يقول روبرت غيتس فيما يقول مؤخرا في مرافعاته الدفاعية عن ادارة الرئيس بوش امام الكونغرس الامريكي بان الولاياتالمتحدةالامريكية وصلت الى ما يسميه ب'نهاية اللعبة' في العراق، لكنه يضيف' بان عليها ان تتحرك بحذر في سحب قواتها من البلد المضطرب وان قراراتها اليوم وفي الاشهر المقبلة ستكون حاسمة لاستقرار المنطقة ومصالحها الامنية القومية'! والمقصود هنا بالطبع المصالح الامنية القومية لامريكا وليس لدول المنطقة، فالمنطقة هي آخر ما يهم واشنطن لاسيما بعد ان قررت مغادرتها على ما يبدو وتركها تتخبط بين بعضها البعض! والقصة وما فيها، كما يقول اهل بلادنا هي ان من تبقى من جماعة المحافظين الجدد واصحاب نظريات الحرب الاستباقية ايقنوا او يكادون بان سيناريو اعلان الفوز والنجاح في العراق كما كانوا يتصورون او الانقضاض على ايران بحجج وذرائع ملفقة في دوائر الاستخبارات كما كانوا يعدون في سياق توجيه الضربة القاضية لمنافسهم باراك اوباما قد سقط ولم يعد بالامكان التعويل او المراهنة عليه، وبات من الضروري كما تقول التقارير الواردة من واشنطن بان يصوت جون مكين هو الآخر لصالح اوباما، على الاقل فيما يخص باقفال ملف العراق ولو تدريجيا والتوجه الى افغانستان لانقاذ بعض ماء الوجه هناك فالوضع خطير جدا! والتركيز على افغانستان امريكيا من الآن فصاعدا سيصبح اولوية للجميع لاسباب عديدة اهمها محاولة العودة من حيث ابتدأ المشروع الامبراطوري الامريكي اي 'الحرب العالمية على الارهاب' تلك الحرب التي ليس فقط لم تحقق حتى تفكيك الخلايا الاساسية للقاعدة والطالبان اللتين كانتا وراء حوادث 11 ايلول/سبتمبر التي تمر ذكراها هذه الايام، بل ان هذا الخصم الذي اشعل كل تلك الحروب من حول العالم ضد امريكا كما يقولون بات اليوم اقوى مما كان وها هو يعود ليهدد كابول من جديد ويضع هيبة حلف الاطلسي في الميدان! واذا ما اضفنا الى ذلك انطلاق شرارة الحرب الجورجية الحمقاء باعتراف العديد من الكتاب والمحللين الامريكيين على قاعدة من الحسابات الخاطئة والتي ايقظت ليس فقط الدب الروسي واعطته الحجج والذرائع للحديث عن انتهاء عصر حكم الاحادية القطبية للعالم فاننا سنفهم ماذا يعني غيتس بكلامه عن اننا اقتربنا من الدخول الى نهاية اللعبة في العراق؟! فاليقظة الروسية اليوم والتحفز الذي تتصرف فيه موسكو تجاه حكم الامبراطورية الامريكية بات بمثابة القشة التي يحاول ان يتمسك بها العرب لاستعادة بعض ما يحلمون به من عدالة من المجتمع الدولي، فيما يحولها الايرانيون وجماعة امريكا اللاتينية من اليسار الثوري الجديد الى جسر عبور الى عالم ما بعد الامبريالية، وهو ما يجعل حكام واشنطن المنهكين اصلا بالحروب المنتشرة الى الانكفاء قليلا لعلهم ينقذون بعضا من كبريائهم المهدور! ليس مهما ان يكون الروس صادقين مع العرب وملتزمين بقضاياهم اومتضامنين مع الايرانيين مساندين لهم في ملفهم النووي ام لا، بقدر ما هو مهم للعرب والايرانيين ان يدركوا بان عالم ما بعد جورجيا هو ليس عالم ما قبله! ومرة اخرى ليس المهم فيما حصل حول جورجيا بل قصة جورجيا نفسها مع الامريكيين اولا ومع الروس ثانيا، بقدر ما ان القصة اصبحت في مكان آخر والعبرة لمن يقرأ الاحداث مبكرا ويقرأها بشكل حسن! فما حصل في جورجيا كما يقرأه البعض هنا من المتتبعين مبكرا لحروب الطاقة ومعارك السيطرة على الموارد، هو آخر ما في جعبة المحافظين الجدد من محاولات السيطرة الامبراطورية على العالم بطريقة الحكم الاحادي والتي يبدو انها فشلت على صخرة عقيدة بوتين ميدفيديف الجديدة للسياسة الخارجية الروسية القائلة في اهم مبادئها بان زمن حكم العالم بالاحادية القطبية قد ولى، والتي نراها كيف تترسخ اليوم على خلفية مبادئ منظمة شنغهاي للتعاون بالشراكة مع الصين! يوم انفصل العالم الاوراسيوي الجديد عن الاتحاد السوفياتي السابق حيث يشهد جزء مهم منه الآن وهو القوقاز آخر حروب المحافظين الجدد قبل مغادرتهم المسرح الدولي نهائيا بعد عدة اشهر، حاول الامبراطوريون الجدد في واشنطن وقتها الانقضاض سريعا على مجموعة ما سمي بالدول الاسيوية والقوقازية منها الحديثة الاستقلال عبر الاغراءات الكبرى والمتنوعة لتسويق ثرواتها عبر خطوط متعددة ليس فقط لفصلها نهائيا عن المركز القديم اي روسيا بل ولربط مصالحها نهائيا بالغرب والاهم للسيطرة على ثرواتها الهائلة من خلال الشركات المتعددة الجنسية الشهيرة! لقد دخلوا بقوة الى جمهورية اذربيجان الحديثة الاستقلال ولا يزالون فيها عبر قنوات تجارية متعددة، منها الاسرائيلية ومنها التركية ومنها اللبنانية السعودية الخاصة المتعاونة مع مجموعات ديك تشيني النفطية وغير النفطية العملاقة وكذلك فعلوا في تركمنستان التي سموها بكويت الخزر نسبة الى بحر الخزر او بحر قزوين او بحر مازندران، حسب التسميات المختلفة للدول الخمس المطلة عليه والتي اهمها هي ايرانوروسيا! ومن بين مغامراتهم الاولى محاولة اغراء الفصائل الجهادية الافغانية التي كانت تتنازع السيطرة على العاصمة الافغانية كابول بالمال وبالعقود والتعهدات لاجل تأمين طريق آمن لنقل الطاقة الحديثة التحرر من سيطرة الروس الى المياه الخليجية الدافئة جنوبا، ووقتها لم يبق احد الا ودفعوا له او اغروه بالدفع لاحقا من الجنرال شاه مسعود الذي لقب باسد بانشير وقتها الى الطالبان الذين كانوا قد ظهروا على الساحة لتوهم، وكانت واجهة التعاملات شركة اوكسيدنتال المتعددة الجنسية المعروفة والتي كان للقطاع السعودي الخاص دوره في المساهمة والترويج لها في حينه حتى تأخذ طريقها الى قلوب الافغان! لكنهم لم يفلحوا، تماما كما لم يفلحوا مع ايران التي حاولوا الدخول اليها من باب حوار الحضارات ايام الرئيس السابق محمد خاتمي والسياح الامريكيين الذين ارسلوا خلسة الى ايران ليتسللوا الى منابع الطاقة من الباب الخلفي عبر اغراءات خطي باكو - بندر عباس وعشق آباد تشابهار! لم يبق امامهم اذن الا خط باكو جورجيا شيحان وهكذا فعلوا ظنا منهم بانهم افلحوا في تطويق الروس وعزل ايران ولجم الصين والهند واغراء تركيا من خلال جرها الى مزيد من التعاون بعيدا عن ضرورات وبروتوكولات حسن الجوار واقدار الحيز الحيوي الذي تسبح فيه روسيا! لكن لما كانت، غلطة الشاطر بالف، كما يقول المثل، ولما كان، الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم، كما يقول الحديث الشريف، فقد جاءت غلطة العدوان الجورجي على اوسيتيا الجنوبية بمثابة، القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول المثل العربي الشهير، وهكذا انكشف الغطاء واصبح الامبراطوريون الجدد مكشوفين في العراء بعد ان كانوا ملتحفين بغطاء الاصدقاء!