span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:14px;" ظل هذا السؤال يحيرني منذ الأيام الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير ..كيف يمكن أن يبادر مواطن أو مجموعة من المواطنين لمهاجمة مظاهرة سلمية وإطلاق النار على المشاركين فيها فقط لأنهم قد يختلفون معهم سياسيا ؟. تزايدت أهمية السؤال مع مرور الوقت وارتفاع نبرة "المواطنين الشرفاء" على لسان قادة المجلس العسكري والإعلام الرسمي بعد سقوط مبارك، وظل المصطلح يشق طريقه في الرأي العام والشارع ليصبح سلاحا فاعلا في ضرب المظاهرات خاصة التي طالبت برحيل المجلس العسكري وتسليم السلطة، وأيضا تلك التي كانت تطالب بتطهير الداخلية وتحقيق أهداف الثورة من العيش إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية. span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:16px;"هوية المواطنين الشرفاء span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:14px;" جانب من إجابة هذه السؤال الصعب والمحير عن هوية المواطنين الشرفاء يقدمها لنا الفيلم الاستقصائي "المندس" والذي عرض على شاشة قناة "الجزيرة مباشر مصر" السبت 13 مايو 2014 والذي قام بتصويره ومعايشة أحداثه "مهند جلال" أحد نشطاء ثورة 25 يناير، وبعيدا عن التفاصيل الكثيرة في الفيلم وهي مهمة في رصد حالة الصراع بين الثورة والثورة المضادة، فإن "مهند جلال" استطاع أن يعلب دورا كبيرا في التخفي بين مجموعات البلطجية، أو "خلف خطوط العدو"، ليصبح واحدا منهم يرصد تحركاتهم ودورهم على مسرح الأحداث، ليقدم لنا في النهاية صورة ناطقة وموثقة تسهم في تفكيك أسطورة المواطنين الشرفاء الذين يحبون البلد ويدافعون عنه ضد شباب الثورة "الخونة" و"العملاء" كما تم توصيفهم آنذاك!. كان الظهور الأبرز "للمواطنين الشرفاء" في "موقعة الجمل 2 نوفمبر 2011 " والتي تجمعت فيها جيوش من البلطجية والمواطنين الشرفاء ليهاجموا المعتصمين في ميدان التحرير، ولقد كنت شخصيا أحد المشاركين وشهود العيان على "موقعة الجمل" منذ بدايتها وحتى نهايتها، وشاهدت عن قرب هذه المجموعات المنظمة التي هجمت على ميدان التحرير من عدة اتجاهات بدعم من رموز الحزب الوطني المنحل حينها وبعض القيادات الأمنية. تمكن البلطجية من قتل 11 من المتظاهرين وإصابة 2000 شخصا، وكانت معركة فارقة من تاريخ الثورة قام فيها الإخوان بمشاركة قوى الثورة بالتصدي لهؤلاء "الشرفاء"، ولعله من الأهمية أن نكتب الآن أن الجيش الذي هتفنا له في الشوارع "الجيش والشعب إيد واحدة"، والذي قال حينها إنه حمي الثورة، هو ذاته الذي أعطى الضوء الأخطر لمن يسمون بالمواطنين الشرفاء كي يقتلوا المعتصمين في التحرير، لكن تيار الثورة كان أكثر قدرة على الصمود والانتصار. span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:16px;"مجموعات منظمة span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:14px;" يرصد "مهند جلال" عبر كاميراته الخفية مجموعات "آسفين يا ريس" والتي ظهرت بعد أن تنحي مبارك عن السلطة، ويكشف الفيلم من خلال توثيق الأحداث المختلفة أن هذه المجموعات منظمة وليست عفوية، وأنه كان هناك من يحركها خلف الستار للقيام بدور محدد في مهاجمة الثورة وتشويه شبابها، لكن أحدا لم يتم محاكمته حتى المتهمين في "موقعة الجمل" تم تبرئتهم فيما عرف بمهرجان البراءة للجميع فيما بعد، وقد استطاعت هذه المجموعات أن تلعب دورها ببراعة، خاصة مع الاتهامات التي وجهها اللواء حسن الرويني عضو المجلس العسكري لشباب حركة السادس من أبريل في ديسمبر 2011 بأنهم عملاء ويتلقون تمويلا من الخارج. ولعله من الغريب أن يؤكد "مهند جلال" أن شخصيات من هذه المجموعات أصبحوا أعضاء في حملة المشير السيسي الانتخابية، لنرى كيف بدأت هذه المجموعات وإلى أين انتهت. بمرور الوقت ومع تعدد الوقائع التي كان فيها حضور ملحوظ للمواطنين الشرفاء يتمكن "مهند جلال" من رصد تحركات هذه المجموعات المضادة للثورة والتقاط صورا لهم في كافة الأحداث من "أحداث ماسبيرو" إلى "أحداث مجلس الوزراء" ومحمد محمود والعباسية بالطبع والتي لعب فيها المواطنين الشرفاء دورا حيويا في مهاجمة المتظاهرين وقتل بعضهم. ويكشف مهند بالوقائع والصور أن كثير من المواطنين الشرفاء الذي كانوا يرتدون الزي المدني ويقفون في ناحية الشرطة والجيش، ويهاجون المتظاهرين ويطلقون عليهم الخرطوش، ويعتدون عليهم بالسنج والأسلحة البيضاء هم أعضاء في حركة "إحنا آسفين يا ريس"، ويحددهم "مهند" بالأسماء، ولا شك أنه كانت هناك مجموعات أخرى مضادة للثورة لم يتم الكشف عن هويتها حتى الآن. والمثير للدهشة أن ظهورهم كان يتكرر في جميع الأحداث، والثابت أنهم يقومون بدور قيادة الهجوم وعمليات الاعتداء على المظاهرات بمساعدة الشرطة والجيش، وهو دور محدد وضمن إستراتيجية منظمة تم بموجبها ضرب الثورة وتشويهها ودفع شرائح من المجتمع إلى اليأس والكفر بالثورة، وإنها لن تحقق لهم ما يرغبون فيه من تغيير واقعهم الفقير أو القضاء على الفساد أو العيش بكرامة داخل الوطن. span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:16px;"ضد الثورة والإخوان span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:14px;" يفاجئنا "مهند جلال" في نهاية الفيلم بمشاهد عنف وقعت خلال مظاهرات الثلاثين من يونيو، وما بعد الانقلاب العسكري، ومشاهد وصور أخرى من الاعتداء على طالبات الأزهر وعلى مظاهرات الطلاب في جامعات القاهرة وعين شمس لنكتشف المفاجأة أن ذات الوجوه التي كانت تهاجم المظاهرات أثناء قيادة المجلس العسكري للدولة، والذين كان بعضهم أعضاء في حملة "إحنا آسفين يا ريس"، هي ذاتها تشارك في قمع مظاهرات طلاب الأزهر والمظاهرات التي تخرج بشكل دائم رفضا للانقلاب العسكري. وكأن لسان حال الكاميرا يقدم لنا بالدليل والصور معلومات مفصلة عن هذه المجموعات من " المواطنين الشرفاء" أو "بلطجية أمن الدولة" والتي هي مجموعات عابرة للزمان والمكان، يتم استدعائها وقت الحاجة. فقد تم توظيف هذه المجموعات ضد الثورة وشبابها وتم توظيفها ضد الرئيس المعزول محمد مرسي لتزيد من وتيرة الغضب والعنف في الشارع تمهيدا لتدخل الجيش، وهو ما تحدث عنه "أحمد ماهر" أحد مؤسسي حركة شباب السادس من إبريل من داخل محبسه في مقاله الذي حمل عنوان "للأسف كنتم أعلم"، ويؤكد فيه ماهر أن أحد القيادات المقربة من المجلس العسكرية تحدثت معه عن سيناريو العنف كتمهيد لتدخل الجيش ليتم في ذروة المشهد عزل مرسي وتنفيذ سيناريو الانقلاب العسكري، وهو ما تم تنفيذه. وأخير وليس آخرا يتم توظيف هذه المجموعات الآن لضرب الإخوان وكل من يعارض السلطة الحالية. span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:16px;"تنظيم أمن الدولة span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:14px;" يدفعنا هذا الفيلم الاستقصائي إلى إعادة طرح سؤال حول تنظيم البلطجية الذي تحدث عنه الكثيرين من رجال الأمن والسياسة بعد ثورة يناير، والتي كان يديرها جهاز أمن الدولة ويوظفها في خدمة نظام حسني مبارك، وبعد حل جهاز أمن الدولة لم يتم الكشف أيضا عن طبيعة هذه المجموعات ولا هويتها. ومع عودة جهاز أمن الدولة مرتديا ثوب جديد هو جهاز الأمن الوطني تنشط هذه المجموعات إذ تصبح الحاجة إليها ماسة خاصة في مواجهة المظاهرات المعارضة للسلطة الحالية. وقد تحدث أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط في تسجل شهير له قبل عزل مرسي ونقل عن الرئيس مرسي أن هناك تنظيما من البلطجية قوامه 300 ألف بلطجي صنعه جهاز المخابرات العامة من عدة سنوات منهم 80 ألف بلطجي في القاهرة وحدها وتم تسليم هذه الملف للمباحث الجنائية والتي سلمته لأمن الدولة وفي آخر سبع سنوات قبل الثورة كان هذا التنظيم يتبع جهاز أمن الدولة. ولا يزال هذا التنظيم يعمل بكل قوة لتصفية كل ما هو ثورة تحت مسميات عديدة فقد استبدلت السلطة مصطلح المواطنين الشرفاء بمصطلح آخر أكثر قدرة على السريان والقبول لدي الرأي العام، وهو مصطلح "الأهالي" أو "أبناء المنطقة"، ورصد سريع للمظاهرات التي تخرج في الشوارع والحارات، في المدن والقري سرعان ما يتصدى لها الأهالي بالخرطوش أو البنادق الآلية أو الأسلحة البيضاء، خاصة بعد أن تمت وصم هذه المظاهرات بالإرهاب، وهو متغير جديد سيزيد من حالة العدوانية تجاه هؤلاء "الإرهابين" بطبيعة الحال، وأيضا بعد صدور عدد من الفتاوى لرجال الدين بقتل "هؤلاء الخوارج الذين يهددون الأمن ويحاربون الدولة ويرغبون في هدمها وتقسيمها ...!!. span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:16px;"الثورة مستمرة span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:14px;" التقيت الشاب "مهند جلال"، قلت لك "أنت بطل"، فانحنت رأسه تواضعا، وهي عادة الأبطال والجنود المجهولين فقد قام هذا الشاب بمفرده بهذا الدور أيمانا بالثورة والتغيير، واستطاع أن يخترق بمفرده دولة البلطجية والمواطنين الشرفاء. span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:16px;"و"مهند" لم يقصر في تقديم المعلومات التي كانت لديه للرئيس مرسي أثناء حكمه، اعتقادا منه أن مرسي كان يحكم وأنه سيتمكن من تفكيك هذه المجموعات وضربها، ليؤكد لنا في النهاية أن الدولة العميقة وأجهزتها كانت أقوى من الإخوان الذين لم يكن لديهم الخبرة ولا القدرة على مواجهة هذه الدولة بمفردهم، فلا الداخلية تم إعادة هيكلتها، ولا الثورة المضادة تم ضربها وتصفيتها، بالعكس نجحت الآن في الوصول للسلطة، وهي دروس لا شك في أن الثورة ستستفيد منها في مسيرتها، فالثورة مستمرة من خلال "مهند خلال" والشباب القادر على إعادة الأمور إلى نصابها، وهدم الأساطير التي صنعتها الثورة المضادة وأجهزة الدولة العميقة مثل الطرف الثالث أو المواطنين الشرفاء أو أهالي المنطقة ..الخ، فما حدث في سيكولوجية الشعب المصري والشباب من تغيير أكبر من أن يقضي عليه الانقلاب العسكري.span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:16px;"______________________span style="font-family:"Arabic Transparent","Traditional Arabic";font-size:14px;" *كاتب صحفي