وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    البيئة: 300 مليون يورو استثمارات التوافق البيئي في الصناعة    رجل الظل| «القاتل السياسي».. اختيار كوشنر المُلهم طريق ترامب نحو رئاسة أمريكا    لليوم الثاني على التوالي.. غارة إسرائيلية تستهدف منطقة حدودية بين لبنان وسوريا    اليوم.. قطار البريميرليج يصل لخط النهاية    مدير صندوق مكافحة وعلاج الادمان: مقراتنا بالجامعات تقدم التوعية للطلاب طوال العام    إصابة 3 طلاب إعدادية في مشاجرة داخل فناء مدرسة بالمنيا    6 عروض مجانية بإقليم القناة وسيناء الثقافى    عبير صبري تهنئ ريم سامي بمناسبة حفل زفافها    وزير الصحة يؤكد اهتمام القيادة السياسية بوضع استراتيجية متكاملة لتطوير التمريض    مباشر الدوري الألماني - فرانكفورت (0)-(0) لايبزيج.. بداية المباراة    الكل متفائل.. توقعات الجماهير لمباراة الأهلي و الترجي التونسي.. فيديو    وزير التعليم: بذل كافة الجهود لدعم التمكين الحقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة    مدبولي: مصر ستكون مركزا إقليميا لتصنيع الأجهزة المنزلية الفترة المقبلة    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    سائقو الشاحنات في أوكرانيا ينظمون احتجاجا ضخما اعتراضا على قانون التعبئة الجديد    خبير يوضح أسباب الانقسامات التي تضرب مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    الصحة العالمية تحذر من الملح: يسبب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    هل تستطيع إسرائيل عرقلة عمل محكمة العدل الدولية؟.. أستاذ قانون يرد    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيديو..قصة وفكرة - الإنجازات الحضارية - سليمان القانوني
نشر في الشعب يوم 05 - 08 - 2014

في الوقت الذي يحاول فيه بعض الناس أن يقلل من الدولة العثمانية والخلافة العثمانية ويقولوا أنه كان إحتلال عثماني على مصر والدول التي بجانبها ننشر نقاط مضيئة لهذه الفتوحات والدولة القوية التي نشرت الاسلام في ربوع العالم.
وظهرت الأمجاد أكثر في عهدها الأول حيث فتحوا القسطنطينية وصدوا الحملات الصليبية وفتحوا شرق أوربا وتفننوا في العمارة الإسلامية وغيرها من الأمجاد
وكثير من هذه الامجاد تحققت في عهد السلطان سليمان القانوني الذي لا يعرف الناس إلا التاريخ المشوه عنه
ومن أعظم إنجازاته التشريعات التي جعلت لقبه القانوني
واستمرار للحلقات التي يقدمها د. طارق سويدان والتي نستعرضها من خلال موقعنا نقدم اليوم قصة السلطان سليمان القانوني
نحن الآن في القرن الأخير من الألفية الهجرية الأولى
حيث الدولة هي الدولة العثمانية
والسلطان هو الخليفة سليمان القانوني.
هو سليمان القانوني ابن سليم، ويُعرف في الغرب بسليمان العظيم،
وهو أحد أشهر السلاطين العثمانيين، حكم مدَّة 46 عامًا؛ منذ عام 926ه، وبذلك يكون صاحب أطول فترة حُكْم بين السلاطين العثمانيين.
والده السلطان سليم الأول، ،
وُلِدَ سليمان القانوني في طرابزون عام (900ه= 1495م) أي بعد سقوط الأندلس بثلاث سنين،
وقد كان والده آنذاك واليًا عليها،
واهتمَّ به والده اهتمامًا عظيمًا؛ فنشأ محبًّا للعلم والأدب والعلماء والأدباء والفقهاء، واشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار.
تولَّى السلطان سليمان القانوني الخلافة بعد موت والده السلطان سليم الأول في 926ه= 1520م وعمره 26 سنة،
وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها،
وكان يستهلُّ خطاباته بالآية الكريمة: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30]،
وقد كانت الأعمال التي أنجزها السلطان في فترة حكمه كثيرة وذات شأن في حياة الدولة.
ففي الفترة الأولى من حكمه نجح في بسط هيبة الدولة، والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سنِّ السلطان - فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم،
لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القويَّة التي لا تلين، فقضى على تمرُّد الغزالي في الشام، وأحمد باشا في مصر، و جلبي في منطقتي قونية ومرعش؛.
تعدَّدت ميادين القتال التي تحرَّكت فيها الدولة العثمانية لبسط نفوذها في عهد سليمان؛
فشملت أوربا وآسيا وإفريقيا؛
فاستولى على بلجراد سنة 927ه= 1521م، وضمَّ إلى دولته أجزاءً من المجر بما فيها عاصمتها بودابست، وجعلها ولاية عثمانية.
وفي آسيا قام السلطان سليمان بثلاث حملات كبرى ضد الدولة الصفوية
والتي تبنت المذهب الشيعي بتطرف وأسست له في إيران فكانت آثار هذا التطرف إلى اليوم؛
ابتدأت من سنة (941ه= 1534م)، وهي الحملة الأولى التي نجحت في ضمِّ العراق إلى سيطرة الدولة العثمانية،
وفي الحملة الثانية سنة (955ه= 1548م) أُضيف إلى أملاك الدولة تبريز، وقلعتا: وان وأريوان،
وأمَّا الحملة الثالثة فقد كانت سنة (962ه= 1555م) وأجبرت الشاه طهماسب على الصُّلح وأحقية العثمانيين في كلّ من أريوان وتبريز وشرق الأناضول.
كما واجه العثمانيون في عهده نفوذَ البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي منتشرين من عمان التي كانوا قد احتلوها ،
فاستولى أويس باشا والي اليمن على قلعة تعز سنة (953ه= 1546م)،
ودخلت في عهده عُمَان والأحساء وقطر ضمن نفوذ الخلافة العثمانية،
وأدَّت هذه السياسية إلى الحدِّ من نفوذ البرتغاليين في مياه الشرق الأوسط.
وفي إفريقيا دخلت ليبيا، والقسم الأعظم من تونس، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال ضمن نفوذ الخلافة العثمانية.
كانت البحرية العثمانية قد نمت نموًّا كبيرًا منذ أيام السلطان بايزيد الثاني،
وأصبحت مسئولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة،
وفي عهد سليمان ازدادت قوَّة البحرية على نحو لم تشهده من قبل؛ وذلك بانضمام «خير الدين بربروس»، وكان يقود أسطولاً قويًّا يُهاجم به سواحل إسبانيا والسفن الصليبية في البحر المتوسط، .
وقد قام خير الدين بفضل المساعدات التي كان يتلقَّاها من السلطان سليمان القانوني بضرب السواحل الإسبانية،
وإنقاذ آلاف من المسلمين في إسبانيا الذين كانوا يتعرضون للإبادة على يد محاكم التفتيش النصرانية بعد سقوط الأندلس؛
فقام في سنة (935ه= 1529م) بسبع رحلات إلى السواحل الإسبانية لنقل سبعين ألف مسلم من قبضة الحكومة الإسبانية وتم نقلهم إلى المغرب العربي
وقد أوكل السلطان إلى خير الدين بربروس قيادة الحملات البحرية في غرب البحر المتوسط، وحاولت إسبانيا أن تقضي على أسطوله؛ لكنها كانت تُخفق في كل مرَّة وتتكبَّد خسائر فادحة، ولعلَّ أقسى هزائمها كانت معركة بروزة سنة (945ه= 1538م).
وقد انضمَّ أسطول خير الدين إلى الأسطول الفرنسي في حربه مع إيطاليا (حيث كان هناك حلف عسكري بين فرنسا والعثمانيين ضد أعدائهما المشتركين) ،
وساعد الفرنسيين في استعادة مدينة نيس (950ه= 1543م)؛ وهذا ما أدَّى إلى تنازل فرنسا عن ميناء طولون الفرنسي برضاها للإدارة العثمانية، وتحوَّل الميناء الحربي لفرنسا إلى قاعدة حربية إسلامية للدولة العثمانية في غرب البحر الموسط.
هذا كان الجانب العسكري من عهد سليمان القانوني،
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا له ذوق فني رفيع، وخطَّاطًا يُجيد الكتابة،
ومُلمًّا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد،
فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى؛ فشيَّد المعاقل والحصون في رودس وبلجراد ا،
وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتَّى أنحاء الدولة، وبخاصة في دمشق ومكَّة وبغداد، بالإضافة إلى ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة والعمارة تختلف عن باقي جوانب الحضارة في أمرين وهما بروزها فهي واضحة لا تحتاج إلى بحث وخلودها على مر الزمان ، ولا حرج من الإنفاق الواسع عليها فهي تخدم المسلمين وتريحهم وتظهر كذلك عزتهم وحضارتهم ، كما أنه لا مانع من الفخامة فيها بشرط أن تكون بعد تلبية حاجات الناس وعدم فقرهم وشعارنا في ذلك كله : البشر قبل الحجر
وظهر في عصره أشهر المهندسين المعماريين في التاريخ الإسلامي؛
كالمهندس سنان باشا؛ الذي اشترك في الحملات العثمانية، واطَّلع على كثير من الطرز المعمارية؛ حتى استقام له أسلوب خاص، ويُعَدُّ مسجد سليمان القانوني أو جامع السليمانية في إسطنبول -الذي بناه للسلطان سليمان في سنة (964ه= 1557م)- من أشهر الأعمال المعمارية في التاريخ الإسلامي.
وفي عهده وصل فنُّ المنمنمات (أي الرسوم) العثمانية إلى أوجه ازدهارها،
ولمع في هذا العصر عدد من الخطَّاطين العظام؛ يأتي في مُقَدِّمتهم حسن أفندي جلبي ؛ الذي كتب خطوط جامع السليمانية، وأستاذه أحمد بن قره حصاري، وله مصحف بخطِّه، وهو يُعَدُّ من روائع الخطِّ العربي والفنِّ الرفيع والخط رمز استبدلت فيه الحضارة الإسلامية التعبير عن الذوق والجمال بدل ذوات الأرواح من الرسوم والتماثيل والتي يحرمها معظم العلماء
واهتم الخليفة سُلَيْمَاْن القَانُوْنِيّ بتوسعة هامَّة في بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ومهّد السُّلطان سُلَيْمَاْن القَانُوْنِيّ دَرْبَ الحجِّ الشامي الذي سَلَكَهُ خَطُّ سِكك حديد الحجاز في ما بعد في عهد عبد الحميد الثاني،
وقامت السلطانة خُرم خاتون زوجة السلطان سليمان بإيصال مياه عين زبيدة إلى مكة المكرمة حيث أكملت ما بدأته السيدة زبيدة زَوْج أمير المؤمنين هارون الرشيد، والعبادة كانت مصدرا لتحريك الحضارة
وظهر في عهد السلطان سليمان عدد من العلماء في مقدمتهم: أبو السعود أفندي؛ صاحب التفسير المعروف باسم: «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» وهذه الإضافات العلمية هي الركن الثاني الخالد للحضارة جنبا إلى جنب مع العمران
كما بنى السُّلطان سُلَيْمَاْن القَانُوْنِيّ قد بنى مكتبة السُّلَيْمَانِيَّة)،
ووضع نواتها الأولى حيث أوقف عدداً من المخطوطات على العلماء وطَلَبَةِ العِلم، وثبّت صفات قَيِّم المكتبة وطُرُق الاستفادة والإعارة، ومازالت مخطوطات جامع ومدارس ومكتبة السُّلَيْمَانِيَّة الأمّ محفوظة في خزانة السُّلَيْمَانِيَّة الخاصّة التي نُقدّم فهرسها للباحثين ،
لكن الذي اشتهر به السلطان سليمان القانوني واقترن باسمه
هو وضعه للقوانين التي تُنَظِّم الحياة في دولته الكبيرة؛
هذه القوانين وضعها مع شيخ الإسلام أبو السعود أفندي، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، وحرص على أن تَتَّفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية، وقد ظلَّت هذه القوانين -التي عُرفت باسم «قانون نامه سلطان سليمان»؛ أي دستور السلطان سليمان- تُطَبَّق حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري الموافق التاسع عشر الميلادي.
السبب الأهم لإطلاق لقب القانوني على السلطان سليمان
يعود إلى قيامه بتدوين القوانين التي وضعت في عهد السلطان محمد الفاتح وفي عهد بايزيد الثاني وفي عهد السلطان سليم،
ومع أن هذه القوانين كانت مدونة في السابق، إلا أن السلطان سليمان كان أفضل من قام بتحريرها،
لذا نرى أن القوانين التي قام بوضعها وتدوينها ضمن "القوانين العثمانية" التي ، وشمل أكثر من مائتي قانونا منظما وتحويل الشريعة إلى أحكام قانونية واضحة التطبيق أمر أساسي لبناء الحضارة الإسلامية الحديثة
والسلطان سليمان القانوني لم يضع قوانين فيها مخالفة واضحة للشريعة الإسلامية،
كل ما فعله أنه حول الأحكام الشرعية إلى قوانين للمحاكم استنادا إلى فتاوى كبار الفقهاء وعلى رأسهم شيخ الإسلام أبو السعود أفندي، فكما هو معلوم ففي الإسلام هناك قول راجح وقول مرجوح،
وقد اختار السلطان سليمان في بعض المواضيع واستنادا إلى قناعة علماء كبار ورأيهم، من أمثال أبي السعود أفندي، بعض الأقوال المرجوحة التي رآها أقرب للمصلحة حسب شروط وظروف عصره والقاعدة هنا أن (حكم الحاكم يرفع الخلاف) ، فإذا كانت هذه القوانين لا تتعارض مع جوهر الشريعة الإسلامية
فما هو الضرر من الاستفادة منها وهي تخدم الصالح العام. وقد ظلَّت هذه القوانين -التي عُرفت باسم «قانون نامه سلطان سليمان»؛ أي دستور السلطان سليمان- تُطَبَّق حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري الموافق التاسع عشر الميلادي ونحن ما زلنا اليوم بحاجة لسن دستور متفق عليه للدولة يتوافق مع الشريعة رغم تعدد المحاولات والاجتهادات
ولم يُطلق الشعبُ على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين؛
وإنَّما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة؛ ولهذا يعدُّ العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوربيون على سليمان في عصره -مثل: الكبير، والعظيم- قليلة الأهمية والأثر إذا ما قُورنت بلقب «القانوني»، الذي يُمَثِّل العدالة..
ولم يكن عهد سليمان القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع، وإنما هو العهد الذي تمَّت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري والإدارة ركن أساسي للحضارة حيث لا يوجد مجال في الحياة إلا ويعتمد على الإدارة
كان ذا مقدرة كبيرة على التنظيم والتشريع. وكان ورعًا، يستدل على هذا من نسخ القرآن الثماني التي نسخها بنفسه، وهي محفوظة بمسجد السليمانية بإسلامبول
القوانين التي قام بوضعها وتدوينها شكلت ثلاثة مجلدات ضمن "القوانين العثمانية" التي قام بنشرها والمؤلفة من "12" مجلدا، وشمل أكثر من مائتي قانونا منظما.
قضى السلطان سليمان القانوني ستة وأربعين عامًا على قمَّة السلطة في دولة الخلافة العثمانية، وبلغت في أثنائها الدولة قمَّة درجات القوَّة والسلطان؛
حيث اتسعت أرجاؤها على نحوٍ لم تشهده من قبلُ، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث،
كانت في عهد السلطان سليم الأول كانت مساحة الدولة العثمانية 6,5 مليون كم مربع واتسعت في عهد السلطان سليمان القانوني لتصبح 15 مليون كم مربع !!
وامتدَّت هيبتُها فشملت العالم كلَّه ، وصارت سيدة العالم؛ تخطبُ ودَّهَا الدول والممالك،
وارتقت فيها النظم والقوانين التي تُسَيِّرُ الحياة في دقَّة ونظام، دون أن تُخالف الشريعة الإسلامية التي حرص آل عثمان على احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم، وارتقت فيها الفنون والآداب، وازدهرت العمارة والبناء.
لم يترك السلطان سليمان القانوني الجهاد قط، وفي أواخر أيام السلطان سليمان أصابه مرض النِّقْرِس،
فكان لا يستطيع ركوب الخيل؛ ولكنه كان يتحامل –رحمه الله- إظهارًا للقوَّة أمام أعدائه،
وقد بلغ السلطان سليمان القانوني من العمر 74 عامًا، ومع ذلك عندما علم بأن ملك الهايسبرج أغار على ثغر من ثغور المسلمين؛
قام السلطان سليمان القانوني للجهاد من فوره،
ومع أنه كان يتألَّم من شدَّة المرض، فإنَّه قاد الجيش بنفسه، وخرج على رأس جيش عرمرم في (9 من شوال 973ه= 29 من أبريل 1566م)، ووصل إلى مدينة سيكتوار المجرية،
وكانت من أعظم ما شيَّده المسيحيون من القلاع، وكانت مشحونة بالبارود والمدافع، وكان قبل خروجه للجهاد نصحه الطبيب الخاص بعدم الخروج لعلَّة النِّقْرِس التي به.
فكان جواب السلطان سليمان الذي خلده له التاريخ: «أحب أن أموت غازيًا في سبيل الله».
كان السلطان قد بلغ 73 عاما ، وكان يملك تحت قبضته نصف الدنيا، وملوك الأرض طوع بنانه، وكان بإمكانه التمتُّع بحياة القصور، ، ومع ذلك أبى إلَّا أن يخرج غازيًا في سبيل الله.
وخرج بالفعل على رأس جيشه، وما كان يستطيع أن يمتطي جواده؛ لازدياد علَّة النِّقْرِس عليه، فكان يُحْمَل في عربة؛ حتى وصل إلى أسوار مدينة سيكتوار، وابتدأ في حصارها، وفي أقلَّ من أسبوعين احتلَّ معاقلها الأمامية، وبدأ القتال واشتدَّ النزال، وكان أصعب قتال واجهه المسلمون؛ لمتانة الأسوار، وضراوة المسيحيين في الدفاع عن حصنهم.
واستمرَّ القتال والحصار قرابة 5 شهور كاملة،
وما ازداد أمر الفتح إلَّا صعوبة،
وازداد همُّ المسلمين لصعوبة الفتح، وهنا اشتدَّ مرض السلطان، وشعر بدنوِّ الأجل، فأخذ يتضرَّع إلى الله تعالى، وكان من جملة ما قاله: «يا رب العالمين؛ افتح على عبادك المسلمين، وانصرهم، وأضرم النار على الكفار».
فاستجاب الله دعاء السلطان سليمان،
فأصاب أحدُ مدافع المسلمين خزانة البارود في الحصن، فكان انفجارًا مهولًا، فأخذت جانبًا كبيرًا من القلعة فرفعته إلى عنان السماء، وهجم المسلمون على القلعة، وفُتحت القلعة، ورُفعت الراية السليمانية على أعلى مكان من القلعة.
وعند وصول خبر الفتح للسلطان فرِح، وحمد الله على هذه النعمة العظيمة، وقال: «الآن طاب الموت، ». وتخرج روحه إلى بارئها، - في (20 من صفر 974ه= 5 من سبتمبر 1566م).
عندما علم المسلمون خبر وفاة السلطان سليمان القانوني، حزنوا أشدَّ الحزن..
بينما على الجانب الأوربي فما فرح النصارى بموت أحدٍ بعد بايزيد الأول ومحمد الفاتح كفرحهم بموت السلطان سليمان المجاهد ، وجعلوا يوم وفاته عيدًا من أعيادهم، ودَقَّت أجراس الكنائس فرحًا بموته
وأثناء التشييع وجدوا أنه قد أوصى بوضع صندوق معه في القبر فتحير العلماء وظنوا أنه مليء بالمال فلم يجيزوا إتلافه تحت التراب، فقرروا فتحه.،فأخذتهم الدهشة عندما رأوا أن الصندوق ممتلئ بفُتْياهم فراح الشيخ أبو السعود يبكي قائلاً: لقد أنقذت نفسك يا سليمان، فأي سماء تظلنا وأي أرض تقلنا إن كنا مخطئين في فُتْيانا
هل اكتفى السلطان بالمجد العسكري فقط بل جمع له مجدا آخر حتى سمي بالقانوني فكان سلطان المثقفين ومثقف السلاطين كما قالوا عنه!!
أين هذا المجد والصورة البهية الرائعة من المسلسل الذي شوه صورة السلطان وأظهره بأنه كان مجرد زير نساء ومحبًّ لشرب الخمر.
إن الهدف من تشويه البطولة بهذا الشكل هو تحطيم النماذج الإنسانية القيادية التي تركت بصمتها في التاريخ،
لتحطيم معنويات الأمة الإسلامية بتشويه تلك النماذج وتسفيهها وقتل التقدير لها في النفوس والعقول،
من خلال دس قصص الغرام الوهمية تماما مثلما فعل جورجي زيدان في روايات تاريخ الإسلام.
"عندما أموت أخرجوا يدي من التابوت لكي يرى الناس أنه حتى السلطان خرج من هذه الدنيا بيد فارغة“ السلطان سليمان القانوني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.