حذرت دراسة اقتصدية حديثة، صدرت مؤخرا عن مركز الاقتصاد المصري من عودة الركود الى سوق العقارات مرة اخرى نتيجة الارتفاع الجنوني لاسعار مواد البناء. وقالت الدراسة ان غياب التخطيط السليم المبني على معلومات دقيقة، وتشابك سوق العقارات مع الكثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى محليا ودوليا يضفى مزيدا من التعقيد على قضية ارتفاع أسعار العقارات بمصر. وقد بدأ انفجار أسعارها نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي منذ بدء الحكومة الحالية ممثلة في وزارة الإسكان والاستثمار بيعا بالمزايدة لأراض مخصصة للاستثمار العقاري الفاخر؛ مما دفع بسعر الأرض في محيط القاهرةالجديدة من 50 جنيها للمتر منذ عامين إلى حوالي 4000 جنيه حاليا. ومن أهم أسباب تلك الزيادة تمركز أغلب الاستثمارات العربية في قطاعي البورصة والعقارات دون باقي قطاعات الاستثمار. ونظرا لحالات الانخفاض والتصحيح التي لازمت البورصات العربية خلال عام ونصف، ذهبت أغلب أموال الفوائض البترولية إلى قطاع الاستثمار العقاري، وخاصة إلى بلد كمصر يسمح بشراء الأجانب الأراضي والعقارات الأخرى. وزاد من حجم المشكلة تدفق المهاجرين العراقيين وتملكهم لوحدات سكنية بمدينة السادس من أكتوبر وساعد على إحكام الأزمة محليا ارتفاع فوائد التمويل العقاري بشكل مبالغ فيه مما رفع من أسعار الوحدات المبيعة بالتقسيط، بحيث أصبح حلما بعيد المنال للشباب وغياب دور واضح للتعاونيات بمجال الإسكان، رغم أهمية هذا القطاع بأغلب دول العالم، المتقدم منها والنامي. وهناك آثار اجتماعية ستترتب على هذا الوضع، تتمثل في نقص الوحدات المعروضة للشباب الراغب في الزواج، والذي يجد صعوبة حاليا في الحصول على وحدات سكنية، ففي آخر تعداد لسكان مصر بلغ عدد الشباب في سن الزواج 13.7 مليون شاب وفتاة يمثلون 29% من سكان مصر. وأصبحت مصر تحتاج إلى 4 ملايين و300 ألف وحدة سكنية بحلول عام 2010 و تلك الموجة من ارتفاع أسعار الأراضي ستزيد من تضخم الأسعار بمصر. وكذلك الآثار السلبية لتضخم الاستثمار العقاري، على غرار ما حدث في عام 2003، حيث تم بيع 200 ألف فدان حول القاهرة ب9 مليار جنيه، كما تم سحب 46 مليار و800 مليون جنيه لمشروعات عقارية بالساحل الشمالي من الجهاز المصرفي، والذي كان متعثرا بديون بلغت حينها 32 مليار جنيه. فكان الاستثمار العقاري وسيلة لسحب المدخرات التي كان من الممكن توجيهها لمشروعات أخرى لها أولوية أكبر من قرى الساحل الشمالي. سبب آخر من أسباب ارتفاع أسعار العقارات، وهو ارتفاع تكلفة مواد البناء، خاصة الإسمنت والحديد فمصر تنتج سنويا 36 مليون طن إسمنت، تستهلك منها 30 مليونا وتصدر 6 ملايين، ويصل سعر الطن منه حاليا بالسوق المصري إلى 400 جنيه، رغم أن سعره الحقيقي لا يزيد عن 130 جنيها، والأمر نفسه ينسحب على سعر الحديد الذي وصل سعر الطن منه إلى 4 آلاف جنيه مصري، في حين أن سعره الحقيقي لا يزيد عن ألفي جنيه. ورغم قرار الحكومة بحفظ أسعار الإسمنت عند 330 جنيها للطن فإن الشركات الأجنبية رفضت تنفيذ القرار، رغم أن تلك الشركات اسثمرت بمصر للاستفادة من أسعار الطاقة الرخيصة نسبيا وكي تحافظ على أرباحها محلياً و دولياً، فهي تمتنع عن تصدير ما تنتج كي لا تضر بأسعارها المبالغ فيها بالأسواق الأخرى، ولا تتحمل كذلك الرسم المفروض على تصدير الإسمنت، والذي تم وضعه لتعويض دعم الطاقة والحفاظ على السعر داخل السوق المحلي. وإذا كان البعض يرى في تدفق رءوس الأموال العربية وشركات المقاولات العربية للاستثمار العقاري بمصر بشير خير -خاصة أن مصر سوق عقاري واعد، حيث يبلغ عدد سكانها 75 مليونا، ويعقد فيها 500 ألف زيجة سنويا؛ مما يشكل طلبا مستمرا على الوحدات العقارية والإسكاني كما ان هناك بعض الشركات الوافدة جلبت أجانب لتنفيذ مشروعاتها متعللة بأن المصريين ليس لديهم خبرة بالإسكان الفاخر. ورغم وجود 600 مكتب هندسي بمصر منها على الأقل 15 مكتبا مصنف على أنه عالمي. كما أن 11% من العمالة المصرية تعمل بقطاع التشييد ومصر لها ثقل في مجال المقاولات جعلها مقرا للاتحاد الإفريقي للمقاولات، حيث يوجد بها 35 ألف مهندس معماري يمثلون أكثر من 60% من المعماريين بإفريقيا. والغريب أن ذلك يحدث مع وجود نص بلائحة اتحاد المقاولين المصريين يلزم أي شركة أجنبية تعمل في مصر بمشاركة شركة مصرية بنسبة 50%، إلا أن ذلك لا يطبق ويحتاج في رأيه لآلية قانونية ملزمة فالتدفق الاستثماري مطلوب لكن بقوانين.