تعقد الدوحة قمة دول مجلس التعاون الخليجى يومى الثلاثاء والأربعاء من هذا الأسبوع (9 و 10 ديسمبر الجارى)، بعد أن مرت بمخاض عسر، وسط تحديات سياسية، ومتغيرات إقليمية، وتداعيات اقتصادية، كادت أن تعصف بمجلس التعاون الخليجى، لولا حكمة العاهل السعودى التى أجبرت قطر على التعهد بالتراجع عن بعض مواقفها حتى تظفر برئاسة القمة الخليجية للدورة المقبلة. ورغم اقتراب موعد انتهاء المهلة التى حددها خادم الحرمين الشريفين فى قمة الرياض التشاورية بشهر واحد، فلم نلحظ ترجمة تعهدات قطر إلى سياسات فعلية، ولم تخفت الحملات الإعلامية التى تشنها «الجزيرة» ضد مصر، فهى ما زالت على حالها، وإيواء ودعم قطر لجماعة الإخوان الإرهابية لم يطرأ عليه تغيير، بل احتضنت الدوحة السبت الماضى اجتماعا للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان دعا إليه الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، مما يعنى أن قطر ماضية فى سياستها التى سبق أن صرح بها وزير خارجيتها خالد بن محمد العطية، بأن استقلال السياسة الخارجية لقطر غير قابل للتفاوض، وأن دولة قطر تنتهج سياسة خارجية مستقلة، خالية من أى تأثير خارجى، وهى لا تتبع عقلية المحاور السائدة فى منطقة الشرق الأوسط التى يختار الأطراف بموجبها الانضمام لمعسكر أو لآخر بشكل مباشر أو غير مباشر.. وهو ما يعزز الشكوك بعدم التزام الدوحة بما تم التوافق عليه، لا سيما أن التجارب السابقة تشير إلى عدم الثقة فى أى تعهدات وقعت عليها قطر، فلم يكن اتفاق الرياض الشهر الماضى هو الأول من نوعه، فقد سبق لأمير قطر الشيخ تميم أن وقع والتزم فى نوفمبر 2013 وفبراير 2014 وبحضور نفس القادة الخليجيين، ولم تلتزم الدوحة بما تم التوافق عليه، فلم تتغير سلوكيات قطر، سواء إزاء الحوثيين فى اليمن، أو حزب الله فى لبنان، أو تجاه جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر التى يراهن أميرها السابق (الحاكم الفعلى لقطر) على فوز كاسح لهم فى الانتخابات البرلمانية المقبلة فى مصر، ممنيا نفسه أن تستعيد قطر نفوذها المفقود فى مصر، وأن يدير الشيخ حمد سياسات العالم العربى ومنطقة الشرق الأوسط من القاهرة. ويرى كثيرون أن مياها جرت فى الخليج العربى، ورمالا تحركت فى صحراء شبه الجزيرة العربية، وأوضاعا تغيرت خلف الحدود، فى اليمن الذى يتهيأ فيه الحوثيون المدعومون من إيران لبسط سيطرتهم على مقدراته، وداعش المنتشية بفشل التحالف فى زحزحتها عن مواقعها فى كل من سوريا والعراق بسبب التخبط الأمريكى الذى قد يؤدى إلى توسيع نطاق الحرب وعدم الاستقرار فى المنطقة، وإيران النووية التى إنضوت مع ذراعيها جيش القدس وحزب الله ضمن التحالف الذى تتزعمه أمريكا لمحاربة داعش، وسوريا التى بات إسقاط نظام الأسد فيها صعب المنال، وحالة من الفوضى المسلحة تجتاح المنطقة، كما أن المخاوف الحقيقية من انفراط عقد مجلس التعاون الخليجى المنظومة العربية الوحيدة الباقية التى ترمز إلى شكل وإن كان باهتا من أشكال الوحدة، كلها عناصر عجلت من المصالحة الخليجية وعودة السفراء إلى الدوحة، خصوصا أن كل من سلطنة عمان التى غابت عن قمة الرياض التشاورية، فى حين حضر وزير خارجيتها يوسف بن علوى الاتفاق النووى الأمريكى الإيرانى، وقطر التى يعانى حكامها من أوهام الزعامة، تسعيان مع إيرانوأمريكا لتفكيك المجلس، وهو ما عبّرت عنه السلطنة أكثر من مرة برفضها الدعوة التى تنادى بتحول المجلس إلى اتحاد خليجى، وعدم موافقتها على تطوير وزيادة قوات درع الجزيرة، ورفض العملة الخليجية الموحدة، وسبق لها أن استضافت مفاوضات سرية أفضت إلى اتفاق نووى بين أمريكاوإيران، كما أن قطر التى تغرد بعيدا عن العمل الخليجى الموحد دائما ما تجنح إلى أى نهج يعادى المملكة، وسبق للدوحة أن دعت فى سابقة هى الأولى من نوعها الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد إلى قمة دول مجلس التعاون الخليجى التى استضافتها قطر عام 2007 وهذا يقفز بنا إلى تساؤل يطرح نفسه، ولن يكون مفاجئا، إذا ما استدعينا التاريخ شاهدا على سلوكيات قطر، هل تفكر قطر حقيقة فى دعوة حليفها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لحضور القمة الخليجية المقبلة، والتى ستنعقد على أراضيها؟، وإذا ما حدث فهل تقبل السعودية والإماراتوالبحرين بذلك؟ وما هو مصير القمة، إذا وجهت الدوحة الدعوة إلى أنقرة للحضور؟. لا يعنى ما سبق، إنكار أن تغيرا ما قد حدث فى العلاقات القطريةالإماراتية بعد الزيارة المفاجئة التى قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد وحاكم أبو ظبى إلى قطر الأسبوع الماضى، والتى جاءت بعد التزام قطر بتنفيذ العديد من المطالب الواردة فى وثيقة الرياض الأولى، والتكميلية الثانية المتعلقة بوقف دعم حركة الإخوان الإرهابية، وقد عدت الزيارة نقطة تحول رئيسية فى الخلاف الخليجى- الخليجى بين دولة قطر من ناحية، والمثلث السعودى الإماراتىالبحرينى من ناحية أخرى، والتى على أثرها اختفت تماما الحملات الإعلامية، وتبدلت لهجة قناة الجزيرة تجاه كل من الإماراتوالبحرين، وأوقفت الدوحة أعمال التجنيس والاحتضان لمعارضين خليجيين، فى الوقت الذى زادت فيه «الجزيرة» من نبرة عدائها للشعب المصرى، فى رسالة أرادت قطر من ورائها التأكيد على الفصل بين تعهداتها والتزامها حيال دول مجلس التعاون من جهة، واستمرار سياستها التحريضية ضد مصر وشعبها من جهة أخرى التى تظن قطر أن باستطاعتها إعادة جماعة الإخوان الإرهابية للتربع على مقاليد الحكم فى مصر مرة أخرى، وهذا ما يوجب على الحكومة المصرية جديا بضرورة البدء بالتلويح فى اتخاذ إجراءات رادعة ضد قطر، إذا ما استمرت فى تهديدها للأمن القومى المصرى. لا ينتظر المراقبون من قمة الدوحة المرتقبة الكثير،غير أن مجرد انعقادها يذكر فقط بأن مجلسا للتعاون الخليجى لايزال حيا، كما أن قطر التى سعت طوال العقدين الماضيين إلى تشتيت المواقف، وبعثرة الجهدالخليجى سعيا خلف وهم زعامة،أو وجاهة يعدو وراءها حاكم قطر، ولا يجدها كأمير فى دويلته التى لايتجاوز عدد سكانها أحد أحياء مدينة الرياض، لا ينتظر الكثيرون من دورة تترأسها قطر حليفة تركيا، وإيران، وإسرائيل الطامعة فى نفط الخليج ورماله، أن تساهم فى تعزيز التعاون الخليجى، ومجابهة التحديات التى تمر بها المنطقة، فى الوقت الذى تسعى فيه المملكة إلى لملمة الأوضاع، وإعادة اللحمة الخليجية، ورأب الصدع التى تسببت فيه ممارسات قطر طوال السنوات الماضية. يسعى العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز جاهدا إلى تجنب الانزلاق إلى الهاوية، وتصويب سلوكيات حكام قطر، وإعادة مسقط إلى حضنها الخليجى، والحفاظ على كيان مجلس التعاون الخليجى الذى تأسس عام 1981 إبان الحرب العراقية الإيرانية، والدفع فى اتجاه تعزيز مكتسبات الشعوب الخليجية التى تمتلك دولها صناديق سيادية يتجاوز حجمها أكثر من (2400) مليار دولار، فالمملكة العربية السعودية تمتلك صندوقا سياديا يضم أكثر من 9,742 مليار دولار، والكويت يقدر قيمة صندوقها ب410 مليارات دولار، والإمارات 06,1 تريليون دولار، وقطر نحو 170 مليار دولار، وسلطنة عمان 19 مليار دولار، ومملكة البحرين ب5,10 مليار دولار، هذا غير الاستثمارات العقارية، والاحتياطيات النفطية، وتدفقات الغاز الطبيعى، والوفورات المالية الضخمة، وغيرها من الثروات الكامنة، التى تحتاج إلى منظومات دفاعية قوية لحمايتها وهذا ما يؤكد اتجاه دول الخليج انطلاقا من قمة الدوحة إلى إطلاق قيادة عسكرية مشتركة بمشاركة مصر مركزها السعودية، سيكون تحت إمرتها مئات الآلاف من الجنود لمواجهة التهديدات المتزايدة من داعش والحوثيين وإيران، وتأسيس شرطة خليجية مقرها أبو ظبى، تعنى بملاحقة الإرهاب والتطرف الدينى داخل دول مجلس التعاون الخليجى. يبدو واضحا أن جهدا سعوديا يبذل، ومبادرة تلوح فى الأفق يتم الإعداد لها، يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، باتجاه مصالحة مصرية - قطرية على خلفية المصالحة الخليجية - القطرية، هذه المبادرة تنطلق من بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز الذى صدر عن الديوان الملكى السعودى يوم 19 نوفمبر الماضى والذى أكد فيه العاهل السعودى حرصه وإخوانه قادة المجلس على إنهاء كل أسباب الخلافات الطارئة، وبدء صفحة جديدة لدفع مسيرة العمل المشترك لمصلحة شعوب الأمة العربية والإسلامية، البيان تضمن أيضا تأكيد الوقوف جميعا صفا واحدا إلى جانب مصر والتطلع إلى بدء صفحة جديدة ومرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقاء، وبرغم الاستجابة السريعة من الرئاسة المصرية لجهود المصالحة التى يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلا أن الحكومة القطرية امتنعت حتى الآن عن الرد أو التعليق على بيانى الرياضوالقاهرة، واستمرت فى غطرستها، وعنجهيتها الأمر الذى يفسره العالمون بتوجهات قطر أن كل شىء سيبقى على حاله، وقطر تسعى جاهدة إلى تغيير الأوضاع، وإنهاء ما تسميه الانقلاب فى مصر وعودة حكم جماعة الإخوان من جديد. وأخيرا هل تكون قمة الدوحة بمثابة عودة إلى تفعيل قيم التآخى والتضامن العربى، أم منعطفًا آخر للجنوح القطرى، ومحطة جديدة ينطلق منها «تميم» على درب أبيه «حمد» فى محاولة فاشلة أخرى لإعلاء النفوذ القطرى عربيا وإقليميا على حساب كل من القاهرة، والرياض، والمصالح العربية؟∎