اعترف الدكتور إميل أ. ناخليه الذي خدم في وكالة (السي آي ايه) لمدة (15) سنة، أن قوات الاحتلال الأمريكية تقوم بدور قوي في إشعال الحرب الأهلية في العراق، موضحا أن السبب الرئيسي لإخفاق تلك القوات هناك يكمن في أنه لم يتم التفكير فيما بعد الغزو؛ إذ إنه كان واضحاً بأن العملية العسكرية سوف تنجح، وكانت هنالك رؤية أيديولوجية لدى بعض مسئولي الإدارة ملخّصها أننا سوف نُستقَبل كمحررين. باختصار، لم يفهم هؤلاء الناس أن العراقيين -حتى و إن كرهوا صدام- إلاّ أنهم لن يباركوا قيامنا باحتلال العراق. وأضاف لقد كان العراق أكثر تعقيداً من مجرد القضاء على صدام و نظامه. كان ينبغي لنا أن نتعلم من الخبرة البريطانية في العشرينيات، حينما تم تشكيل العراق الحديث؛ إذ أثبتت التجربة أن الذين يجلبون الزعماء من الخارج، لن ينجحوا. لقد عبر الكثيرون عن ضرورة التفكير في التخطيط لمستقبل البلاد بعد إسقاط صدام، عن إمكانية حدوث عنف طائفي و ازدياد عدد الميليشيات؛ فضلاً عن حقيقة أن الشيعة سوف يطالبون بالارتقاء سياسياً. لم يكن أصحاب هذه الطروحات قليلين بين الأمريكيين داخل أجهزة الاستخبارات، و لكن الواقع أن الإدارة فضّلت الاستماع للأصوات الأخرى. لقد كان التركيز، في تصوّرهم، منصباً فقط على الغزو، و التخلص من صدام، ثم سوف يتطور كل شيء نحو الأفضل فيما بعد.
لقد سافرت إلى غوانتانامو في العام 2002، هل فاجأك ما رأيته هناك؟ قضيت ساعات أتكلم مع السجناء عن الأسباب التي جعلتهم يصيرون "مجاهدين"، و كيف جاؤوا إلى المعتقل. صحيح أن بعض المعتقلين شاركوا في الجهاد في أفغانستان، و لكن ذلك -في الأغلب- كان ضد التحالف الشمالي. آخرون لم يكونوا كذلك إطلاقاً، و لكنهم اعتقلوا خلال الحرب، بمعنى أنهم كانوا، في المكان الخطأ، و في التوقيت الخطأ. حتى القيادة العسكرية هناك كانت تعلم أن ثلث المعتقلين على الأقل لم يكونوا، لا مجاهدين و لا "إرهابيين". و لكننا كنا ندفع لقوات الأمن الباكستانية مكافأة عن كل شخص شرق أوسطي، يقبضون عليه و يسلمونه لنا. و لقد أقرّ لي معظم الذين تكلّمت معهم في المعتقل أننا قد دفعنا ما يقرب عن (5000) دولار عن كل فرد -و للأسف- لقد عاملنا الجميع بنفس الطريقة، و قُدناهم كلهم إلى غوانتانامو، و هذا هو أكثر ما يثير الإحباط لدى الأمريكيين تجاه مفاهيم العدالة و الاستقامة.
كيف ستتصرف الولاياتالمتحدة في العراق حالياً؟ لقد توصلنا إلى أن وجودنا هناك هو جزء من المشكلة، بمعنى أنه يتعين علينا أن نفكر في ابتكار إستراتيجية للخروج. هنالك حرب أهلية في العراق، و وجودنا يساهم في تذكية هذا العنف. يمكنني القول إننا صرنا نمثل دور مانعة الصواعق؛ أي أننا لا نحد من العنف، و لكننا نساهم فيه، و هذا ما حفز "المجاهدين"، و أما فكرة أن نجعل من العراق نموذجاً للمنطقة فلقد باتت متجاوزة، و السؤال الوحيد المطروح حالياً أمامنا، هو عن الشكل الذي سوف يصبح العراق عليه بعد أن صار ملجأ للطائفية: هل سيتبع النموذج الإيراني أم أنه سيلحق بالنموذج التسلطي العربي؟ إن عمر العراق حالياً هو فقط ثلاث سنوات، و لقد نُسي النموذج الديمقراطي العلماني تقريباً، و هذا ما سوف يمثل ظلاً حالكاً للجهود الأمريكية في نشر الديمقراطية بالمنطقة.
ما هي الآثار السياسية الجانبية المحتملة من الإخفاق العراقي و من حالات إخفاق الحرب على الإرهاب؟ لقد فقدنا مودة جيل كامل في العالم الإسلامي. اختفت ديموقراطية الرئيس و برنامجه لإصلاح الشرق الأوسط، ربما باستثناء الكلام الرسمي طبعاً. كانت تلك ميزة سياسات الرئيس للمنطقة، و لا أحد يتكلم عن ذلك الآن. لقد فقدنا المصداقية عبر العالم الإسلامي بخصوص الديمقراطية و الحكومة و العدل النيابيين. إننا نبتكر القواعد الجديدة لاعتقال الناس من دون تهم و ال (إف بي آي) في غوانتانامو منذ سنوات، و لكنها لم تستطع أن تثبت أي تهمة ضد أي شخص. العالم الإسلامي يقول إننا نتكلم عن حقوق الإنسان، لكننا نعتقل الناس من غير أن نقاضيهم، و بالتالي فإن العالم الإسلامي يعدّ هذه الحرب على "الإرهاب"، حرباً على الإسلام، و نحن لم نكن قادرين على أن نخلصهم من ذلك المفهوم بسبب غوانتانامو و أبو غريب و سوء المعاملة الأخرى، فقدنا مفاهيم العدل، الاستقامة و حكم القانون، التي هي قلب المبادئ الأمريكية، و هذا الأمر خطير جداً، و أعتقد أنه سيبقى كذلك لسنوات كثيرة قادمة.
هل هناك تهديد متأصل في العالم الإسلامي للديمقراطية الغربية؟ لا، هناك تهديد فقط من هؤلاء الذين يستخدمون الإسلام لدوافع أيديولوجية، و الذين يرغبون في استخدام العنف. هنالك (1.4) بليون شخص في العالم الإسلامي، و أقلية صغيرة فقط، ربما 2 – 3%، تنشط سياسياً. إنهم مثلما هي حالة غيرهم من اليهود و المسيحيين، منشغلون بواقعهم المعيشي اليومي، تنشئة الأطفال، و تسديد الفواتير، بمعنى أن أكثر المسلمين لا تشكل تهديداً سياسياً و أقلية قليلة من بينهم فقط لديها الاستعداد لأن تمتلك ميولاً "إرهابية". هناك المئات من الأحزاب السياسية في العالم الإسلامي، في إندونيسيا، ماليزيا، البحرين، الكويت، المغرب و اليمن، باكستان، نيجيريا، و بنغلاديش. لقد شاركت هذه الأحزاب و مؤيدوها في انتخابات كثيرة، ففازوا أحياناً، و خسروا أحياناً أخرى، و اعترفوا بذلك في أغلب الأوقات، ثم إن همّ أكثرهم، ليس هو تطبيق الشريعة و إخضاع المجتمعات لحكمها، حتى حركة حماس، لقد أظهرت هذه الأخيرة معارضتها لإسرائيل و خدمتها للمجتمع، و لكن ليس من منظور ديني. إن الإسلام السياسي ليس تهديداً، و إنما التهديد يأتي فقط حينما تصير الناس محبطة من العملية الديموقراطية فتنهج طريق العنف بعد ذلك. هناك خطر حقيقي من "إرهابيين" قليلين، و ينبغي أن نسعى إليهم، و التهديد على الأمد البعيد قد يأتي من أولئك الذين سوف يسلكون هذه الطريق. إننا لا نحتاج إلى الهجوم فقط، بل يتعين علينا أن نعمل أيضاً و بجد، في صالح الديموقراطية و الإصلاح السياسي.
إيران لغز كبير آخر للمستشارين. كيف تصيغ الولاياتالمتحدة سياستها تجاه إيران؟ النزاع في عراق ما بعد صدام، الحرب الأخيرة بين حزب الله و إسرائيل، ثم تقوي و إحياء المذهب الشيعي في المنطقة، كل هذه عوامل بيّنت مكانة إيران، و أظهرت بعد حدودها و نفوذها كسلطة إقليمية بوضوح. سواء أحببنا ذلك أم كرهناه، سوف نعمل في سبيل استكشاف طرق إبداعية جديدة لشغل إيران أو جلبها نحو سياستنا في المنطقة. لقد أسست الولاياتالمتحدة -و لعقود طويلة- سياستها في الشرق الأوسط، على التقرب و التعامل مع الأنظمة السنية الاستبدادية باسم محاربة الشيوعية خلال فترة الحرب الباردة حتى 9/11. لقد "دلّلنا" تلك الأنظمة لأجل الحفاظ على الاستقرار الإقليمي و تخوفهم من "الشيعة". إن إيران بلد كبير و فيها مجتمع مدني حيوي يملك تاريخاً و ثقافة غنية و تقاليد سياسية راسخة. أعتقد أنه سيكون ضاراً بمصالحنا طويلة الأجل، تجاهل الواقع الإيراني و السماح لأنفسنا أن تعميها كراهيتنا للرئيس الحالي، محمود أحمدي نجاد. النهضة الشيعية واضحة عبر المنطقة، من أذربيجان إلى باكستان. ينبغي أن نبدّد المخاوف السنية عن الهلال الشيعي، و نبتكر طرقاً لشغل الزعماء الدينيين و الاجتماعيين الشيعة بالقضايا الاجتماعية و الدينية. إن النفوذ المتنامي لحزب الله، و زعيمه حسن نصر الله، عبر المنطقة وداخل الشارع السني، و النفوذ الإقليمي المتنامي لإيران، حقيقتان جديدتان، ينبغي أن نتعرّف عليهما. إن قضية الملف الإيراني النووي بهذه الطريقة، سوف تشكل إخفاقاً جديداً في المنطقة، و هنا أيضاً، لا بد لنا من سياسة جديدة. باختصار، علينا أن نعيد النظر في تصرفاتنا السابقة.