الإمارات تخصص 10 ملايين دولار لدعم وإغاثة السودان    تراجع أسعار اللحوم البلدية بعد عيد الأضحى    الوفد يثمن توجيهات الرئيس السيسي بتشكيل خلية أزمة لمتابعة أوضاع الحجاج المصريين    الاحتلال يعتقل 3 فلسطينيين من منزل محاصر بمدينة جنين    استطلاع: اليمين المتطرف في فرنسا سيحصل على الأغلبية في الانتخابات التشريعية    هيئة البث الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي يعتزم تخفيف العمليات العسكرية في غزة    برافو يواصل كتابة التاريخ في كوبا أمريكا 2024    تحرير 10 محاضر لمخالفات المخابز بدسوق    استمرار حبس المتهمين بقتل طالب وإلقاء جثته بطريق البدرشين    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    اليوم.. نادي القصة وصندوق التنمية الثقافية يكرمان عزة بدر ومحمد الفخراني    فيديو.. أشرف زكي: فنانون فلسطينيون يشاركون قريبا في أعمال مصرية    الصحة: تنفيذ 45 برنامجا تدريبيا لرفع كفاءة الصيادلة ب12 محافظة    4 مشروبات صحية تساعدك على هضم الأكلات الدسمة    وزير الإسكان: إزالة عدة مخالفات بناء في 4 مدن خلال عيد الأضحى    موعد عودة الرحلات البرية لحجاج السياحة    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    منظومة الشكاوى بوزارة التعليم العالي تستجيب ل5021 شكوى خلال العام المالي 2023-2024    أميرة بهي الدين ل«الشاهد»: الإعلان الدستوري الإخواني تجاوز معنى القانون    بدء امتحان اللغة العربية لطلاب الثانوية العامة في الدقهلية    بتهمة الفسق والفجور.. بعد قليل الحكم على كروان مشاكل وإنجي حمادة    العربى الناصرى: 30 يونيو ثورة تصدت لإرهاب الإخوان وأنقدت مصر من الحرب الأهلية    رئيس جامعة العريش يؤكد ضرورة سرعة إعلان نتائج الكليات والبرامج (تفاصيل)    مدفعية الاحتلال تستهدف المناطق الوسطى من مدينة رفح الفلسطينية    مسرح العرائس يقدم حفلين غنائيين لأم كلثوم| 11 يوليو    حكم زيارة قبر الوالدين كل جمعة وقراءة القرآن لهما.. الإفتاء تكشف    تشكيل البرتغال المتوقع أمام تركيا.. رونالدو يقود الهجوم    بعد تسريب امتحان اللغة العربية بالثانوية العامة.. السجن والغرامة تلاحق المتورطين    ينهي حياة أبن شقيقة لخلاف على سور وحجرة بالدقهلية    العدوان الإسرائيلي يحرم طلبة غزة من أداء امتحانات الثانوية العامة    2360 طالب ثانوية أزهرية يؤدون امتحان الفيزياء فى الأقصر.. فيديو    صحة الدقهلية: تدريب مشرفي اللجان الطبية للتعامل مع الحالات الطارئة خلال الامتحانات    جامعة القاهرة تخصص 2.5 مليون جنيه لتطوير مركز الدراسات الشرقية    طريقة عمل الجاتوه شاتوه، زي الجاهز وأوفر    كاف يعلن تلقيه عروضا لاستضافة السوبر الأفريقي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-6-2024    نقيب البيطريين يكشف تفاصيل الأوضاع داخل النقابة بعد توليه المقعد (تفاصيل)    تعرف على متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» اليوم    لأول مرة| دراسة ل«القومي للبحوث» تبحث في شخصية المجرم.. خاطف الأطفال    يورو 2024| التشكيل المتوقع لمنتخب التشيك أمام جورجيا في بطولة الأمم الأوروبية    الخارجية السودانية تصدر بيانا بشأن الأزمة مع الإمارات.. ماذا حدث؟    نوران جوهر تتأهل إلى نهائى بطولة العظماء الثمانية للاسكواش    تامر عاشور يعلق على أزمة شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب مع أسرتها.. ماذا قال؟    انتشال 14 جثة بعد غرق مركب مهاجرين أمام سواحل إيطاليا    دار الإفتاء تكشف حكم قراءة المرأة القرآن بدون حجاب    مفتي الجمهورية: عماد عملية الفتوى الإجابة عن 4 تساؤلات    عمرو دنقل: رحلة فرج فودة الفكرية مصدر إلهامي لانطلاق روايتي "فيلا القاضي" المؤهلة لجائزة طه حسين    تُلعب فجر السبت.. القنوات الناقلة لمباراة تشيلي وبيرو في كوبا أمريكا 2024    مهمة عسكرية ل "الناتو" في أوكرانيا| فيكتور أوربان: لن يستطيع أحد إجبارنا على الدخول في الصراع الأوكراني.. روسيا تعلن استعدادها لإجراء حوار لدعم الاستقرار مع الولايات المتحدة    بعد تعرضها لوعكة صحية.. نقل لقاء سويدان إلى المستشفى    ريال مدريد.. أعلى دخلًا للأندية في العالم    وفاة والدة بيليه عن عمر يناهز 101 عامًا    أخبار اليوم الأسبوعي| حقائب التحدى ومفاجأة الأعلى للجامعات والجمهورية الجديدة    موعد سداد فاتورة التليفون الأرضي لشهر يونيو 2024 في مصر    لأول مرة.. مشاريع تخرج قسم الإذاعة والتليفزيون ب «إعلام القاهرة» تحظى برعاية 5 وزارات    دعاء الثانوية العامة مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة عند الدخول إلى لجنة الامتحان    أيمن الرقب: اعتراف أرمينيا الرسمي بفلسطين انتصار معنوي لدماء شعبنا    أخبار × 24 ساعة.. التعليم لطلاب الثانوية: لا تنساقوا خلف صفحات الغش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بوتين" يبهر بخطاب جديد
نشر في الشعب يوم 18 - 12 - 2014

في مقال جديد له اليوم تحدث مقال "جميل مطر" عن بوتين المقاتل العنيد الذي أعاد إلي الروس جزء كبيرة من هيبية الاتحاد السوفيتي السابق الذي انهار في روسيا وكيف اصبح العالم أجمع ينتظر ما يقوله الدب الروسي وإليكم المقال
لم يعد العالم ينظر إلى فلاديمير بوتين بعدم اكتراث أو لا مبالاة، فالرجل عاد بعناده ومشكلات بلاده يفرض روسيا على العالم لاعبا فاعلا أو وهو الأهم لاعبا رئيسيا محتملا فى الساحة الدولية.
أكتب هذه المقدمة على ضوء قراءة متمعنة لخطابه الأخير فى الاجتماع السنوى للجمعية الاتحادية الروسية الذى انعقد قبل أيام قليلة بقصر الكرملين. توقفت مليا أمام ردود فعل السياسيين والمعلقين الغربيين على هذا الخطاب وقد تجاوز اهتمام أغلبهم مضمون الخطاب، بمعنى أنه بينما لم يجد المتتبع لخطب بوتين سواء فى لهجة هذا الخطاب أو مضمونه اختلافا واسعا مع لهجة ومضمون خطبه خلال السنوات السبع الأخيرة، ظهرت ردود كما لو كان فى الخطاب مفاجآت أو تطورات خطيرة فى السياسة الروسية.
تكمن أهمية الخطاب من وجهة نظرى فى أنه يعيد التذكير برؤية روسيا للعالم الخارجى كما صاغها فلاديمير بوتين فى خطابه الأشهر فى مؤتمر الأمن الذى عقد فى مدينة ميونيخ فى عام 2007، وهى الرؤية التى طورها وأكدها فى خطب أخرى منذ ذلك الحين كخطابه فى الجمعية الاتحادية فى ديسمبر من العام الماضى وخطابه فى القرم فى مارس 2014 وخطابه فى سوشى فى 24 أكتوبر من نفس العام وخطاب آخر فى القرم فى 4 ديسمبر الجارى.
•••
فى خطابه بميونيخ قبل 7 سنوات وصف بوتين النظام الدولى بأنه النظام الذى حفل بعدد من الحروب لم يشهدها أو يتسبب فيها نظام دولى سابق على نظام القطبية المنفردة، يقصد هيمنة أمريكا على النظام الدولى. كانت القطبية المنفردة كما رآها بوتين وقتذاك ولا تزال غطاء لاستخدام غير مبرر للقوة وتحقيق مصالح دول بعينها وغطاء لجهود كبيرة لتوظيف المنظمات غير الحكومية والأهلية لخدمة أهداف دول عظمى والتدخل فى شئون دول أخرى. هناك فى ميونيخ أعلن بوتين رفض روسيا لنظام القطبية الأحادية باعتبار أنها تكاد تصبح مستحيلة لسببين، أولهما أنها صارت تتطلب إمكانات هائلة، عسكرية واقتصادية وسياسية، لم تعد تتوافر لأى دولة فى العالم، وثانيهما أنها أى القطبية الأحادية صارت مستحيلة أخلاقيا.
هذا الجانب من رؤية روسيا للعالم أعاد بوتين تثبيته فى خطبه التالية وآخرها خطبته قبل أيام أمام الجمعية الاتحادية. عناصر هذا الخطاب لن تختلف كثيرا عن عناصر خطبه الأخرى، ولكن تغيرت اللهجة والكلمات فكانت أشد وأقوى، حتى إن بعض ردود الفعل بالغت ووصفت الخطاب بأنه «خطاب معركة». هناك بلا شك ما يبرر هذه المبالغة ولكنه لا يبرر على الإطلاق الأصوات الزاعقة التى راحت تتنبأ بحرب باردة ثانية، ولم يبرر بالتالى أى إجراءات على أرض الواقع تقوم بها دول لها مصلحة فى إثارة توترات عالمية أو إقليمية.
•••
لهجة الخطاب لها ما يبررها فقد عاد فلاديمير بوتين للتو من رحلة «عذاب» طافت به من الصين إلى استراليا إلى روسيا ليجد فى انتظاره عقوبات جديدة فرضتها الدول الغربية على بلاده، وروبل تدهورت قيمته إلى الثلث، وانخفاضات جذرية فى سعر النفط. إذا أضفنا هذه التطورات إلى وضع استثنائى فى علاقات روسيا الخارجية ترتب على انتفاضة كييف واستعادة روسيا شبه جزيرة القرم وضمها نهائيا إلى الوطن الروسى لربما اقتنعنا بأنها كافية لتجعل خطاب بوتين الأخير ساخنا. ولكنها بالتأكيد ليست كافية للحكم على الخطاب بأنه بمثابة إعلان عن نشوب معركة فى حرب باردة جديدة. أظن أن ما أثار بوتين أكثر من غيره هو تجدد حربه مع متمردى أقاليم الشيشان وجسارة المسلحين الذين أقدموا على خوض قتال فى وسط مدينة جروزنى، المدينة التى يعتقد بوتين وبحق أنه حقق فيها إنجازه الأول كرئيس عندما فرض بالقوة المسلحة استقرارا سياسيا وعسكريا شمل كل أقاليم الشيشان وجلب له شعبية كبيرة فى روسيا. كان بوتين فى خطابه صريحا وقويا عندما اتهم الولايات المتحدة ودولا أخرى بالغرب بإثارة عناصر التمرد من جديد فى الشيشان. أعتقد أنه اعتبر هذه المؤامرة أخطر على سلامة روسيا وعلى مشروعه بناء روسيا الكبرى من تمدد حلف الأطلسى والاتحاد الأوروبى فى دول الجوار.
•••
استمر بوتين فى إلقاء الخطاب سبعين دقيقة، تحدث خلالها بلهجة عنيفة عن دول الغرب التى راحت ترتدى ثياب النازية لتعزل روسيا وتحجزها وراء الأورال، وهى تعلم تماما كيف انتهت المحاولة النازية الأولى التى ستكون أيضا مصير المحاولة الثانية. تحدث عن تطوير القوات المسلحة الروسية والعقبات التى يضعها الغرب أمام هذا التطوير، ولكنه كان حازما فى التنبيه إلى أنه لن يدخل فى سباق تسلح فى إشارة بالغة الذكاء الى السباق الذى فرضه الرئيس ريجان على الاتحاد السوفييتى فى الثمانينيات من القرن الماضى وانتهى بانهيار الاقتصاد السوفييتى.
من ناحية أخرى حاول التأكيد على اعتقاده بأن الغرب يقف وراء الانتفاضة الأوكرانية. بوتين لا يخفى رأيه فى أزمة أوكرانيا من حيث إنها ليست أكثر من محاولة غربية جديدة ضمن سلسلة محاولات عبر القرون ومنذ عهود القياصرة لإضعاف روسيا، بل وأضاف أن من أهداف الدول الغربية تفكيك روسيا وتدميرها ونسف جهودها لتثبيت دعائم «الحضارة الروسية».
لم يفت على بوتين انتهاز الفرصة لينتقد قادة دول الجوار موجها حديثه إليهم بالقول «لم نعد نعرف مع من نتكلم فى هذه الدول، أنتكلم مع حكومات دول مستقلة أم مع السادة والرعاة فى الخارج ؟».
•••
الجديد فى هذا الخطاب، ولعله الجديد أيضا فى خطاب روسيا السياسى والتاريخى، إشارة بوتين إلى أن مكانة شبه جزيرة القرم بالنسبة للشعب الروسى تماثل مكانة جبل الهيكل بالقدس بالنسبة للشعوب الإسلامية والشعب اليهودى. هكذا يبدو بوتين وقد شعر بأن حال روسيا هذه الأيام ومشكلاتها المعقدة وحرب العقوبات المفروضة عليها ومحاولات احتوائها، تستدعى إثارة المشاعر القومية والدينية فى آن واحد. راح يستعير من التاريخ رواية الأمير السلافى فلاديمير الذى جرى تعميده مسيحيا فى شبه جزيرة القرم فى القرن العاشر الميلادى، فكان بهذا التعميد أول إعلان عن وصول المسيحية الى هذه المنطقة من العالم وما نتج عن دخولها، إذ توحدت القبائل والشعوب لتشكل «الأمة الروسية». الرسالة هنا هى: لا وجود لروسيا «الوطن أو القوم أو الحضارة» بدون القرم.
•••
ترك الخطاب فى نفوس المهتمين بالشأن الروسى أصداء شتى، تبدأ بتشبيه الخطاب بالخطب التى مهدت لنشوب الحرب الباردة الأولى وتنتهى بتوقعات متباينة عن مستقبل حكم الرئيس بوتين. أعتقد شخصيا أن أهم ما رشح من هذه الأصداء يلخصه رأيان متكاملان ومتضادان فى الوقت نفسه. الرأيان يتفقان على أن استمرار جهود احتواء روسيا وفرض العقوبات عليها سيؤدى بالضرورة إلى تصاعد حاد فى الشعور القومى والدينى. أما الاختلاف بين الرأيين فيظهر حين يعلن رأى من الرأيين عن ثقته بأن هذا التصاعد فى المشاعر القومية وبخاصة بعد مزجها بالدين «المسيحية الأرثوذكسية الروسية» وبالعرق «أى العنصر السلافى»، كفيل بأن يخلق ثقة أكبر فى النفس ويقضى على شعور الدونية المتجذر ضد الغرب فى الثقافة الروسية، ويشجع القادة الروس على التعامل باتزان واعتدال مع الغرب ومع دول الجوار.
أما الرأى الآخر فيعتقد أن هذا التصعيد كفيل بأن يلهب المشاعر الروسية المعادية للغرب والمعتمدة تاريخيا على رؤية للعالم الخارجى لم تتغير كثيرا عبر القرون. هذه المشاعر لو تصاعدت تستطيع أن تدفع بقادة روسيا إلى محاولة استعادة سياسات التوسع الإقليمى ومحاولات تنفيذ الحلم الإمبراطورى. من ناحية أخرى قد يدفع بالسياسة الخارجية الروسية فى اتجاه عرقلة جهود حل المشكلات والأزمات الدولية المستعصية، والاستفادة من العداء المتزايد للغرب فى العالم الإسلامى، والعودة الى أساليب إثارة الاضطرابات ضد المصالح الغربية فى آسيا وإفريقيا، والعمل تحت الأرض أسوة بما تفعله أمريكا ودول الغرب فى روسيا والشرق الأوسط. أصحاب هذا الرأى لا يستبعدون أن يبدأ الروس، إذا استمر الضغط عليهم والعقوبات ضدهم، فى فتح جبهة اضطراب خطيرة فى البلقان حيث المشاعر ضد الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو تغيرت وعادت تنحاز للجانب الروسى.
•••
أتصور أنه يتعين علينا فى الشرق الأوسط أن نستعد لتطورات تمس احتمالات عودة الاستقرار والأمن وتمس أيضا المصالح المباشرة للإقليم كنتيجة حتمية لتطورات هذا الصراع بين روسيا والغرب. مرة أخرى يتعين علينا أيضا أن نراقب سلوك تركيا فهى أقربنا إلى حدود الصراع الملتهبة وأكثرنا خبرة فى الاستفادة من صراعات روسيا الخارجية. ها هى بالفعل تستفيد من أزمة أنابيب الغاز الروسية لتسد حاجتها من الطاقة، ولتحصل على دخل نقدى كبير، وتواصل تجديد مزايا موقعها الاستراتيجى
نقلا عن الشروق
جميل مطر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.