مازالت أحداث غزة تروى لنا العديد من المآسى التى تعرض لها أهلها بعد العدوان الصهيونى الغاشم على القطاع؛ امرأة تستغيث تحت الأنقاض، فيخذلها الواقع، وشيخ يحاول إنقاذَ طفلٍ، فيعترضه الموت، وعائلة لم ينجُ منها من يروى قصة رحيلها، وجثث متناثرة فى الأزقة والشوارع. تلك شهادات بعض الناجين من مجزرة "الشجاعية"، التى تقشعر منها الجلود، ويشيب لهولها الولدان. مضى أكثر من أسبوعين على مجزرة حى الشجاعية بغزة، ولكن مشاهدها المروعة لم تغادر بعد مخيلة الناجين منها ممن كانوا شهودًا على بشاعة القتل فى المنازل، والشوارع، والأزقة، والحارات. ويختزن الناجون فى ذاكرتهم الكثير من المشاهد والتفاصيل التى لم تستطع وسائل الإعلام الوصول إليها، أو حصرها، ولا حتى الإطلال عليها، فهول المفاجأة أصاب الجميع بالذهول، وانتشار الجثث على مساحة أكثر من ثلاثة آلاف متر مربع كان صادمًا ومخيفًا. فإلقاء ستمائة قذيفة مدفعية - بحسب اعتراف جيش الاحتلال الإسرائيلى- خلال ساعة واحدة فقط على الحى المكتظ، قتل أكثر من 150 فلسطينيًّا وجرح أكثر من 1500 آخرين. يقول المختار سلمان عياد: "إن 11 فردًا من عائلته - معظمهم من النساء- استشهدوا على مرأى عينيه". ويضيف أن ما حدث لا يتخيله العقل، فعلى مدار ساعة واحدة صباح العشرين من يوليو الماضى تعرض سكان الحى لقصفٍ عنيفٍ ومفاجئ، واختلطت شظايا القذائف وصواريخ الطائرات بركام المنازل. انتظار الموت هذا الوضع لم يترك للسكان سوى انتظار الموت فى المنازل أو الخروج لملاقاته فى الشوارع. ويروى سلمان: "إنه ما إن هدأت أصوات الانفجارات، حتى خرج الناس مذعورين باتجاه قلب مدينة غزة، تاركين شهداءهم وجرحاهم فى الشوارع وتحت الركام". وإذا كان الحظ فى الحياة قد حالف مختار عياد فى حى الشجاعية، فإن الموت كان من نصيب يوسف حبيب مختار آل حبيب، فسقط شهيدا إلى جانب من تدخل لنجدتهم من المواطنين وطواقم رجال الإسعاف ممن قدموا لانتشال الجرحى. يقول ابن يوسف حبيب: "إن والده لم يَحتمل مشهد تساقط النساء والأطفال، فترك أفراد أسرته وأخذ ينتشل الجرحى ويبعدهم عن مرمى القذائف، لكن الشظايا المتناثرة أردته قتيلا، إلى جانب 15 من النساء والأطفال الذين سقطوا فى المكان ذاته". أما محمد الحلو - من سكان شمال شرق الشجاعية- فلا زال يتحسر على عجزه عن إنقاذ الناجية الوحيدة من بين أفراد عائلة ابن عمه جلال المكونة من 13 فردًا. وقد أبيدت عائلة جلال الحلو جميعها، وظلت جثث أفرادها تحت الركام لأكثر من خمسة أيام. ويضيف أنه هب مع جيرانه بعد تعرض المنزل المكون من ثلاثة طوابق للقصف، فوجد ابنة عمه لا زالت على قيد الحياة، وما إن بدأوا برفع الركام عنها، حتى عادت الطائرات؛ لتلقى بحمم قذائفها ففروا مفزوعين. استنجاد وعجز ويقول محمد الحلو إن قلبه يحترق كلما تذكر أنه فشل فى إنقاذ الناجية الوحيدة من عائلة ابن عمه. وأردف قائلا: "من الصعب تخيل أن يستنجد بك أحد من تحت الأنقاض، وأنت لا تستطيع أن تفعل له شيئا". وأضاف "لم نكن نرى الناجية الوحيدة من المجزرة، ولكن كنا نسمع صوتها لدرجة أنها كانت تستغيث وتقول: "أنتم خمسون، ألستم قادرين على تخليصى؟ أسقونى ماءً". ويضيف "لم نكن نراها حتى نسقيها الماء، وكان قدرها أن خرجت فى اليوم التالى، ولكنها فارقت الحياة فور وصولها المستشفى". وإلى جانب ما ارتكبته من فظائع ومجازر بحق البشر، فإن لإسرائيل أيضا ثأرا مع الحجر، حيث تعمدت تسوية بيوت السكان بالأرض. ويقول أبو وليد حبيب: "إن الاحتلال دمّر منزله المكون من ثلاثة طوابق، ويضيف إنه صُدِمَ عندما لم يجد أىَّ أثرٍ لمنازلِ عددٍ من جيرانهِ. ويروى: "إن الخرسانة والحديد فى بيت جاره انصهرا وتحولا إلى تراب، مما يعنى أن الاحتلال استخدم أسلحة ومتفجرات غير تقليدية فى قصفه المنازل". المصدر: الجزيرة