى ) ، ومرنبتاح ( المُعذّب والمُضطهد والغارق )..
هذه النظرية هي الأكثر رواجاً ومنطقية بين مُتبعي الأديان السماوية الثلاثة حالياً ، وتقوم بتداولها معظم المنتديات الإسلامية والمسيحية واليهودية على الإنترنت فيما يبدو ، كما ستكتشف إذا قمت بعمل بحث سريع ..
ولكن ، من الناحية العلمية .. العديد من الأبحاث الحديثة تؤكد تماماً أن مومياء ( مرنبتاح ) تشير إلى وفاته وفاة طبيعية ، وأنه كان يعاني من التهاب المفاصل والشرايين ، وأنه يشبه أبيه إلى حد كبير ..
الوليد بن مُصعَب ؟!
في بعض التراث والأدبيات العربية التى تحكي قصص الأنبياء ، يُقال ان الفرعون المذكور في الكتب السماوية إسمه الحقيقي ( الوليد بن مُصعَب ) .. وهي تسمية عجيبة للغاية إن أردتَ رأيي لسببين :
الأول : لو كان المقصود هو الإسم الحقيقي له .. فنحن لدينا إذاً فرعون ذو إسم عربي اصيل ، من بين الأسماء المُعقدة من نوع : نفر – إخت – ماخت – ماعت – كارع .. وهو شيء – على غرابته وسذاجته وضيق أفقه – يعطي شعوراً بالراحة ، بعد كل هذه النقوش والرسومات والأسماء الفرعونية !
الثاني : لو كان المقصود هو تعريب الإسم الهيروغليفي للفرعون – ترجمته من اللغة المصرية القديمة إلى العربية – هو ( الوليد بن مُصعب ) .. فمن الصعب أن تقنعني أن هناك كلمة ما فى الهيروغليفية تعني ( مُصعَب ) بالعربية !
على أي حال ، كل شيء وارد ، والعرب القدامى كان لهم طريقتهم الدقيقة فى التأريخ وتقفّي الآثار وعرضها بشكل عربي كامل .. هذه نقطة مهمة رأيت ضرورة ذكرها للباحثين والمهتمين .. إن كان لديك تفسير بخصوصها ، ضعه فى التعليقات ..
******************
في العام 1976 م ، وافق الرئيس المصري الأسبق ( أنور السادات ) على سفر مومياء رعمسيس إلى فرنسا للكشف والدراسة على متن طائرة من سلاح الجو الفرنسي .. استقبلت المومياء ودارت حول أهرامات الجيزة ، ثم إنطلق لمطار قاعدة بورجيه العسكرية بباريس ، واستقبلها حرس الشرف بإطلاق 21 طلقة في الهواء ، وعزف للمارش العسكري ..
وفي طريقه إلى المتحف للفحص ، دارت السيارة التى تحمله حول إحدى المسلات التى شيّدها ، والتى تمت سرقتها ونقلها إلى باريس ، كنوع من التكريم له ، قبل البدء فى فحص مومياؤه..
وعادت المومياء لتستقر في المُتحف المصري بالقاهرة في مايو من العام 1977 م ، حتى هذه اللحظة ..
الموضوع طويل ، ومعقّد ومليئ بالتفاصيل التاريخية والدينية والعلمية ، ومازالت علامات الإستفهام والتعجب قائمة وتحتاج إلى باحثين مخضرمين لتجاوز كل هذه الألغام المتناقضة ، والتوفيق بين مُختلف النظريات الدينية والتاريخية والتراثية والعلمية ، ومحاولة الخروج بنتائج مُحددة تُرضي الجميع بشكل واقعي منهجي إستدلالي ، وليس مجرد فرضيّات عامة ..
ولكن ، كالعادة .. يترك العرب والمصريون تاريخ بلادهم للأجانب لدراسته ، بإعتبارهم ” يفعلون كل شيء “ ونحن نتلقى النتائج فى النهاية كمُسلّمات لا تقبل الجدل ..
أو – وهذا هو الشائع فى الأبحاث التاريخية / الدينية المنشورة عادة على الإنترنت – ، يقوم الباحث بثني الحقائق لتناسب الفرضيات النظرية ، وفقاً لفهمه الديني والتاريخي ، بدلاً من العكس !
أخيراً ، وفي ظل كل ماذكرناه من حقائق عامة سريعة ، نعود مرة أخرى إلى السؤال الذي وضعناه عنواناً لهذا التقرير ، لتجيب من وجهة نظرك :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.