رغم تأكيدات العاهل السعودي الجديد أمام مجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي أن نهج السعودية ثابت ولن يتغير، وأنها تسير على نهج الملك المؤسس؛ إلا أن التغيير الذي أحدثه الملك سلمان بن عبد العزيز والذي عصف بمجوعة خالد التويجري والوزراء المحسوبين على رئيس الديوان السابق، يدل على أن العاهل الجديد لن يسلك نفس نهج الملك الراحل، وأن التوجه الذي كان يقوده الملك عبدالله مع الإماراتيينوالكويتيين، خصوصًا تجاه مصر وليبيا، بدأ يتغير، وأن الملك الجديد يريد إعطاء أولوية لمشكلات الداخل من بطالة وأحوال معيشية وخدمات وتوظيف، إضافة إلى مشكلتي الحدود مع الجنوب وتصاعد تمدد وقوة الحوثيين وسيطرتهم على الدولة، وما يجري على الحدود الشمالية وتهديدات "داعش". ومن الواضح أن النظام المصري قرأ التوجه الجديد في السعودية، وتوقع الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، في مقال نشرته صحيفة «هفينجتون بوست» الأمريكية، أن تشهد السياسة الخارجية السعودية تغيرات جذرية، ودلل على ذلك بعدم حضور السيسي لجنازة الملك الراحل بحجة سوء الظروف الجوية، وقال إن هذا ما هو “إلا نتيجة لشعوره بتغير المزاج العام في القصر السعودي”، واستند “هيرست” في مقاله إلى ما أشارت إليه بعض المواقع المحسوبة على تيار الإسلام السياسي في مصر من أن السيسي منع بطلب سعودي من حضور جنازة الملك الراحل، وأضافت أن الطقس كان حجة مصرية، وأن العاهل الأردني لم تمنعه حجة الطقس وحضر الجنازة. وأضاف "هيرست" أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للسعودية كان لها التأثير الأكبر في الحديث عن إمكانية تغيير المملكة لسياستها الخارجية؛ إذ صرح وزير الخارجية المصرية الأسبق، نبيل فهمي، بأن هناك قدرًا من التغيير في السياسة الخارجية السعودية بعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجانب استمرارية السياسات السابقة، ووصف ديفيد هيرست التغييرات التي أجراها الملك سلمان بالانقلاب، مشيرًا إلى أن الملك سلمان أقدم على تفكيك تركة أخيه غير الشقيق عبد الله، واضعًا المملكة على طريق إعادة التقارب المحتمل مع كل من تركيا وقطر، واستعادة الدور التقليدي الذي طالما قامت به السعودية للتوسط بين فتح وحماس، وإحداث تغير نوعي في المساندة التي منحتها الرياض لحكام مصر العسكريين. ولكن، شكك مركز كارنيجي للدراسات في إمكانية حدوث زلزال مدوٍ في السياسة الخارجية السعودية، مشيرًا إلى أنه من المرجح أن تبقى السياسات الخارجية للمملكة دون تغيير؛ فالسياسة الخارجية السعودية كانت متسقة على نحو لافت للنظر منذ حكم الملك فهد بن عبد العزيز. وحسب العديد من الخبراء، هناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى أنه من غير المرجح أن تقوم السعودية بتغييرات كبيرة في سياستها الخارجية على المدى القصير، أهمها: أن الملك عبد الله كان قبل وفاته عاجزًا إلى حد كبير؛ إذ كان يعمل ساعتين في اليوم على الأكثر، بينما كان الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز وولي العهد مقرن بن عبد العزيز من يقوما بأغلب الوظائف نيابة عنه. ولكن بوادر أزمة بدأت تلوح في الأفق، فقد شن بعض الإعلاميين المصريين من المحسوبين على النظام المصري هجومًا عنيفًا على العاهل السعودي الجديد، أبرزهم الإعلامي إبراهيم عيسى، والمعروف أن هؤلاء الإعلاميين -طبقًا للتسريبات الأخيرة- يعملون وفق "توجيهات النظام"، فيما لجأت صحف مصرية قريبة من النظام إلى تسريب معلومات حول دعم خليجي للنظام المصري بقيمة 10 مليارات دولار كودائع جديدة، وهو الأمر الذي قوبل بشكوك من الدول الخليجية الثلاث "السعودية، الإمارات، الكويت". فقد قال مسؤولان خليجيان إن الحديث بشأن إعطاء مصر ودائع جديدة خلال الفترة الحالية أمر وارد، لكن لا يوجد أي تحرك رسمي حتى الآن بشأن هذا الأمر، وذلك ردًا على ما ذكرته صحف مصرية على لسان مصادر "لم تسمها"، أن مصر ستحصل على ودائع من الإماراتوالكويت والسعودية بقيمة 10 مليارات دولار قبل مؤتمر اقتصادي ستعقده مصر في مارس المقبل لجذب استثمارات جديدة. وقال مسؤول إماراتي - طبقا للأناضول- إن الحديث عن مشاركة دولة الإمارات في تقديم وديعة خليجية جديدة لمصر في الوقت الحالي "مجرد تكهنات"، وأضاف المسؤول وثيق الصلة بالمكتب التنسيقي للمشاريع التنموية الإماراتية في مصر: "لا يوجد شيء رسمي حتى الآن، ورغم ذلك ليس هناك أية مشكلة في تقديم ودائع جديدة قبل أو بعد قمة مارس، ولكن عادة هذا الأمر يحتاج وقتًا للتفاوض بشأنه"، وتابع المسؤول: "مستمرون في تقديم الدعم لمصر واستكمال تنفيذ البرامج التنموية في قطاعات اقتصادية أساسية، بالإضافة إلى المشاركة في إتمام ترتيبات مؤتمر قمة مارس لدعم وتنمية الاقتصاد المصري". وفي الكويت، قال محافظ البنك المركزي الدكتور محمد الهاشل إنه ليس لديه أخبار حالية بشأن هذا الأمر، ولم يحضر اجتماع رئيس الوزراء المصري ومحافظ المركزي المصري مع رئيس الوزراء الكويتي ووزير المالية الذي عقد الأسبوع الجاري بالكويت، وتابع: "لا علم لدي إن كان هناك اتفاق حول ودائع جديدة"، وقال مسؤول حكومي كويتي إن بلاده ليس لديها مانع في تقديم ودائع لمصر خلال الفترة الحالية، لكنه أكد أنه لا يعلم أي شيء بخصوص هذا الأمر ولا يعتقد أن هناك تحركًا رسميًّا بشأنه. وذكر المسؤول أن إعطاء أي مساعدات خارجية في الكويت الآن يعتبر أمرًا حساسًا، نظرًا لتوجه الكويت لتخفيض الدعم، ولكن إذا كانت هناك مساعدات في صورة ودائع فلا يعتقد أن هذا الأمر يمثل أزمة خاصة أن الودائع بفوائد، وهبط احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى مستويات متدنية ووصل إلى 15.33 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر الماضي، وهي مستويات مقلقة؛ إذ إنه يزيد بقليل عن تغطية واردات البلاد السلعية لثلاثة أشهر. وحصلت مصر، وفقًا للحساب الختامي للعام المالي الماضي الذي بدأ قبل الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي من الحكم بيومين، على 95 مليار جنيه (13.2 مليار دولار) كمنح ومساعدات خارجية أغلبها من الإمارات والسعودية والكويت، وقالت الحكومة ممثلة في وزارة المالية في وقت سابق إن العام المالي الجاري 2014/2015 لن يشهد نفس الزخم من المنح التي وردت العام السابق، وحصلت مصر على ودائع من دول الخليج خلال العام المالي الماضي بنحو 6 مليارات دولار. إلى جانب تلك المساعدات، اتفقت مصر على شراء منتجات بترولية بقيمة 9 مليار دولار من الإمارات، لمدة عام ينتهى في سبتمبر 2015 بتسهيلات في السداد، وتغطي هذه الواردات النفطية ما بين 70 و75% تقريبًا من واردات مصر الشهرية من المنتجات النفطية، وهي المازوت والسولار والبنزين، كما تجري مفاوضات مع السعودية والكويت للتوصل إلى اتفاق مماثل للاتفاق الإماراتي. المصدر: التقرير