تذكرت المقولة الشهيرة (كيف حال مريضكم؟ فأجابوا : سليمنا مات). ماتت الأم السليمة يوم 8 ديسمبر ولحق بها الأب المريض يوم 30 ديسمبر "إلهي .. ارزقنا .. خوفك" ضع الموت بين أعيننا . فلا شيء يستحق البكاء سوى الحرمان منك و لا حزن يجف إلا الحزن عليك.. باطل الأباطيل وقبض الريح كل شيء إلا وجهك . أنت الحق . ماتت الأم المجاهدة الصابرة بقضاء الله وقدره .. تحملت البلاء والابتلاء بقلب صابر ومكلوم...تحدت الوجع وقاومت الألم متسلحة بعزمها وقوة صبرها لكنها سرعان ما انهارت وسقطت صرعى للمرض.. قاومته بابتسامة وعناق مع أبنائها، وكأنها تودعهم فتقول بعفوية وطيبة "هاتوا ابني فلان" وكأنها تريد أن توصيه أو تودعه.. ماتت المعلمة والصابرة على الشدائد والمحن فتردد الحمد لله على كل شيء ... دخلت المستشفى وتلقفها السرير الأبيض والأجهزة تحاصرها على جميع أجزاء حسدها النحيل لعله يمكن إنقاذها، وهي تلقي بنظراتها على أبنائها في وداعية أخيرة.. الطبيب أكد أن اليوم القادم مرحلة الخطر وبالفعل مرت 20 ساعة وقلنا الحمد لله اقترب الفرج، ولكن وآه من لكن توقف الجهاز، وأطلق صافرة ليتوقف عن الحركة وتوقفت معه هذه الروح الطاهرة لتعود لبارئها. يأتي الموت فيصبح القمر بعد فقدان الأحبّة معتمًا، والشّمس مظلمة، وتصبح حياتنا صحراء قاحلة بلا أزهار ولا ملامح ولا ألوان، عندما يرحل الأحبّة لا نصدّق أنّهم لن يعودوا بل موجودين في عالمنا، لا نصدّق ولا نريد أن نصدّق أنّهم رحلوا وتركونا نعاني مرارة فقدانهم، فكم هي ظالمة هذه الحياة، وكم يسخر منّا البشر عندما نفقد أعزّ الناس، وكم هي مريرةٌ لوعة الأشواق إليهم، وكم هي باردة وكئيبة ليالي العمر من دون دفئهم وحنانهم الذي كان يغمرنا. أما الأب الذي كان يرى أن الجميع أهله وأقاربه وكان بارًا وحانيًا مع الجميع.. فقد قدم كل ماهو غال من أجل إسعاد أبنائه ...كان نموذجا وقدوة فيقدم عطاء بلا حدود ويعطي بلا مقابل وكانت تسبقه ابتسامة حانية حتى في أشد الأمور ابتلاء قضى حياته مجتهدًا ويعمل في أرضه وزراعته كما كان يقول من أجل أن نحيا حياة كريمة فنحن "عزوته" كما كان يردد... ظل على هذه الحال سنوات طوال حتى اقترب من الثمانين وفجأة وقع الفارس وترجل عن صهوة فرسه.. وقع صريعا للمرض.. في البداية قاوم بشدة وبسالة من أجل زراعة أرضه ورعاية مصالحه.. لكنه استسلم بعد أن حاصرته عدة أمراض دفعة واحدة بعضها نفسي وبعضها عضوي.. كان ضيفًا دائمًا على المشاهير من الأطباء والمستشفيات لكن الاستجابة كانت ضعيفة حتى توقفت حركته تماما.. لكن في الأيام الأخيرة تدهورت صحته وخارت قواه فذهبنا به للمستشفى العسكري ومعه أشقائي وتم احتجازه طوال أسبوع ليلقى العناية والرعاية الكاملتين وخرج.. لكن وضعه الصحي تدهور ثانيا ولم تفلح معه إرشادات الأطباء ليمسك بيد شقيقي الكبير منصور بشده وينظر إليه بتأمل وكأنه يوصيه ويودعه وبعدها فاضت روحه الطاهرة ليغيبه الموت عنا. ماتت الأبوة واختفت المشاعر وذهب معها كل ما هو طيب وجميل بعد أن فقدت الشجرة المثمرة أغصانها وأصبحت فروعا جرداء لا ثمر فيها ولاماء. فالحياة فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان، أما الموت فهو الحقيقة الراسخة اللهم يمن كتابہم و هون حسابہم ..ولين ترابهم و ثبت أقدامهم . . اللهم طيب ثراهم و اكرم مثواهم واجعل الجنة مستقرهم و مأواهم . . اللہم نور مرقدهم وعطر مشهدهم وطيب مضجعهم .. اللهم آنس وحشتهم وارحم غربتهم و قہم عذاب القبر و عذاب النار.. اللہم نقہم من خطاياهم كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. اللہم افسح لہم في قبرهم مد أبصارهم و اجعله روضة من رياض الجنة.