بسم الله الرحمن الرحيم تقديم : نقف اليوم عند خُلق جديد من الأخلاق الإسلامية ، ألا وهو خلق التأمل ، خلق التأمل يدلنا عليه قول الله عز وجل : ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ ( سورة البقرة ) مما يبعث على تقوى الله عز وجل أن يحرك الإنسان ذهنه ، وعقله ، ولبَّه ، وفكره ، من هذا قالوا : التفكر باعث على الإيمان ، والإيمان باعث على استقامة السلوك ، وهذا سبب اختيارنا اليوم لهذا الموضوع ، ليكون خلقاً من الأخلاق الإسلامية ، فكيف يكون التأمل بادئ ذي بدء ؟ التأمل : 1 – النبيُّ أُمِر بالتأمل : أستاذ أحمد ، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع : خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية ، وكلمة العدل في الغضب والرضى ، والقصد في الفقر والغنى ، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي ، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي ، وأن يكون صَمْتي فِكْرا ، ونُطْقِي ذِكْرا ، ونظري عبرة )) [ زيادات رزين عن أبي هريرة ، وانظر الترغيب والترهيب ] 2 – الوقوف عند آيات الأمر والنهي عملاً وتطبيقًا : لكن هناك أصل كبير جداً في التأمل هو : أنك إذا قرأت القرآن الكريم ، وقرأت آية فيها أمر ينبغي أن تأتمر بها ، وأيّ آية ينبغي أن يكون لك موقف منها ، هذه آية أمر ينبغي أن تأتمر ، وإذا قرأت آية فيها نهي ينبغي أن تنتهي ، قرأت آية فيها وصف لمشاهد أهل الجنة ينبغي أن تسعى إلى الجنة ، قرأت آية فيها وصف لأهل النار ينبغي أن تتقي النار ، ولو بشق تمرة ، قرأت آية فيها قصة أمم غابرة كفروا فأهلكهم الله عز وجل ينبغي أن تتعظ . أين التأمل في القرآن ؟ 1300 آية تتحدث عن الكون ، والإنسان والمخلوقات ، ما يزيد على سدس القرآن . قبل قليل قلت : أيّ آية لك منها موقف ، هذه الآيات ما الموقف منها ؟ هو التأمل والتفكر . 3 – آياتٌ قرآنية أصلٌ في التأمل : الأصل في الموضوع : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ ( سورة آل عمران ) هذه الآية أصل في التأمل ، الآن : ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ( سورة يونس الآية : 101 ) ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾ ( سورة عبس ) ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾ ( سورة الطارق ) ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ ( سورة الليل ) ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ ( سورة الفجر ) ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ ( سورة الضحى ) آيات القرآن الكريم الكونية ، والتكوينية ، والمتعلقة بالإنسان ، وبالمخلوقات رؤوس موضوعات للتأمل ، من أجل معرفة الله ، فإذا عرفنا الله أولاً ، ثم عرفنا أمره تفانينا في طاعة الآمر ، أما إذا عرفنا الأمر ، ولم نعرف الآمر تفننا في معصية الآمر . معرفة الآمر قبل معرفة الأمر : المجنَّد في قطعة عسكرية ، قال له زميله : ازحف ، لا يزحف ، قال له عريف : ازحف ، ربما لا يزحف ، قال له اللواء : ازحف ، يزحف ، الأمر واحد . حينما تعرف مَن هو الآمر ، ماذا ينتظرك لو عصيته ، ماذا ينالك لو أطعته ، لذلك أنا أقول : إن عرفنا الآمر ، ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر ، والمشكلة الكبرى في العالم الإسلامي أن الأمر معروف ، لكن هناك ضعف شديد في معرفة الآمر ، هذا الضعف انعكس تقصيراً وتجاوزاً وانحرافاً . رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يذهب ، ويتعبد في الغار الليالي ذوات العدد ، لم تكن الرسالة بعد قد نزلت عليه صلوات الله عليه ، ولم يؤمر بعبادات وطاعات ، فهل كانت عبادته هناك عبارة عن أدعية ؟ أم كانت تأملاً ، وتفكراً ؟ 4 – التأمل والتفكر عبادة : كانت تأملاً ، العبادة الأولى هي التأمل ، لأن الله عز وجل يقول : ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ ﴾ التفكر مستمر ، ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ودليل آخر : ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ( سورة الزمر الآية : 67) فالإنسان يرقى في معرفة الله عن طريق التأمل . ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ ( سورة الجاثية ) إذاً التفكر هو العبادة الأولى ؛ عبادة معرفة الله . من خلال الأمثلة نكتشف هذه الوظيفة ، وهي بكلمة موجزة : ينبغي أن ينتهي بك المتأمل إلى معرفة الله ، إن عرفته عرفت كل شيء ، وإن فَاتك فاتك كل شيء . هذا ما يحدث عند دوران الأرض حول الشمس : مثلاً : الأرض تدور حول الشمس في مسار بيضوي إهليلجي ، في أثناء حركتها من القطر الأكبر إلى القطر الأصغر بحسب قانون الجاذبية ، الجاذبية تتأثر بالمسافة طولاً وقِصراً ، فإذا قلّت المسافة ازدادت الجاذبية ، وحينما تتجه الأرض في مسارها حول الشمس من القطر الأصغر ، وكانت في القطر الأكبر فهناك احتمال كبير أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس احترقت في ثانية واحدة ، وانتهت الحياة ، هذه يد من ؟ علم من ؟ قدرة من ترفع سرعتها لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى على مسارها . ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ ( سورة فاطر الآية : 41 ) الآن وصلت إلى القطر الأصغر ، ولأن سرعتها ارتفعت نشأت قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ تابعت سيرها ، وصلت إلى القطر الأطول ، سرعتها عالية ، السرعة العالية مع ضعف الجاذبية هناك احتمال أن تتفلت من جاذبية الشمس ، وتنطلق في الفضاء الكوني ، عندئذٍ تصبح حرارة الأرض 170 درجة تحت الصفر ، وهو الصفر المطلق ، وعندئذٍ تنتهي الحياة كلياً من على الأرض . ما الذي يحصل ؟ تخفض الأرض سرعتها ، هذه ن ؟ علم من ؟ قدرة من ؟ تقدير من ؟ من هذا الانخفاض تنشأ قوة نابذة أقلّ ، لتكافئ القوة الجاذبة الأقل ، فتبقى في مسارها : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ لا بد من إله عظيم ، لا بد من حكيم قدير غني ، لذلك التفكر في خلق السماوات والأرض يضع الإنسان أمام عظمة الله . لو فرضنا أن هذه الأرض تفلتت من جاذبية الشمس ، وأردنا أن نعيدها إلى الشمس ، فإننا نحتاج إلى مليون مليون حبل فولاذي ، قطر كل حبل خمسة أمتار ، وهذا الحبل يتحمل قوى شد تساوي مليوني طن ، بشكل أو بآخر قوة جذب الشمس إلى الأرض تساوي مليون مليون ضرب مليونين ، مليوني مليون مليون طن ، كل هذه القوة من أجل أن تحرف الأرض 3 ميليمترات في الثانية ، تسير الأرض على مسار 3 ميليمترات في الثانية تشكل في المجموع مسارا إهليلجيا . لو غرزنا هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس ، المفاجأة أن بين كل حبلين خمسة أمتار ، نحن أمام غابة من الحبال ، لا زراعة ، ولا صناعة ، ولا بناء ، ولا قطار ، ولا طريق ، ولا طيران ، ولا شيء ، يأتي قوله تعالى : ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ ( سورة الرعد الآية : 2 ) أي رفع السماوات بعمد لا ترونها ، هي القوة الجاذبية ، هذه آية تدل على الله عز وجل . سرعة الضوء : إنشتاين عملاق العلماء ، الفيزيائيين ، الذي جاء بالنظرية النسبية ، وله قول إيماني رائع ، هو يقول : " كل إنسان لا يرى من هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون ، عليمة هي أعلم ما تكون ، رحيمة هي أرحم ما تكون ، هو إنسان حي ، ولكنه ميت " . كيف اكتشف هذا العالم الكبير أن السرعة المطلقة في الكون هي سرعة الضوء ، 300 ألف كم تقريباً ، وأن كل جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً ، وأن كل جسم سبق الضوء تراجع الزمن ، ويمكن حينئذ افتراضاً لو ركبنا مركبة أسرع من الضوء لرأينا الرومان وهم في الشام ، ورأينا موقعة بدر وأحد والخندق ، إذَا سبق الإنسان الضوءَ تراجع الزمن ، فإذا سار معه توقف الزمن . لو تصورنا طائرة أقلعت من سدني إلى أمريكا ، أمستردام في هولندا ، وفي وواشنطن في أمريكا ، وسرعتها كانت 1600 كلم ، مع سرعة حركة الأرض مع الشمس ، مع سرعة الأرض حول نفسها ، ينطلق من سدني الساعة الخامسة صباحاً ، ويصل إلى واشنطن الساعة السابعة صباحاً في نفس اليوم ، سار مع الأرض . إذاً : لو سرنا مع الضوء لتوقف الزمن ، هذه الندوة لو أنه يصدر منها إشعاعات ، وسرنا معها لرآها الناس إلى أبد الآبدين ، ولو قصرنا عن الضوء لتراخى الزمن . فهذه النظرية دقيقة جداً ، أعطت الزمن البعد الرابع ، أما أن نجد هذه النظرية في القرآن فهذا شيء غريب جداً ! قال تعالى : ﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ ( سورة الحج ) العرب تعدّ السنة القمرية ، القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر ، إن أخذنا مركزه ومركز الأرض ، ووصلنا بينهما بخط ، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة ، التي هي مسار القمر حول الأرض ، القمر والشمس ، المركز والمركز ، وصلنا بخط ، هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الشمس ، لو ضاعفنا هذه المسافة ، و ضربنا القطر في البي 14 ، 3 المحيط ، لو ضربنا ب 12 بالسنة بالألف ، بالألف سنة ، طالب من طلابنا بإمكانه أن يحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام ، لو قسمنا هذا الرقم على ثواني اليوم ، 60 ب 60 ، ب 24 ، المفاجأة الصاعقة لو قسمنا ما يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثواني اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة ، 299752 ، والتقريبية 300 ألف ، ما معنى ذلك ؟ أي أن ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد : ﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ هذه التأملات ترى أن الله عظيم ، وأن خالق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، هذا تأمل أيضاً . حينما يقول الله عز وجل : ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾ ( سورة العنكبوت الآية : 20 ) ثم نرى كثيراً من العلماء والباحثين ، إن كان في الطبيعة أو في الحيوان ، أو في أعماق البحار ، أو أطباء يصلون ببحثهم ، وعلمهم إلى أن لهذا الكون خالقاً ، أو يداً تنظم هذا الكون ، الذي يلفت أنظارنا إلى أن البعض يقول لك : تأملت ، وبعد التأمل خرجت بنتيجة مفادها أن ليس لهذا الكون إلهاً ، وأن الصدفة التي أوجدت هذا الكون ، أو أن الطبيعة أوجدت نفسها بنفسها ، فهل يصدق هذا الرجل في أنه بعد التأمل خرج بهذه النتيجة ، أم أنه رجل مكابر ؟ لا وجود للصدفة : لا ، هو مكابر ، هل تصدق أن نأتي إلى مطبعة فيها الآلات ، وفيها الحبر ، وفيها الحروف ، وفيها الورق ، ونأتي بمتفجرة ضخمة جداً ، ونفجر هذه المطبعة ، النتيجة قاموس لاروس ، مستحيل ! . إذا أتينات إلى مصنع حديد ، وفجرناه ، هل تكون النتيجة طائرة جانبو ، أو 777 ، مستحيل ، ومبدأ الصدفة ألغي ، من أجل أن تسحب عشر ورقات من كيس بالتسلسل ، حالة واحدة من عشرة آلاف مليون لعمل بسيط جداً ، ولا قيمة له أن تضع عشر وريقات في كيس مرقمة من واحد إلى عشرة ، وأن تسحب عشوائياً إلى أن تخرج هذه برقم واحد ، ثم اثنين ، ثم ثلاثة ، وأربعة وخمسة ، وستة ، وسبعة ، وثمانية ، وتسعة ، وعشرة ، هي حالة من عشرة آلاف مليون حالة . أما ذرة الحمض الأميني الذي في خلية الإنسان فلا تكفي ذرات الكون لوجوه صدفة ، فموضوع الصدفة موضوع لا وجود له ، قال تعالى : ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * َقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ ( سورة المدثر ) لا يمكن أن يكون الإلحاد عن علم ، قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ ( سورة المؤمنون الآية : 117 ) مستحيل أن يكون الكفر مبرهناً عليه . بعض الناس قال : إن مجال التفكر أربعة ، تفكر بالطاعات ، وتفكر بالمعاصي ، وتفكر بالمهلكات ، وتفكر بالمنجيات ، وجعل التفكر بالطاعات والمعاصي كأنه عنوان أنه بالجوارح ، وأما التفكر بالمهلكات والمنجيات فيتعلق بالنفس ، الجوارح فهمناها ، تفكرت في معصية فعلتها ، أو أتفكر في عبادة قمت بها ، فهل التفكر في المهلكات والمنجيات هي أمثال الغيبة ، والنميمة ؟ التفكر في المهلكات والمنجيات : الكبائر الباطنة أخطر من الكبائر الظاهرة ، الكبائر الظاهرة يتاب منها ، ولكن الكبائر الباطنة قلَّما يتوب الإنسان منها ، لأنه يتوهم أنه هو على صواب ، لذلك أخطر شيء في حياة الإنسان الكبائر الباطنة ، الكبر ، والاعتداد بالنفس ، والشعور بالتفرغ والتوحد ، والشعور بالفوقية ، والاستعلاء ، هذه الأمراض مهلكة .
التأمل سبيل لعصمة الإنسان من المعاصي : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ ( سورة فاطر الآية : 28 ) حينما تتفكر في خلق السماوات والأرض تقف أمام عظمة الله . تأمَّل كيف في آلية مواجهة الإنسان للخطر : أنا ذكرت مرة أن الإنسان قد يمشي في بستان ، فيرى أفعى ، ما الذي يحصل ؟ صورة الأفعى تنطبع على شبكية العين إحساساً ، هذه الصورة تنقل إلى الدماغ بآلية معقدة جداً ، كآلية نقل الصورة عبر التلفزيون ، العصية والمخاريط فيها مواد كيماوية ، تتأثر بالضوء ، ينشأ من هذا التأثر تيار كهربائي متفاوت الشدة ، هذا يشحن إلى الدماغ ، وترسل الصورة التي كانت على شبكية العين ، الدماغ معه مفهومات ، الأفعى لها صورة ، لكن الطالب الذي درس الأفعى ، وأن لدغتها قاتلة ، هذا مفهوم ، هناك تقرأ الصورة في ضوء المفهومات ، الدماغ ملك الجهاز العصبي ، يدرك الخطر ، فيأمر بمواجهة الخطر ، وهناك ملِكة اسمها الغدة النخامية هي ملكة الجهاز الهرموني ، وكأن الدماغ كملك يلتمس من الغدة كملكة أن تواجه الخطر ، النخامية أوامرها هرمونية ، بينما الدماغ أوامره كهربائية ، الغدة النخامية ترسل أمراً إلى الكظر ، هي غدة فوق الكلية ، الكظر بدوره يوجه أربعة أوامر ، أمرا إلى القلب ، يرفع وجيب القلب من 80 ضربة إلى 180 ضربة ، لأن الخائف يحتاج إلى جهد عضلي ، ليهرب أو ليواجه ، والجهد يحتاج إلى دم ، والدم يمشي بطيئاً بالنبض النظامي ، وإذا أسرع النبض سار الدم سريعاً فلبى حاجة العضلات . الآن حتى ينجح القلب في تصفية الدم عبر الرئتين لا بد من وجيب مرتفع ، فيذهب أمر ثان من الكظر إلى الرئتين ، يرفع وجيب الرئتين ، فالخائف يلهث ، والخائف ضربات قلبه سريعة . بعد ذلك يأتي هرمون يضيق لمعة الأوعية المحيطية ، الإنسان عنده أوعية دموية محيطية ، وداخلية ، محيطية هي الأوردة ، والداخلية الشرايين ، لذلك لونه وردي ، أما إذا ضاقت هذه الأوعية مال لونه إلى الصفار ، فالخائف يصفر لونه ، لأنه جاءه أمر ضيق لمعة الأوعية الشعرية ، لأن الخائف لا يحتاج إلى وجه متورد ، يحتاج إلى سلامته ، هذا ترتيب من ؟ صنع من ؟ قدرة من ؟ . الأمر الرابع : يذهب إلى الكبد ، ليحرر كمية سكر إضافية ، تكون وقوداً لطاقة الجسم ، فلو فحصنا دم خائف لوجدنا فيه السكر مرتفعا ، ثم إن الخائف يحتاج إلى دم أقرب إلى اللزوجة منه إلى السيولة ، لو تلقى ضربة بسكين ، وكان دمه مائعاً لسال الدم كله في دقائق ، لذلك ينطلق هرمون من الكبد إلى الدم فيلقي فيه هرمون التجلط ، وإذا فحصنا دم خائف نجد دمه لزجاً ، والقلب نبضه سريع ، والرئة وجيبها سريع ، واللون أصفر ، هذه كلها احتياطات لمواجهة الخطر ، يد من ؟ وقدرة من ؟ وعلم من ؟ وحكمة من ؟. ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ ( سورة لقمان الآية : 10 )