رغم ما واجهته من صنوف العنف والإكراه والاعتقال.. عشت 25 عاما أعبر عن رأيى بحرية دون أن يحملنى ذلك على تغيير مسلكى رفع الرقابة عن الصحف مجرد وَهْمٍ.. وأتحدى أن تجد صحيفة تجرؤ على نشر رأى مخالف للنظام دون موافقة الرقيب مصطفى كامل ومحمد فريد جعلا الدستور مطلبًا أساسيًا ورئيسيًا لحياة البلاد ورقيها.. ومجلس قيادة الثورة يطالب بتعطيله خلال ثورة 1919 الشعب المصرى أجبر إنجلترا على إلغاء الحماية وإعلان الاستقلال وإلغاء الأحكام العرفية وإعلان دستور سنة 1923 الذى حقق آمال البلاد فى الحكم الدستورى الكامل كل من قال رأيه فى أحداث 1954 وطالب بالدستور تعرض للتشريد والتنكيل ولو كان أستاذًا جامعيًا أو أحد أفراد الأسرة القضائية أو رئيسها محفوف بالمخاطر والآلام وهذا هو نص رسالتى الثالثة إلى جمال عبد الناصر: بسم الله الرحمن الرحيم أخى الرئيس جمال عبد الناصر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فعسى ألا تضيق ذرعا بخطاباتى، فهى الوسيلة الوحيدة التى أستطيع بها أن أعبر عن آرائى، وقد عشت خمسا وعشرين سنة أعبر عن هذه الآراء، وألقى فى سبيل ذلك صنوف العنت والإكراه دون أن يحملنى ذلك على تغيير مسلكى، وهو أن أعيش حرا أدعو للحرية، وأؤمن بالحق والعدل وأدعو لهما ما استطعت إلى ذلك سبيلا. وفى خلال ربع القرن الجارى أرسلت خطابات بهذا المعنى لرؤساء وزارات مصر وإلى مليكها، سواء كان الملك فؤاد أو من بعده الملك فاروق، كما أرسلت عدة خطابات إلى الرئيس السابق مصطفى النحاس، ولو أن هؤلاء جميعا اهتموا بخطاباتى ولم تحتقروا شأنها فربما استفادوا وأفادوا البلاد ببعض الفائدة. وأنى لأرجو أن تحظى خطاباتى لديك من الاهتمام بما لم تحظ به على يد هؤلاء الملوك والرؤساء، كما أرجو من ناحية أخرى ألا تضايقك مناداتى لك ب«يا أخى» فإنما المؤمنون إخوة، ولأننى أريد بهذه المناداة أن أشعرك أننى لا أحمل لك فى قلبى إلا كل حب وتقدير، وأن هذا هو الحافز الوحيد لكتابة هذه الخطابات. صح ما توقعته لقد صح ما توقعته فى خطابى السابق من أن رفع الرقابة فى موضوع (الحكم) لن يزودك بأى رأى من الآراء الناضجة، كما أنه لن توجد صحيفة تجرؤ على نشر رأى مخالف. فباستثناء أستاذى الفقه الدستور الدكتورين وحيد رأفت وسيد صبرى، اللذين كتبا (مشكورين مبجلين) بحثا دستوريا فقهيا أشادا فيه بالديمقراطية، باعتبارها النظام الطبيعى للحكم، (وإن كان قد هدما روح الديمقراطية، تحت تأثير الظروف القائمة فى مصر، عندما دعيا إلى قصر حق الانتخاب على المتعلمين من أبناء الأمة. باستثناء هذين الأستاذين، فإن أصحاب الرأى والفكر قد امتنعوا عن أن يقولوا ما فى نفوسهم. وحيد رأفت.. والمقال الممنوع وأما أصحاب الصحف فقد ذهبوا -وهم محقون- إلى حد الإقناع عن نشر أى مقال فى نظام الحكم إلا بموافقة الرقيب، وهكذا لم ينشر مقال الدكتور وحيد رأفت إلا بعد تدخل الصاغ صلاح سالم شخصيا، الذى يشكو فى حديث صحفى له من أن الحكومة قد رفعت الرقابة عن الصحف، ولكنها لم ترفعها عن نفسها، وذكر أن أحد رؤساء الصحف أو بالأحرى أحد رؤساء تحريرها صرح أنه لا يريد أن يكون بين المطرقة والسندان. وزير الإرشاد.. وحكايته مع المطرقة والسندان ويعجب سيادة وزير الإرشاد من هذا الجبن الذى يرين على الصحافة، وينسى سيادته كما قلت لك فى خطابى السابق، أن كل من قال رأيه فى مارس سنة 1952 فى موضوع نظام الحكم، وكل من طالب فى هذه الفترة بالدستور قد نكل بعد ذلك أشد تنكيل، حتى ولو كان أستاذا جامعيا أو أحد أفراد الأسرة القضائية، بل حتى لو كان رئيسا لها كما هو الشأن بالنسبة لقاضى مصر العظيم ومشرعها عبد الرازق السنهورى، بل ينسى سيادة الوزير أن هؤلاء الذين نكل بهم كانوا وسيبقون من أنصار الثورة وليسوا خصوما لها، ولعله مما يشرفنى أننى كنت واحدا من هؤلاء الذين دفعوا هذا الثمن الباهظ لمجرد التذكير بالمبادئ الأولى التى قامت عليها الثورة. فأناشدك الله يا أخى الرئيس، أناشدك الحق والعدل والإنصاف، أن تطلب من وزير الإرشاد أن يكف عن التنديد بالناس لخوفهم من الوقوع بين المطرقة والسندان، فإن من غير الطبيعى ألا يخاف الإنسان متى كانت موجات الخوف قائمة؟ لا دستور ولا برلمان وفى وسط هذا الجو الشاذ لم يدهشنى أن تشرع جريدة الجمهورية فى نشر عشرات من الرسائل من أشخاص من هنا وهناك، يطلبون ألا يكون هناك دستور أو برلمان، وأن نستمر فترة الانتقال عشر سنوات أخرى قابلة للتجديد، ثم انتقل الأمر من مجرد أقوال عابرة، إلى حركات منظمة تقوم بها بعض النقابات الزراعية التى بدأت تتجمع لتقرر أنها لا تريد دستورا ولا برلمانا، ما دام الفلاحون لا يزالون حتى الآن يجهلون القراءة والكتابة، وليس فيهم من يصلح للنيابة عنهم، ومعنى ذلك أن على مصر أن تنتظر عشرين عاما أخرى أو خمسين قبل أن تصبح صالحة لإقرار النظام النيابى، وما دمتم قد سمحتم بنشر هذه الآراء وتشجيعها فإن ذلك يجعلنى أسألك مرة أخرى بعد أن أصبح السؤال من حقى؛ هل مجلس قيادة الثورة جاد فعلا فى موضوع إعادة الحياة الديمقراطية للبلاد؟ أم أنه يحاول من جديد أن يقوم بمناورة تنتهى بارتفاع الصيحات من كل جانب بوجوب استمرار الحال على ما هو عليه كما حدث ذلك من قبل. ألغام مجلس قيادة الثورة إذا كانت هذه هى خطة مجلس قيادة الثورة فليس لى قول معكم، أما إذا كنتم تؤمنون فعلا بوجوب إعادة الحياة الديمقراطية -وهو ما أرجوه- فكيف تسمحون بهذا التنديد المستمر المتواصل بالشعب المصرى وعدم صلاحيته للحياة النيابية والدستورية، أن ينشر على صفحات جريدة الجمهورية لسان حال الثورة التى ما قامت إلا لإرضاء الشعب ورفع مكانته ورد حقوقه المسلوبة إليه، وعلى رأسها وأهمها الحقوق الديمقراطية. أتراك لا تعرف يا أخى الرئيس أنه فى عام 1881م حصل الشعب المصرى على أول دستور على أحدث طراز فى ذلك العهد، واجتمع مجلس النواب المصرى الأول، وكان هَمّ الاحتلال البريطانى بعد أن دخل مصر أن يحطم هذا البرلمان ويلغى هذا الدستور؟ مصطفى كامل ومحمد فريد.. الدستور مطلبا أتراك لا تعرف يا أخى جمال، أن مصطفى كامل ومن بعده محمد فريد قد جعلا الدستور مطلب أساسيا ورئيسيا لحياة البلاد ورقيها؟ أتراك لا تذكر أن الحكومة الإنجليزية زعمت أن الشعب المصرى غير ناضج للحياة النيابية، وأنها سوف تتدرج وتتطور به فى هذا السبيل، فأنشأت ما يسمى بالجمعية العمومية، التى سرعان ما أثبتت نضجها كأعرق برلمان فرفضت مد امتياز قناة السويس، وتطور الإنجليز بعد ذلك بالشعب -على زعمهم- فأنشئوا الجمعية التشريعية، وجعلوا رأيها استشاريا، فسرعان ما أقضت مضاجع الإنجليز والاحتلال مما جعلهم ينتهزون فرصة الحرب فيبادرون بحلها؟! المصريون واجهوا بريطانيا العظمى بدستور 1923 أتراك يا أخى، قد نسيت أن الشعب المصرى قد ثار سنة 1919م فى وجه بريطانيا العظمى، التى خرجت من الحرب العالمية الأولى أقوى قوة على ظهر الأرض، فسبق بذلك شعوب الدينا كلها فى المطالبة بالحرية، وكانت ثورته أم ثورات الشرق؟ أتراك نسيت كيف أكره الشعب المصرى إنجلترا فى هذه الثورة على إلغاء الحماية، وإعلان استقلال مصر، وإلغاء الأحكام العرفية، وإعلان دستور سنة 1923، الذى حقق آمال البلاد فى الحكم الدستورى الكامل، وحسب هذا الدستور فخارا أنه حمى حقوق الإنسان التى طالبتك فى خطابى السابق بوجوب تأكيدها من جديد فى مصر، بعد أن عصفت بها ظروف الثورة؟ فاروق تلاعب بالدستور.. والشعب أعاده أتراك يا أخى الرئيس حمالك الله وعافاك، قد نسيت كيف حاول الإنجليز ومعهم الملك فؤاد أن يتآمروا على هذا الدستور أكثر من مرة، فعطلوه ثم ألغوه واستبدلوا مكانه دستورًا آخر هزيلًا، ولكن الشعب ظل يكافح ويجاهد فكان ينتصر فى كل مرة ويعيد الدستور؟ ولماذا نذهب بعيدا!! أولم تنادوا أنتم فى بيانكم الأول للشعب أن هذه الثورة ما قامت إلا لتوطيد دعائم الدستور، وإقرار الحياة الديمقراطية السليمة، وكان هذا الإعلان وحده لا شىء غيره هو الذى جعل الأمة كلها تلتف حول الثورة، ولو قيل شىء غير ذلك، ولو أعلنت الثورة عن هدف غير الدستور لما أيدها الشعب على اختلاف طبقاته هذا التأييد الذى كان سبب نجاحها؟ ... (يتبع) @@@@@@@@@@@@@@@@
@@@@@@@@@@@@@@@ فى ظل الأحكام العرفية يصدر الحاكم العسكرى ما يشاء من القوانين والمراسيم بجرة قلم ويفرض ما يشاء من العقوبات لتنتشر سياسة القبض العشوائى والاعتقالات كيف تسمحون بالتنديد المستمر والمتواصل بالشعب المصرى وعدم صلاحيته للحياة النيابية والدستورية؟! عندما أقدمت حكومة الوفد على بعض استثناءات عام 1937 أقمنا الدنيا وأقعدناها صلاح سالم: الحكومة رفعت الرقابة عن الصحف ولم ترفعها عن نفسها كنت واحدًا ممن دفعوا الثمن باهظًا لمجرد التذكير بالمبادئ الأولى التى قامت عليها الثورة بعد تعطيل الدستور والبرلمان.. هل مجلس قيادة الثورة جاد فى إعادة الديمقراطية؟! أم أنه يقوم بمناورة تنتهى بارتفاع الصيحات لاستمرار الحال على ما هو عليه؟! عدم أهلية الشعب للحياة الدستورية أو النيابية فإذا كان هذا هو مدى إيمان الشعب المصرى بالدستور والديمقراطية فكيف تسمح ياأخى جمال وقد جئت لتعلى من مكانه هذا الشعب بين العالمين، كيف تسمح لكل ناعق أن يقذف الشعب المصرى بالجهل وعدم الإدراك، وعدم أهليته للحياة الدستورية أو النيابية فلما أصبح حرا من تدخل الانجليز وسلطان الملك وبعد أن أصبح مستظل بظل جمهورية لم يكن إعلانها إلا وليد نضجه ووعيه،فهل أصبح الشعب المصرى لا يصلح للحياة النيابية. هل أصبح الشعب المصرى فى كل ثورته أقل شأنا من كل الشعوب أسيا وبعض دول وأفريقيا التى أصبحت كلها تستمتع بالحياة الديمقراطية السليمة وتختار نوابها وممثليها الذين يحكمون باسمها. هل أصبح الشعب المصرى دون الشعب الهندى الذى وضعوا له رموزا من صور الحيوانات لكى يعرف عن طريقها النائب أو الحزب الذى يريد ان يختاره. هل فلاحنا المصرى دون ذلك فحرم عليه الدستور والبرلمان والحياة النيابة. وهل تم هذا الاكتشاف العجيب بفضل الثورة وفى عهدها. يحكمون باسمها.. ويعتدون على دستورها أترى يا أخى الرئيس مدى الانزلاق والانحراف الذى صارت إليه الأمور فى مصر، وكيف أن القول المأثور "عدو عاقل خير من صديق جاهل " لا يزال يثبت أهميته.فهولاء الذين يكتبون هذه الآراء وينشرونها يتصورون أنهم بذلك يخدمونك ويخدمون أغراضك، يتصورون أنهم يقربون إليك ويشيدون بنظام حكمك الحالى وانه من الخير الاستمرار فيه، غير مدركين أنهم بذلك يشوهون الثورة أشنع تشويه التى يحكمون باسمها على الشعب المصرى انه دون شعوب آسيا وبعض دول أفريقيا التى تتمتع بالبرلمان والدستور والأحزاب، وبعض هذه الدول على أبوانا بل وربما كانت أقرب إلينا من حبل الوريد،ناهيك بدول أوربا التى جربت النظام الديكتاتورى فأوردها موارد التلف، وإذا كانت هذه الدول تعود للحياة من جديد كألمانياالغربية فيفضل ما تتمتع به من نظام ديمقراطى أصيل نستطيع فى ظله أحد الأحزاب ان يقاوم تسليح ألمانيا وإنشاء جيش لها وان لا يعد ذلك فيه خيانة أو ضعف فى الوطنية. الخوف من العودة إلى الفساد والماضى وترتفع الصيحات كلما جاء ذكر الدستور والبرلمان والديمقراطية، أتريدون ان تعود مصر من جديد لما كانت فيه من فساد، أتريدون أن نعود إلى ما كنا فيه من شرور وطغيان. وينسى هؤلاء المتباكون أو بالأحرى يتناسون ان هذا الماضى لا رجعه له ولا يمكن ان يعود أبدا بعد ان زالت أسبابه والقول بغير ذلك هو إهدار لكل ما قامت به الثورة من جلائل الأعمال، بل هو تعميم الحجة على ان الثورة كانت شىء لا لزوم له فى حياة مصر،قاوم أن أعظم أعمالها وهو إخراج الانجليز وطرد الملك وإعلان الجمهورية وإلغاء الإقطاع، كل ذلك لم يكن له أدنى تأثير فى حياة مصر بمجرد عودة الدستور والحياة الطبيعية إلى البلاد عرفت من جديد فى الفساد والقذارة. ويكون معنى ذلك ان الفساد شىء طبيعى فى الشعب المصرى وهذه هى النتيجة المنطقية لقول هؤلاء الأدعياء الذين يدعون ان الحياة الديمقراطية لو عادت إلى مصر وعادت الأحزاب وعاد البرلمان لعدنا من جديد إلى ما كنا فيه أفرأيت ياأخى الرئيس حاماك الله وعافاك وارشد إلى طريق الحق والصواب كيف أن هذه الصيحات كلها تهدر من قيمة الثورة فى الوقت الذى تنافقك فيه وتتقرب إليك بالأذى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان وأن الشعب المصرى لا يستحق الوقوف به أو الاطمئنان إليه ان اغلب ظنى ان هذه الصيحات إنما تريد فى الحقيقة ان تغرر بك وأن تحرفك عن طريق الخير كما حرفت كل حاكم من قبلك وليس انحراف فاروق عنا ببعيد. هل كانت الديمقراطية أم الديكتاتورية سبب الفساد واحسب ان الوقت حان لكى أبين لك أنا الذى حاربت فساد الأحزاب والحكومات المصرية قبل الحرب وبعدها ودفعت فى سبيل ذلك ثمنا غاليا من حريتى، هل كانت الديمقراطية والنظام البرلمانى الحزبى، أم كانت الديكتاتورية والحكم المطلق هو سبب الفساد الذى عم البلاد فى بعض الأوقات؟ فأما عندما كانت الصحافة فى مصر حرة، ولم تكن هناك رقابة عليها وكانت القوانين العادية هى السائدة والنظام الديمقراطى هو المطبق، فلم يجرأ حاكم أو وزير أو نائب أن يرتكب شىء مخالفا للقوانين واللوائح والآداب العامة. ومن فعل ذلك فقد تعرض لسخط الرأى العام فمثلا فى الصحافة الحرة ولم يلبث ان نحى عن منصبه، وأنى مازلت أذكر كيف ان الرئيس السابق مصطفى النحاس فى ذلك الوقت كان علما عن النزاهة والبعد عن كل محسوبية أو استغلال للنفوذ. وعندما أقدمت حكومة الوفد على بعض استثناءات تعد على الأصابع فى سنة 1937 أقمنا الدنيا وأقعدناها. وقد اشتهرت فى مصر قضية اسمها" قضية نزاهة الحكم" وكانت تدور حول أمور تافهة أو نسب لبعض الوزراء أنه حصل على بعض شتائل النخيل من وزارة الزراعة بدون وجه حق، مع أنها ثمنها لم يتجاوز قروشا، وكيف ان وزير آخر اشترى سيارة بأقل من ثمنها الحقيقى، والمهم أن ذلك هو مدى محاسبة الرأى العام فى ذلك الوقت لوزارته عندما كانت هناك حرية صحفية وقوانين ديمقراطية. الأحكام العرفية... وتدهور الحكم ولم تختلط الأمور فى مصر وتتدهور أداة الحكم إلا فى ظل الأحكام العرفية التى أعلنت خلال الحرب ثم أعلنت مرة ثانية خلال حرب فلسطين، والأحكام العرفية. معناها الرقابة على الصحف كما هو حاصل فى مصر الآن، ومعناها استطاعة الحاكم العسكرى ان يعتقل أى إنسان وان يودعه فى اى مكان يشاء، والأحكام العرفية معناها حاكم عسكرى يصدر مايشاء من القوانين والمراسيم بجرة قلم ويفرض مايشاء من العقوبات وليس ذلك كله من الديمقراطية فى شىء.. ومن هنا نشأ الفساد والويلات التى عاشتها البلاد. فى ظل الأحكام العرفية، أى فى ظل الحكم المطلق والصحافة المقيدة والحكم العسكرى استطاع أصحاب النفوذ والسلطان أن يفعلوا ما يحلو لهم أن يرتشوا وان ينهبوا وان يتاجروا فى الأسلحة الفاسدة وهم آمنون مطمئنون من رقابة الرأى العام التى لا تزدهر إلا فى ظل الديمقراطية والصحافة الحرة. وهذه حقيقة مقررة معروفة ومشهورة وهى أن " السلطة المطلقة تؤدى إلى الفساد المطلق". ولقد أسرعت ياأخى الرئيس وأسرع عبد اللطيف بغدادى فى وقف بعض كبار الموظفين والضبط لما نسب إليهم فى عهدكم يمكن أن يعد خائنا للثورة، ولسنا نعرف إلى أى مدى وصل التحقيق وكل الذى نعرفه أن بعض هؤلاء الذين أوقفوا قد أعفوا من مناصبهم. وهناك مسألة واحدة قد وصلت إلى مسامعكم بسبب ما. أواثق أنت ياسيدى الرئيس أنه لا توجد عشرات من هذه المسائل لا يخفيها عنك، إلا أن الصحافة مكممة والناس فى خوف من انتقاد الثورة ورجالها، أواثق أنت ياأخى الرئيس لو أن الصحافة لم تكن اليوم مكممة ليس فقط بسبب الرقابة وإنما بسبب الخوف من التعرض لنقمتكم، أ لكشفت لك الستار عن أعمال من نوع الأعمال التى ينعونها على العهد السابق وتتمنى أنت لو تعرفها لتبطش بأصحابها، إيمانا منك بان النزاهة هى رأسمال الثورة ولكن هيهات.... هيهات لك ان تعرف ماذا يجرى والصحافة مقيدة والحكم الاستثنائى مبسوط على البلاد. ظروف الثورة جعلتها تمارس أعمالا قامت لمحاربتها ولندع الحدس والتخمن ولنذهب فى بحثنا خطوة أخرى لأريك مدى خطورة استمرار الأوضاع الراهنة، ووجوب العمل بسرعة على إعادة سلطان القانون ورفع كل رقابة عن الصحف وتمكين العش من التعبير عن أرائه واختيار ممثليه الناطقين باسمه فى حرية. أموال الدعاية كنا نعد انفاق أى حكومة اى مبلغ من المصاريف السرية للدعاية لحكمها سواء فى الداخل أو الخارج، أو لإنجاح مرشحها فى الانتخابات، كنا نعد ذلك بعثرة لأموال الشعب ومظهرا من مظاهر فساد الخزينة. وأنى أناشدك الله والحق ان تقول لحاكم من مئات الألوف من الجهات تصرف الآن فى هذا السبيل، سبيل الدعاية للثورة ورجال الثورة ومشروعات الثورة سواء فى الداخل أو فى الخارج أما من ناحيتى أنا فأنا أرى ذلك ضرورة قد اقتضتها الثورة وان هذه الدعاية هى فى ذات الوقت دعاية لمصر وهى عمل مندوب ولكن أسمع الآخرين يقولون لقد كانت هذه هى نفس حجة الوفد ومع ذلك فلم تكن تقبل منه وكنا نندد بذلك لمظهر من مظاهر الفساد. ديوان المحاسبة... ولقد أنشئ ديوان المحاسبة ليكون رقيبا على مصروفات الدولة، ولقد أقمنا الدنيا وأقعدناها فى العهود الماضية عندما لم يستطيع رئيس الديوان أن يطلع على حسابات بعض المصالح، بل ان الأزمة الكبرى نشأت لأن أحدى الجمعيات الخيرية رفضت ان تقدم وثائق ومستندات عن صرف مبلغ خمسة آلاف جنيه أعطيت لبعض حاشية الملك. واليوم يغلق باب أعظم المصالح العسكرية فى وجه ديوان المحاسبة بحجة ان هذه أسرار عسكرية يجب أن تخرج من نظامه ديوان المحاسبة، بل أن أحد مشروعات الدولة الكبرى كإنشاء مديرية التحرير قد اخرج يعانون من نظامه مراقبة ديوان المحاسبة، ولست أشك لحظة أن ذلك كله قد أريد به الصالح العام والحيلولة دون عرقلة الروتين الحكومى للإسراع بانجاز هذه المشروعات ولكن ذلك فى نهاية الأمر كان بعض ما ننعاه على الحكومات والأحزاب الماضية. • جمال عبد الناصر* • وحيد رأفت * • صلاح سالم * • * السنهورى *س