في خطوة تهدف إلى تمرير التوريث إلى ابنه جمال، طالب الرئيس حسني مبارك بتعديل أي مادة من الدستور واستثناء المادتين السادسة والسبعين والسابعة والسبعين تماماً، الخاصتين بانتخاب الرئيس ومدة الرئاسة، وهو ما يعني قصر دخول الانتخابات الرئاسية على جمال فقط وبالتالي يتم توليته الرئاسة بشكل دستوري على الورق، وهو الأمر الذي يرفضه المواطنون الذين يشعرون بخيبة أمل تجاه ما يحدث ويطالبون بضرورة التغيير. فقد أكد أمين هويدي، وزير الحربية ومدير المخابرات العامة الأسبق، خلال لقائه أمس أعضاء نادي روتاري سان ستيفانو بالإسكندرية، إلي أن الرئيس طلب تعديلات في الدستور، ومن المفترض ألا يتم البدء في تنفيذ هذا التعديل إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب، لكن في الحقيقة أن الرئيس طلب، وكأن مجلس الشعب وافق، وتساءل: من أجل من يتم الإصلاح الدستوري، ومن هو القادر علي خوض الانتخابات الرئاسية في ظل وجود المادة «76»؟
وأوضح أن "التوريث" الذي يرفضه الجميع، سيحدث، لكن ليس بمعناه التقليدي، بل ب"الحداقة الديمقراطية"، وبطريقة مطابقة لمواد الدستور، مشدداً علي أن التوريث غير مقبول نهائياً بأي شكل، وأن الوضع في مصر يحتاج إلي دستور جديد، إلا أن ما يجري هو تغيير قطع من هذا الدستور، وتعجب من كثرة الحديث عن الفساد دون الحديث عن المفسدين، فكيف يكون لدينا فساد دون مفسدين؟ رافضاً الحديث عن التاريخ، ومشدداً علي أن تاريخ مصر لم يكتب بعد، وأن علينا أن نركز الانتباه حول خطواتنا المقبلة.
وعن الرئيس جمال عبد الناصر، قال هويدي، إنه كان يؤمن بالديمقراطية الاجتماعية، قبل الديمقراطية السياسية، لافتاً إلي أن التخلي عن الديمقراطية الاجتماعية سيكون وبالاً علي هذا البلد، موضحاً أن الديمقراطية لا تعني «حرية الكلام»، بل التأثير علي القرار، لأن المرء يمكن أن يتحدث من اليوم ولمدة سنة دون أن يجد من يسمعه، كما أن الديمقراطية لا تعني عمل أحزاب، فأين هي هذه الأحزاب؟ وأن وجود قاض علي صندوق الانتخابات لا يعني أنها نزيهة، مشدداً علي ضرورة وجود «عقد اجتماعي» بين الحاكم والمحكوم في مصر، يحدد ملامح المرحلة المقبلة وواجب الدولة ومسؤولياتها.
وانتقد هويدي عدم وضع خطة اقتصادية واجتماعية، لأن الدولة الآن تنظم ولا تدير، وتحكم ولا تملك، وهي تتبع آليات السوق الحرة، لكن هل يستطيع الناس ممارسة حياتهم دون تخطيط، وهل تترك الدولة السوق حرة؟ متسائلاً: حرة لمن.. وماذا يفعل الشخص غير القادر ونحن نتركه وحيداً أمام بشاعة رأس المال الحر؟
وعن الإصلاح، أوضح هويدي أننا نتحدث بعمق عن إصلاح سياسي واقتصادي ولا أحد يتحدث مطلقاً عن إصلاح أمني، مشدداً علي أن الإصلاح لابد أن يكون شاملاً، فلقد أصبحنا في بلد كل واحد فيه يعمل "اللي عاوزه".
تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي اعترف فيه جمال مبارك أمس بأن الإصلاحات الاقتصادية لم يشعر بها كل المواطنين وأن الوصول الي اصلاحات يشعر بها الناس سوف يحتاج الي 18 شهراً من الآن. ونفي جمال مبارك نية الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وقال: ان سؤال التوريث يطرح علي كل عام منذ بداية عمل مؤتمرات الحزب قبل 4 سنوات. وحول المعارضة الشديدة التي يلاقيها مؤتمر الحزب الوطني ووصفه بأنه مؤتمر التوريث قال جمال مبارك: هذا الحديث يتكرر كل عام وليس مؤتمراً للتوريث. وحول مطالبة تعيين نائب للرئيس قال جمال مبارك: ان الدستور يتيح للرئيس تعيين نائب أو أكثر وهذا الامر موجود بالبرنامج الانتخابي للرئيس وهو من يتخذ قراره بذلك. وأعلن الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والبرلمانية ان الدستور لا يجب تغييره بهذه السهولة. وقال شهاب: ان المقترح تعديله فقط هو الجزء المتعلق بسلطات الدولة الثلاث وأن التعديلات الجديدة التي أعدتها أمانة السياسات تتعلق باعطاء دور أكبر للبرلمان في مساءلة الحكومة. وهاجم طلاب الجامعات مؤتمر الحزب الوطني ووجهوا انتقادات ساخرة ولاذعة لقياداته، حيث وقعت ردود فعل غاضبة داخل كليات جامعات القاهرة وعين شمس و6 أكتوبر علي المؤتمر وشعاره (فكر جديد.. الانطلاقة الثانية نحو المستقبل). أكد الطلاب أنهم يتابعون الحملة الدعائية للمؤتمر وغير مقتنعين بوجود بداية بعد 25 عاماً من الحكم. وأشار الطلاب الي تعمد زملائهم الرسوب حتى لا يتخرجوا في الجامعة ويفاجأوا بأنهم أصبحوا عاطلين بدون عمل. وأكد الطلاب انهم مهما تحدثوا فلن يمنعهم أحد ولن يتغير شيء و"صوتنا مش طالع ومهما قلنا مفيش حاجة حتتغير.. مفيش إصلاح". من جهة أخرى، بعثت جريدة (المصري اليوم) المستقلة برسالة إلى مبارك طالبته فيها بضرورة تغيير المادتين 76 و77 من الدستور إذا كان بالفعل ينوي تحقيق الديمقراطية، وجاء في الرسالة: سيادة الرئيس.. أنت تعلم أن تداول السلطة هو الأساس الأول للديمقراطية، وبمقدورك الآن أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه بتعديل المادتين «76 و77»، حتي لا يحملك نفس التاريخ في المستقبل خطيئة ترك البلد في أيدي حكام لا يغادرون المقعد، لأن «أبدية الحكم» في الدستور تسمح لهم بذلك.. افعلها فلن تندم.. افعلها بصرف النظر عن الرئيس القادم الذي سنأتي به عبر صناديق الاقتراع.. فمهما أخطأنا في الاختيار سيكون علينا تحمل تبعات قرارنا لمدة محدودة، ولسنوات معدودة وليس عقودًا طويلة تقضي علي كل شئ.. افعلها وستجد الجميع وراءك وبجانبك وأمامك.. فمازلت في نظر الكثيرين الأوسع صدرًا، والأكثر وطنية.. ونخشي أن تتغير هذه النظرة إذا آثرت واخترت أن تبقي مصر في «ثلاجة» الجمود.. اللهم بلغنا.. اللهم فاشهد.