[email protected] تسع سنوات طويلة.. تسع سنوات وجريمة تجميد جريدة (الشعب) بالمخالفة لأحكام القضاء مستمرة، وبإصرار وتصميم لم نعهد له مثيلا في أي من المسائل التي طرحت على إدارة الدولة المصرية مهما كانت خطورتها وأهميتها، فقد صدر قرار تجميد حزب العمل وجريدة الشعب الناطقة باسمه بعد المسرحية الهزلية التي قام ببطولتها ممثل طال عليه الانتظار لدور بطولة، وحكم القضاء ببطلان قرار تجميد الجريدة، ثم قضت محكمة الأحزاب بانتفاء الجدية عن مسرحية التنازع على رئاسة الحزب .. والتي صدر على أساسها الساقط قرار التجميد، وتصور كل أصحاب العقول أن القضية قد انتهت على المستوى الشكلي على أقل تقدير، وأن لعبة المؤامرات والمراوغة السياسية قد بدأت.. بنيت هذه التصورات على أن الإدارة السياسية للبلاد والتي ترفع شعار سيادة القانون في كل مناسبة، لا يمكن أن تصل في تحديها للقانون إلى مستوى المواجهة الصريحة.. حتى أن البعض وإلى الآن ما زالوا يعتقدون أن هذا الملف قد سقط في جب النسيان بالنسبة للقيادات السياسية، وأن الموظفين الذين يعملون في خدمتهم يتسببون في هذا الحرج السياسي نتيجة لخوفهم غير المبرر من طرح المسألة وتطوراتها تصورا منهم أنها مسألة قد تم إغلاقها إلى الأبد، في الوقت الذي جرت فيه مياه كثيرة في نهر الحياة السياسية المصرية، غيرت تضاريسه وقواعد السباحة في مياهه، بحيث يصبح طرح القضية للمناقشة أمرا .. ليس ممكنا وحسب .. بل وأيضا مرغوبا فيه. في هذه العجالة التي نكتبها من مقر اعتصامنا الاحتجاجي والمطلبي المفتوح بنقابة الصحفيين والذي يدخل يومه السابع عشر، نود التركيز علي نقاط واضحة وأساسية لا دخل لها بالصراع السياسي الذي احتدم بين حزب العمل والسلطة الحاكمة على طول مدة حياة الحزب.. أولا: أن هذا الصراع قد سجل وللمرة الأولى تخطى العقوبة التي يمارسها نظام الحكم في خلافاته مع الخصوم لأشخاص هؤلاء الخصوم، حيث مارست الإدارة السياسية منهج العقوبة الجماعية على العاملين في هذه الجريدة صحفيين وإداريين وعمال خدمات، فشردت أكثر من مائه وعشرين أسرة، بعضهم تعرضوا لهذه العقوبة لأنهم يقدمون فنجان قهوة أو كوب ماء للكبير المرحوم إبراهيم شكري، أو المفكر العربي الكبير عادل حسين، أو الرمز الوطني المشهود له الدكتور المرحوم حلمي مراد، وبعضهم لقي هذه العقوبة القاسية لأنه قاد سيارة الجريدة، وبعضهم لأنه سجل حساباتها، وآخرين رتبوا أرشيفها، وكل صحفييها لأنهم صدقوا وعدا رئاسيا بأن الحكم لن يقصف قلم ولن يغلق صحيفة فراحوا يشرعون أقلامهم دفاعا عن مصر وشعبها ضد الفساد والاستبداد وسرطنة الأطعمة وتلويث النهر.. ملاحظة الغالبية العظمى من صحفيي الجريدة ليسوا أعضاء في حزب العمل.. بل أن الجريدة قد فتحت صفحاتها لكل قلم يمنع في أية صحيفة حكومية كانت أو معارضة.. وأسماء من يدخلون في هذه القائمة تبدأ بالأستاذ هيكل مرورا بالأساتذة عادل حموده وفهمي هويدي وعلاء الأسواني وعبد القادر شهيب والمؤرخ المفكر طارق البشري ... والقائمة لا تقع تحت حصر، وهو ما يمتد بهذه العقوبة إلى كل من مارس حرية التعبير في مصر.. فهل أصبحت الصحف التي تمارس الحرية وتصدق دعاواها ( شعب أبى طالب العصر) وفق تقاليد هذا العصر السياسية، يموت كل من يدخلها جوعا وعطشا؟!.
ثانيا: أبناء المعارضين أيضا وحتى بعد مماتهم أدخلتهم إدارة الصراع السياسي في السلطة المصرية .. وللمرة الأولى أيضا في دائرة نيران الانتقام، فعلى مدى تاريخ الخلافات العديدة بين السلطة والصحافة أو المعارضين، لم تعرف تقاليد وأعراف هذا الصراع مسألة رفع الغطاء التأميني عن أبناء المستهدفين من السلطة، فقط في قضية (جريدة الشعب) أغلقت الدولة ملفات تأمينات العاملين .. كل العاملين .. في هذه الجريدة وبأثر رجعى، في مخالفة صريحة وفجة ليس وفقط لتقاليد الصراع السياسي المرعية في مصر على طول التاريخ، ولكن أيضا لقانون التأمينات المعمول به في بلادنا.. ومرة أخرى تظهر الصورة العصرية ل (شعب أبى طالب). ثالثا: أن الكيانات والمجالس المنشأة خصيصا لرعاية الصحافة والصحفيين.. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مجلس نقابة الصحفيين، والمجلس الأعلى للصحافة ومجلس الشورى.. كلاهما يقف من المسألة موقف المتفرج.. في أحسن الأحوال.. وموقفا مضادا أو متجاهلا في معظمها.. وإلا فما الذي يفسر أن تستمر هذه المشكلة على فجاجة ما ارتكب فيها من مخالفات للقانون والأعراف دون حل؟!!!. الصحفيون والإداريون وعمال الخدمات في جريدة الشعب يتساءلون.. لماذا تنتج الدولة أعمالا فنية تحارب المنطق المتطرف للثأر في صعيد مصر، بينما تمارس هي وبإصرار أعنف أشكاله وبصورة جماعية؟!! وقد بدءوا بحثا معمقا في أصول أهل الحكم لمعرفة من أي النجوع هم في الصعيد الجواني، فربما وجدوا كبيرا يرتب (لقعدة عرب) لحل هذه المشكلة، بعد أن فشلت أو تجاهلت أو عرقلت كل المجالس الرسمية ابتداء من القضاء مرورا بالشورى والأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين ومجلس الشعب في حلها..!! فهل يعرف أحدكم من هو شيخ العرب في نجع صعايدة الحكم؟!! آسف لكل أبناء جلدتي من الصعايدة فأنا أعرف أن صلابة رؤوسنا لا توظف في غير الحق، ولكنني اضطررت إلى استعارة هذا التشبيه لتقريب الصورة، وأرجو أن تقبلوا أسفي.