الحياة صراع بين الحق والباطل، الخير والشر، الإيمان والكفر، يقول الحق تعالى: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا"[ البقرة:217]، وقوة الدفع بين الحق والباطل ستظل مشتعلة إلى يوم الدين، قال تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" [ البقرة: 151]، ** والسبيل لإنقاذ الأمة الإسلامية مدجج بالعراقيل والمعوقات المدبرة من أعداء الأمة، والمسلمون المعاصرون مكبلون بالأغلال من كل جانب؛ يعانون من مشاكل ومخاوف وقلق وانزواء وتجنب المواجهة، هروبًا بأنفسهم؛ يطلبون الأمان؛ وذلك بسبب عدم يقينهم من نتائج يرضونها إذا ما قرروا التصدي للظلم والعدوان الذي يتعرضون له هم وأوطانهم.. ولن يتحرر المسلمون من مخاوفهم إلا بإسلام حقيقي راسخ في وجدانهم، يستشعرون به قوة الله وقدرته التي هي أكبر من قوة وقدرة أية قوة على الأرض مهما بلغت من شر وبطش، ويستشعرون أن أي نتائج تترتب على مواجهة الباطل هي بالضرورة لصالحهم؛ لأنها بتقدير من الله الحكيم القدير الذي لا يدبر لهم إلا ما فيه الخير.. ** وإنقاذ الأمة الإسلامية مرهونٌ بتحقيق ونجاح أربع ضروريات في غاية الأهمية: 1- ضرورة تحرر الإنسان المسلم من سائر أشكال الخوف. 2- ضرورة التمسك بجوهر وشمولية الإسلام. 3- ضرورة عودة فريضتي (الاجتهاد، والجهاد) التي غيَّبها وعطَّلها الحكام 4- ضرورة تحقيق التعاون والوحدة الإسلامية العالمية، وليس الوحدة العربية؛ لأن الوحدة العربية ميؤوس منها في الوقت الراهن!! ** وهذه الضروريات الأربع هي أول أركان الصحوة الإسلامية المنشودة، التي تبدأ بتحرر الإنسان المسلم من سائر أشكال الخوف؛ وهذا لن يتحقق إلا بالخوف من الله أولاً؛ فالخوف من الله يُحرِّر الإنسان من سائر أشكال الخوف الأخرى، ويجعلها هزيلة أمام الخوف من الله ورهبته، قال تعالى: " فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " [البقرة: 38]. فالتقوى تُشعر الإنسان بطمأنينة يُلقيها الله في صدره فلا يخاف الفقر ولا يخاف السلطان ولا يخاف العدو ولا يخاف سوى الله الذي يمنحه القوة، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم – كان يتعوَّذ من العجز والكسل والجبن والهرم و فتنة الحياة والممات.. ولا شك أن السبيل لإنقاذ الأمة يبدأ بنفض تلال الخوف والجُبن والعجز عن كاهل المسلمين الذين يشكلون الآن خُمس العالم، ** ثانيًا: كما أن التمسك (بجوهر وشمولية الإسلام) ضرورة يتغافل عنها كثير من المسلمين وسط دوامات التضليل الإعلامي، ودوامات فوضى الفتاوى الدينية المضللة، ودوامات العولمة الساحقة لثقافة وهوية الأمة .. لابد أن ينتبه المسلم المعاصر لضرورة (شمولية الإسلام) فهو منظومة شاملة كاملة لا تتجزأ، قال تعالى:{ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض }[ البقرة:85] ** ثالثًا: ضرورة عودة فريضتي (الاجتهاد، والجهاد) التي غيبها وعطلها الحكام، يقول العالم والمربي الجليل أبو حسن الندوي: "إن الزعامة الإسلامية تقتضي صفات دقيقة وواسعة جدًّا نستطيع أن نجمعها في كلمتين: (الاجتهاد، والجهاد) ورأينا كيف تعطل (الاجتهاد) بسبب الحصار السياسي الذي فُرض عليه منذ أن بدأ الانفصال التدريجي بين النظام السياسي الإسلامي، والنظام السياسي الثقافي العربي .. وإذا كان( الاجتهاد )قد تعطل أو حوصر في فترة مبكرة من التاريخ الإسلامي؛ إلا أن روح( الجهاد ) ظلت موجودة في مختلف العصور، وإن كانت تختلف في أهدافها واتجاهاتها حسب قوة ورغبة الحكام، وما أن بدأ الغرب غزوته المعاصرة للعالمين العربي والإسلامي حتى تعطل الجهاد إلى درجة مذهلة؛ حتى أن مفهوم الجهاد قد استبدل بمصطلحات غربية كالنضال والمقاومة، وليس ذلك إلا تراجعًا وخضوعًا للأيديولوجية الغربية سواء لدى الاتجاهات الفكرية العربية، أو لدى الأنظمة السياسية الحاكمة "؛ فهذه العقيدة الغربية (الصهيو– صليبية) ترفض الجهاد في روحه العميقة؛ لأن بعث مفهوم الجهاد هو بعث لروح الإسلام الذي يهدد هذه الأنظمة السياسية، والخوف من روح الجهاد وانبعاثه هي أحد أسباب الهرولة السياسية باتجاه الولاياتالمتحدة، وإسرائيل من أجل حماية الأنظمة السياسية، بل حماية وتغير النظام السياسي الثقافي العربي إلى اتجاه لا يحمل معه أي مخاطر للغرب ومصالحه ... ** وإذا كان الاجتهاد منوطًا بفئة من المسلمين تكون قادرة على الاجتهاد وشق الطريق لعودة الإسلام إلى المسلمين، بمعنى: إذا كان الاجتهاد فرض كفاية تقوم به جماعة فيسقط التكليف عن بقية المسلمين، فان ( الجهاد) فرض عين على كل مسلم وهو فريضة يومية! وعلى أصحاب(الاجتهاد) إعادة بعثه إلى الحياة الإسلامية؛ خاصة أن مفهوم الجهاد متسع ومتعدد الدرجات والصور، فهو مائة جزء كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، وأولى درجاته جهاد النفس فهو الجهاد الأكبر، أما أعظم الجهاد فهو (كلمة حق عند السلطان الجائر) لأن السلطان الجائر يُعطِّل سائر أشكال الجهاد كما هو واقعنا العربي المعاصر. ** رابعًا: السبيل لإنقاذ الأمة يتطلب ضرورة تحقيق التعاون والوحدة الإسلامية العالمية بشتى الطرق؛ فالعقلاء من كل ملة ونحلة في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصر، والتاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها هو التفرق والاختلاف، والعالم الإسلامي الآن بتفرقه وتنازعه لا يشكل أي هاجس خوف لأحد؛ لكن العالم الغربي الصهيو- صليبي يخشى أن يستيقظ المسلمون من غفلتهم، فيسارعوا إلى الأخذ بأسباب القوة، والعودة إلى الوحدة الإسلامية، وتجنبًا لذلك فإنه يحاول بكل جهد أن يقضي على أية وحدة إسلامية، لأن هذه الوحدة ستعود بنا إلى سابق عزنا وسالف مجدنا.. وبالطبع ظهور أشكال من التعاون والوحدة بين الشعوب والدول الإسلامية مرهونٌ إلى حدٍّ كبير بنضوج الصحوة الإسلامية وانتشارها وتمكنها.