لا شك أن تونس الشقيقة تواجه تحديات كبيرة فالبرغم أنها استطاعت أن تحظى بثقة واسعة من قبل مجلس نواب الشعب (البرلمان) فإن برنامج الحكومة التونسية الجديدة واجه انتقادات أغلب الأحزاب لا سيما تلك المشاركة في الحكومة، وخصوصا أنها تسير على نفس سياسات المؤسسات المالية العالمية والتي تبعد عن المشكلات الواقعية للمواطن البسيط. وتم التصديق في جلسة منح الثقة للحكومة أمس الخميس 5 فبراير الجاري على تركيبة الحكومة وبرنامجها بعد موافقة 166 نائبًا، بينما تحفظ 8 نواب واعتراض 30 نائبًا من المعارضة. وبالتالي تكون الحكومة الجديدة التي يقودها الحبيب الصيد قد تحصلت على نسبة 75 % من أصوات البرلمان (217 صوتًا) وهي نسبة مريحة تعكس حجم الأحزاب المشاركة بالحكومة. وشكل الحبيب الصيد حكومته من 27 وزيرًا و14 كاتبا للدولة وزع أغلبها على حركة نداء تونس الفائزة بالانتخابات التشريعية وبدرجة أقل على حركة آفاق تونس والاتحاد الوطني الحر وحركة النهضة وبعض المستقلين. ومن المرتقب أن تمرر الحكومة المنتهية مهامها مهدي جمعة السلطة إلى حكومة الحبيب الصيد في الأيام القليلة القادمة لتباشر عملها الذي يمتد لولاية من خمس سنوات كما جاء في الدستور. وتتجه الأنظار للحكومة الحالية لتحقيق المطالب الشعبية التي لا تزال عالقة رغم مرور خمس حكومات متعاقبة بعد الثورة وأبرزها ملف التشغيل والتنمية الجهوية وغلاء المعيشة والأمن والتوازنات المالية للبلاد وغيرها من المشاكل الأخرى. وقد واجه برنامج الحكومة التونسية الجديدة الذي طرحه رئيس الوزراء الحبيب الصيد على أنظار مجلس نواب الشعب (البرلمان) انتقادات كبيرة من أغلب الأحزاب السياسية. ورغم أن الحبيب الصيد حاول في برنامجه الحكومي أن يستجيب لأبرز المطالب الملحة والتحديات التي تجابهها البلاد فإنّ الإجراءات التي أعلن عنها لم ترتق إلى انتظارات أغلب الأحزاب. في هذا السياق يقول أحمد الخصخوصي نائب عن حركة الديمقراطيين الاجتماعيين إن برنامج الحكومة "كان عبارة عن كلام عام وإعلان للنوايا أكثر من اتخاذ إجراءات ملموسة وواقعية". ويضيف ل"مصر العربية" إن البرنامج الحكومي الذي طرحه الحبيب الصيد "كان خاليا من أي أرقام أو آليات أو خطط عملية لمواجهة التحديات القادمة"، مشيرا إلى أنه برنامج غير قادر على الاستجابة لتحديات المشاكل التي تواجهها البلاد على جميع المستويات. ويتابع "نحن لم نلتمس أي إجراءات قادرة على تحسين الأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية"، مؤكدا أن البرنامج سيصطدم بمشاكل كبيرة في أرض الواقع نتيجة ارتفاع سقف المطالب الشعبية وغياب حلول عاجلة لها. من جانبه يقول زهير المغزاوي النائب عن حركة الشعب أنّ البرنامج الحكومي عكس توجهات الأحزاب اليمينية الليبرالية التي تشكل الحكومة الجديدة، مشيرًا إلى نداء تونس وحركة النهضة وحزب آفاق تونس والاتحاد الوطني الحر. واضاف أن حزبه رفض التصديق على الحكومة وبرنامجها، مؤكدا أنه "لا يستجيب لطموحات المواطنين في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المتردية". ويقول إن البرنامج لم يشر إلى إجراءات عاجلة قادرة على تعزيز ثقة المواطنين بالحكومة معتبرا أنه برنامج فضفاض وخال من أية مضامين اجتماعية لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. إلى ذلك انتقد النائب عن الجبهة الشعبية زياد عمامي برنامج الحكومة، مشيرا إلى أنه يعكس توجه أحزاب ليبرالية متوحشة تسعى إلى إرضاء المؤسسات المالية العالمية على حساب مواطنيها. ويقول عمامي إن الجبهة رفضت التصويت على الحكومة بدعوى أن تشكلت على أساس محاصصة حزبية بين أحزاب يمينية لها أغلبية ساحقة في البرلمان وتتقاسم نفس البرنامج الليبرالي. ويضيف بأن برنامج الحكومة كان خاليا من إجراءات عاجلة لتجمي الأسعار التي قفزت إلى مستويات قياسية ولم يتضمن إجراءات ملموسة لخلق التنمية في المناطق المحرومة ودفع الاستثمار. وأكد بأن البرنامج لم يتضمن أي إجراءات للتحكم في نسبة المديونية التي بلغت العام الماضي نسبة 53% بسبب اعتماد تونس على القروض الأجنبية لتمويل موازنتها المالية. وبقطع النظر عن أحزاب المعارضة فقد وجهت حركة النهضة الإسلامية، التي صادقت على الحكومة وتشارك فيها بوزارة وحيدة وثلاث كتاب دولة، انتقادات إلى برنامج عمل الحكومة الذي تلاه الحبيب الصيد امس أمام البرلمان. وفي هذا السياق يقول رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري إن برنامج الحبيب الصيد كان منقوصا من عدة إجراءات ملموسة لتحسين الأوضاع الاجتماعية ضمنها التحكم في الأسعار ودعم القوة الشرائية للمواطنين وخلق مواطن شغل جديدة ودفع الاستثمار في الجهات الفقيرة. لكنه يقول إن الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة الجديدة تلتقي حول أبرز الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي للاستجابة لتطلعات المواطنين لاسيما الفئات الفقيرة منهم في تحسين ظروف العيش وتحقيق الكرامة. وجاء في بيان رئيس الحكومة الحبيب الصيد أنه سيسعى للعناية بعائلات شهداء الثورة والعائلات الفقيرة من خلال رفع المنح الموجهة لهم من 120 دينار إلى 150 دينارا كما تعهد بشطب ديون صغار الفلاحين وتجميد بعض الأسعار التي تتحكم فيها الدولة. كما تعهد بتحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب والتطرف والاعتناء بفئة الشباب لتحصينهم من الاستقطاب الديني المتطرف وتعهد أيضا برفع مستوى تجهيزات الأمنيين والتسريع في سن قانون مكافحة الإرهاب الجديد وقانون تجريم الاعتداء على المدنيين. وقال إن حكومته ستشرع في القيام بالإصلاحات العميقة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمالية إلى جانب إعداد مشروع قانون مالية تكميلية قال إنه سيضبط فيه خطة الحكومة في المجال المالي والجبائي. وتعهد بصياغة منوال تنمية جديد قادر على خلق النمو والثروة ودفع التشغيل والتنمية في المناطق المحرومة. يشار إلى أن تونس حققت العام الماضي نموا بنسبة 2.4%. وتراهن الحكومة الجديدة على تحقيق نسبة 4% خلال العام الجاري وهو أمر يعتبره بعض الخبراء صعبا نظرا للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.