وكيل وزارة التربية والتعليم فى أسيوط يتابع سير العملية التعليمية بإدارة أبوتيج    بروتوكول تعاون بين جامعتي الأزهر وعين شمس لدعم أهداف التنمية المستدامة    وزارة التضامن تقرر إشهار جمعيتين في محافظة البحيرة    افتتاح منفذ لبيع اللحوم والسلع الغذائية بأسعار مخفضة بقرية الماي في المنوفية    محافظ الإسكندرية يتابع تداعيات الهزة الأرضية التي شعر بها المواطنون.. ويؤكد عدم وجود خسائر    رئيس الوزراء: الاقتصاد العالمي يدخل حقبة جديدة لا تزال ملامحها غير واضحة حتى الآن    مصر تدعو جميع الأطراف الليبية إلى إعلاء المصالح الوطنية وإنهاء حالة التصعيد    ترامب: ندرس تطبيع العلاقات مع سوريا الجديدة.. ووضعنا ميزانية عسكرية لمواجهة الحوثيين    الصين تعتزم تعديل الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية المستوردة    جدول مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة: صدامات حاسمة في الليجا    تشكيل ميلان المتوقع أمام بولونيا في نهائي كأس إيطاليا 2025    «سيدات سلة الأهلي» يواجه سبورتنج في نهائي دوري السوبر    «مجهود النحاس».. شوبير يكشف موعد تولي ريفيرو قيادة الأهلي    سقوط 3 لصوص لسرقتهم الدراجات النارية وفيلا بمنطقتي الشروق والتجمع الخامس    الأرصاد تكشف حقيقة العاصفة شيماء وموعد ارتفاع درجات الحرارة    اليوم.. 8699 طالب وطالبة يؤدون امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالإسكندرية    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين بطريق الفيوم القاهرة الصحراوي    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ظهور سمكة قرش "بيبي تايجر" قبالة سواحل الغردقة يثير دهشة الغواصين    وزير الثقافة يستعرض موازنة الوزارة أمام لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب    ماذا يقال من دعاء عند حدوث الزلازل؟    وزير الصحة يشهد توقيع بروتوكول بين المجلس الصحي المصري والمجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الإكلينيكية    لليوم الثالث على التوالي.. محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى التأمين الصحي في جديلة    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية تطلق خدمة «واتساب» لتيسير التواصل مع الشركات والمصانع    الصحة العالمية توصي بتدابير للوقاية من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية بعد ظهور 9 حالات جديدة    أحمد عيد عبد الملك مديراً فنيا لحرس الحدود    جمعية الفيلم تنظم مهرجان العودة الفلسطيني بمشاركة سميحة أيوب    سعد زغلول وفارسة الصحافة المصرية!    الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية يلقي محاضرة عن تكنولوجيا الفضاء في جامعة القاهرة ويوقع بروتوكول تعاون مع رئيس الجامعة    زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للخليج.. اجتماعات أمنية واقتصادية في الرياض والدوحة    هآرتس: إسرائيل ليست متأكدة حتى الآن من نجاح اغتيال محمد السنوار    سر غضب وسام أبوعلي في مباراة سيراميكا.. وتصرف عماد النحاس (تفاصيل)    وزير العمل يستعرض جهود توفير بيئة عمل لائقة لصالح «طرفي الإنتاج»    وزير الخارجية: الدفاع عن المصالح المصرية في مقدمة أولويات العمل الدبلوماسي بالخارج    ياسر ريان: حزين على الزمالك ويجب إلتفاف أبناء النادي حول الرمادي    السعودية.. رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا لموسم الحج    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 14 مايو 2025    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 بعد آخر تراجع    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 14 مايو 2025    القبض على الفنان محمد غنيم لسجنه 3 سنوات    فتحي عبد الوهاب: عادل إمام أكثر فنان ملتزم تعاملت معه.. ونجاحي جاء في أوانه    فتحي عبد الوهاب: عبلة كامل وحشتنا جدًا.. ولا أندم على أي عمل قدمته    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    «السرطان جهز وصيته» و«الأسد لعب دور القائد».. أبراج ماتت رعبًا من الزلزال وأخرى لا تبالي    دفاع رمضان صبحي يكشف حقيقة القبض على شاب أدي امتحان بدلا لموكله    بقوة 4.5 ريختر.. هزة أرضية تضرب محافظة القليوبية دون خسائر في الأرواح    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    معهد الفلك: زلزال كريت كان باتجاه شمال رشيد.. ولا يرد خسائر في الممتلكات أو الأرواح    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    لماذا تذكر الكنيسة البابا والأسقف بأسمائهما الأولى فقط؟    استكمال محاكمة 64 متهمًا في قضية خلية القاهرة الجديدة| اليوم    سامبدوريا الإيطالي إلى الدرجة الثالثة لأول مرة في التاريخ    التوتر يتصاعد بينك وبين زملائك.. حظ برج الدلو اليوم 14 مايو    أحمد موسى: قانون الإيجار القديم "خطير".. ويجب التوازن بين حقوق الملاك وظروف المستأجرين    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    رئيس جامعة المنيا يستقبل أعضاء لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بابا الفاتيكان بينيديكت السادس عشر.. ردودنا بين العقل والمنطق والدين
نشر في الشعب يوم 23 - 09 - 2006


بقلم: ناصر السهلي

أثار ما ذهب إليه بابا الفاتيكان من تصريحات لدى زيارته الاخيرة الى ألمانيا جملة من المواقف والتصريحات في العالم الاسلامي وعند بعض الاكاديميين الاوربيين التي حملت في طياتها ، على الاقل من الجانب الاسلاماوي ، عودة الى روح الدفاع عن الذات المشفوعة بالاستدلال العقلي لإبن رشد والعلوم الاسلامية العربية و تأثير التاريخي على العقل الاوربي، اكثر من الاستدلال بالمنطق المستدل على حالة قائمة بين ما هو سياسي وديني في الموقف الغربي من المسلمين والعرب ...دون تعمق كبير بما نفعله نحن العرب والمسلمون بكل الارث العقلي الذي نخرجه من الادراج لحظة نريد الدفاع عن موقف بينما نبقيه حبيس العقل المحجور عليه سياسيا لمصلحة وتكتيكات سياسية خرقاء...

بابا الفاتيكان ليست شخصية أكاديمية ليُقال لنا بأن سياق حديثه فُهم خطأً باعتباره إجتهادا أو جهدا أكاديميا لإعمال العقل في قضايا من هذا الحجم المترافق مع نقاش يشهده الاعلامي والسياسي الغربي حول العلاقة والموقف من الاسلام والعرب .. وإلا فيمكن لنا أن نقول بأن ما يصدر عن الظواهري وكل منظري القاعدة يدخل أيضا في ذات السياق القارئ لهذا الغرب ومواقفه من قضايا العرب في السياق إياه.. وحتى دعوة هذا الغرب للدخول في الاسلام !

قد يكون من العبث بالنسبة للبعض العربي العودة إلى تذكيرهم بأن ما أنتجته في الحقيقة كل مسميات "حوار الاديان و الحضارات" إلا الكثير من الضجيج والصخب الفوتوغرافي ليضيع الجهد المقصود في أدراج المواقف المسبقة والمتراتبة عن صناعة عقل عربي واسلامي مدجن معادة صياغتهما وفق المنظور والقراءة العامة لما يريده الجانب الغربي من هذا العقل، بعد الفشل الذريع في فرض المتغير بقوة النيران والتحالفات الفكرية بين حفنة من الليبراليين العرب الجدد الذين قبلوا بدونية فظيعة ذلك التعامل المتعالي معهم بالضد من مواقف ومشاعر الشارعين العربي والاسلامي! لكنه أبدا ليس عبثا أن نؤكد من جديد، سيما أن التصريحات لم تتوقف يوما تحت بند حرية التعبير المسموح بها إن كانت أُحادية الاتجاه لجهة ما يسمونه نقل العقل العربي من عصر إلى آخر..

نعود لنقول بأن الاستشهاد الذي أتى عليه بابا الفاتيكان لمقولات كانت مدفونة في أدراج العقل الباطني وإستنباطها في اللحظة التاريخية الراهنة لا تستهدف تذكيرنا بما كتبه المهرطقون الذين يحتفلون سنويا بحرق دمى تمثل الانثى الغربية في القرون الوسطى في يونيو من كل عام حتى في صيف 2006 لا يمكنها هذه المرة أن تسوق على أنها زلة لسان وسوء فهم من قبلنا... ولا الخرافات الاسكندنافية لشعوب تؤمن بأن الاله أودين يسير حياتها أو أن الاله قد ألقى لمجموعات الفايكنغ علم بلادهم من السماء... فمثل تلك التبربرات تزيد من الحط من قيمة عقولنا القادرة على فهم السياق الذي جاءت فيه تلك الترهات التي أتى عليها البابا القافز عن حقائق تاريخية وعقلية عن دور الاسلام ومساهمته في تكوين العقل التنويري في الغرب نقلا وإشراكا لفلاسفته وعلم المنطق الذي تحلت به جدلية العلاقة المعروفة لكل متعمق بتلك الاسهامات التي جعلت الكنيسة الكاثوليكية في لحظة ما إلى الذهاب نحو إتهام الفكر الاسلامي وما حمله للغرب بأنه المسؤول عن سحب قوة وسطوة الكنيسة على حياة وعقل البشر...

حين تستمع لتلك " المحاضرة" الجامعية، وهي بالتأكيد ليست كذلك، وتربطها بالرسوم الاستفزازية التي أتت عليها صحيفة دانماركية وإعادة نشرها في أكثر من صحيفة غربية لشخص الرسول الكريم... وبما ينطق به بوش مرارا وتكرارا عن "الفاشية الاسلامية" وغيرها الكثير من صغار وكبار الساسة الغربيين الذين يحنون لعصور الوصاية الاستعمارية في ثوب إمبريالي جديد، فإنك لا تستطيع تجاهل المقصود ...

فهل يريد بابا الفاتيكان ، باقتباساته تلك والمس بأسس العقيدة الاسلامية، تحويل المسلمين إلى كاثوليك في ظل تراجع هيبة الكنيسة وفراغها من مريديها وإنتشار الفضائح من كندا إلى أفريقيا لتلك الكنيسة؟
أشك بكل ثقة أن ذلك هو المقصود..


لكنني لا أشك بأننا أمام حالة من إستهداف العقل العربي الاسلامي والمسيحي الشرقي... إستهدافا يتداخل فيه السياسي بالديني، يجري توظيف الاثنين في خدمة الهدف الاعلى المتمثل في بث حالة من من الارتباك والتشكيك بالانتماءات تحت سقف الوهن الذي تعاني منه السياسة العربية والاسلامية وتبعية بعضها بشكل لا نقاش فيه في هذا التماهي الواضح الخطابي والتنفيذي لمشروع المحافظون الجدد وقراءته لمستقبل خارطة الشرق الاوسط الجديد المتداخلة فيه الاثنية والعرقية والقومية مع السياسية التي يجري التبشير لها عبر حفنة من ساسة و"مفكرين" عربا ينظرون وبحماسة لتلك المشاريع الامبريالية الجديدة إنقاذا لهم وللمشروع الغربي من حالة الهزيمة اللتين يعاني منهما هذا المشروع في أكثر من منطقة...
فعلى مدة سنوات طويلة وبجهد مدفوع الاجر حاول هؤلاء أن يعيدوا صياغة العقل العربي فما كانت النتيجة إلا فشلا ذريعا ومريعا، إحتاج إلى الالتفاف وإعادة النظر بالطرائق والوسائل التي تم إستخدامها في العقد الاخير..
أجد من الهزل بمكان وبعيدا عن أية جدية أن يقوم مثلا برويز مشرف بالتعليق على ما قاله بابا الفاتيكان وهو الحليف الرئيسي للمشروع الغربي في ما يسمى "الحرب على الارهاب" الذي يؤكد صورة نمطية لدى الغرب عن أن الاسلام لا يفرخ إلا إرهابا... وهو ما ينسحب على الموقف الرسمي التركي الذي أدان حتى إنقطع نفسه بالرغم من أن النتيجة والمقدمة معروفة فقد جاء الموقف الحقيقي الذي يقول بأن تركيا لن تلغي زيارة البابا إليها في نوفمبر القادم...
إن مثل تلك المواقف وغيرها كثيرة لا مجال لتعدادها جميعا لا تؤدي إلا إلى زيادة ضعف المصداقية التي لا يتحلى بها "أولي الامر" الذين يطبل لهم مشايخهم الخاصون والمتخصصون في ركوب موجات الغضب المؤقت، كما في قضية الرسوم الدانماركية التي ذهبت مع الريح... فلا إعتذار ولا تراجع إلا من الجانب الغاضب لتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية... إقتصاديا وسياسيا وديبلوماسيا...
لقد سئم الشارع كما سئم العقل أن تتحكم به مثل تلك التراجعات التي تتلبس المواقف العربية والاسلامية من قضايا عادلة بوجود محامون رديئون جدا... وهو ما سيزيد من التطاول والاستخفاف بالعقل العربي عند الغرب المتعالي الذي يعاملنا معاملة المراهقين الذين يعوزهم عقلا وإرادة يعمل الغرب على تصديرهما لنا في ظل ما يسمى الدول القومية التي مسحت من قاموسها السياسي مفردة "لا" وإستبدلتها ب" يس سير" لا لشيء إلا لأن سنوات ضوئية تفصل بين المواطن ودولته القومية... وهنا يكمن الفرق بين هوغو شافيز وأمثاله من الذين لم يقرؤوا دولهم وشعوبهم كاقطاعيات مملوكة لحفنة من المنافقين والمتسلقين المتذاكين، عداك عن تحول المقدس لدى بعضنا إلى مقدس مشخصن في مراجع دينية لا يجوز ( باعتبارها معصومة) فتهب الجماهير وهي تصيح لبيك لشخص والبلاد والعباد مستعبدة من قبل إحتلال لا يقيم وزنا إلا لمصالحه، هذا إذا لم نشأ الخوض في تفاصيل أكثر مدعاة للخزي والمهانة!

لن تكون لبابا الفاتيكان وكلماته تلك تأثيرها التسطيحي الذي طالبت به شخصيات ومؤسسات ودول عربية وإسلامية محصورة في إعتذار شخصي، فقد طالب هؤلاء في أكثر من مناسبة إعتذارا رسميا من الفاتيكان عن الحروب الصليبية فما كان من مؤسسة الفاتيكان إلا تجاهل كل تلك المطالب وحصرها في تقديم صك البراءة والاعتذار لليهود...هذا إذا لم نذكر قضية الرسوم الدانماركية التي إنتهت إلى ما إنتهت إليه من حالة النشوة والاستجمام التي يعيشها المسؤول عن تلك الرسوم في جولات تحريض على الاراضي الامريكية التي إحتفت به إحتفاءا ينم عن خبث ومواقف لم يجري التراجع عنها..

في الاطار اللاعقلاني لقراءة التصريحات، بالرغم من أنني شخصيا لم أُعجب بتفسيرات الاب ميشيل صباح مثلا، فإنه يكون من المرفوض جملة وتفصيلا، مهما كانت المبررات، هذا السخف الذي مارسته حفنة مشكوك أصلا بفهمها لمدى المواطنة المشتركة وحياة البؤس المشرك للفلسطينيين تحت نار الاحتلال.. إذ ما دخل الكنائس في نابلس وغزة لتهاجم بتلك الطريقة التي تذكرنا بحرق مساجد المسلمين في أوربا على أيدي اليمين المتطرف..؟

إذا كان لبابا الفاتيكان أن يستدل بكتابات مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمن، فبامكاننا التذكير بأن الكنيسة الشرقية ومنها الارثوذوكسية في فلسطين التي جرى التآمر عليها وإستطاعت في النهاية أن تثبت تفوقها على محاولة الاقصاء المتعمد لشخصية بوزن الاب عطا الله حنا الذي يملك من الجرأة الادبية والقومية ما لا يجرؤ عليها الكثير من أصحاب العمائم..فلا يجوز الخلط الاعمى الذي رأيناه مسيطرا على هؤلاء المتمسكون بالجبن تحت عمامة المنصب وعتبات السلاطين... الذين تراهم يتحركون مثل الدمى... مع إحترامنا بالطبع لكل من هو خارج إطار هذا التصنيف المعروف بالفطرة لابن الشارع السياسي العربي... أليست واحدة من جزئيات المشروع الاستعماري الجديد المرسومة لنا "ولادة شرق أوسط جديد" تحمل في الكثير من جوانبها خلق سياسة تحكم الانتماء الطائفي الاعمى كمدخل لإضعاف الانتماء الجمعي لشعوب المنطقة؟ فكيف نحمل معاولنا لنؤسس لدول الطوائف التي أثبتت تاريخيا أنها أعجز عن حماية حتى ذاتها الواهنة؟
هل نستطيع أن ننكر بأن الفكر الاسلامي والعربي كان في طريقه نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرون حمل بذور تجديدية تم وأدها بالوكالة بأيد إسلامية وعربية؟

بالتأكيد نستطيع محاججة الكنيسة الكاثوليكية الغربية عن قضية السيف الذي إستخدمه بابا الفاتيكان لاقصاء الديانة الاسلامية عن عمقها الانساني... فإذا كانت الجهالة التي ردها البعض لأقوال رأس الكنيسة هي التي تتحكم بعقل هؤلاء وما يقدمونه في الاطار السياسي النابش للتاريخ إنتقاءا...فإننا وبكل بساطة نستطيع أن نتساءل عما إقترفه رجال الكنيسة الذين حملوا الانجيل بشقيه القديم والحديث إلى المستعمرات الجديدة في أمريكا وأفريقيا إلى جانب السيف... فكم من مليون هندي أحمر تم إبادتهم باسم الوعد الالهي باعتبارهم ليسوا بشرا بل كفرة وشياطين؟
بل ماذا حل بالوثنيين الذين أتاهم الغربي متأبطا الانجيل والسيف إلى الادغال الافريقية ليفرض بالقوة والنار تبشيرا كاسحا كمقدمة للمستعمرين الذين إستوطنوا واستولوا على أراضي الافارقة حتى إنهيار نظام الابارتهايد في الجنوب الافريقي ومازالوا حتى يومنا هذا يمارسون السطو الواضح على اراضي فقراء افريقيا وامريكا اللاتينية؟

هذه الاسئلة التي كانت من المحرمات يوما ما، يمكن اليوم إعادة صياغتها ، بعد أن تجاوز بابا الفاتيكان كل الكلام عن التسامح وعن التعايش المشترك...
ببساطة وبدون الخوض في تفاصيل "عقلية التأمر" التي يُتهم بها العقل العربي فإن مثل تلك التصريحات الصادرة عن بابا الفاتيكان لم تأتي إعتباطا إذا ما تفحصنا مواقف الرجل من إنضمام تركيا إلى الاتحاد الاوربي و من فزاعة الاسلام السياسي في اوربا لتحجيم قوة المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاختيار الطوعي للالاف من الامريكييين والاوربيين للاسلام كمعتقد ودين وطريقة للحياة..
لا يمكننا تجاهل تصريحاته بعيدا عن الجهد التبشيري الذي تقوم به الكنيسة الغربية في العراق وآسيا وأفريقيا ، في لحظة تاريخية يكرر فيها بوش بمناسبة وبغير مناسبة شعاره الاحمق "من ليس معنا فهو ضدنا"..
لا يمكن فصل تلك التصريحات عن مأزق الكنيسة الكاثوليكية في كل مكان مع أتباعها وتلك الممارسات التي تنم عن حالة إنحطاط أخلاقي وفضائحي من كندا مرورا بأمريكا وأوربة وحتى أفريقيا...

إذا كان شعار الكنيسة التي يمثلها بابا الفاتيكان تقول بأنها لا تخلط السياسة بالدين فليس هناك ماهو أوضح على تلك الكذبة التي يجري تسويقها ضمن المشروع الامريكي الذي يهتم بكل صغيرة وكبيرة إلا قضية فلسطين التي تشكل مركزا في التفكير الاسلامي والمسيحي ... غير ذاك المسيحي المتصهين الذي يقرأ الوقائع من منظار متصهين يميني يحمل في عرضه وتقديمه لمشكلة السلم والحرب في المنطقة العربية نظرة جهنمية تحمل في الافق البعيد مجزرة دموية إعتمادا على الايمان بأن كل ذلك سيسهم في تعجيل ظهور المخلص... فلنمعن جيدا بما يريده بوش وتحالفه الغربي الاوربي لنفهم السياق الذي جاءت به كلمات المرجع الكاثوليكي الكبير الذي إنبرت أقلاما وأصواتا سياسية في الدفاع عن كلامه الذي أتى عليه..لنفهم بأن الاكتفاء بالمطالبة ب"إعتذار" يحمل من السخافة ما يحمله، بدل المطالبة بتغيير كلي للمنهج المتبع مع القضايا العربية ومنها قضية العراق وفلسطين التي يعاملها ساستهم معاملة إنجيلية متطرفة بينما لا يجرؤ عندنا السياسي العربي على قول ربع الحقيقة ...
ممثل "كُتاب بلا حدود في الدانمارك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.