قامت الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة ضد المقدسيين بصب الزيت على النار، ورأى فيها مقدسيون محاولات حثيثة للجم تحركاتهم الرافضة لعمليات الإذلال والعنصرية، مؤكدين أنها لن تدفعهم للاستسلام بل إلى مزيد من المواجهة. و تتخذ الأحداث في مدينة القدسالمحتلة منحى تصاعديًا نحو مزيد من المواجهة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ظل الإجراءات التعسفية المتزايدة بحق المقدسيين، في وقت "تتبخر" فيه محاولات "الرقص على الحبال" سياسياً لاحتواء الأمور. ولا تبدو الأمور متجهة للتهدئة في المدينة المقدسة ولاسيما بعد القرارات التي اتخذها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) لتصعيد الحل الأمني مع المقدسيين. وقرر الاحتلال وضع مكعبات إسمنتية على مداخل القرى العربية بالمدينة، وإجراء عمليات تفتيش للمقدسيين، ونشر وحدتين من قوات حرس الحدود داخل المدينة، وتسهيل ترخيص حمل السلاح للمستوطنين، ووضع حراسة على المناطق العامة، وتفجير منزل الشهيد عبدالرحمن الشلودي منفذ إحدى عمليات الدهس بالقدس. الصمود خيارنا ويقول الكتاب المقدسي راسم عبيدات إن حكومة الاحتلال لا تنشد التهدئة، وتريد الإجهاز على المدينة والمسجد الأقصى معتقدة أن الحالة الفلسطينية والعربية والدولية توفر لهم الفرصة لذلك. وكان من اللافت للاحتلال وجود الحلقة المقدسية موحدة بكل أطيافها، وعصية على الانكسار، وتدافع عن وجودها، لأنه لا خيار أمامها سوى الصمود والتحدي، كما يؤكد عبيدات لوكالة "صفا". ويضيف "لا أعتقد أن ما يقوم به الاحتلال سيكبح جماح المقدسيين؛ فهم يريدون أن يرحل الاحتلال ولا يستمر في إذلالهم وامتهان كرامتهم ومعتقداتهم الدينية، ولن يرفعوا الراية البيضاء لأنهم يدافعون عن وجودهم". ويرى الكاتب المقدسي أن سياسة هدم بيوت منفذي العمليات لن تجدي نفعًا، وتزيد من حدة وحنق المقدسيين على الاحتلال، وتندرج ضمن سلسلة الاجراءات التصعيدية التي تتخذها حكومة الاحتلال بحق المقدسيين. فشل التهدئة وحاولت كل من الأردن والسلطة الفلسطينية و"إسرائيل" اتخاذ سلسلة من الخطوات العملية "لتخفيض حدة التوتر وإعادة الهدوء إلى شرقي القدس بشكل عام وفي المسجد الأقصى بشكل خاص"، بحسب صحيفة هآرتس. واتفقت الأطراف بحضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وملك الأردن عبد الله الثاني عن عدم فرض قيود على عمر المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، في محاولة لنزع فتيل التوتر. وقال مصدر إسرائيلي للصحيفة إن نتنياهو شدد خلال لقاءاته في عمان على أن المطلوب "تهدئة الخواطر وإعادة الهدوء إلى سابق عهده ووقف التحريض الذي يؤدي إلى العنف"، على حد تعبيره. ويؤمن الاحتلال بأسلوب المزيد من القمع لإخماد أي ثورة أو انتفاضة قادمة في المدينة المقدسة، كما يرى رئيس الهيئة القدسية لمناهضة التهويد (همة) ناصر الهدمي، لكنه يقول: "إن الاحتلال غبي ولا يتعلم من تجارب التاريخ؛ فسياسية تكسير العظام لم توقف الانتفاضة الأولى". ويضيف لوكالة "صفا" "ما أجهض الانتفاضة الأولى و الثانية هي الحلول السياسية، أما الآن فلا أفق للحل السياسي". المواقف الرسمية وما ينفع المقدسيين، وفق الهدمي، عدم وجود قيادة للسيطرة على تصرفاتهم وتحركاتهم، مشيرًا إلى أن كل العمليات الفدائية التي وقعت في المدينة المقدسة "مبادرات فردية تنم عن أشخاص عاشوا المحنة". ويرى رئيس "همة" أن إدانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعملية القدس "خيانة للشعب الفلسطيني والقدس والمسجد الأقصى"؛ "فالرئيس غير موجود عندما يقتل شعبنا وتنتهك حراماته، لكنه موجود ويدين عملية الكنيس". ولا يعول المقدسيون على المواقف الرسمية العربية في الدفاع عنهم، لكنهم يعقدون الأمل على صحوة الشعوب العربية من غلفتها لتعرف أن المعركة الحقيقية هي معركة المسجد الأقصى، وفق الهدمي. وقتل نحو تسعة إسرائيليين خلال عمليات فدائية عديدة نفذها مقدسيون دهسًا وطعنًا وبإطلاق النار خلال أربعة أشهر، كما تعرّض المتطرف الإسرائيلي يهودا غليك لمحاولة اغتيال أصيب على إثرها بجروح حرجة.