وقف متأملا لوحة "ثعلب في بيت الدجاج" هذه اللوحة التي تعكس قانون الغاب بكل مضامينها، وقف لأكثر من 4 ساعات والناس تتجه حوله وتستغرب تذوقه الفني الهادئ في عصر السرعة ، يا ترى كيف كان ينظر سيد قطب لهذه اللوحة ؟ هل تذكر حين كان صغيرا في القرية يعيش بين الحقول وينتعش بالنسمة المصرية العابرة للروح، لقد بقي الرجل صاحب ذوق عال استشعرته من خلال رسائله ومؤلفاته الكثيرة التي تنبض بحرارة العاطفة وصدق المشاعر المجنحة في سماوات الإبداع ،حاولت أن أقف على الرحلة التي غيّرت فكرته ونظرته للحياة ، رحلة أمريكا التي سجل فيها مشاهداته المختلفة عن المجتمع الأمريكي الصاخب أو "الورشة الكبرى" كما سماها في رسائله. هذه الورشة التي لا تستقر فيها أسراب الحمائم الوادعة الرجل فتح عقله وقلبه ليفهم التقدم ويحاول أن يبتعثه في مصر حين يعود، نظر إلى كل شيء حتى الموسيقى والفن والسينما كتب فيها رسائل ، حيث يقول إن أشهر موسيقى لدى الأمريكان هي موسيقى "الجاز" وهي عبارة عن ضجيج ابتدعه الزنوج لإرضاء ميولهم البدائية وتثير المكامن الجنسية لدى المتلقي بشكل هيستيري وتعلو الأصوات الصاخبة المصاحبة لها وكلما علت الأصوات زاد تفاعل الجمهور معها إلى الدرجة التي تكاد الآذان تصم منها أما عن السينما فالأمريكان متقدمون فيه جدا دون سواهم وخاصة من الناحية الفنية" سيد قطب هذا العابر إلى هذا العالم الجديد لم يستطع أن يتذوق فنه بل لم يستسيغه لأنه كان يرى الفن دائما سمو بالروح وليس هبوطا إلى دركات الهبوط البدائية .