أوضحنا مرارا من قبل، أن الموجة الثانية من الثورة معرضة للخطر؛ لأنها تدور حول محور (العسكر - الإخوان). وإذا كان العسكر مشروعهم واضحًا، باعتبارهم امتدادا لنظام مبارك؛ إلا أن الإخوان عجزوا عن قيادة الشعب إلى مشروع بديل حضارى إسلامى منذ يناير 2011، وحتى الآن. ورغم أننا لا نزال نشاركهم نفس الزنازين والسجون والعذابات؛ لأننا اتفقنا معهم على رفض الانقلاب. رغم ذلك يتأكد لنا كل يوم أن قيادة الإخوان لم تتغير قيد أنملة، وأنها لم تُراجع تجربتها القصيرة الفاشلة فى الحكم؛ والأسباب الحقيقية لهذا الفشل, وأنهم فى واقع الأمر يستهدفون استمرار حالة التأزم السياسى لمجرد العودة إلى (29 يونيو 2013)، أى العودة للحكم بنفس المواقف والسياسات. ونحن - على خلاف باقى المختلفين مع الإخوان- نختلف معهم أساسا فى موقفهم من أمريكا، والغرب، وكامب ديفيد، والعلاقات مع إسرائيل؛ ونرى أن خطأهم الجسيم، أنهم قبلوا الوصول للحكم بناء على اتفاق وتفاهمات مركبة مع العسكر والأمريكان على أمل أن يتمكنوا من السلطة تدريجيا. وقد أدى ذلك إلى تمييع التوجهات الوطنية والإسلامية، وفقدان الرابطة الأساسية مع الشعب صاحب الثورة وصاحب البلد. ولم تكن فكرة الثورة متأصلة عند الإخوان، فلما اندلعت الثورة، وشاركوا فيها ظلت تغلب عليهم أساليب التفاهم والحلول الوسط مع العسكر, وكان هذا هو السبب الرئيسى لإعلانهم أنهم لن يترشحوا للرئاسة ولن يرشحوا أكثر من 40% من مواقع مجلس الشعب، بل كان الأمريكان طرفا فى هذا التفاهم, ولم يغير الإخوان موقفهم من الرئاسة إلا بعد الخديعة التى تعرضوا لها بحل مجلس الشعب. أما على الصعيد الدولى، فإن الأمريكان لم يضغطوا على العسكر لترك مرسى يستلم الحكم إلا بعد تأكدهم بالتزام الإخوان بكامب ديفيد، وكافة العلاقات مع إسرائيل؛ والحقيقة فقد كان هذا اعترافا صريحا من الإخوان بإسرائيل. كذلك تأكد الأمريكان من التزام الإخوان بكافة الالتزامات بالمصالح الأمريكية, وهذا ما حدث بالفعل طوال فترة حكم الرئيس مرسى، كالتعاون العسكر،ى والاتفاقيات البترولية. كذلك التزام الإخوان مع الأمريكان بأشياء غامضة، كحقوق المرأة والنصارى؛ أى بدون تحديد المقصود بها. وكانت من الأمور العجيبة أن الرئيس مرسى يستخدم تعبير "تمكين المرأة" مرارا للتأكيد على هذا الالتزام دون توضيح وتأكيد أن الإسلام هو الذى أعطى المرأة والنصارى حقوقهما كاملة, وترك الموضوع هلاميا بين الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية. إسرائيل كانت ترى أن هذا نوع من التلاعب, وأن الإخوان يجب أن يعلنوا موقفهم بصراحة أكبر فى التعاون مع إسرائيل. فرغم استمرار التطبيع الاقتصادى عمليا فى عهد مرسى (الكويز - التعاون الزراعى - السياحة.. إلخ)، إلا أن إسرائيل كانت تريد علاقات سياسية صريحة. النفوذ الصهيونى فى أمريكا تمكن من إقناع الإدارة الأمريكية أن صفقة ترك الإخوان يحكمون مصر على أمل استئناسهم خطيرة وغير مجدية؛ خاصة مع علاقاتهم بحماس. ومع الحشد الجماهيرى المعادى للإخوان بقيادة قوى علمانية وكنسية زادت الحماسة الأمريكية للموقف الإسرائيلى، وأعطت الضوء الأخضر للانقلاب. ولكن كانت أمريكا - ولا تزال - تستهدف إزاحة الإخوان عن سدة الحكم الرئاسى, ولكنها تفضل استمرار الإخوان كأحد مكونات الحكم على مستوى الوزارات ومجلس الشعب, وقد أبلغوا مرارا بذلك (نفس تجربة المغرب الحالية). أمريكا ترى فى ذلك مدعاة لاستقرار الحكم التابع لها، ولكن بشرط أن يكون العسكر فى المركز الأول، والإخوان وغيرهم فى المركز الثانى، وقد رفض الإخوان - ولا يزالوا - هذه الرؤية، ويرون أنهم من حقهم أن يعودوا لسدة الرئاسة, وأن يظل هذا من حقهم، ولكنهم لا يكفوا عن مواصلة الاتصالات بأمريكا والغرب؛ لإقناعهم بوجهة نظرهم، بينما يجب أن يدركوا أن إقامة دولة إسلامية حقيقية فى مصر لن تتحقق إلا بالصدام الصريح والمباشر مع نفوذ الأمريكان فى البلاد، وحشد طاقات الشعب المصرى كلها من أجل تحقيق حلم عودة مصر المستقلة. (يتبع).