أولا : الثورات لا تتكرر بنسخ كربونية ، وكذلك المراحل المختلفة من الثورة الواحدة . أرجو عدم التركيز على صورة واحدة للثورة : الاعتصام فى ميدان التحريرأو ميدان رابعة أو أى ميدان رئيسى آخر فى العاصمة وعواصم المحافظات حتى سقوط النظام . ماحدث فى ال18 يوم كان خديعة كبرى ، وقد كان بإمكان الجيش فض ميدان التحرير كما تم فض رابعة . سيناريو ال 18 يوم يكفى لمجرد الاطاحة رأس النظام دون النظام . ثانيا : الثورات التى تجتث نظاما فاسدا من الجذور تستغرق عاما فى المتوسط ، ونحن نحسب منذ الانقلاب ، وقد مر 6 شهور . ولا يجوز الانشغال بموعد النصر فى الثورات أو الحروب لأنها مسألة حياة أو موت ، ونحن نواصل حتى النهاية لأن الاحتمال الآخر ( الهزيمة ) مروع وغير إنسانى وغير مقبول إلى حد أن يقول الجميع فى نفس واحد : الموت أهون وأشرف وأحسن من السقوط تحت أقدام قوات الاحتلال ( ميلشيات كامب ديفيد ). أنت تسأل عن نهاية حدث إذا كان وراءك شيئا أكثر أهمية تريد اللحاق به . أنت تسأل عن موعد إنتهاء برنامج أو عمل لأنك تريد أن تذهب إلى الطبيب ، ولكن فى الحروب والثورات فإن الحياة الاعتيادية تكون متوقفة فى جوهر الأمر. ثالثا : أنا مدين بالاعتذار عن خطأ فى التقدير ، قبل وبعد الانقلاب ، لم أكن أتصور أن الجيش والشرطة بكل هذه الخسة والنذالة والانحطاط والدموية وانعدام الانسانية ، وانخفاض الأحاسيس الدينية إلى حد الكفر الصريح عند البعض . لم أفاجأ برجال الاعلام لأنى أعرفهم جيدا وأعلم تفاصيل فسادهم ، لم أفاجأ بخسة ووضاعة القضاة الذين لايخشون نار جهنم لأنى تعاملت معهم . ولكن المفاجأة الكبرى كانت فى خسة وندالة الجيش والشرطة ، أقصد القاعدة العريضة من المؤسستين لا القيادات العليا ، بل كنا نحسن الظن بوجود وطنيين فى المراتب العليا من الجيش واتضح أن هذا وهم ، وقد اعتذرت عن ذلك من قبل . ولكننى أعتذر اليوم عن تقديراتى لكل من ينتمى إلى الشرطة والجيش ، لن اعتبر أن هناك شريفا واحدا فى الجيش والشرطة حتى يستقيل أو يقوم بانقلاب على الانقلاب للعودة للمسار الديموقراطى واعتقال كبار العملاء واللصوص فى المؤسستين ، لن اعترف بوجود شخص شريف واحد مالم ينشق بسلاحه أو بدون سلاحه ، مالم يهرب من ثكنته ، مالم يعلن ذلك أويهرب مختفيا . فالمسألة مسألة دين وشرف ورجولة . ليس من المهم أن تستمر بنتك فى مدرسة أجنبية أو خاصة . أو تظل زوجتك تركب سيارة فارهة وتصيف فى مارينا . إنها مسألة دنيا وآخرة ، أن تكون مخنثا أو رجلا . إن الثورة ستؤمن لك مستقبلك فى الدنيا ، ولكنك بالأساس تؤمن لنفسك مكانك فى الآخرة حيث الخلود . إن جند فرعون مصنفون كفئة واحدة ( ضباط وجنود ، جيش وشرطة ) مع فرعون وهامان ومصير الجميع نار جهنم بإذنه تعالى . الموضوع لا علاقة له بصواب أو خطأ النقد الموجه للاخوان وللرئيس مرسى ، لأن كل ذلك لايبرر تخريب البلد وقتل الناس بغير حق ، وانتهاك الأعراض ، وتحطيم القوانين ، ووضع الأقلية التى تؤمن بأن المسيح إله ( وهم أحرار يحاسبهم الله فى الآخرة ) فوق الذين يؤمنون بالله وحده ويؤمنون أن المسيح عبد الله ورسوله . الخ نعلم أنه كان هناك رجل مؤمن مختف بين آل فرعون ، ولكن القرآن كشف عنه عندما تكلم !!!! كما كشف عن إمرأة فرعون عندما ظهر موقفها . ولكن من الملفت أن القرآن لم يكشف لنا عن جندى أو صف ضابط أو جنرال ! وإن كان هذا لايمنع وجود مثل هذا الشخص فى جيش وشرطة اليوم ولكن لاقيمة له إن لم يتكلم خاصة فى ساعات الحسم ، وهل توجد ساعات حسم أكثر مما نحن فيه الآن ؟! ثالثا : هذا الاعتذار مهم لأن التقدير الحقيقى لتركيبة الجيش والشرطة ( العدو ) يلعب دورا حاسما فى تحديد الأساليب والتكتيكات . فجند فرعون لا قلب لهم ، عيونهم لا تدمع ، وقلوبهم كالحجارة بل أشد قسوة ، جلودهم سميكة ، دينهم : السيارة والفيلا والمنتجع ودنانير الولاء ( تصوروا هناك رشوة اسمها الولاء .... لغير الله ) ، دينهم : السيطرة والاستعلاء على خلق الله من المستضعفين . والاستمتاع بممارسة الاستكبار ومايسمونه السيطرة السياسية والتى تبدأ بسيطرة المخبر وضابط المباحث فى القسم أو الكمين ! فهؤلاء لايجوز أن تقدم لهم أهدافا ثابتة ليحاصرها ويضربها . لقد تركوا التحرير بمزاجهم لأنهم كانوا يريدون الخلاص من مبارك وجمال وسوزان وقصة التوريث وفقط . ولم أكن متحمسا لحالة السعادة والانتشاء التى كانت موجودة فى رابعة والتى تم تحويلها إلى مدينة فاضلة وربما لم أذهب هناك لهذا السبب كثيرا . لم أر إنهاء الاعتصام ، ولكن رأيت أنه سيتعرض للفض إن آجلا أو عاجلا ، وأن هذه الحالة من الثبات لا تنشر روح الثورة فى كل مكان ، بالمعدلات الواجبة . وستظل رابعة رمزا للتضحية والفداء وقد قاتلنا دفاعا عنها بالحجارة وقدمنا شهيدين وعشرات الجرحى والمعتقلين وكان شباب الاستقلال رغم قلة عددهم آخر من خرج من ميدان رابعة . وقد دخلت رابعة التاريخ ، وسيظل شعارها أحد أسلحتنا الماضية ولكننى أحذر من حلم العودة مرة أخرى للتمركز فيها أو فى التحرير أو غيرهما . إن التجمع القادم والمستقر فى ميدان التحرير لن يكون إلا عشية إسقاط النظام بيوم أو يومين ، حيث تكون أجهزة القمع قد انهارت . والتحرير مهم ليس لأنه أيقونة الثورة ، بل لأنه بطبيعته الميدان الملاصق لمؤسسات السلطة الرئيسية : مجلس الوزراء والبرلمان ووزارة الداخلية وماسبيرو وعدد من الوزارات والسفارة الامريكية التى تحكم مصر. ولأنه يتحكم فى وسط المدينة . ومن الضرورى فى اليوم الأخير للثورة أن يكون الثوار حول أو داخل هذه المبانى لتأمينها وتأمين ما بها من وثائق ومنع المجرمين من الهروب الخ . رابعا : أن هذا الاكتشاف بخصوص الحالة المتدهورة المروعة لأفراد الجيش والشرطة والتى نمت وترسخت فى أكثر من 3 عقود والتى لا تؤمن إلا بالقوة للتعامل مع الشعب وأن القتل والتهديد به أصبح مضغة يومية فى أفواههم ثم فى فوهات بنادقهم . وهو أمرأصبح واضحا للعيان . وبذلك أصبحت وسائل حرب العصابات أو الحرب الشعبية هى الوسيلة الوحيدة السليمة مع هؤلاء الأوباش الذين انفصلوا عن ربهم قبل أن ينفصلوا عن شعبهم . لابد من حرب شعبية متقطعة ومتنقلة من مكان إلى آخر ، ولابد من "الجلاشة" و"الفطيرة" وكل وسائل الدفاع عن النفس ، بدون حمل السلاح . وهذه هى الصيغة الوسط بين السلمية البلهاء والحرب الأهلية . وقد ابتكر الثوار وسائل عديدة فعالة ، وأصبح بإمكانهم تحرير الرهائن من النساء . ويمكنهم أن يطوروا هذه الوسائل لضرب معنويات جند فرعون ، وتعطيل أدواتهم القتالية ، وجذب مزيد من القطاعات الجماهيرية للتظاهر. ( أتابع غدا أو وفقا لما يييسره ربى )