رابطة الأندية: الأهلي أبلغنا بصعوبة إقامة الدوري بدون الإسماعيلي    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    موعد مباراة برايتون وليفربول اليوم الإثنين 19-5-2025 والقناة الناقلة    أسطورة مانشستر يونايتد: صلاح يمتلك شخصية كبيرة..وكنت خائفا من رحيله عن ليفربول    تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى 2025 فى مدن ومحافظات الجمهورية    نجل عبد الرحمن أبو زهرة يشكر الرئيس السيسي على اهتمامه بصحة والده    السفارة الأمريكية في ليبيا ترحّب بتشكيل لجنة الهدنة في طرابلس    أمريكا: المفاوضات بشأن غزة تشهد حالة من التقلب وعدم الاستقرار    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    احتفالية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط بمرور 1700 سنة على مجمع نيقية    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    رسميًا.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي بعد قرار المركزي الأخير    القومى للاتصالات يعلن شراكة جديدة لتأهيل كوادر مصرفية رقمية على أحدث التقنيات    إصابة شخصين في حادث تصادم على طريق القاهرة – الإسكندرية الزراعي بالقليوبية    تبدأ ظهرًا.. جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 الترم الثاني في محافظة كفر الشيخ    24 ساعة حذرة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «اتخذوا استعدادتكم»    لويس مارتان بريفوست يفاجئ الحضور بمعانقته شقيقه البابا لاوون الرابع عشر خلال قداس التنصيب    في أول زيارة رسمية لمصر.. كبير مستشاري الرئيس الأمريكي يزور المتحف المصري الكبير    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    حزب "مستقبل وطن" بسوهاج ينظم قافلة طبية مجانية بالبلابيش شملت الكشف والعلاج ل1630 مواطناً    الشرطة الألمانية تبحث عن رجل أصاب 5 أشخاص بآلة حادة أمام حانة    روما يقضي على آمال ميلان الأوروبية.. ويوفنتوس يفوز على أودينيزي ويقترب من دوري الأبطال    الآن.. جداول امتحانات الصف الأول الإعدادي آخر العام 2025 في 25 محافظة    ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025    من أجل علاقة مُحرمة مع طفل... كيف أنهت "نورهان" حياة والدتها في بورسعيد؟    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    إلهام شاهين توجه رسالة مؤثرة ل عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده (فيديو)    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    أحمد العوضي يثير الجدل بصورة «شبيهه»: «اتخطفت سيكا.. شبيه جامد ده!»    «سأقاضيكم وأخطأت إني جيت».. القصة الكاملة لانفعال مصطفى الفقي على مذيع العربية    أكرم القصاص: نتنياهو لم ينجح فى تحويل غزة لمكان غير صالح للحياة    رئيس لبنان: هل السلاح الفلسطيني الموجود بأحد المخيمات على أراضينا قادر على تحرير فلسطين؟    ملخص وأهداف مباراة إشبيلية ضد ريال مدريد في الدوري الإسباني    الأهلي ضد الزمالك.. مباراة فاصلة أم التأهل لنهائي دوري السلة    تعيين 269 معيدًا في احتفال جامعة سوهاج بتخريج الدفعة 29 بكلية الطب    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الإثنين 19 مايو 2025    أسعار الذهب اليوم الإثنين 19 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    المستشار القانوني للمستأجرين: هناك 3.5 ملايين أسرة معرضة للخروج من منازلهم    بحضور رئيس الجامعة، الباحث «أحمد بركات أحمد موسى» يحصل على رسالة الدكتوراه من إعلام الأزهر    رئيس الأركان الإسرائيلي: لن نعود إلى ما قبل 7 أكتوبر    إطلالات ساحرة.. لنجوم الفن على السجادة الحمراء لفيلم "المشروع X"    وزير المالية الكندي: معظم الرسوم الجمركية على الولايات المتحدة "لا تزال قائمة"    مصرع شابين غرقًا في ترعة الدهسة بقنا    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    هل الرضاعة الطبيعية تنقص الوزن؟- خبيرة تغذية تجيب    دراسة تقليل التكدس في العيادات الخارجية بالقليوبية    محامٍ: المستأجر هو الطرف الأكثر حاجة لصدور القانون الجديد.. وهذا المطلوب من النواب    أمين الفتوى يحسم حكم سفر المرأة وأداء الحج دون محرم: جائز بشرط    "تعليم القاهرة" تكرم الطلاب الأوائل في المسابقة الدينية للعام الدراسي الحالي    البابا لاون الثالث عشر يصدر قرارًا بإعادة تأسيس الكرسي البطريركي المرقسي للأقباط الكاثوليك    كيف نعالج السهو في الصلاة ؟.. عالم أزهري يوضح    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    الشيوخ يحيل تقارير اللجان النوعية إلى الحكومة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تَعدّد الجلادون والضحية واحدة
نشر في الشعب يوم 18 - 08 - 2008


صبحي حديدي


أجبرتني مناسبات طارئة على تأجيل الكتابة عن أحد ضمائر عصرنا، الصحافي البريطاني اللامع والشجاع 'إد فليامي'، صاحب التقرير الشهير الذي نشرته صحيفة ال 'غارديان' بتاريخ 7/8/1992، تحت عنوان 'عار معسكر أومارسكا'. كان فليامي بين أبرز، وأوائل، الذين سلّطوا الأضواء على معسكر الإعتقال الشهير الذي أقامه البوسنيون الصرب أواسط العام 1992، وكدّسوا فيه المئات من الأسرى المسلمين وبعض الأسرى الكروات، وشهد سلسلة من جرائم الحرب الصريحة، بينها القتل والإغتصاب والتعذيب. وفي حدود ما أعلم، كان فليامي نفسه هو صاحب أوّل تقرير عن فظائع التطهير العرقي الصريحة التي ارتكبها الصرب في البوسنة، في تقرير أوّل حيّ وصاعق بثّته إذاعة ال BBC البريطانية، قبل أن تنشره ال 'غارديان' في اليوم التالي، على الصفحة الأولى. يوم 27 تموز (يوليو) الماضي، على صفحات أسبوعية ال 'أوبزرفر' البريطانية، عاد فليامي بالذاكرة إلى المواطن البوسني المسلم 'فكرت عليتش'، الذي تصدّر صورة شهيرة نشرتها وكالة 'رويترز في مثل هذه الأيام، ولكن قبل 16 سنة سرعان ما شاعت في أربع رياح الأرض. ولقد صار صاحبها شهيراً بين ليلة وضحاها، لأنه انقلب إلى تجسيد بليغ، ولكنه رهيب تماماً، للفظائع والمجازر وجرائم الحرب التي تعرّض لها أهل البوسنة على يد الصرب. كان فكرت يقف خلف الأسلاك الشائكة، في معسكر اعتقال 'ترنوبولي'، عاري الصدر، وأضلاعه النافرة تكاد تشقّ ما تبقى من جلد على عظام جسده الهزيل، الأقرب إلى هيكل عظمي شاخص.
اليوم، يكتب فليامي الذي زار الرجل على سبيل استذكار المناسبة، إستردّ عليتش الكثير من مظاهر إنسانيته، وهو يوفّر ما يستطيع من نقود لاستكمال بيت العائلة في 'كوزاراش'، ولكنه ما يزال ينتظر مَن يقول له: إغفرْ لنا! صحيح أنّ 'رادوفان كرادجيتش'، صاحب الأمر بتنفيذ غالبية الأهوال ضدّ مسلمي البوسنة، صار اليوم خلف القضبان؛ ولكن أيّ عزاء لضحية مثل عليتش إذا ما كان مصير 3205 من مواطني البوسنة ما يزال قيد المجهول حتى اليوم، في مدافن جماعية مجهولة على الأرجح، وذلك رغم كلّ ما نُبش منها حتى الآن؟ وبالطبع، كلّ هذا الخسران لم يمنع عليتش من الإحتفال مع صديقه فليامي، حول تفصيل واحد حاسم على الأقلّ: أنهما اليوم في كوزاراش، البلدة ذاتها التي أقسم كرادجيتش على محوها تماماً من خريطة البوسنة، في مثل هذه الأيام من سنة 1992! وفليامي غطّى أمريكا ما قبل هزّة 11/9 وما بعدها (حيث وصف، بموضوعية عالية وصدق حارّ في آن، تلك الجوانب السوداء من الحلم الأمريكي)؛ ثمّ غطى احتلال العراق (وغاص عميقاً في عذابات الحياة اليومية للعراقيين البسطاء في ظلّ الغزو)؛ فضلاً عن جلسات محاكمة 'سلوبودان ميلوسيفيتش' (ونقل صورة أخرى مختلفة عن اللقاء الفريد، وجهاً لوجه، بين مجرم الحرب وضحاياه). لكنّ تقريره عن معسكر اعتقال 'أومارسكا' قد يظلّ، حتى إشعار آخر، شهادته الكبرى الأبلغ على عصره. آنذاك كتب فليامي انّ المكان (الذي لا يبعد إلا قليلاً عن مرابع 'فينيسا' الإيطالية!) 'واحد من أكثر معسكرات الإعتقال جهنمية في زماننا. إنه المكان الذي يصبح فيه القتل والقسوة وشعائر الإذلال شكلاً من أشكال التسلية الشائهة. الحرّاس سكارى أغلب الأوقات، يغنّون وهم يعذّبون. يضربون الأسرى ويشوّهونهم ويذبحونهم'.
وتابع فليامي: 'ثمة تلك الشهوة العارمة لإجبار السجينات على ممارسة الجنس الشفوي، وإجبار السجناء على ممارسة الجنس مع الحيوانات، وتشويه الأعضاء الجنسية (...) أحد السجناء أُجبر على عضّ خصيتَي سجين آخر كان قد مات عندما حُشرت حمامة في فمه لكتم صرخاته. وفي نهاية حفلات العنف الجماعية هذه والتي كانت تجري في ساحة ضيّقة أو في مبنيَين ملحقَين بالمعسكر، يُدعى الأوّل البيت الأبيض والثاني البيت الأحمر يُجبر أصدقاء الموتى على تحميل جثث أصدقائهم، التي انقلبت إلى جِيَف في الواقع، في شاحنات أو تكديسهم باستخدام البلدوزر'...
في ما بعد، سوف تستمع محكمة 'لاهاي' إلى شهادات من النوع التالي: يقترب جندي صربي من امرأة مسلمة ويسألها لماذا يبكي طفلها؟ وتردّ المرأة: إنه جائع يا سيدي. وبضربة واحدة بارعة من حربته الحادّة يذبح الصربي الطفل ذبح الخراف ويقول: انتهت المشكلة. إنه الآن غير جائع. جندي آخر يستشيط غيظاً لأنّ الأم تعرّضت لإغماء فوري وتهاوت أرضاً، فيهدد بإجبارها على أكل أمعاء الطفل إذا لم تنهض واقفة خلال دقيقة واحدة. بعد قليل يصل الجنرال 'راتكو ملاديتش' إلى مدينة 'سريبرنيتشا' المحررة لتوّها من أيدي المسلمين، ويلقي خطاباً في جنوده وفي آلاف المسلمين الذين سيُقادون إلى المذبحة الجماعية أو التهجير القسري. يستعيد ذكرى عصيان صربي ضدّ الأتراك العثمانيين وقع قبل قرن كامل، ويقول: 'ها قد عادت سريبرنيتشا صربية، واليوم اكتمل ثأرنا'...
وبالطبع، ساعة اللقاء بين فليامي وعليتش، لم يكن الأخير قد سمع بما سيتكشف لاحقاً عن الوعد الذي قطعه 'ريشارد هولبروك' شخصياً، حين كان المفاوض الأمريكي الرسمي في مباحثات 'دايتون'، بعدم تسليم كرادجيتش لمحكمة الجزاء الدولية. أم أنه كان يعرف، بالفطرة المحضة، أنه ضحية لأكثر من جلاد خفيّ، غير ذاك الواضح الجلي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.